كيف تبني فريق عمل؟

سواء أكان لديك فريق بالفعل، أم كنت تخطط لبناء واحد، أم كنت بالفعل جزءاً من فريق ما؛ سيوفر عليك فهم بعض الحقائق حول بناء الفريق كثيراً من العناء. إنَّ اتخاذ القرار بتنمية فريقك هو التزام كبير، ليس من حيث التكلفة المالية الإضافية فحسب، بل ومن حيث تغيير ديناميكيات عملك وكيفية عمل الأعضاء الآخرين، ومقدار الوقت والتفاني اللازمين لإكمال عملية الإعداد أيضاً.



المشكلة هي أنَّ الخبراء ينصحوننا بالاستعانة "بمصادر خارجية"، مؤكدين على أنَّ القوة تكمن في الفريق؛ كما يُقال لنا باستمرار أنَّنا بحاجة إلى تعزيز جهودنا؛ ولكن في هذه الظروف، سيكون من السهل الانغماس في فكرة العمل لساعات قليلة فقط في الأسبوع، والتحكم بكل شيء عبر بضع رسائل بريد إلكتروني في أثناء الجلوس على الشاطئ، والعمل على حهاز لوحي مزود بخدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية؛ لكن إذا كنت قد جربته من قبل، فستعرف بالفعل أنَّ حقيقة بناء فريق مختلفة عن ذلك تماماً.

رغم أنَّها مَهمَّة صعبة، إلَّا أنَّه يتوجب على أحد ما القيام بها:

تتواجد الفرق في كل مكان تقريباً، بدءاً من المرشدين الاجتماعيين في المدارس إلى غرف اجتماعات الإدارة في كبرى المنظمات العالمية؛ ويعدُّ بناء الفريق أمراً ضرورياً لنجاح أبسط الأفكار، ولكنَّه أيضاً أحد أصعب الأشياء التي قد تفعلها على الإطلاق؛ فإذا كنت قد وجدت هذا صعباً بالفعل في الماضي، فمن المؤكد أنَّ السبب ليس افتقارك إلى الصبر أو التفاني، وليس كونك لا تهتم؛ إذ في الواقع، كلَّما اهتممت أكثر، أخذت العقبات والخلافات على محمل شخصي.

يتمحور تطوير الفريق حول الحفاظ على توازن دقيق بين إنجاز المهمات، ومساعدة عضو الفريق على النمو الفردي، ومساعدة الفريق على العمل بفاعلية أكثر كوحدة متكاملة.

لاحظ كيف أنَّ واحداً فقط من العوامل الثلاثة يتعلق بالمَهمَّة والهدف، وهذا هام؛ ذلك لكونه يعاكس الحكمة التقليدية التي تقترح التركيز على الهدف وحده.

بافتراض أنَّك تمكَّنت من تجاوز العقبة الأولية واتخذت قرارك بشأن الحاجة إلى إنشاء فريق، فهناك العديد من الأمور التي عليك فهمها إذا كنت ستفعل ذلك بأقصى قدر ممكن من الكفاءة ودون عناء؛ فمهما بلغت كفاءتك فيما تفعله وخبرتك في التعامل مع الأشخاص، يشتمل بناء فريق على عدد لا نهائي من المتغيرات بسبب الاختلافات الكبيرة بين أعضاء الفريق؛ ونظراً إلى اختلاف الأفراد، لن تجد فرقاً متشابهة على الإطلاق.

إن لم تكن العلاقات مع الآخرين صعبة، فهي مثيرة للاهتمام حتماً:

ضع في اعتبارك احتمال أن تسوء الأمور؛ فقد يخذلك الناس أحياناً، ويفاجئك بعضهم بطرائق جيدة وسيئة، وستمر أوقات تشعر فيها بالإحباط التام.

هذا أمر مفروغ منه؛ وعندما يحدث، ستتمكن على الأقل من الاسترخاء؛ فأنت تتوقع ذلك بالفعل، وتدرك أنَّه ليس إخفاقاً من جانبك.

الخبر السار هنا أنَّ بإمكانك اتباع بعض الإرشادات البسيطة للتأكد من قيامك بتوظيف الأفراد وبناء الفريق بطريقة تضمن سير الأمور لصالحك، مع تقليل فرص الإحباط في الوقت نفسه؛ بحيث تبني فريقاً مكتفياً ذاتياً وذا كفاءة عالية، ويتميز بإنتاجية مستدامة.

أربع خطوات لبناء فريق عمل منتج:

الخطوة الأولى، إيجاد الأشخاص الجيدين:

يمكن القول أنَّ هذه الخطوة هي أساس بناء الفريق الفعال، فهي تتعلق بإيجاد الأشخاص الجيدين.

كيف تعرف أنَّ الشخص "جيد"؟ حسناً، يجب عليك أن تبحث عن أشخاص متحمسين، ويريدون المساهمة، ومؤثرين في الفريق، ويمتلكون مهارات التواصل مع الآخرين؛ كما يجب أن تختار الأشخاص بناءً على مهاراتهم وقدراتهم التي يمكنك توظيفها لإنجاز المهمات المطلوبة.

يعدُّ توظيف الأشخاص المناسبين ضرورة حتمية؛ ذلك لأنَّ استقطاب أشخاص غير مناسبين أمر محفوف بالمخاطر، حتى لو اعتقدت أنَّك ستدربهم أو تغيرهم كي يصبحوا أفضل؛ وقد يعبِّر الإعلان التالي عن هذه الفكرة أصدق تعبير: "نحن لا ندرب موظفينا على الابتسام، وإنَّما نوظف أشخاصاً سعداء"؛ فإذا أمكنك القيام بذلك لكسب المواهب التي تحتاجها في فريقك، فستربح نصف المعركة.

شاهد بالفديو: 6 نصائح لإدارة فرق العمل بشكل فعال

الخطوة الثانية، وضع الأشخاص الجيدين في أدوار تناسب مواهبهم وقدراتهم الطبيعية:

إلى جانب الخطوة الأولى، ينبغي وضع هؤلاء الأشخاص الجيدين في أدوار تناسب مواهبهم وقدراتهم الطبيعية.

إنَّ محاولة تغيير الأشخاص ما هي إلَّا طريق يؤدي إلى الألم والإحباط بالنسبة إليك كقائد فريق، ولأعضاء الفريق الآخرين؛ فعندما يتمكن الأشخاص من قضاء وقتهم في القيام بما يجيدونه، سيحققون نجاحاً يفوق توقعاتك.

يقول أحد القادة: لديَّ شاب رائع في فريقي، وهو فنان بالفطرة قد درس الهندسة في الجامعة، وكان كلَّما صادف شيئاً إبداعياً أو رسومياً، يتولى المَهمَّة ويحبها؛ إذ اتضح أنَّ هذا العمل يسعده فعلاً. ليس هذا فحسب، بل إنَّه يحب وظيفته من صميم قلبه، وهو يحب العمل في الشركة، كونه يتقاضى أجراً مقابل القيام بأشياء كان سيفعلها في أوقات فراغه كهواية على أي حال.

امنح الأشخاص أفضل فرصة للتفوق، وستنشئ فريقاً صاعداً ومولعاً بالعمل.

الخطوة الثالثة، التدريب والتشجيع للأفراد:

يساعد التدريب الأفراد على التطور باستمرار؛ وإذا كنت قد وظفت أشخاصاً أذكياء، فستدرك أنَّ "التطور والتعلم والنمو" من أهم رغباتهم الأساسية؛ لذا، غذِّ هذه الحاجة، ولن ينتهي بك الأمر بفريق سعيد فحسب، بل سيكون لديك أيضاً مجموعة من الأفراد بمهارات متزايدة دائماً.

إنَّ التشجيع هام، حتى لأولئك الذين يسخرون منه، حيث يقول الناس دائماً أنَّهم لا يحتاجون إلى سماع المديح من الآخرين، وأنَّهم لا يهتمون بما يعتقده الآخرون؛ لكن هذا ببساطة ليس صحيحاً.

لقد اختبر المجربون في تجربة أجراها مركز "إيرلي أو تال" (Ariely et al) في عام 2008 تحت عنوان: "بحث الإنسان عن المعنى: حالة ليغو" دافع المشاركين للعمل في ظل ظروف مختلفة عن طريق إعطاء المشاركين أوراق أسئلة لإكمالها؛ حيث يسلِّمون الأوراق التي يجيبون عن الأسئلة فيها، ويأخذون ورقة أخرى إذا أرادوا؛ كما يُدفَع لهم لكل ورقة أسئلة أكملوها.

إقرأ أيضاً: المفاتيح العشرة لفريق العمل المتناغم

عُرِّض كل مشارك عشوائياً إلى واحد من ثلاثة حالات: التقدير، والتجاهل، وتحطيم معنوياته؛ فعندما سلَّم المشاركون في حالة التقدير أوراقهم، ألقى الشخص أمامهم نظرة على ورقة إجاباتهم قبل وضعها فوق كومة من الأوراق المكتملة؛ أمَّا في حالة التجاهل، وُضِعت أوراقهم مباشرة فوق كومة المهمات المكتملة دون قراءتها؛ أمَّا أولئك الذين كانوا يختبرون حالة تحطيم المعنويات، فقد مُزِّقت ورقتهم على الفور أمامهم دون النظر إلى الإجابات على الإطلاق.

لقد تبين أنَّ أولئك الذين قُدِّر عملهم أكملوا أوراق أسئلة أكثر ممَّن طُبِّقت عليهم حالات أخرى؛ ومع ذلك، فإنَّ ما توصلت إليه التجارب هو أنَّ "فعل تمزيق الأوراق دون النظر إليها" عنف صارخ وغير مقبول تجاه نتاج عمل الأشخاص، وقد يتوقع المرء أن يستجيب الأشخاص له أكثر بكثير من حالة التجاهل؛ ومع ذلك، فإنَّ الاختلاف بين هاتين الحالتين كان طفيفاً، بينما كان تأثير تقدير العمل كبيراً بشكل مذهل.

لقد اعتُبِر الاستعداد لإكمال مزيد من الأوراق بمثابة مؤشر على مدى شعور المشارك بالتحفيز؛ فعندما اطلع المختبِر في حالة الاعتراف بفضل المشاركين على الورقة ولو لنظرة خاطفة، أثار فعله هذا نشاط ودافع المشاركين للقيام بالمزيد؛ وبناءً عليه، يجب عليك دوماً تقدير عمل فريقك وتشجيع أعضائه، وستبني بذلك فريقاً متحفزاً ومنخرطاً في العمل.

الخطوة الرابعة، المراجعة:

إنَّه لمن الهام في الأيام الأولى للفريق تقديم التغذية الراجعة للأشخاص لمساعدتهم على معرفة ما هو متوقع، إذ قد يترك تأجيلها لفترة طويلة أعضاء الفريق دون منهجية عمل واضحة، ويسمح بتطور المشكلات.

يعتمد ذلك على المهمات التي تقوم بها، ولكن يجب مراجعة الأداء وتقديم تغذية راجعة بصورة متكررة في بداية عمل الفريق، ثمَّ بمعدل أقل بمجرد وضع جميع الأمور في نصابها الصحيح.

يمكن أن تبدأ باستخدام عملية مراجعة ثنائية الاتجاه، بحيث يقيِّم فريقك أيضاً سلوكاتك، ويخبرك بما تفعله ويؤثر سلباً أو إيجاباً في الإنتاجية؛ وهذا أمر فعال بشكل لا يصدق، ويشجع على انفتاح أكبر على التواصل وبناء علاقات عمل جيدة للغاية.

إقرأ أيضاً: لا يبنى الحائط بحجرٍ واحد... العمل في جماعة وأهمية فرق العمل

يساهم الجميع -وليس القائد فحسب- في بناء الفريق؛ لذا تذكر أنَّ واحداً فقط من الأسس الثلاثة لبناء الفريق يركز على إنجاز المهمات؛ فإذا كنت من النوع الذي يركز على إنجاز المهمات دون الاهتمام بسواها، فعليك الاعتراف بالعاملين الآخرين المتعلقين بتطوير الفريق والنمو الفردي لأعضائه من أجل تخفيف الإحباط وتشجيع عمل الفريق كوحدة متكاملة.

إنَّه لمن المؤكد أنَّ اتباع الخطوات الأربع المذكورة أعلاه سيصب في صالحك، وقد يكون هذا أمراً جديداً بالنسبة إليك، لكنَّه يستحق الاهتمام بالتأكيد؛ لذا ضع في اعتبارك هذه الخطوات ووظفها لصالحك مهما حصل، إذ يمكنك من خلالها أن تزيد بشكل كبير من الوقت المتاح لك، حيث سيتحمل فريقك مزيداً من المسؤولية، ويعزز إنتاجيته بينما يمضي قدماً نحو تحقيق أهدافه.

 

المصدر




مقالات مرتبطة