كيف تؤثِّر أفكارك على حياتك؟

توجد عبارة شائعة بين الأشخاص المتشائمين أو ذوي السلوكات المدمرة للذات ألا وهي: "لستُ متشائماً على الإطلاق؛ بل أنا شخص واقعي وحسب"، تخضع التجارب الحياتية للإنسان لعدد كبير من العوامل والجوانب، كما تنعكس تعقيدات شخصيته عليه وعلى جودة حياته.



نريد منك بدايةً أن تتوقف للحظة وتتفكر في التعقيدات الشخصية البشرية؛ وذلك عبر الإجابة عن الأسئلة الآتية: "ماذا ستفعل إذا اكتشفت أنَّ قائد أمتك الذي تؤيده من صميم قلبك ما هو إلَّا رجل محتال؟" لا شكَّ في أنَّك ستشعر بالحرج وتقل ثقتك بنفسك بسبب تعرضك للتلاعب والخداع؛ لكنَّك ستمضي قُدماً في حياتك دون أن تخسر كثيراً من مشاعر التقدير الذاتي، لكن ماذا لو أنَّك صوَّتَ وشاركتَ في التظاهرات والاحتجاجات، وعلَّقت ملصقات تؤيِّد قائدك على نوافذ منزلك وجدرانه، وألقيت خطابات لاستقطاب مزيد من المؤيدين، لتكتشف في نهاية المطاف أنَّك تدعم قائداً محتالاً؟

تكوين النظرة الشخصية تجاه العالم:

حاول أن تجيب عن السؤال الآتي بالطريقة السابقة نفسها:

"هل سبق أن سمعت أفكاراً تتعارض مع وجهات نظرك؛ لكنَّك أدركت بعد دراستها والنظر فيها وتحليل أفكارك ومشاعرك بعمق بأنَّك قادر على تقبُّل هذه الأفكار الجديدة؛ إذ تكون مكمِّلة لوجهات نظرك الأساسية وليست بديلة عنها؟ هل سبق لك أن قررت قبول الأفكار الجديدة وعددتها جزءاً من موقفك ورؤيتك للعالم من حولك، بدلاً من قبول الرأي الذي يقول إنَّ هذه الأفكار الجديدة تلغي أفكارك القديمة؟

يجيب الجميع عن هذه الأسئلة بالإيجاب، فأنت تمتلك الخيار في تحديد آلية التعامل مع الأفكار والرؤى الجديدة ودمجها مع نظرتك إلى الحياة والعالم حولك، وتستطيع أن تنظر إلى العالم بخوف وحذر، وتعرِّف كل شيء حولك بما يتوافق مع قناعاتك الشخصية بغية حماية نفسك من الاختراق، أو تستطيع أن تنظر إليه بكلِّيته وتدرك أنَّ تفاصيل الوجود كلها مرتبطة مع بعضها ويؤثِّر كل منها في الآخر، وأنَّ الكون محتوى في الفرد الواحد، ويمثله بطرائق مختلفة.

يجب أن تختار الطريقة التي تناسبك وتكتشف كيفية ارتباطك معها؛ لأنَّها ستنعكس على حياتك، وتمثل رؤيتك للعالم حولك، وإنَّك سوف تجد دلائل وبراهين تؤكد وجهات نظرك، وهذا يعني أنَّ هويتك الشخصية تتكون من تراكم الخبرات وتطور المعتقدات والقناعات التي تمثل رؤيتك الإجمالية للحياة والكون.

سوف يتسنى لك بهذه الطريقة أن تدرك ما يأتي:

  1. يستطيع للفرد أن يفسِّر جميع التجارب والأحداث التي يمر بها خلال حياته ويفهمها فهماً يتناسب مع رؤيته الشخصية للعالم، وهذا يعني أنَّ الفرد قادر على رؤية كل ما يحدث حوله بطريقة تؤكد رؤيته الشخصية حتى لو وجدت أدلة دامغة تثبت خلاف ذلك.
  2. ردود فعل الفرد تكشف عن جميع جوانب شخصيته؛ لأنَّها تعبِّر عن أنماط سلوكاته المتكررة، ويؤدي تحليل أقوال وأفعال الفرد وفهمها إلى معرفة جوانب شخصيته كلها؛ وذلك عبر تحديد النية الكامنة خلف تصرفاته والآلية الحاكمة لسلوكه.

يثير قانون الجذب تساؤلات فلسفية وجودية عديدة شغلت الإنسان على مر التاريخ، ومن أمثلة الأسئلة الفلسفية: "ما هو الشيء؟ ما هو الوجود؟ ما هو الشيء الحقيقي؟" الجواب الوحيد الشافي على جميع هذه الأسئلة هو التجربة؛ لأنَّ التجربة هي الحقيقة الوحيدة في الحياة، وكل شيء آخر هو انعكاس لها.

شاهد بالفديو: كيف تغرس الأفكار السعيدة في عقلك؟

الواقعية المزعومة:

تؤكد جميع التجارب صحة رؤيتك للعالم، حتى لو غيَّرت التجربة من هذه الرؤية، فإنَّ رؤيتك القديمة ستدعم هذا التغيير، كما أنَّ سلوكات الفرد تصوِّر شخصيته، وهنا توقف مجدداً واقرأ العبارة الشهيرة مرة ثانية:

"لستُ متشائماً على الإطلاق، كلُّ ما في الأمر أنَّني شخص واقعي".

إنَّه شخص واقعي وحسب، وتفترض رؤية مثل هؤلاء الأشخاص أنَّ الأحلام والشغف والتفاؤل وجميع الأشياء المدهشة والخارجة عن المألوف والمثيرة للعجب هي غير واقعية، وأنَّ الواقع يتجسد في الأشياء العادية البسيطة دون توقُّع كثير من الحياة ورفع سقف الأحلام.

الواقع بالنسبة إلى هذا الشخص عادي ولا يوجد مجال للأحلام والأهداف العظيمة ولا للتجارب واللحظات الجميلة، وهذه العبارة تفتقر إلى الواقعية وتناقض تعريف هذا الشخص لِما هو واقعي، فهو ينفي وجود وجهات النظر المختلفة وجوانب الخلق الأخرى، ويمكن تعريف الواقع على أنَّه تجربة وجودية تشمل الاحتمالات والإمكانات كلها؛ لكنَّ بعض الأشخاص يفترض وجود حدود وقيود من خلال وضع تعاريف مجحفة بحق الواقع الوفير.

تمثل هذه الأفكار عن العالم نظرتك إلى نفسك وهي محدودة ومشوهة وكأنَّك مسجون في غرفة صغيرة مظلمة؛ إذ تكون النافذة الوحيدة مطلة على ملعب مملوء بالأطفال الصغار الذين يلعبون ولا يعرفون ما هو حقيقي.

تتشكل نظرة مثل هذا الشخص تجاه العالم حوله بالاعتماد على العوامل الخارجية والقيود التي تفرضها، كما أنَّه يعيش حياة عادية هادئة خالية من العواطف المحتدمة، أو الاستنتاجات المتسرعة، أو النقمة على الحياة؛ لكنَّه بالمقابل لا يتحمس ولا يبحث عن المتعة والمرح، ظانَّاً أنَّ هذا الاستقرار لا بُدَّ أن يكون عقلانياً وواقعياً وصائباً.

ينظر مثل هذا الشخص إلى العالم حوله بطريقة مجردة حيادية وخالية من الحماسة، ويظن أنَّ كل شيء موجود حوله حقيقي، ومعرَّض للقوى والظروف الطبيعية المحيطة به، وهو مقتنع بأنَّ أي شخص يحاول إثبات نقيض ذلك ليس سوى إنسان غبي يتعمد إثارة الجدل، ومن العبارات الأخرى الشائعة بين هؤلاء الأفراد: "قد أتعرض إلى حادث مرور في الغد، فلِمَ سأهتم بصحتي اليوم إذا كان مستقبلي غير مضمون؟".

مع واقعيته المزعومة وتفكيره المنطقي، فإنَّه يعزو مشكلاته عندما يكون غاضباً إلى "سوء الحظ"؛ وذلك عندما يتعثر عند الباب، أو يضرب رأسه بسقف السيارة، أو يسكب القهوة على قميصه المفضل، وما إلى ذلك من المواقف التي يستخدمها ليثبت أنَّه ضحية الظروف ويشعر بالأسى حيال نفسه، فحياة الإنسان نتاج قناعاته ونظرته تجاه نفسه؛ ومن ثَمَّ من غير المنطقي أن تنتظر النجاح والخير والتوفيق وأنت تَعدُّ نفسك ضحية مثيرة للشفقة.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب لتحديد أهداف واقعية

قانون الجذب:

تستطيع أن تكتشف بالطريقة نفسها أنَّك جذبت هذا المقال إليك وأنت تقرأه الآن؛ لأنَّه يصوِّر تجربتك الشخصية وما يعتمل صدرك وعقلك من أفكار ومشاعر، وسوف تستخلص بعض الأفكار من المقال وتستخدمها لإثبات نظرتك تجاه نفسك والعالم حولك.

قد تكون سمعت بقانون الجذب من قبل؛ لكنَّك رفضته وعددته مجرد ترَّهات لا تمتُّ للواقع بأي صلة بسبب الأهداف الربحية لكتاب "السر" (The Secret) الشهير الذي روَّج لقانون الجذب، وعندها ستستخدم هذا المقال لتأكيد وجهة نظرك تجاه هذا القانون؛ إذ يعطيك المقال سبباً إضافياً لتقتنع بأفكارك المسبقة، أو يمكن أن يدفعك إلى البحث عن وجهات نظر ومصادر أخرى قبل أن تتخذ قرارك برفض أو قبول هذا المفهوم.

يجب في جميع الأحوال أن تدرك مدى قوة مبدأ اتساقك وفاعليته مع ذاتك في حياتك اليومية على المستوى العصبي النفسي والميتافيزيقي، يجب أن تفهم بعد ذلك دورة الانعكاس وتأكيد الانعكاس، حتى تعرف أنَّك مسؤول عن كل ما يجري في حياتك، وكل التجارب والخبرات التي تتعرض لها في حياتك ليست سوى انعكاس مباشر لأفكارك وشخصيتك وطريقة تعريفك لنفسك.

أنت مسؤول عن تجربتك الحياتية وكل ما يحدث فيها بصرف النظر عن العوامل الخارجية، فيخضع مفهوم الحدود لقوانين الوجود الذي نعرف بأنَّه غير محدود بالأساس، ويجب ألا تَعُدَّ القدرة والقوة شيئان تتعلمهما وتكتسبهما من الخارج؛ وإنَّما يجب أن تعي قوتك وتتصرف على أساسها، وتدرك أنَّك مسؤول عن بناء حياتك الخاصة دون أن تحتج بالظروف والعوامل الخارجية التي عددتها قيوداً فيما مضى.

إيَّاك أن تؤدي دور الضحية، أو تحتج بقسوة الظروف المحيطة بك، أو تسمح لقناعاتك المحدودة تجاه العالم أن تقنعك بأنَّ الكون أو الفرص المتاحة أمامك أو قدراتك وإمكاناتك محدودة.

إقرأ أيضاً: استخدام العاطفة لكشف سر قانون الجذب

في الختام:

يقول الفيلسوف الصيني "سون تزو" (Sun Tzu) إنَّ الفوز في المعركة يحدث قبل أن تبدأ؛ وهذا يعني أنَّ كل عنصر في أي تفاعل يمتلك حالة جوهرية تؤدي إلى نتيجة معينة غير قابلة للتغيير بسبب الطبيعة الثابتة للعناصر المشاركة في التفاعل، والتي تتحكم في النتيجة النهائية وفق الظروف الزمانية والمكانية للحدث.

إذا رميت قطعتي حجر وتبيَّن أنَّ إحدى القطعتين تأذت أكثر من الأخرى، فهذا يعني أنَّ خصائص الحجر وطبيعته فرضت عليه أن يتصرف على هذا النحو وفقاً للوقت والظروف التي يجري خلالها الحدث.

كما أنَّ نتيجة النزاع الذي يحدث بين شخصين أو فريقين يعتمد على الخصائص والصفات الجوهرية للمشاركين إضافة إلى الظروف التي يجري خلالها الحدث، وهو ما يحدد المنتصر النهائي، فقد كان لا بُدَّ أن يجري الحدث بهذه الطريقة وفقاً للظروف والخصائص الزمانية والمكانية وطبيعة المشاركين، وهذا يعني أنَّ كلَّ الأجزاء ساهمت في تكوين النتيجة النهائية للحدث الأكبر.

يقول الزعيم الهندي "مهاتما غاندي" (Mahatma Gandhi): "على الإنسان أن ينطلق من نفسه ويبدأ العمل على التغيير الذي يتمنى أن يراه في العالم حوله"، وهذا يعني أنَّك إذا غيَّرت طريقة تفكيرك وسلوكاتك، ولم تتغير حياتك، فهذا يعني أنَّك ما تزال خاضعاً للظروف الخارجية ولم تتحرر منها.

لذا يجب أن تكون قوياً وتعمل بجد على إحداث التغيير ولا تهتم بالنتائج، وعندها سينصفك الكون وستنال مرادك، ويجب أن تكون التغيير الذي تود أن تراه في العالم وإنَّك ستنتصر قبل أن تبدأ حتى.




مقالات مرتبطة