كيف تؤثّر الشَّاشات على أدمغة أطفالنا؟

تُعتبر مشاهدة التِّلفاز وشاشات الهواتف وما شابهها بمثابة معضلة لا تنتهي بالنِّسبة للآباء والأمهات، حيث يعيش أطفال هذا العصر وسط التكنولوجيا الجديدة بصفة مستمرة، إذ أضحى التلفاز والهواتف الذكية وألعاب الفيديو جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للأطفال وهو ما قد يؤدي إلى الإفراط في استخدام الشاشات ممّا يُحتِّم علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً هامَّاً: متى يعتبر ذلك زائداً عن حدِّه؟ في حين تختلف الآراء في هذا الصَّدد اختلافاً كبيراً، بدءاً من المنع التَّام تحت سن معينة، وصولاً إلى السَّماح بذلك في أي عمر؛ يحاول معظم الآباء القيام بأفضل ما في وسعهم في ذلك الصَّدد.



كيف تؤثر الشَّاشات على أدمغة الأطفال؟

أصدر المعهد الوطني الأمريكي للصِّحة، النَّتائج الأوليَّة لدراسته التَّاريخية، إذ تُعدُّ تلك الدِّراسة التي تحمل اسم "النُّمو المعرفي والادراكي لأدمغة المراهقين" أو ما يُعرف اختصاراً بـ (ABCD)، أكبرَ بحثٍ طويل الأمد أجريَ في الولايات المتَّحدة. والذي يتناول نموَّ الدِّماغ وصحَّة الأطفال. فقد أظهرت تلك الدِّراسة أنَّ استخدام الشَّاشات، يمكن أن يُغيِّر تركيبة الدِّماغ.

تهدفُ هذه الدراسة إلى فهم كيف تؤثِّر التَّجارب التي يمرُّ بها الأطفال أثناء مرحلة الطُّفولة على نمو أدمغتهم. حيث تشمل تلك التَّجارب: الرياضة وأنماط النَّوم والتدخين ووسائل التَّواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو.

كيف أجريت تلك الدِّراسة؟

صرَّحت جايا داولينج، أحد الباحثين المشاركين في هذه الدراسة لبرنامج "60 دقيقة" الذي يُعرض على قناة "CBS" الأمريكية: "تمّت دعوة أكثر من 11,800 طفل تتراوح أعمارهم بين 9 و10 سنوات للانضمام إلى تلك الدِّراسة. حيث قام الباحثون بتتبع تطور الأطفال البيولوجي والسُّلوكي بدءاً من مرحلة الطفولة المبكرة، وصولاً إلى سنِّ البلوغ".

تنظرُ الدراسة إلى الفحوصات التي أجريت على أدمغة الأطفال على مدى 10 سنوات، لتحديد مدى تأثير استخدام الشاشات على أدمغتهم. وقد أخذت تلك الفحوصات بعين الاعتبار سماكة القشرة المخيَّة في الدماغ، ومع أنَّه من الطبيعي أن تقلَّ هذه السَّماكة في هذه المرحلة العمريَّة، لكنَّها أظهرت بعض التَّغيرات الطفيفة بين أطفال كانوا يستعملون الشاشات لأوقات أكثر من أقرانهم. إذ لاحظت أنَّ الأطفال الذين استخدموا الشاشات لمدة سبع ساعات أو أكثر يومياً، لديهم "ترقُّق مبكر" في القشرة المخية.

تنقسم القشرة المخِّيَّة (Cortex) إلى أربعة أقسام؛ كل قسم مسؤول عن معالجة أنواع مختلفة من المعلومات الحسِّية. وقد سجلت نتائج الأطفال الذين استخدموا الشَّاشات لأكثر من ساعتين في اليوم، انخفاضاً في اختبارات التَّفكير واللغة.

ستتبَّع تلك الدراسة الأطفال المشاركين لمدة عشر سنوات، وكنتيجة لذلك؛ يجب أن نفهم المزيد عن تأثير مدَّة استخدام الشَّاشات على الدماغ في طور النُّمو. وإضافةً إلى تأثيرها على بنية الدماغ، يأملُ الباحثون أن توفِّر تلك النَّتائج فهماً أعمقَ فيما لو كانت الشَّاشات تُسبِّبُ الإدمان.

إقرأ أيضاً: هل يجب منع الأطفال دون سن 16 من استخدام الهواتف الذكيَّة؟

لمَ تعتبر تلك الدِّراسة على قدر كبير من الأهميَّة؟

تحدث في سنِّ المراهقة تغييراتٍ جذرية على بنية الدِّماغ ووظيفته. وبفضل التَّطورات التكنولوجيَّة الحديثة، أصبح بإمكان العلماء دراسة هذه المرحلة من تطور الدِّماغ بشكلٍ آمن. كما يأمل الباحثون في معرفة كيف تتأثر النَّتائج الاجتماعية والسُّلوكية والتَّعليميَّة والصِّحية بعوامل أخرى؛ مثل النَّوم وممارسة الرياضة وتعاطي المخدرات.

وعبر متابعة نمو الدِّماغ على مدار تلك الفترة التي تمتدُّ إلى 10 سنوات، يأمل الباحثون بأن يتمكَّنوا من رؤية كيف تؤثر تلك التَّغييرات على نمو الدماغ أثناء نمو الأطفال المشاركين في تلك الدِّراسة.

فمثلاً، هل سيُغيِّرُ التَّدخين أو تعاطي المخدرات الطريقة التي ينمو بها الدماغ؟ وهل تؤثر زيادة معدَّل استخدام الشاشات على وظائف المخ؟

من شأن طول مدة تلك الدراسة أن يمنح العلماء نظرة أوضح بكثير على نمو دماغ المراهقين.

ما هي الفترة الموصى بها لاستخدام الشَّاشة من قبل الأطفال؟

قد لا تكون تلك الدِّراسةُ مفيدة أو مطمئنة لمن يقومون بتربية الأطفال في الوقت الراهن؛ إذ لا يمكنك تأجيل الأبوة والأمومة إلى حين يتم الانتهاء من الدراسة بعد 10 سنوات. فكيف تعرف فيما لو كنت تقوم بالاختيارات الصَّحيحة عندما يتعلق الأمر بوقت تعاطي أطفالك مع الشاشات؟

توصي الأكاديمية الأمريكية لطبِّ الأطفال الآباء بإعطاء الأولوية للعب البدني على حساب التكنولوجيا. فيما يمكن للوالدين إدخال برامج تعليمية عندما يكون عمر الأطفال حوالي 18 شهراً. كما يجب عليهم أن يشاهدوا تلك الوسائط مع أطفالهم للتَّأكد من استيعابهم لما يشاهدوه.

ومن الأهميَّة أيضاً أن يشارك الآباء بفعاليَّة في مساعدة الأطفال والمراهقين على التَّعامل مع عالم التكنولوجيا.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أضرار إدمان الهواتف الذكية وعلى أهم طرق علاجه

ما هي المدَّة التي يجب أن يُمضيها الأطفال باستخدام الشَّاشات؟

توصي الأكاديمية الأمريكية لطبِّ الأطفال بالتِّقنيات التَّالية للإبقاء على وقتٍ صحيٍّ لاستخدام الشاشة لأطفالك:

1. أمعن التَّفكير في الأمر:

لا تقم بذلك لأنَّه يتعيَّن عليك القيام به وحسب؛ بل قم بإجراء بعض الأبحاث ثم تناقش أنت وزوجتك وأطفالك كعائلة، كيف يمكنك أن تُدخل التَّوصيات التي وجدتها حيِّزَ التَّنفيذ. إذ تختلف كل عائلة عن الأخرى؛ لذا ما يعمل مع إحداها، لا يعمل بالضَّرورة مع عائلاتٍ أخرى.

2. ضع حدوداً لذلك:

تقع على عاتق الآباء والأمهات مسؤولية وضع الحدود للأطفال. لذا اعرف مع من يتحدثون عبر الإنترنت، وما هي التَّطبيقات التي يستخدمونها وتحقَّق منها بانتظام.

3. قلِّل تعرّض طفلكِ للشاشات قدر الإمكان:

احرص على أن يكون لدى أطفالك متَّسعٌ كافٍ من الوقت للانخراط في اللَّعب الإبداعي وغير المنظَّم. لذا اجعلهم يمضون معظم أوقاتهم اليوميَّة بعيداً عن الشَّاشات؛ وخصوصاً بالنِّسبة للأطفال الأصغر سناً.

4. شاركهم أوقات مشاهدة الشاشات:

اجلس رفقة أطفالك أثناء استخدامهم لتلك الشاشات. كأن تشاهد معهم برامج الأطفال أو الأفلام كأسرة واحدة، أو أن تلعب معهم ألعاب الفيديو.

5. لا تقم بعكس ما تطلبه منهم:

عندما يتعلَّق الأمر باستخدام الشاشات، احرص على أن تكون قدوةً. فإن كنت تمضي ثماني ساعات تستخدم فيها الهاتف يومياً، فلن يكون لديك لا الحجة ولا السُّلطة اللازمة لكي تطلب من أطفالك الامتناع عن مشاهدة التلفاز والشاشات بشكلٍ عام.

6. أبقَ أجهزة التلفاز والحاسوب خارج غرفة نوم طفلك:

ضع قواعد عائليَّة تجعل بعض الأماكن خالية من أيِّ مظهرٍ من مظاهر التكنولوجيا، واجعل التجمّعات العائلية والاجتماعية مثل العشاء، أوقاتاً خالية من التكنولوجيا. كما يجب أن تسريَ هذه القواعد على البالغين أيضاً.

كل ذلك من شأنه أن يعزز عادات تناول الطَّعام، ويمنح العائلةَ وقتاً طيباً يمضونه سويَّةً، ويشجع على عادات النَّوم الصِّحية.

المصدر.




مقالات مرتبطة