قوانين كرة القدم النسائية

لم تقبل النساء في أرجاء العالم أن تقتصر متعة كرة القدم بالنسبة إليهن على المشاهدة فقط، لقد أثارت المستديرة المتنقلة بين الأقدام وصفارات الحكام واهتزازات شِباك المرمى رغبتهن في دخول هذا العالم الحماسي الصاخب، وتذوق لذة انتصاراته ومرارة انكساراته، وكل مجال يكون مقتصراً على الرجال تقف النساء الطموحات أمام أسواره مطولاً، لتفتح أخيراً تحت وطأة إصرارهن وكفاءتهن، وهذا ما حدث مع كرة القدم النسائية التي واجهت مخاضاً عسيراً إلا أنَّها وجدت طريقها إلى النور أخيراً.

نفرد لكم هذا المقال عن قوانين كرة القدم النسائية وتاريخها والفرق بينها وبين كرة قدم الرجال، ونتمنى لكم قراءة ممتعة.



تاريخ كرة القدم النسائية:

يعود تاريخ كرة القدم النسائية إلى القرن الثامن عشر، وتحديداً إلى اسكتلندا التي كانت من أوائل الدول في العالم التي شجعت كرة القدم النسائية، وفيها كانت تُقام المباريات بين فرق البنات العازبات ضد فرق السيدات المتزوجات، وكانت هذه المباريات تلاقي قبولاً جماهيرياً كبيراً؛ إذ يُذكر بأنَّ الرجال كانوا يتابعون هذه المباريات ويختارون على إثرها عروساً من اللاعبات للزواج بها بما يتلاءم مع قدراتهم الكروية، وتُعدُّ إنكلترا أيضاً من الدول التي كانت سبَّاقة في دعم كرة القدم النسائية؛ إذ تشكَّل عام 1885 دوري كرة القدم للنساء.

أما النهضة الحقيقية في تاريخ كرة القدم النسائية، فكانت في القرن العشرين؛ إذ تنامى الاهتمام بها حتى وازت كرة القدم الخاصة بالرجال، ولعل السبب وراء ذلك هو التفات الرجال إلى الحرب العالمية الأولى، مما فتح أمام كرة القدم النسائية آفاقاً جديدة لم تكن لتخضها من قبل.

لكنَّ الاتحاد الإنكليزي عام 1921 قام بخطوة تعسفية وهي إصدار قرار بإيقاف كرة القدم النسائية وحظر كامل اللعبة في إنجلترا، مما وضع العصي في عجلة تقدُّم هذه اللعبة، مستنداً إلى دعم الأطباء الزاعمين بأنَّ كرة القدم غير مناسبة للتكوين البنيوي للنساء، وأنَّها من الممكن أن تتسبب لهنَّ بأضرار جسدية لا يمكنهن التشافي منها.

لكنَّ النساء أصرَّين على التمسك بها، ووجدن في ممارسة هذه اللعبة تعويضاً عن قسوة الحياة التي عشنها في ظل الحرب العالمية الأولى، فبعدما اضطررن للخروج إلى أسواق العمل ومصانع الأسلحة، بتن يشكلن فرقاً كروية تابعة لكل معمل، تتنافس فيما بينها على الفوز في مباريات كرة القدم النسائية.

لعلَّ أشهر الفرق في ذلك الوقت كان فريق مصنع الذخائر ديك، والذي أُسِِّس عام 1917، ولم يلبث أن يصبح أشهر فريق نسائي لكرة القدم في المدينة بأسرها.

لاقت كرة القدم النسائية رواجاً كبيراً بين جموع المتفرجين، واجتذبت أصحاب رؤوس الأموال للتبرع لها، والتي كانت تذهب للأعمال الخيرية والجهود الحربية، وعلى الرَّغم من كون مفهوم كرة القدم النسائية مفهوماً حديث العهد إلا أنَّه نال استقلاليته التامة، وحصد الاعتراف الصريح بكينونته وشرعيته.

لم يفك الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم الحظر عن كرة القدم النسائية، إلا في عام 1971؛ إذ سمح للنساء باللعب في ملاعبه والاستئناس بتحكيم حكامه، على الرَّغم من أنَّ الاتحاد النسائي لكرة القدم أسسه 44 عضواً منذ عام 1969، وفي عام 1991 قام اتحاد كرة القدم العالمي بإنشاء دوري وطني يضم 24 فريقاً خاصاً بكرة القدم النسائية، وفي عام 2000 أصبح عدد الفرق النسائية 4500 فريقاً بعد أن كان عددهم 500 فريق عام 1993.

لم تتوانَ النساء عن خوض تجربة كأس العالم لكرة القدم، وكان أول كأس عالم لكرة القدم النسائية عام 1991، وكانت الصين هي المستضيف الأسبق لهذه الظاهرة.

شاهد بالفيديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية

قوانين كرة القدم النسائية:

فيما يأتي قوانين كرة القدم النسائية، والتي نبدؤها بما يتعلق بتكوين الفريق:

قوانين تكوين فريق كرة القدم النسائي:

  1. يتألف فريق كرة القدم النسائي من إحدى عشرة لاعبة أساسية، من ضمنهن حارسة المرمى.
  2. لاعبات الاحتياط اللاتي يجلسن على دكة البدلاء، ويكنَّ في طور الجاهزية للنزول إلى أرض الملعب في حال تعرضت واحدة من اللاعبات الأساسيات للإصابة.
  3. امتثالاً لقوانين الفيفا، يُسمح بإجراء ثلاث عمليات تبديل للاعبات من داخل الملعب بأخريات من دكة الاحتياط، أما في المباريات الودية فيكون عدد عمليات التبديل غير محدود، من أجل إتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من اللاعبات بالمشاركة وإثبات أنفسهن.
  4. من الضروري أن تتحلى جميع اللاعبات بالروح الجماعية والتخلي عن الأنانية، كون كرة القدم تُعدُّ من الألعاب الجماعية التي توجب تعاون جميع أعضاء الفريق.

قوانين اللعب في كرة القدم النسائية:

  1. تنص القوانين على أنَّ مدة مباراة كرة القدم النسائية 90 دقيقة، مقسمة إلى شوطين مدة كل منهما 45 دقيقة، تتخللهما استراحة مدتها 15 دقيقة.
  2. ترتدي جميع لاعبات فريق كرة القدم النسائية الزي نفسه من ناحية اللون والشكل باستثناء حارسة المرمى التي ترتدي زياً مختلفاً.
  3. يُمنَع منعاً باتاً على أي لاعبة من لاعبات الفريق لمس الكرة بيديها، باستثناء حارسة المرمى.
  4. ينطبق قانون التسلل أيضاً على مباريات كرة القدم النسائية؛ إذ يُمنع على لاعبات الفريق استقبال الكرة من زميلاتهن إذا ما كنَّ أقرب إلى مرمى الخصم من لاعبات فريقه، ويُحسَب تسللاً.
    يُعدُّ قانون التسلل من أعقد القوانين في كرة القدم وأكثرها إثارة للمتاعب، فهو غالباً ما يثير الخلافات بين اللاعبات بعضهن ببعض وبينهن وبين الحكام بسبب حساسيته البالغة، ولقد استُحدثت تقنيات عديدة للتأكد منه أهمها تقنية الفار؛ وذلك من أجل التأكد من صحة الأهداف.
  5. الضربات الحرة التي تنقسم إلى نوعين: ضربات حرة مباشرة، وضربات حرة غير مباشرة، وتُمنح الضربة الحرة للفريق الذي تتعرض إحدى لاعباته لخطأ مقصود أو غير مقصود من قبل لاعبات الفريق الآخر؛ إذ يُقيَّم الخطأ وتُمنح الضربة الحرة (المباشرة أو غير المباشرة) على أساس هذا التقييم؛ ففي حال تعرضت لاعبة لعرقلة من قبل لاعبة أخرى من الفريق الخصم، ولم تتبين طريقة العرقلة إذا كانت قانونية أو لا، تقوم الحكم بمنح اللاعبة التي تعرضت للعرقلة ضربة حرة غير مباشرة، وهذا يعني أنَّها ستقوم بركل الكرة من المكان الذي عُرقلَت فيه، أما الضربة الحرة المباشرة، فستُمنح للفريق الذي تدفع إحدى لاعباته أو تسحب لاعبة أخرى من فريق الخصم أو الذي تقوم لاعبة من لاعبات خصمه بلمس الكرة أو إمساكها.
  6. تتميز ركلة الجزاء عن الركلة الحرة المباشرة بموقع العرقلة أو السحب، فإذا ما كانت في حدود المرمى يعطى الفريق ركلة جزاء، أمَّا إذا كانت خارجها فيمنح ركلة حرة مباشرة.

 

مهمة الحكم في كرة القدم النسائية:

في كرة القدم النسائية تكون وظيفة الحكم كما يأتي:

  1. من مهام حكم الوسط في كرة القدم النسائية أن تتمتع بسمات عديدة، أهمها قوة الشخصية والرشاقة واللياقة البدنية، فضلاً عن كونها ناجحة وقادرة على الوجود دوماً بقرب الكرة واللاعبة التي تستحوذ عليها.
  2. يجب أن تتمتع الحكم بسرعة البديهة والشجاعة والقوة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة مثل طرد اللاعبات أو منح فريق ركلة جزاء خلال وقت قصير.
  3. كما أنَّه من مهام الحكم إعطاء صافرة بداية المباراة وانتهاء الأشواط وانتهاء المباراة، إضافة إلى امتلاك عين نسر لملاحظة أيَّ خطأ.
  4. تقع على حكم الوسط مهمة تقدير واحتساب الوقت بدل الضائع في نهاية كل شوط من أشواط المباراة، كما يتعين عليها اتخاذ قرار استئناف اللعب بعد توقفه بسبب تبديل أو حالة طارئة حدثت ضمن أرض الملعب.
  5. يوجد في كرة القدم النسائية أيضاً حكم راية مهمتها مساعدة حكم الوسط، ورفع رايتها في حال حدوث تسلل، أو الإشارة بالراية في حال ارتكاب واحدة من اللاعبات خطأ ما بالقرب من مكان وجودها، كما أنَّ الإشارة لحكم الوسط عند حدوث تبديل بين اللاعبات الأساسيات ولاعبات الاحتياط هي واحدة من مهامها التي يضاف إليها رصد رميات التماس ورصد أي حالة تحدث في مرمى نظرها على أرض الملعب لم تتمكن حكم الساحة من ملاحظتها.

الفرق بين كرة القدم النسائية وكرة قدم الرجال:

إنَّ الفرق بين كرة القدم النسائية وكرة قدم الرجال ليس شاسعاً؛ فاللعبتان متشابهتان من ناحية القوانين والقواعد الرسمية للعبة، ولا يوجد أي فرق على هذين الصعيدين، أما الاختلاف بين كرة القدم النسائية وكرة قدم الرجال فيكون من ناحية المستوى والأداء النفسي والجسدي، وحتى الفني.

على سبيل المثال، في مباريات كرة القدم الخاصة بالرجال تكون وتيرة اللعب متسارعة أكثر من مباريات كرة القدم النسائية، والسبب في ذلك هو امتلاك النساء لرئات أصغر من رئات الرجال، مما يؤثِّر في لياقتهن ومستوى قوتهن خلال وقت المباراة الذي يمتد على 90 دقيقة.

إقرأ أيضاً: أغرب أنواع الرياضات في العالم

تتميز مباريات كرة القدم النسائية بعدد أهداف أكبر من مباريات كرة القدم الخاصة بالرجال، والسبب وراء ذلك هو صغر حجم الأجساد النسائية مقارنة بأجساد الرجال، مما يمنحهن مساحة أكبر على أرض الملعب تتيح لهن فرص هجوم أكثر على دفاعات الخصم؛ ومن ثَمَّ تسجيل مزيد من الأهداف.

يكمن الفرق بين كرة القدم النسائية وكرة قدم الرجال أيضاً في التحيز الإعلامي نحو كرة قدم الرجال؛ فمباريات كرة القدم النسائية أقل حظاً من ناحية التغطية الإعلامية مقارنة بنظيرتها عند الرجال.

إقرأ أيضاً: رياضيين عرب وصلوا للعالمية

في الختام:

إنَّ كرة القدم النسائية هي انتصار آخر للنساء في استحصال حقهن في المساواة مع الرجال، وهي بصرف النظر عن ذلك متعة حقيقة لعشاق هذه اللعبة من النساء، وقد استحقت هذه الشهرة والمتابعة التي حصدتها، وأثبتت بذلك أنَّها رغبة حقيقة، وأنَّه ليس في تكوين المرأة البنيوي ما يعوق ممارستها، وإنَّ كلَّ ما ينقص كرة القدم النسائية في يومنا هذا هو الإضاءة الإعلامية الكافية على مبارياتها وكأس العالم الخاص بها، لتهز بكل جدارة العرش الكروي لكرة قدم الرجال.




مقالات مرتبطة