قمع المشاعر وأضراره وكيفية التخلص منه

خسر فريقي المفضَّل مباراته يوم أمس، لقد كان جميع أصدقائي يشجعون الفريق الفائز؛ لذا لم أجرؤ على إظهار حزني وانزعاجي، وشرحت لهم بمفاهيم رياضية منطقية أنَّهم يستحقون الخسارة وألقيت اللوم على الخطة والمدرب، وأنَّ هذه الأسباب تستحق هذه النتيجة، لن أبكي على خسارة فريق رياضي وفي عمر الثلاثين، وفي الحياة كوارث وفقراء وحروب.



ماتت القطة التي تربيها أمي في منزلنا، تلك التي تنتظر عودتي من عملي لتستقبلني عند الباب، وتنتظر لأجلس على الكرسي لتهرع إلى حجري، هذا الحيوان الذي شكوت له مراراً خذلان أصدقائي وقسوة مديري، ولكن بالتأكيد لن أبكي أنا الرجل في عمر الثلاثين على قطة ميتة، وماذا أقول إذا ما رأى صديقي عيني الحمراوتين؟ هل سأقول له أبكي القطة؟ إنَّها مجرد حيوان أصلاً.

بحكم النضج والعمر والرجولة وعوامل أخرى يقيِّدنا بها المجتمع أو نقيد بها أنفسنا؛ نقمع مشاعرنا التي تعتمل في صدورنا جراء الأحداث والمواقف، أحكام نطلقها على أنفسنا أو يطلقها الآخرون علينا تجعلنا نتجاهل الشعور السيئ الذي نحس به، وننكره ونتحمل آلامه في صدورنا.

"أتبكي لأنَّك خسرت وفاز أخوك في السباق؟ أنت لا تحب الخير له، أنت أناني" فتختار أن تقمع دموعك وتضحك رغماً عنك، ولكن لحظة واحدة، فـ "الخسارة مؤلمة ولو كان الرابح أخاً"، "أتبكي من أجل هذا السبب السخيف؟"، لا أحد يحق له أن يقرر مشروعية مشاعرك ويأمرك بقمعها.

ثمَّ هل تعلم أنَّ قمع المشاعر مدمِّر لك؟

عن قمع المشاعر وأضراره وكيفية التخلص منه نفرد هذا المقال.

قمع المشاعر:

إذا ما أردنا أن نضع تعريفاً لمفهوم قمع المشاعر يمكننا القول إنَّه سحب الشرعية منها، وإنكار وجودها، فإذا ما بدأ شعور ما يتسلل إلى أنفسنا جراء موقف ما، رنَّ في برمجتنا ناقوس الخطر، فننكر الشعور ونمنعه من الظهور والتعبير عن ذاته، ونَئِدُه كما كانت توءَد البنات في الجاهلية، وندفنه تحت طبقات الخجل والعار والخوف.

إنَّ قمع المشاعر يعني تجاهلنا الحاجة إلى التعبير عنها، وبدل أن نحزن إذا ما فقدنا شيئاً نحبه نتظاهر أمام الآخرين وأمام أنفسنا أيضاً أنَّ الأمر لا يعنينا، وأنَّنا لم نشعر قط بأنَّ شيئاً قد تغير، فالمشاعر السلبية أشبه بالنار، إمَّا أن تسمح لها بالتأجج والاستعار حتى تهدأ وتنطفئ أو أن تغطيها بأكوام التراب وتقطع الهواء عنها فتتفحَّم داخلك تماماً.

بعيداً عن التعبير والبلاغة، نُعرِّف قمع المشاعر بأنَّه الكبت والإنكار والمنع من الظهور على الملامح والأفعال، وهذا ما لا يمكن السيطرة عليه في أغلب الأوقات، ولكن بتكرار القمع يعتاد الإنسانُ ذلك فيصبح قاسياً ويفقد ميزة التعاطف مع الآخرين.

إنَّ قمع المشاعر عادة ما يرافق تأنيبَ الضمير أو تأنيب المجتمع؛ فإذا ما بكى رجل لسبب وفاة والدته مثلاً فإنَّ المجتمع الشرقي سوف يلومه كيف يبكي وهو رجل، وهو أيضاً إذا ما تربَّى في هذا المجتمع سيجلد ذاته أيضاً فيزيد عبؤه النفسي؛ ففوق مشاعر الحزن التي تعتريه يشعر بالعار من دموعه، والخجل من رؤية الآخرين لها، وربَّما تتفاقم الأمور ويُعِدُّ ذلك ضعفاً في إيمانه، فكيف يبكي الموت وهو قضاء الله وقدره؟

أضرار قمع المشاعر:

قد لا يدرك بعضهم أضرار قمع المشاعر، والأخطار التي تهدد صحة الإنسان النفسية والجسدية إذا ما لجم مشاعره ومنعها من الطفو على ملامحه وتصرفاته، فإنَّ أضرار قمع المشاعر تظهر على الناحية الجسدية والناحية النفسية، سوف نوضح ذلك كما يأتي:

أضرار قمع المشاعر على الصحة النفسية:

كثيرة هي أضرار قمع المشاعر على الصحة النفسية، ودون مبالغة هي سبب مباشر لكثيرٍ من الأمراض والاضطرابات النفسية، ولعلَّ أبرز أضرار قمع المشاعر على الصحة النفسية للإنسان هي إصابته بالقلق والتوتر، فثمَّة مشاعر محتجزة لم يجد لها المرء تعريفاً ولا منفساً للخروج تؤثر سلباً في سيرورة حياته وانتظام أفكاره.

قد يتسبب قمع المشاعر بالاكتئاب ومشكلات في النوم التي تنسحب تبعاتها السلبية هي الأخرى على حياة الإنسان، وإنَّ اضطرابات النوم تحدث بسبب المشاعر التي يكبحها الإنسان فتتخزن في عقله اللاواعي وتخرج على هيئة كوابيس وأحلام مزعجة، فيصاب الإنسان بالأرق ويعجز عن الحصول على الكم والنوع الوافرين من النوم؛ فالدماغ يبقى مستيقظاً يحاول استيعاب هذه المشاعر التي لم يُعبَّر عنها فيكون النوم القلق الذي يستيقظ الإنسان بعده منهكاً لا مرتاحاً.

شاهد بالفيديو: كيف تتحلَّى بالاتزان العاطفي وتطبقه في الحياة اليومية؟

أضرار قمع المشاعر الجسدية:

يتسبب قمع المشاعر بأضرار على الصحة الجسدية، ومن بين أضرار قمع المشاعر على الصحة الجسدية نذكر:

1. الشعور بالتعب:

يُعَدُّ الشعور بالتعب من أشهر أضرار قمع المشاعر على الصحة الجسدية، فالشعور عبء ثقيل ينهك جسدك عندما يحمله فترات طويلة، وهو يسبب طاقة عقلية غير قابلة للتفريغ؛ فتؤدي بذلك إلى الشعور بالإرهاق والاستنزاف النفسي والوهن الجسدي.

عندما تتعب نتيجة قمع مشاعرك تشعر بأنَّ جرَّافة قد دهستك فلم تعد تقوى على النهوض، وتحسُّ بأنَّ أفكارك مشتتة وغير منتظمة، وأنَّ المهام تتراكم عليك وأنت عاجز عن الحراك ومعرفة الأسباب، وعليه فإنَّ العودة إلى شعورَي الهدوء النفسي والخفة الجسدية يتطلب منح المشاعر مساحة من الحرية تعبر بها عن نفسها.

2. الإصابة بأمراض عضوية:

من أضرار قمع المشاعر على الصحة الجسدية أنَّه يتسبب بخلل في أعمال الأعضاء الحيوية في الجسد، ولعلَّ أكثر الأعضاء عرضة للتأثر هي الغدد الصماء والجهاز المناعي والعقد اللمفاوية، وتزداد احتمالات إصابة الجسد بأمراض خطيرة كالسرطانات.

السبب الكامن وراء ذلك هو طاقة الشعور المكتوم والمقموع، الذي لا يجد مخرجاً عاطفياً فيسبب للجسد الضغط والتوتر اللذين يفعلان الفعل سابق الذكر.

3. الاضطرابات الهضمية:

الاضطرابات في عمل الجهاز الهضمي من غثيان وإمساك وإسهال وانتفاخ وإقياء تندرج ضمن أضرار قمع المشاعر على الصحة الجسدية؛ فكتمان المشاعر يؤثر في الجهاز المعوي الذي يرتبط بالدماغ ارتباطاً وثيقاً فيتأثر بالضغوطات المستمرة التي يتعرض لها الأخير جراء احتباس المشاعر، ويعبر عن تأثُّره بطريقته.

4. الربو والحساسية:

حساسية الجهاز التنفسي ونوبات الربو مصنفة أيضاً ضمن أضرار قمع المشاعر، هذا السلوك الذي يحفِّز إصابة الجسم بالالتهابات؛ فعندما تنعدم طرائق التعبير عن المشاعر وتحاصر العواطف السلبية من حزن وغضب ويأس أعضاء الجسد تظهر ردود فعل التهابية عليها؛ فتتورم العينان ويصاب الإنسان بالرشح والالتهابات المزمنة التي تؤثر سلباً في جهاز المناعة وتخدعه؛ فيظن أنَّ لديه مشكلات خطيرة في الصدر كالسعال والاحتقان الصدري المزمنين، التي تتسبب أحياناً بالإصابة بالربو وأنواع أخرى من الحساسية.

إقرأ أيضاً: مرض الربو وأهم النصائح لعلاجه والوقاية منه

5. الأكزيما:

من قد يخطر في باله أنَّ الأكزيما من أضرار قمع المشاعر على الصحة الجسدية؟ في الحقيقة هي كذلك؛ فالأكزيما هي إحدى المشكلات الجلدية المرتبطة بقمع المشاعر، وتظهر بصورة حادة وشديدة لا يمكن التشافي منها إلا بزوال العبء العاطفي الذي تسبب بحدوثه أساساً.

6. الأمراض القلبية:

هي أيضاً من أضرار قمع المشاعر البديهية أصلاً؛ فنحن جميعاً نؤمن بأنَّ القلب هو خزَّان المشاعر، ومن ثمَّ فإنَّه سيتأثر بالتأكيد بالحمولة الزائدة منها، فإنَّ وظائف الدماغ والقلب مترابطة؛ فكتمان مشاعر الغضب في الدماغ مثلاً يؤثر في أداء القلب لوظائفه باتزان، الأمر الذي يعززه الدماغ مسبباً بذلك النوبات القلبية.

7. تفاقم الإصابات:

كما يسبب تفريغ المشاعر المكبوتة تسريع عملية التشافي فيسبب قمع المشاعر وكتمانها تفاقم حالات المرض، إنَّها الآلية ذاتها ولكن بطريقة مناقضة، إنَّ كتم المشاعر السلبية يسبب تفاقماً في المناطق المصابة وتأخيراً لحالات الشفاء، ويمكن مراقبة تأثير قمع المشاعر السلبية في الجروح؛ إذ لا يمكن لجرح أن يتعافى إلا بزوال المشاعر السلبية وتحريرها.

كيفية التخلص من قمع المشاعر؟

فيما يأتي نصائح عن كيفية التخلص من قمع المشاعر:

1. اعترف بالشعور:

لا يمكن أبداً التخلص من شعور لا نعترف به، فلنعترف لأنفسنا أولاً أنَّنا نشعر بالغضب أو الحيرة أو التردد أو الغيرة، لنسمِّ الأمور بمسمياتها؛ فهذا أول طريق الحل.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لكي تعبر عن مشاعرك بالطريقة الأمثل

2. اعترف بشرعية الشعور دون أحكام:

أن تغار من صديقك لا يعني أنَّك صديق سيئ، وأن تغضب من كلام والدتك لا يعني أنَّك ابن عاق، فالمشاعر أمر طبيعي وخارج عن السيطرة والتحكُّم؛ لكنَّ السيطرة على أفعالك وكلماتك هي مسؤوليتك الكاملة.

3. تسامح مع ذاتك:

لنفترض أنَّك اقترفت في مراهقتك خطأ ما، هل ستعيش بقية عمرك تجلد نفسك ندماً على ما فات؟ تقبَّل طيشك في ذلك الوقت وسامح ذاتك؛ فأنت لم تكن في مستوى الوعي والإدراك الذي أنت عليه اليوم، صحح خطأك إذا كان ذلك بالإمكان.

4. فرِّغ مشاعرك ولا تنكرها:

تحدَّث لصديق مقرَّب أو أخ عن شعورك وأسبابه، اكتب في مذكرتك الخاصة، ودوِّن هذا الحدث السيئ على ورقة واحرقها أو مزقها، قف أمام المرآة واحكِ لنفسك كل شيء، اختر الطريقة التي تراها مناسبة لإزاحة هذا العبء عن كاهلك أرجوك.

5. مارِس الرياضات الروحية:

كالتأمل أو اليوغا، أو صلِّ، أو امشِ في الطبيعة واستمتع بالهواء النقي، أو تسكَّع في الأسواق وتنفس الحياة الصاخبة والازدحام وواجهات المحال التجارية، لا تختر القفص وعلى ظهرك جناحان.

في الختام:

إنَّ قمع المشاعر هو أقسى ما يمكن أن نقترفه بحق أنفسنا، وله أضرار تفرض نفسها بإحكام على صحتنا النفسية والجسدية، لنكن رحيمين بأنفسنا، ولنفتح قلوبنا ونخرج منها هذه المشاعر الحبيسة، ولنترك أرواحنا تعيش الحياة بتوازن وخفة.




مقالات مرتبطة