قوة الحديث الإيجابي مع الذات عند القيادة في الأزمات

سواء كنتَ تعمل عن بُعد، أم تعمل لساعات إضافية، أم تواجه صعوبةً في العثور على عمل، أم كل ما سبق، من المحتمل أن يكون وباء فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية قد سبَّبا أزمةً لفريقك؛ وهذا يعني -بصفتك قائداً- أنَّ عملك أصبح أصعب بكثير.



يتطلع الناس خلال الظروف الصعبة إلى قادتهم للحصول على إرشادات حول ما يجب القيام به وكيفية القيام به؛ لذا أنت لا تتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات الصعبة فحسب؛ بل تتجه الأنظار كلها إليك كونك تتحمل مسؤولية أن تكون قدوةً يُحتَذى بها، بما في ذلك إدارة ردود أفعالك.

لكن بصفتك إنساناً، تشعر بمشاعر الخوف والقلق والتوتر نفسها التي يشعر بها أعضاء فريقك، إذاً ما الحل؟ قد يبدو هذا تافهاً، لكنَّ الأدلة العلمية تُظهر أنَّ الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك تؤثر في كيفية تعاملك مع التوتر وفي نظرة الآخرين إليك.

كيف تستفيد من قوة الحديث الإيجابي مع الذات؟

سواء كنتَ تتحدث بصوت عالٍ، أم بصوت منخفض، أم كنتَ تسجل أفكارك في دفتر يومياتك، اتَّبِع هذه النصائح للاستفادة من قوة الحديث الإيجابي مع الذات عند القيادة خلال الأزمات:

1. توقَّف عن استخدام ضمير المتكلم:

وجدَت الدراسات التي أُجرِيت في جامعة ميشيغان (University of Michigan) أنَّ الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم باستخدام "ضمير المخاطب" (مثل: "أنت تقوم بعمل رائع") أو باستخدام أسمائهم الخاصة (مثل: "عمل رائع، يا كاثلين!") بدلاً من استخدام "ضمير المتكلم" (مثل: "أنا أقوم بعمل رائع) حقَّقوا أداءً أفضل في المواقف المجهدة. وعلى وجه التحديد، يتمتع الأشخاص الذين اختارتهم الدراسة عشوائياً لممارسة الحديث مع الذات باستخدام ضمير المخاطب بما يلي:

  • يتجاوزن الضغوطات الاجتماعية بصورة أسرع.
  • قيَّمهم الآخرون على أنَّهم يتركون انطباعات أولية أفضل.
  • كان أداؤهم أفضل في تحدي الحديث أمام الناس.
  • ينظرون إلى المهام الشاقة على أنَّها تحديات وليست تهديدات.

وجدَت أبحاث أخرى نتائج مماثلة، حيث نظرَت في كيفية تحدُّث القادة مع أنفسهم ووجدَت أنَّ القادة الذين يتحدثون مع أنفسهم باستخدام ضمير المخاطب هم "أقل عرضةً للخروج عن مسارهم"، وفقاً لأقرانهم. وعلى الجانب الآخر، حصل القادة الذين يستخدمون ضمير المتكلم "أنا" على تقييمات أداء أدنى من قِبَل مديريهم وتصورات أعلى لاحتمال الانحراف عن مسارهم من قِبَل أقرانهم.

يعتقد الباحثون أنَّ خدعة استخدام ضمير المخاطب ناجحة؛ لأنَّها تجعل القادة يتراجعون خطوةً إلى الوراء ويرون الصورة الكبيرة للأمور بموضوعية أكبر، كما أنَّها تُوفِّر طريقةً سهلة إلى حد ما لتنظيم عواطفك والاستفادة من ضبط النفس، وهو أمر هام بشكل خاص في أوقات الأزمات.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لممارسة التحدث الإيجابي إلى الذات من أجل تحقيق النجاح

2. تحدَّث مع نفسك كما لو كنتَ تتحدث مع أقرب صديق لك:

هل تريد العمل مع شخص يعتقد أنَّ الصراخ واستخدام كلمات نابية هو جزء من الخطاب التحفيزي؟ إذا كانت إجابتك لا، فلا تفعل ذلك لنفسك أيضاً.

وجدَت الدراسة المذكورة أعلاه أنَّ القادة الذين شتموا أنفسهم في رسائلهم كانوا أقل فاعليةً من وجهة نظر الآخرين (على الرغم من أنَّهم لم يقرؤوا تلك الرسائل مطلقاً).

فحصَت دراسة أخرى نوعين من الحديث الذاتي في ما يقرب من 200 رسالة كتبها كبار المديرين التنفيذيين لأنفسهم، لفهم مدى قوة الحديث الإيجابي مع الذات:

  • الحديث الذاتي البنَّاء: تضمَّنَت الرسائل تعليقات مدروسة وجديرة بالاهتمام، وتحفيزية ووجيهة وتدل على الذات.
  • الحديث الذاتي السلبي: تضمَّنَت الرسائل تعليقات شديدة الانتقاد أو مفرطة التركيز على الجوانب السلبية في المواقف الصعبة.

تبيَّن أنَّ الحديث الذاتي البنَّاء يرتبط ارتباطاً إيجابياً بالقيادة الفاعلة وسلبياً بضغوطات العمل، أما الحديث الذاتي السلبي، فكلُّ ما يفعله هو تدمير الإبداع.

باختصار؛ كلماتك هامة، حتى لو كنتَ الوحيد الذي يسمعها (أو يقرأها)، ولكن إليك خدعة بسيطة تساعدك في تغيير مسار أفكارك: تحدَّث إلى نفسك بالطريقة التي تتحدث بها مع أفضل صديق لك، وكن صادقاً، ولكن لا توبِّخ نفسك، وقدِّم الطمأنينة والتحفيز، ولا تتحدث عن كل الأخطاء التي ارتكبتَها.

إقرأ أيضاً: 5 أنواع من الحديث مع النفس يُحبِّها العقل أكثر من غيرها

3. راقِب أنماط التفكير المشوَّهة:

نحب أن نعتقد أنَّ أفكارنا ومشاعرنا هي انعكاسات موضوعية للواقع، لكنَّ الأمر ليس بهذه البساطة؛ فقد أثبت علماء النفس منذ فترة طويلة أنَّ الأفكار قابلة للتشوه، خاصة في أوقات التوتر، وتشمل الأمثلة الشائعة:

  • التفكير الثنائي: الميل إلى رؤية الموقف إما بطريقة أو بأخرى، أو الحصول على كل شيء أو لا شيء (إذا ألغوا هذا المشروع، فلا شيء أنجزتَه في العمل يهم).
  • التهويل: التفكير فوراً في أسوأ سيناريو (يقول: إنَّ لديه أخباراً سيئة؛ سوف يطردوننا من عملنا جميعاً).
  • الإفراط في التعميم: انتقاء حادثة وتعميمها على نطاق واسع جداً (لا تصغِ إلى أفكاري أبداً، أو إنَّه ينظر إليَّ دائماً).

يعتقد بعض الباحثين أنَّ هذه "التشوهات المعرفية" قد تكون آلية بقاء لمساعدة الأشخاص على التعامل مع الإجهاد لفترات طويلة، ففي النهاية، قد يساعدك التفكير في أسوأ سيناريو في النجاة منه في حال تحقَّق، ومع ذلك، قد تصبح أنماط التفكير هذه اعتيادية وتؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة والتعرض للتوتر والقلق. في الواقع، كان القادة الذين أبلغوا عن تشوهات معرفية باستمرار أكثر عرضةً للإرهاق، لكنَّ الخبر السار هو أنَّه بمجرد إدراكك لهذه التشوهات، يمكِنك تمييزها وعدم السماح لها بتضليلك؛ حيث وجدَت إحدى الدراسات حول التشوهات المعرفية للقادة أنَّ استخدام استراتيجيات تنظيم المشاعر - مثل: التراجع عن أفكارنا، أو التفكير في وجهات نظر أخرى - يعمل بمثابة حاجز يمنع التشوهات المعرفية من المساهمة في الإرهاق.

4. احمِ نفسك قبل مساعدة الآخرين:

عندما يواجه فريقك والعالم كله أزمةً عالمية، قد يبدو التركيز على الحديث الذاتي أنانياً أو غير منطقي، ومع ذلك، تذكَّر النوع الوحيد من التدريب على الأزمات الذي حصل عليه معظمنا: وهو التدريب في شركات الطيران التجارية حول ما يجب القيام به في حالات الطوارئ، والذي يتضمن معرفة المخارج والمحافظة على هدوئك والتأكد من حماية نفسك قبل مساعدة الآخرين، لأنَّك لن تستطيع مساعدة أحد ما لم تكن آمناً ومطمئناً؛ فإن كنتَ تريد حقاً بذل قصارى جهدك لقيادة فريقك خلال الأزمات، فحافِظ على هدوئك، وافهم ما يَحدث من حولك، وابدأ بقيادة نفسك، فقد تكون الخطوة الأولى بسيطةً مثل إخبار نفسك: "يمكِنك القيام بذلك".

المصدر




مقالات مرتبطة