كيف تتخلص من العادات السيئة؟

أنت تعلم أنَّ التدخين يأخذ سنوات من حياتك، وتتمنى أن تتوقف عن استخدام هاتفك في الصباح؛ ذلك لأنَّ النظر إلى صور موقع "إنستغرام" (Instagram) الخاصة بإجازات أصدقائك على شاطئ ما يجعلك بائساً. وقد تكون عازماً على البدء بممارسة رياضة المشي يومياً، ولكن مهما كان عزمك شديداً في الليلة السابقة، لا يمكنك حمل نفسك على الخروج من المنزل في الصباح.



لدينا جميعاً أشياء شخصية نتمنى أن تكون مختلفة؛ كالعادات التي تزعجنا، والإجراءات التي نتخذها، والتي نعلم أنَّها ليست جيدة لصحتنا وسلامتنا؛ إذ إنَّنا نريد التغيير، ولكن كيف لنا أن نحققه؟

لماذا ندخل دوامة العادات السيئة في المقام الأول؟

اعتاد "مارك باورلين" (Mark Bauerlein) الأستاذ الجامعي، أن يخبر طلابه؛ وذلك عندما كنتُ أعمل كمساعد تدريس له في جامعة إيموري (Emory University) في "أتلانتا" (Atlanta): "الكتابة هي عادة، والعادة شيء تفعله دون تفكير".

العادة هي سلوك متكرر تقوم به كثيراً حتى يصبح تلقائياً، بقدر ما هي عاداتنا السيئة مزعجة، إلَّا أنَّ العادات تؤدي وظيفة ضرورية، فهي تجعل أدمغتنا تعمل تلقائياً حتى لا نضطرَّ إلى اتِّخاذ قراراتنا بشأن ما يجب القيام به بوعي، وفي حين أنَّ هذا لا يبدو جيداً، إلَّا أنَّه جيد في الواقع.

كتب "جيمس كلير" (James Clear) في كتابه "العادات الذرية: منهج سهل لبناء عادات جيدة والتخلص من العادات السيئة": "تُقلِّل العادات من الحمل الإدراكي وتُحرِّر القدرات العقلية لتتمكن من تركيز اهتمامك في المهام الأخرى".

كتب "كلير" (Clear) أنَّ السبب وراء رغبتنا بصفتنا بشراً في أن نفكر بتلقائية هو أنَّنا نمتلك قدراً محدوداً من الاهتمام الواعي ونحتاج إلى استخدامه في أهم المهام.

كتب "كلير" (Clear): "يعمل دماغك دائماً على الحفاظ على انتباهك الواعي وتركيزه في المهمة هو الأكثر أهمية"؛ بعبارة أخرى - كما يقول - كلما كان سلوكنا اليومي معتاداً، زادت الطاقة التي تستخدمها أدمغتنا للتركيز وحل المشكلات الأكبر التي تأتي في طريقنا.

العادات الجيدة تمهد الطريق لصحة أفضل:

ما يعنيه ذلك هو أنَّ العادات ليست سيئة في حد ذاتها؛ حيث قال "كلير" (Clear): "إنَّ العادات الجيدة يمكن أن تمنحك صحة أفضل والمزيد من الحرية المالية وقدرة أكبر على تعلُّم أشياء جديدة".

كتب: "إذا كنت مجبَراً دائماً على اتخاذ قرارات بشأن مهام بسيطة، مثل متى يجب أن تتدرب، وأين يجب أن تذهب لتكتب، ومتى ستدفع الفواتير، فحينئذٍ سيكون لديك وقت أقل للحرية، وفقط من خلال تسهيل أساسيات الحياة يمكنك إنشاء المساحة الذهنية اللازمة للتفكير الحر والإبداع"؛ لذا، فإنَّ المشكلة ليست أنَّه لا يجب أن يكون لديك عادات أو إجراءات روتينية تساعدك على عيش حياتك بشكل أكثر سلاسة؛ بل في أنَّه لا يجب أن تمارس سلوكاً اعتيادياً يقلل من صحتك وسلامتك.

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتمارس العادات الجيّدة يوميّاً

كيف تصبح مدركاً لما تريد تغييره؟

الخطوة الأولى نحو إصلاح العادات السيئة هي الوعي، وفقاً لـ "كيت هانلي" (Kate Hanley)، مؤلفة كتاب "كيف تصبح شخصاً أفضل: أكثر من 400 طريقة لإحداث فارق في نفسك وفي العالم" (How to Be a Better Person: 400+ Ways to Make a Difference in Yourself—and the World)، والتي تقدم أيضاً تدوينة صوتية يومية بالاسم نفسه، "الحقيقة البسيطة هي أنَّه لا يمكنك تغيير عادة لا تعرف أنَّها موجودة لديك؛ وهذا يعني أنَّك بحاجة إلى زيادة وعيك بهذه العادة نفسها، بالإضافة إلى ما تُكلِّفُك إياه".

كيف نفعل ذلك إذاً؟ أوصت "هانلي" (Hanley) بكتابة ثلاث قوائم: الأشياء التي تسبق العادة السيئة "المحفزات"، والظروف التي تجعلك ترغب في ممارسة تلك العادة السيئة "السياق"، والآثار السلبية للسلوك المعتاد الذي تريد تغييره "التكاليف".

قالت: "عندما تسجل هذه القوائم، لا تفكر ملياً، ولكن لا تقيَِّد نفسك أيضاً"، فإذا كانت عادتك السيئة هي تناول وجبات خفيفة غير صحية في فترة ما بعد الظهيرة، فقد تكون المحفزات هي الجوع وانخفاض في مستوى طاقتك وقدرتك على التركيز بعد فترة الغداء، ومن ثم قد يكون السياق هو أنَّك لم تتناول الغداء أو لم تنم جيداً في الليلة السابقة، وقد تكون التكاليف هي أنَّ الطعام غير الصحي يزعج معدتك، ويجعلك لا تشعر بالجوع في وقت العشاء؛ لذا تفوتك فرصة تناول المزيد من الأطعمة المغذية، وفي كل مرة تزن فيها نفسك، ترى وزنك يتزايد، وربما تعاقب نفسك أيضاً على افتقارك إلى قوة الإرادة.

بمجرد أن ترى هذه العوامل الثلاثة بوضوح، سيساعدك وعيك الجديد على تطوير استراتيجية ناجحة، ووفقاً لـ "هانلي" يمكن أن تكون بتناول وجبة غداء صحية أو إعداد وجبة خفيفة مغذية - مثل أصابع الجزر وزبدة اللوز أو حفنة من المكسرات والفواكه المجففة - تحسباً لاشتداد الجوع في وقت متأخر من بعد الظهر، أو ربما تقوم بنزهة لاستعادة طاقتك وإنعاش تفكيرك بدلاً من أن ترغب في تناول الحلوى، وقد تحرص أيضاً على الذهاب إلى النوم في ساعة مناسبة حتى لا تكون مُرهَقاً جداً في فترة بعد الظهر.

قالت "هانلي": "لا يتعلق الأمر بقوة الإرادة؛ بل بمنح نفسك ما تحتاج إليه حقاً؛ وذلك حتى لا تضطر إلى اللجوء إلى عادتك السيئة لمساعدتك على قضاء يومك".

أتمتة الإشارات لخداع دماغك وحثِّه على فعل العادات الجيدة:

ما تسميه "هانلي" (Hanley) بـ "الزناد" هو ما يشير إليه "كلير" (Clear) على أنَّه "إشارة": إشارة تطلق الرغبة، وتؤدي إلى الاستجابة، ثم إلى المكافأة؛ حيث يعتقد "كلير" (Clear) أنَّ أحد أكثر الأساليب فاعلية للتخلص من العادة السيئة هو التخلص من الإشارات التي تبدأ سلسلة من العادات السيئة، مع إعطاء دماغك في الوقت نفسه إشارات لتطبيق السلوك الجيد.

على سبيل المثال: إذا كنتَ تشعر بأنَّك تشرب الكثير من الكافيين وأنَّ هذا يعوق قدرتك على النوم، فبمجرد أن تدرك المشكلة، ستدرك أيضاً أنَّك تشتري دائماً كوباً مزدوجاً من الإسبريسو عندما تمشي بجوار المقهى المفضل لديك في طريق عودتك إلى المنزل من العمل.

الآن بعد أن اكتسبتَ هذا الوعي، يمكنك التخلص من الإشارة عن طريق تغيير المسار الذي تسلكه إلى المنزل.

في الوقت نفسه، تدرك أيضاً أنَّ جزءاً من العادة السيئة لشرب القهوة في وقت متأخر من اليوم هو أنَّك تستمتع برائحة القهوة، وتشعر بالرضا عند لف يديك حول كوب دافئ، وكأنَّها لحظة استراحة وسط حياتك المزدحمة، ولمنح نفسك المكافأة نفسها، عليك أولاً أن تجد مشروباً خالياً من الكافيين لذيذاً ومُرضياً مثل القهوة - جرب الحليب الذهبي أو شاي الرويبوس - الآن أنت بحاجة إلى إشارتك، وفي الصباح وقبل الذهاب إلى العمل، اترك الكوب المفضل لديك على المنضدة؛ حيث سيكون الكوب بمنزلة تذكير مرئي لك لتحضير كوب من هذا المشروب المغاير للقهوة لنفسك عندما تعود إلى المنزل من العمل؛ مما يساعدك على استبدال عادتك السيئة بأخرى جيدة.

إقرأ أيضاً: كيف تقوم بترسيخ العادات الجيدة في حياتك؟

دع شخصاً آخر يحاسبك:

إنَّ وجود صديق للمساءلة أو شخص يساعدك على اكتساب الوعي بالعادات التي تحاول إصلاحها ويبقيك ملتزماً بسلوكاتك الجديدة والأكثر صحة، يمكن أن يصنع العجائب، وحتى دون رفيق، ففي بعض الأحيان مجرد الالتزام بشيء ما بصوت عالٍ أمام العديد من الأشخاص الذين يحبونك، يمكن أن يساعدك على التغيير، ومجموعة المساءلة هي أيضاً فكرة ممتازة؛ حيث إذا كنتَ بالفعل عضواً في مجموعة لقراءة الكتب تجتمع أسبوعياً أو شهرياً، فاقترِح أن تقرأ المجموعة بعض الكتب حول العادات الأفضل خلال اجتماعاتها القادمة.

هناك حيلة أخرى قد تنجح، على الرغم من أنَّه ليس من المؤكد ما إذا كان خبراء السلوك سيوافقون عليها؛ إذ يمكنك القيام بمراهنات أسبوعية أو شهرية أحياناً مع عائلتك؛ حيث يلتزم كل منكم بالعادة التي يحاول تنميتها - التمرينات الرياضية، أو المساعي الإبداعية، أو قضاء مقدار محدد من الوقت في مهام الواجبات المنزلية الصيفية - ثمَّ اكتبوا عقداً، ووقعوا عليه وأَضيفوا غرامة مالية إذا لم تفوا بالتزاماتكم اليومية.

في بعض الأحيان، يمكنكم القيام بمراهنات "الجمع"؛ مما يعني أنَّه إذا أخطأتم يوماً ما ولم تقوموا بالقراءة أو بحل وظائف الرياضيات لمدة 20 دقيقة، فيُسمَح لكم بتعويضها عن طريق القيام بـ 40 دقيقة في اليوم التالي، وأحياناً يمكنكم القيام بمراهنات "الموت المفاجئ"؛ مما يعني أنَّه يجب عليكم إكمال المهام التي فرضتوها على أنفسكم - العادات الجيدة - بحلول منتصف الليل في تلك الليلة أو دفع الغرامة للشخص الآخر.

ربما لا ينتج عن هذا النهج المرح عادات جيدة مدى الحياة، ولكنَّه بالتأكيد يساعد كل فرد في العائلة على قضاء المزيد من الوقت في فعل الأشياء التي يحبها، والتي لا يعطيها غالباً الأولوية.

التغييرات الصغيرة تؤدي إلى نتائج ملحوظة:

كما أوضحَ "مايكل بويت" (Michael Puett) أستاذ التاريخ الصيني في "جامعة هارفارد" (Harvard) والمؤلفة المشاركة "كريستين جروس لو" (Christine Gross-Loh) في كتابهما "المسار: ما يمكن أن يعلِّمنا إياه الفلاسفة الصينيون عن الحياة الجيدة" (The Path: What Chinese Philosophers Can Teach Us About the Good Life)، يستكشف الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (Confucius) تفاصيل الحياة في مجموعة "المختارات"، وهي مجموعة من المحادثات والقصص التي جمعها طلابه بعد وفاته في عام 479 قبل الميلاد.

يوضح الكتاب بالتفصيل تصرفات "كونفوشيوس" (Confucius)، ومَن تحدَّث إليه عندما كان يدخل إلى غرفة ما، وكيف تناول وجباته، في حين أنَّ الاهتمام بهذه التفاصيل الصغيرة بالكاد يبدو ذا أهمية فلسفية كبيرة، ويعتقد "كونفوشيوس" (Confucius) أنَّ السؤال عن كيفية عيش حياتك على أساس يومي هو المفتاح للعثور على إجابات للمعضلات الفلسفية الكبيرة، كما علَّم "كونفوشيوس" تلاميذه أنَّ الأشياء الصغيرة هامة.

"كيف تفعل أي شيء هو كيف تفعل كل شيء"، هكذا صاغها صديقي "ديف نوري" (Dave Nourie)، راكب الدراجات المعروف عالمياً.

سواءً كنت تتفق مع هذه الفكرة أم لا، فلا شك في أنَّ إصلاح العادات السيئة وممارسة عادات أفضل - إجراء تحسينات صغيرة في حياتك كل يوم - سيساعدك على عيش حياة أطول وأكثر صحة وسعادة.

المصدر




مقالات مرتبطة