قوة التواضع في عالم لا يتوقف عن التباهي

لماذا يقلُّ تواضعنا كلما ازداد مالنا، وحققنا المزيد من الإنجازات، تاركين الفرصة لكبريائنا بالسيطرة علينا؟ هل لأنَّنا نربط التواضع بالفقر والاعتزاز بالثراء؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة لومينيتا سافيوك (Luminita D. Saviuc)، وتُحدِّثنا فيه عن التواضع من وحي تجربتها ووجهة نظرها.

إذا كان الأمر على هذا النحو، فلتعلم أنَّ التواضع لا علاقة له بممتلكاتك المادية، سواء كنت غنياً أم فقيراً؛ بل إنَّ الأمر بكل تفاصيله يتعلَّق بصلتك مع الحقيقة وتذكرك لطبيعتك وأصلك.

كبريائي وعودتي إلى التواضع:

لم أنظر إلى نفسي أبداً على أنَّني شخص متكبر ومتبجِّح،  ففي الحقيقة، كنت أفكر دائماً في نفسي على أنَّني شخص متواضع جداً، لكن من خلال تجارب حادة ومؤلمة خضتها في حياتي على مر السنين؛ فقد أدركت وجود كثير من الظلام والكبرياء والغرور في داخلي، وكان كل هذا الكبرياء يجعلني أبتعد عن العالم من حولي.

لقد مررت بظلام في روحي، وكنت قادرة من خلال تجربتي هذه على الرؤية والشعور بمدى كمية الألم التي تأتي بسبب تشبثنا بالتكبر من خلال تنحية التواضع جانباً والاعتقاد بأنَّنا "نحن" أكثر خصوصية وقيمة من باقي البشر، وكما وصف الكاتب إرنست همنغواي (Ernest Hemingway) الأمر بطريقة جميلة جداً: "لا يوجد شيء نبيل في أن تكون أسمى من أخيك؛ فيكمن النبل الحقيقي في تفوقك على ذاتك السابقة".

الكبرياء هو الخوف؛ والخوف يُفرِّق، والتواضع هو الحب؛ والحب يوحِّد:

غسل هذا العالم الذي نعيش فيه أدمغتنا، وجعلنا نعتقد أنَّه بدلاً من حب ودعم بعضنا بعضاً، علينا التنافس وهزيمة جميع الأشخاص الذين قد يعترضون طريقنا، لكن هل توقفت يوماً للحظة، وفكرت فيما إذا كانت هذه الطريقة التي تعيش فيها حياتك صحيحة؟

إنَّني أتساءل عمَّ إذا كنت قد توقفت يوماً للحظة، وتأملت فيمَ إذا كان الأمر يستحق إنفاق الوقت والجهد في محاولة إظهار للعالم كم أنت متميِّز، وأنَّك تستحق في الواقع التأييد ونيل الاستحسان.

"لا يصمد من يقف على رؤوس أصابعه، ومن يستعجل الأمور لا يحقق شيئاً، ومن يحاول أن يشع نوره، يخفت ضوؤه، ولا يمكن لِمن يُعرف نفسه أن يعرف من هو" - الفيلسوف لاو تزو (Lao Tzu)

لا يبدو أنَّنا نفهم إلى أي مدى نؤذي أنفسنا وكل من حولنا من خلال تكبُّرنا، وإلى أي مدى نبتعد عن حقيقتنا وجوهرنا، عندما نحاول أن نُثبت تميزنا وأنَّنا أفضل ممن حولنا.

"الكبرياء هو سرطان روحي، فهو يهدر كل فرصة لوجود الحب والرضى وحتى الفطرة السليمة" - الكاتب سي إس لويس (C.S. Lewis)

يُفرق الكبرياء بيننا؛ إذ يجعلنا نعتقد أنَّنا أفضل من إخوتنا وأخواتنا، وهذا بدوره يجعلنا ننظر باستخفاف إلى الناس، فنفشل في إدراك أنَّ ما نفعله من أجل إنسان واحد، نفعله لجميع البشر، وأنَّه من خلال النظر إلى الآخرين بازدراء، سينظر الآخرون إلينا بازدراء أيضاً، وهذا ما يجعلنا نصل إلى المكان الذي نشعر فيه بأنَّنا وحيدون ومنفصلون عن العالم من حولنا وعن أنفسنا أيضاً.

"لن تتمكن من معرفة الله ما دُمت متكبراً، فالشخص المتكبر دائماً ما ينظر إلى الأشياء وإلى الناس نظرة ازدراء، ولأنَّك تنظر إلى الأسفل؛ لا يمكنك بالطبع رؤية ما يوجد فوقك" - الكاتب سي إس لويس (C.S. Lewis)

شاهد بالفيديو: 7 صفات أساسيّة يتميّز بها القائد المتواضع

قوة التواضع:

يتحدث لاو تزو (Lao Tzu) في كتابه "الحكيم تاو تي تشينغ" (Tao Te Ching)، الذي كتبه منذ أكثر من 2500 عام، عن قوة التواضع بطريقة لا يستطيع وصفها سوى عدد قليل من الناس:

"تصبُّ الجداول كلُّها في البحر لأنَّه أدنى من جميعها، فالتواضع هو ما يمنحه قوته؛ فإذا كنت تريد أن تحكم الناس، فعليك أن تحترمهم، وإذا كنت تريد قيادة الناس، يجب أن تتعلَّم كيف تتبعهم".

إنَّ التواضع يمنحنا القوة، التواضع لا الكبرياء، وأولئك الذين يعيشون مع الحقيقة ويتماشون مع جوهرهم وينسجمون مع أنفسهم، يعرفون أنَّ هذا الأمر صحيح، في حين يفترض البقية أنَّ التواضع للضعيف والمسكين.

إقرأ أيضاً: فن التواضع في الثقة

في الختام:

إنَّ التواضع جزء من طبيعتنا ويمكن أن يساعدنا على العودة إلى مصدر كل الأشياء، من خلال تذكيرنا بجمالنا ونقائنا وكمالنا، ويُساعدنا أيضاً على إعادة الصلة بحقيقة هويتنا وطبيعتنا الفطرية وأصلنا المقدس، وحقيقة كل شخص آخر.

تماماً مثل الماء، إنَّ التواضع هو الحياة والقوة، والذين اتحدوا مع التواضع، اتحدوا مع الحياة ومع قوتهم الفطرية.

المصدر




مقالات مرتبطة