قيادة المستوى5

ما الذي يجعل القائد قائداً عظيماً؟ هل هي شجاعته؟ أم الفطنة التي يتمتع بها في مجال العمل؟ أم خبرته؟ أم قدرته على التنظيم؟

يمتلك القادة العظماء حقَّاً مجموعةً محددةً من المهارات، ولكنَّهم يمتلكون شيئاً آخر أيضاً، يمتلكون خصائص مُعيَّنةً يصعُبُ تحديدها. إذا كنت تؤدي دوراً قياديَّاً فلا بُدَّ أنَّك تساءلت من قبل كيف يمكنك الانتقال إلى ذلك "المستوى الآتي" أي من كونك قائداً جيداً إلى كونك قائداً عظيماً. سندرس في هذا المقال "قيادة المستوى5"، وهي إحدى الأفكار الرئيسة التي تساعدك على الوصول إلى ذلك، وسنستكشف ما الذي يتطلبه وصول القائد إلى درجة العَظَمة، وسنناقش الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها للارتقاء إلى هذا المستوى البارز من القيادة.



أولاً: تعريف قيادة المستوى5

لقد نشأ مفهوم قيادة المستوى5 بواسطة المستشار التجاري "جيم كولينز" (Jim Collins). فقد كتب حول هذا المفهوم في مقالةٍ نُشرت في العام 2001 في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" وحظيت باحترامٍ كبير آنذاك، وقام بنشر أبحاثه في كتابه المشهور الذي يحمل عنوان "من الجيد إلى العظيم". ظهر هذا المفهوم في أثناء دراسةٍ بدأت في العام 1996 وذلك عندما بدأ "كولنز" بالبحث عن مقوِّمات الشركات الكبيرة. فقد استهل بحثه بدراسة 1435 شركة ليختار في النهاية 11 شركة تُعَدُّ من الشركات الكبيرة بالفعل. كان يرأس تلك الشركات الـ 11 جميعها ما أطلق عليه "كولنز" اسم "قادة المستوى5". لقد وجد أنَّ هؤلاء القادة يتميزون بالتواضع، وأنَّهم لا يسعون إلى تحقيق النجاح من أجل كتابة مجدٍ خاصٍّ بهم بل لأنَّ النجاح ضروريٌّ ليتمكَّن الفريق والمنظمة من الاستمرار. إنَّهم يتشاركون مع الآخرين الفضل في تحقيق النجاح، وهم أوَّل من يتقبَّل اللوم عن الأخطاء التي يتم ارتكابها. ويضيف "كولنز" أيضاً بأنَّهم خجولون دائماً، ولكنَّهم لا يعرفون الخوف عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات لا سيما القرارات التي ينظر إليها معظم الأشخاص على أنَّها قراراتٌ خطيرة. يتمتع قادة المستوى5 بصفاتٍ موجودة في المستويات الأربعة الأخرى من القيادة التي حددها "كولنز". وعلى الرغم من أنَّه لا يتوجب عليك المرور بشكلٍ متسلسل عبر كل مستوى من هذه المستويات حتى تصبح قائداً من المستوى5، إلَّا أنَّك يجب أن تتمتع بالمهارات والقدرات الموجودة في كل مستوى من هذه المستويات. فلنلقِ نظرةً أكثر تفصيلاً على كل مستوى من هذه المستويات الخمسة:

المستوى الأول: فردٌ يتمتع بكفاءةٍ عالية

في هذا المستوى تُقدِّم من خلال عملك إسهاماتٍ ذات جودةٍ عالية، ويكون لديك مستوىً مفيد من المعرفة، بالإضافة إلى الموهبة والمهارات المطلوبة لإنجاز عملٍ جيد.

المستوى2: عضوٌ مساهمٌ في الفريق

تستخدم في هذا المستوى المعرفة والمهارات التي لديك لمساعدة فريقك على النجاح. وتعمل مع الأشخاص الآخرين الموجودين ضمن مجموعتك بطريقةٍ فعالةٍ، ومُنتِجةٍ، وناجحة.

المستوى3: مديرٌ كفؤ

هنا في هذا المستوى تكون قادراً على تنظيم مجموعةٍ بشكلٍ فعال لتحقيق أهدافٍ وغاياتٍ محددة.

المستوى4: قائدٌ فعال

إنَّ هذا المستوى هو المستوى الذي يندرج تحته معظم القادة البارزين. في هذا المستوى تكون قادراً على حشد جهود القسم أو المنظمة في سبيل تلبية أهداف الأداء وتحقيق الرؤيا.

المستوى5: قائدٌ عظيم

في هذا المستوى تكون لديك جميع القدرات اللازمة للمستويات الأربعة الأخرى بالإضافة إلى مزيجٍ مميز من التواضع والإرادة وهما الصفتان الضروريتان لتصبح عظيماً بالفعل.

ثانياً: كيف تصبح قائداً من المستوى5

يتطلب منك الوصول إلى القيادة من المستوى5 بذل الوقت والجهد. ولكن الجيد في الأمر أنَّه يمكنك الوصول إلى هذا المستوى لا سيما إذا كان لديك رغبةٌ في المحاولة. ومن المهم أيضاً إدراك أنَّه لا يتوجب عليك المرور عبر كل مستوى من المستويات بشكل متسلسل لكي تصل إلى المستوى5. ولكنَّك تحتاج إلى القدرات الموجودة في كل مستوى من المستويات لكي تصل إلى مرتبة المستوى5. إليك بعض الاستراتيجيات التي ستساعدك على النمو عاطفيَّاً ومهنيَّاً بحيث تتمكَّن من تطوير ميزات قائد المستوى5:

1- طوِّر تواضعك:

يُعَدُّ القادة من المستوى5 أشخاصاً متواضعين. لذلك تعرف على سبب أهمية التواضع وتأكَّد من أنَّك تفهم من الناحية العاطفية وبشكلٍ عميق لماذا يُعَدُّ التكبُّر هداماً لهذا الحد. تأكَّد بعد ذلك من أنَّك تتصرف بطريقة متواضعة، على سبيل المثال، كلما حقَّق فريك نجاحاً تأكَّد من الإشارة إلى فضلهم في تحقيق هذا النجاح نتيجةً للعمل الجاد المبذول من قِبَلهم. في المقابل يجب عليك بصفتك قائداً تحمُّل المسؤولية عن الجهود التي يبذلها فريقك حتى عندما تسير الأمور في الاتجاه الخاطئ.

 

اقرأ أيضاً: 32 قول وحكمة عن أهمية التواضع

 

نصيحة:

أظهرت الأزمة المالية التي حدثت بين العامين 2007 و2008 العديد من الأمثلة عن قادةً متكبِّرين، ويمجدون أنفسهم قادوا منظماتهم نحو الدمار. لقد كان من الممكن تجنُّب هذه القدر من الفوضى لو أنَّ لجان التوظيف وظَّفت قادةً من المستوى5. التواضع أمرٌ مهم حتى عندما يتعلق الأمر بالتوظيف.

2- اطلب المساعدة:

يُنظر إلى قادة المستوى5 في بعض الأحيان على أنَّهم أشخاصٌ "ضعيفون" وذلك لأنَّه يطلبون المساعدة عندما يحتاجون إليها. ولكنَّ تعلُّم كيفية طلب المساعدة يُعَدُّ إحدى نقاط القوى الحقيقية لأنَّه يتيح لك الاستعانة بخبرة شخصٍ ما في مجالٍ لا تمتلك أنت فيه الخبرة نفسها التي يمتلكها هو. إلامَ يؤدي ذلك؟ يكسب الفريق بأكمله أو المنظمة بأكملها وليس أنت فقط.

ابقِ الكلمات الآتية التي يقولها "جاي كاوازاكي" (Guy Kawasaki) محفورةً في ذاكرتك: "يوظف صاحب العمل الجيد موظفين ممتازين، في حين يوظف صاحب العمل المتوسط موظفين سيئين". إذا كنت توظِّف موظفين ممتازين فلماذا لا تحصل على أقصى استفادةٍ من مهاراتهم؟ (في الواقع إذا كان في إمكانك توظيف أشخاصٍ ممتازين بشكلٍ ناجح وتحقيق أقصى استفادةٍ منهم فقد أصبحت أنت مديراً ممتازاً).

3- تحمَّل المسؤولية:

إحدى أبرز الميزات التي يتمتع بها قادة المستوى5 هي أنَّهم يتحملون مسؤولية الأخطاء التي يرتكبها فريقهم والإخفاقات التي يقع فيها. لذا تأكَّد من أن تكون مسؤولاً عن تصرفاتك (وتصرفات فريقك).

4- طوِّر انضباطك:

يُعَدُّ قادة المستوى5 منضبطين للغاية في عملهم. فعندما يلتزمون بعملٍ ما فإنَّهم يوفون بهذا الالتزام بغض النظر عن مدى صعوبة العمل. عندما تعلم من داخلك أنَّك محق لا تسمح للمتشائمين بثنيك عن أداء عملك. من المهم دوماً بالطبع الاستماع إلى مختلف الآراء ولكن لا تسمح للخوف بالتحكم بك عندما تتخذ قراراً أو تغيِّره.

5- جِدْ الأشخاص المناسبين:

يعتمد قادة المستوى5 على الأشخاص المحيطين بهم. فهم يخصصون وقتاً لإيجاد الأشخاص المناسبين ومساعدتهم على إبراز أقصى إمكاناتهم. إذا كنت قائداً أو مديراً بالفعل فإنَّك تعرف من دون تفكيرٍ على الأرجح من هم أفضل الأشخاص. ولكن يجب عليك في بعض الأحيان التحقق من ذلك حيث تُظهر لك مقالتنا حول نظرية التبادل بين القائد والعضو كيف تقوم بذلك بحيث تحصل على أفضل ما لدى كلِّ عضوٍ من أعضاء فريقك.

 

اقرأ أيضاً: 8 صفات واضحة تدل على الموظف الفاشل

 

6- مارس القيادة بشغف:

يشعر قادة المستوى5 بالشغف تجاه ما يقومون به ولا يخافون من إظهار هذا الشغف. عندما تُظهِر لأعضاء فريقك أنَّك تحب ما تعمل وتؤمن به فإنَّهم سيحبون ما يعملون وسيؤمنون به أيضاً. إذا كنت تواجه صعوبةً في الشعور بالشغف تجاه عملك فيجب عليك البحث عمَّا يقدمه هذا العمل من فائدة للإنسان. اقرأ مقالتنا حول العمل بشغف لاكتشاف كيفية إيجاد معنى لما تقوم به. من المهم أيضاً وضع رؤيا تثير الإلهام لدى موظَّفيك.

نصيحة:

استخدم ذكاءك عند تطبيق هذه الفكرة. فبعض البيئات كأماكن العمل التي يسودها قدرٌ كبيرٌ من الثقة والتي تُدار بالشكل المناسب تثير رغبتك في استخدام قيادة المستوى5. أمَّا في البيئات الي يسودها انخفاض الثقة وتعاني من الخلل فقد تضطرُّ إلى استخدام قيادة المستوى5 بحذرٍ أكبر. طبِّق هذا النهج بكل تأكيد ولكن تأكد من مراعاة "سياسات الشركة" التي تُطبَّق من حولك.

النقاط الرئيسة:

طُوِّر مفهوم قيادة المستوى5 من قِبَل "جيم كولنز". فبعد عدة سنوات من البحث اكتشف "كولنز" أنَّ جميع المنظمات الكبيرة التي أجرى دراساته عليها كان يقودها ما يُسمَّى بـ "قادة المستوى5". حيث يتمتع هؤلاء القادة بمزيجٍ فريد من الإصرار والتواضع. فهم أوَّل من يُقِرُّ بالأخطاء وآخر من يدعي الفضل في تحقيق النجاح. يمكنك العمل على تطوير المهارات والميزات الآتية لكي تصبح قائداً من المستوى5:

  1. التواضع.
  2. طلب المساعدة.
  3. تحمُّل المسؤولية.
  4. الانضباط.
  5. إيجاد الأشخاص المناسبين.
  6. القيادة بشغف.

 

المصدر: هنا




مقالات مرتبطة