كيف أنمي حبّ التعاون والمشاركة لدى طفلي؟

يحلم كل أب وأم بتربية طفل يحمل كل القيم والصفات الحميدة، ولا شكَّ في أنَّ قيمة المشاركة والتعاون مع الآخرين، هي من أهم هذه القيم التي تجعل الطفل محبوباً وناجحاً في حياته المستقبلية، فضلاً عن حمايته من الأنانية أو عدم المشاركة، والتي هي من أقبح الصفات المسببة للمشكلات وضياع الفرص مستقبلاً.



الطفل والتعاون:

  • يبدأ الطفل بعد ولادته، فهم العالم والتعرف إلى ما حوله، من خلال علاقته بأمه وأبيه وأخوته، ومن ثم يبدأ بتكوين صورة عن ذاته، من خلال ردود أفعالهم عندما يُضحِكهم مثلاً، أو يصرخون عليه.
  • بعد انقضاء عامه الأول، يشعر الطفل أنَّه والعالم جزء واحد؛ بل حتى أنَّه مركز العالم، وأنَّ كل شيء مُلك له، وهنا تبدأ الأنانية بالظهور لديه، فنجده حريصاً أشدَّ الحرص على ألعابه وأشيائه، ولا يقبل أن يمسسها أحد، فهو لا يمتلك قدرة التخلِّي عنها؛ وذلك لأنَّه يعدُّها جزءاً منه؛ لذا يُحذَّر من إجباره على مشاركتها مع غيره من أقرانه؛ لأنَّ ذلك لن يُخلِّف إلا البكاء والصراخ، أو قد يتعلم التنازل عن استقلاليته مقابل رضا الآخرين.
  • يزداد وعي الطفل في السنة الثانية من عمره؛ إذ تزداد مواقف احتكاكه وتعامله مع من حوله، فيتعلم أن يتخلَّى عن أنانيته بالتدريج، خصوصاً عندما يشعر أنَّه يرغب في تبادل الألعاب مع أقرانه، حتى يُجرب الألعاب الجديدة، والجدير بالذكر، أنَّ الأنانية في السنة الثانية طبيعية وأساسية لإدراك الطفل ذاته، ولكنَّ الأهل قد يحكمون أنَّ الطفل أناني، فيسعون إلى فرض التعاون عليهم بالإكراه.
  • بعد العام الثاني من عمر الطفل، يُصبح الطفل أكثر وعياً، وهنا يجب على الأهل أن يبدؤوا شرح معنى التعاون والمشاركة له، وتعليمه أنَّ هناك أشياء خاصة به يجب أن يُحافظ عليها، وهناك أشياء خاصة بشقيقه مثلاً، يجب عليه احترامها، ثم تعليمه مبدأ المشاركة من خلال شرح إمكان اللعب بلعبة شقيقه مثلاً، بعد أن يأخذ إذنه بذلك، والسماح لشقيقه أن يلعب بلعبته أيضاً.
  • يُحذِّر علماء النفس وخبيرو تربية الأطفال الأهل من إهمال الطفل في تعليمه المشاركة، حتى لا تكبر الأنانية معه وتُصبح أحد خصاله.

علامات الأنانية وعدم التعاون لدى الطفل:

هناك علامات وسلوكات عدة يتصرفها الطفل، تُعطي إشارة أنَّه أناني وغير مُتعاون، من أبرزها:

  • يميل إلى أن يبقى وحده، ويقضي معظم وقته في النشاطات الفردية، كمشاهدة التلفاز أو الألعاب الإلكترونية.
  • لا يستمع لغيره، ويجد صعوبة في التفاهم معهم، وغالباً ما يتمسك برأيه إلى أبعد حد.
  • لا يُحب أن يُساعد أحداً، ويشعر بالضيق عندما يطلب منه خدمة ما.
  • يُحاول دائماً لعب دور الضحية أمام أهله، وإلقاء اللوم على غيره.
  • لا يهتم لمشاعر غيره، ولا يهتم إلا بنفسه.
إقرأ أيضاً: تعرَّفي على الإرشادات التي تخلِّص طفلك من الأنانية

كيف أنمي حب التعاون لدى طفلي؟

يُؤكد علماء النفس أنَّ السنوات الخمس الأولى في حياة الطفل، هي المرحلة التي تتشكل فيها شخصيته وتتحدد صفاته؛ لذا من الضروري أن يُركِّز الأهل على هذه الفترة الحساسة في حياته، والاهتمام بإكسابه الخصال والصفات الحسنة.

يُبدي الأطفال بعض الأنانية في سنواتهم الأولى، فنجدهم يتمسكون بطعامهم وألعابهم وكل ما يخصهم، ولا يتقبلون أن يُشاركهم فيها أحد، وهذا أمر طبيعي وليس مُستغرباً لدى الأطفال الصغار، وهنا يظهر دور الأهل في تغيير هذا السلوك الفطري لديه، وتنمية حسِّ المشاركة والتعاون مكانه، وذلك من خلال الخطوات الآتية:

1. تعليمه المشاركة:

أن يُعلِّم الأهل طفلهم أهمية المشاركة، منذ سنته الأولى؛ وذلك من خلال تمرير الأشياء له واللعب معه مع تكرار قول: "دورك.. دوري الآن"، وبهذا يتعلم الطفل أخذ الأدوار التي هي الخطوة الأولى للمشاركة.

2. شرح فوائد التعاون:

أن يقوم الأهل بشرح فوائد التعاون للطفل شرحاً مبسطاً، وتوضيح أنَّ التعاون يعني تبادل الأدوار، ومساعدة بعضنا بعضاً، حتى ننجح وننجز أعمالنا إنجازاً أسرع؛ كأن نقول له: "هيا بنا نُرتب الغرفة معاً، حتى ننتهي مبكراً ثم نلعب معاً"، "عندما تتعاون مع رفاقك، ستنجحون أكثر"، "مساعدة الناس تجعلك طفلاً محبوباً، ويسعى الكل إلى صداقتك".

3. غرس حسِّ المسؤولية في الطفل:

من الضروري تعزيز إحساس المسؤولية لدى الطفل، بأنَّه مسؤول عن نفسه وعن تصرفاته؛ إذ إنَّ من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الأهل هي الدلال الزائد للطفل، ممَّا يُغذي نزعة الأنانية لديه، بأن يحصل على كل ما يريد ولو لم يكن ملكه، ومن دون أن يُقيم أي اعتبار لغيره.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات أساسية لتربية الأطفال على المسؤولية

4. المشاركة في أعمال المنزل:

أول خطوة لتعليم الطفل المشاركة والتعاون، تكون من خلال تدريبه على المشاركة في الأعمال المنزلية، طبعاً الأعمال المُناسبة لعمره، بأن نطلب منه مساعدتنا في ترتيب المنزل، أو نقل أطباق الطعام إلى المائدة، أو نُكلِّفه بأمر ما ونقول له إنَّه مسؤول عنه دائماً.

5. القدوة الحسنة:

يجب ألا يغيب عن الأهل أنَّ الطفل يُقلِّد أهله، أكثر ممَّا يستمع لهم؛ لذا يجب أن يحرصوا على أن يكونوا قدوة حسنة له، فعندما يُشاهد الطفل أهله يتعاونون في كل شيء، ويتعاونون مع الجار الذي يقوم بعمل ما، أو مع أحدٍ ما في الشارع بحاجة إلى مساعدة، تترسخ حينها فكرة التعاون في ذهن الطفل، ويبدأ تقليدها من دون قصد حتى.

6. المديح ونظام المكافأة:

يُعدُّ أسلوب المديح والمكافآت، من أهم أساليب تربية الطفل وتشجعيه على سلوكات معيَّنة؛ لذا من المهم جداً أن نمدح ونُثني على الطفل عند قيامه بعمل متعاون؛ كأن نقول: "انظر كيف رتبنا البيت معاً بسرعة لأنَّك ساعدتني"، ولا مانع من إحضار هدية له كمكافأة على ما فعله.

7. دفعه إلى التعاون:

نحن من يجب أن يدفع الطفل إلى التعاون، وذلك بسؤاله مساعدتنا في أعمال المنزل، أو مساعدة الجار العجوز في حمل الأغراض، وتشجيعه على مساعدة أصدقائه الذين يحتاجون إلى المساعدة.

8. احترام النظام:

يجب أن نُربِّي الطفل على احترام النظام، ممَّا يعلمه احترام غيره، وعدم التعدي على غيره، كانتظار دوره في اللعب، وانتظار غيره حتى يُنهي كلامه.

9. الاختلاط بغيره:

يجب أن يحرص الأهل على اختلاط الطفل بغيره من الأطفال؛ وذلك لأنَّ الوحدة والعزلة تجعله طفلاً أنانياً لا يعرف المشارك، ومن ثم تشجيعه على اللعب معهم، وتبادل ألعابه وأشيائه معهم.

10. احترام حق الآخر:

أن يُربِّي الأهل الطفل على فكرة احترام حقوق الآخرين، وتعليمه أنَّه كما له حق فإنَّ للآخرين حقوقهم أيضاً، ويجب احترامها، فمثلاً نعلِّمه أنَّ إصدار الأصوات والضجة العالية في أثناء اللعب أمر خاطئ، وذلك لأنَّ فيه إزعاجاً للآخرين وتعدياً على حقهم.

11. لفت انتباهه إلى أثر تعاونه:

أن يلفت الأهل انتباه الطفل إلى الأثر الإيجابي لتعاونه مع الآخرين، كأن نقول له: "هل رأيتَ كم فرِح أخوك بإعطائه لعبتك؟"، "هل رأيت الابتسامة على وجه جدتك؛ لأنَّك جلبت لها كأس الماء؟"، "انظر كم يُحبك رفاقك لأنَّك تتعاون معهم".

شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

12. روح الفريق:

أن يُغذِّي الأهل في الطفل روح الفريق، فضلاً عن إقناعه بأنَّ تعاونه مع رفاقه يجعله أقوى.

13. تجنُّب الأوامر:

إنَّ مخاطبة الطفل بصيغة الأمر تجعل منه طفلاً عدائياً، وتُثير رغبته في المقاومة والتمرد؛ لذا يُنصح أن تتم مخاطبة الطفل بصيغة الاقتراح، كأن نقول له كلمات من قبيل: "ما رأيك؟"، "هل يُناسبك؟"، "تعال لنُجرب".

14. منحه الخيار:

من الأمور التي تُريح الطفل وتخلق جواً من الاحترام والتعاون، هو عرض خيارات عليه ومنحه حرية الاختيار، وإشعاره أنَّ الأهل يتعاونون معه ولا يُجبرونه؛ كأن نسأله مثلاً: "يجب أن تخلد إلى النوم، هل تُريد الآن أم بعد 10 دقائق؟".

15. قراءة القصص:

من المفيد اختيار الأهل لقصص عن التعاون والمشاركة، وقراءتها للطفل، أو مُشاهدة أفلام الكرتون التي تحث على التعاون.

16. تجنُّب الإكراه:

يُحذِّر الخبيرون من إكراه الطفل على التعاون والمشاركة؛ لأنَّه بذلك يتمرد ويتمسك بأنانيته أكثر.

17. اللعب الجماعي:

يجب أن يحث الأهل الطفل على اللعب مع مجموعات الأطفال، ويعودوه مشاركة ألعابه مع غيره، وتشجيعه بعبارات من قبيل: "أنت فتى طيب ومُحب، ولا تريد أن تكون فظاً أو مكروهاً، أليس كذلك؟".

18. استخدام المؤقت:

يُمكن للأهل استخدام المؤقت عندما يلعب الطفل مع شقيقه أو أحد أقرانه؛ وذلك بتعليمه إعطاء اللعبة إلى شريكه بمجرد أن يرن المنبه، وبهذا يجري تبادل الألعاب بينهما، ممَّا يُنمِّي لديه المشاركة.

19. محبوباً أكثر:

من الأمور الهامة التي يجب أن يُركز عليها الأهل، هي تعليم الطفل وإقناعه بأنَّ المشاركة والتعاون من الصفات المُحبَّبة للآخرين، والتحلِّي بهما يجعله محبوباً من قبلهم، بينما تُعدُّ صفة الأنانية من الصفات المكروهة والقبيحة.

إقرأ أيضاً: تربية الأطفال: المكافآت والعقوبات تجاه أخطاء الأطفال

فوائد تعليم الطفل المشاركة والتعاون:

1. تشذيب خصاله:

بتعليم الطفل المشاركة والتعاون، يتخلَّى عن الأنانية، هذه الخصلة التي تُسبب له المشكلات مستقبلاً، وتجعله يخسر محبة الآخرين له.

2. تنمية روح العمل الجماعي لديه:

تؤدي المشاركة والتعاون إلى تنمية روح العمل الجماعي لدى الطفل، ويُعدُّ هذا الأمر غاية في الأهمية؛ إذ يجب أن يُدرك الطفل أنَّ نجاحه لا يتطلب فشل الآخرين؛ بل على العكس، فإنَّه بالتعاون يتعلم أكثر ويستفيد من أصدقائه، ممَّا يُفيد الجميع، ويُساعدهم على الوصول والإنجاز بشكل أسرع وأسهل.

3. تعزيز المشاعر الإيجابية:

أثبتت التجارب أنَّ التعاون والمشاركة يعززان المشاعر الإيجابية لدى الطفل، ويشعرانه بالسعادة والثقة بالنفس، عندما يلمس أثر تعاونه ومحبة الآخرين له.

4. النجاح الاجتماعي مستقبلاً:

اكتساب الطفل قيم التعاون والمشاركة، يجعله شخصاً ناجحاً اجتماعياً مستقبلاً؛ وذلك لأنَّه شخص إيجابي مُتعاون يؤمن بالمشاركة وروح الفريق، ولا يحتكر النجاح له وحده.

في الختام، طفلك بذرة أنت تزرعها:

يعتقد بعض الأهل أنَّ دورهم يتلخص بإنجاب الطفل وتأمين احتياجاته المادية، وأنَّ هذه هي التربية فحسب؛ هاملين بذلك الجانب النفسي للطفل وبناء شخصيته، وهذا خطأ شنيع.

لذا لا بدَّ من التأكيد في الختام على أنَّ أطفالنا هم مسؤوليتنا، وهم كالبذرة التي نزرعها في الأرض، نحن المسؤولون عن نتيجتها باهتمامنا ومتابعتنا لكل تفاصيلهم، وتركيزنا على تعليمهم القيم الجميلة والنبيلة، حينها نحصد أولاداً مُحبين، معطائين، مُبادرين، ومتعاونين مع الآخرين، مُحصَّنين من الأنانية أو أي خصلة سلبية.

 المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة