قصة نجاح المخترع البريطاني جيمس دايسون

قد يتبادر إلى أذهاننا عندما نقرأ عن قصص النجاح أنَّ النجاح أمرٌ سهل، وأنَّ من سبقونا إلى كتابة قصص نجاحاتهم لم يواجهوا أيَّ صعوبة، ووصلوا إلى ما هم عليه الآن بسهولةٍ وبساطة؛ لكنَّ الحقيقة أنَّ أيَّ قصَّةِ نجاحٍ تُخفي في طيَّاتها قصَّة كفاحٍ طويلةً كان الفشل بطلها الأساسي، والعُنصر الرئيس فيها.



قصَّة نجاح اليوم قصَّةٌ مُلهِمَةٌ تُعلِّمنا ألَّا نستسلم ولو فشلنا آلاف المرَّات؛ وهي قصَّة المُخترع جيمس دايسون، الذي تحوَّل من شخصٍ عاديٍّ إلى ملياردير بعد أن أفنى نفسه في المُحاولة بعد الفشل، ليتمكَّن أخيراً من ابتكار أوَّل مكنسةٍ كهربائيَّةٍ مزدوجةٍ حقَّقت ثورةً في مجال التكنولوجيا، وينطلق بعدها في مسيرته المُكلَّلة بالاختراعات الأُخرى والنجاح العظيم.

كلُّ ما تُريد أن تعرفه عن جيمس دايسون في مقالنا التالي، فتابع معنا.

من هو جيمس دايسون؟

السير جيمس دايسون، مُخترعٌ بريطانيٌّ ورَجُل أعمالٍ ومؤسِّس شركة دايسون "Dyson" المحدودة للمُنتجات الكهربائيَّة والتكنولوجيَّة. وُلِدَ جيمس في 2 مايو/ أيَّار عام 1947 في كرومر - نورفولك في إنجلترا، واشتُهِر باختراعه المكنسة الكهربائية المزدوجة بدون كيس، وأصبح اليوم من أشهر المليارديرات في العالم.

نشأة جيمس دايسون وتعليمه:

نشأ جيمس في منطقة "نورفولك" شمال إنجلترا، في كَنَف أُسرةٍ متوسِّطة الحال، وهو واحدٌ من ثلاثة أطفال، وقد توفِّي والده "إليك دايسون" بمرض السرطان، وذلك عندما كان يبلُغ التاسعة من عمره فقط، ما ترك فيه أثراً كبيراً.

لقد كان دايسون منذُ الصغر من التلاميذ المُميَّزين، وكان يقضي عطلته المدرسيَّة كلَّ عامٍ في حصاد البطاطس وبراعم البقدونس والعليق من المزارع المحلية، ليشتري بالنقود التي يحصل عليها كُتباً علميةً بسيطة.

درس دايسون في مدرسة غريشام Gresham الداخلية في هولت في مدينة نورفولك ما بين عامي (1956 - 1965)، وقد بَرَعَ في الجري لمسافاتٍ طويلة، والتي علَّمته التصميم والمُثابرة، يقول: "كنتُ جيِّداً جدَّاً في ذلك، ليس لأنَّني كنتُ لائقاً جسدياً، ولكن لأنَّني كنت أملك الكثير من التصميم. لقد تعلَّمتُ التصميم من الركض".

بعد إنهاء دراسته في مدرسة غريشام، توجَّه دايسون إلى العاصمة لندن، ليدرُس في الفنون في كُليَّة بيام شو لسنةٍ واحدة، ومن ثمَّ الأثاث والتصميم الداخلي في "الكلية الملكية للفنون" لأربع سنواتٍ ما بين عامي (1966 - 1970)، وذلك قبل الانتقال إلى دراسة الهندسة.

إقرأ أيضاً: ثلاث علماء فشلوا في بداية حياتهم الدراسيّة والمهنية

بداية حياة جيمس دايسون العملية:

عمل دايسون عقب تخرُّجه في شركة (Rotork Controls Ltd)، حيث لاقى دعماً من مديره "جيريمي فراي" الذي كان يدعم المواهب الشابَّة؛ والذي منحَ دايسون -رغم عدم امتلاكه أيَّ خبرةٍ سابقة- فرصة تصميم قاربٍ يتميَّز بُسرعةٍ كبيرة، وقد تمكَّن دايسون بمُساعدة مديره ودعمه من تصميم قارب سريع أطلق عليه اسم (Rotork Sea truck).

في عام 1974، أطلق دايسون أوَّل اختراعٍ خاصٍّ به، والذي يُدعَى "Ballbarrow"، وهو نسخةٌ مُعدَّلةٌ من العربة اليدوية، إلَّا أنَّها تعتمد على كُرَةٍ بدلاً من العَجَلَة، وتتميَّز هذه العربة بعبوةٍ بلاستيكيةٍ مصبوبةٍ على إطارٍ من الصلب، وعجلةٍ كرويةٍ بلاستيكيَّة تسمح بزيادة القُدرة على حمل أوزانٍ أكثر والتحرُّك بسهولةٍ أكبر، حيث كان يسهل ملؤها بأغراضٍ وتحريكها مُقارنةً بالعربات التقليدية الأخرى آنذاك.

ظهر هذا الاختراع في برنامج عالم الغد التلفزيوني على قناة البي بي سي، ولاقى نجاحاً تجاريَّاً، إلَّا أنَّ هذا النشاط التجاري لم يستمرَّ طويلاً بسبب المستثمرين.

من رحم الفشل يُولَد النجاح:

كانت بداية جيمس دايسون في طريق النجاح والعالميَّة في أواخر السبعينيات، حيث انزعج دايسون في أحد الأيام في أثناء تنظيفه منزله من أداء مكنسته الكهربائيَّة، والتي كان انسداد كيسها بالأتربة يؤدِّي إلى تناقُص قوَّة شفطها، فقرَّر جيمس أن يعمل على ابتكار مكنسةٍ أكثر فعاليَّة.

قضى جيمس خمسة أعوامٍ في أبحاثه على 5127 نموذجاً أوليَّاً مرَّةً بعد الأُخرى، إلى أن تمكَّن أخيراً في عام 1983 من ابتكار أوَّل مكنسةٍ مزدوجةٍ في العالم عديمة الكيس لا تفقد قوَّتها في الشفط، وتتميَّز بقدرتها على التقاط أدق جزئيات الغُبار؛ والتي أحدثت ثورةً في مجال صناعة المكانس الكهربائيَّة، وأطلق عليها اسم: "G-Force Cleaner".

تعتمد فكرة هذه المكنسة بشكلٍ أساسيٍّ على جعل الغُبار يدور بداخلها فيما يُشبه الدوامة أو الإعصار، وعليه لن تتعرَّض إلى الانسداد، أو تقلَّ قوَّة الشفط فيها كما كان يحدُث غالباً في المكانس العاديَّة، واستطاعت بذلك أن تحلَّ المشكلة اليوميَّة لفقدان قوَّة شفط المكانس.

وقد استغرق إطلاقه لمنتجه وبيعه بشكلٍ رسميٍّ قرابة العشر سنوات، والتي كادت أن تؤدِّي إلى إفلاسه، حيث اضطر دايسون في كثيرٍ من الأحيان إلى استدانة النقود، نظراً لعدم امتلاكه أيَّ مالٍ يُساعده في تطوير نموذجه الأوَّلي من المكنسة الكهربائيَّة الجديدة، كما أشاد بأحد البنوك الذي اقترض منه الأموال قائلاً: "وقف مسؤولو المصرف إلى جانبي رغم المشكلات التي تعرَّضت إليها".

قدَّم دايسون عدَّة عروضٍ إلى مصانع وشركاتٍ ومراكز أبحاثٍ بريطانيَّةٍ لدعم مشروعه، إلَّا أنَّه لم يلقى دعماً وتجاوباً من أحد؛ وفي المُقابل، لاقى دايسون دعماً كبيراً من زوجته، والتي اقتطعت جزءاً من راتبها الشهري لدعم فكرته، وعليه استطاع "دايسون" بُمساعدة زوجته إطلاق أوَّل دفعةٍ من المكانس الكهربائيَّة التي اخترعها، إلَّا أنَّ سعادته لم تكتمل، وذلك لرفض الموزِّعين في بريطانيا توزيع مكنسته، لعدم ثقتهم بهذا المنتج الجديد. وبعد محاولته مع العديد من الموزِّعين لعرض مُنتَجه، تمكَّن دايسون أخيراً من إقناع موزِّعٍ صغيرٍ في لندن من عرض مكنسةٍ أو اثنتين من مُنتَجه في المتجر، إلَّا أنَّ الموزع تراجع في اليوم التالي عن موافقته واعتذر لدايسون.

بعد العديد من المُحاولات، لم يستطع دايسون أن يَحصُل على الدعم للترويج لمُنتَجِه في بلده بريطانيا، فقرَّر أن يتركها ويُسافر إلى اليابان مع اختراعه؛ علَّه يتمكَّن من إيجاد من يروِّج له. لم تكن الأمور كما توقَّع في طوكيو، فلم يجد الفرصة التي يتمنَّاها؛ وفي المُقابل اقترحت عليه شركةٌ يابانيَّةٌ أن يعرض مُنتَجه في دليل "مُنتجاتها المستقبليَّة".

لم يجد دايسون أمامه خياراً آخر سوى الموافقة على اقتراح الشركة، وكانت المُفاجأة الكُبرى أنْ حقَّقت مكنسته مبيعاتٍ عالية خلال وقتٍ قصير - على الرغم من ارتفاع سعرها؛ وقد زاد الطلب على مكنسته في اليابان بشكلٍ كبير، ممَّا جعله يُنتِج مجموعةً كبيرةً لتغطية هذه الطلبات، ما عاد عليه بأرباحٍ هائلةٍ مكَّنته من إنشاء شركته الخاصَّة في عام 1993 تحت اسم دايسون المحدودة (Dyson Ltd) في ويلتشر بإنجلترا، كما تمكَّن من الحصول على براءة اختراعٍ لمُنتَجه من الولايات المتحدة الأمريكية.

تمكَّن دايسون من تحقيق نجاحٍ ساحقٍ في اليابان، كما فاز ابتكاره بأفضل تصميمٍ في مَعرِض المُنتجات العالمي في اليابان؛ لكنَّه لم يتوقَّف عند هذه النقطة، بل اتَّجه إلى ترويج مُنتَجه في بلده الأم بريطانيا، وقد لاقى حرباً شرسةً من قِبَل الشركات الكُبرى للمكانس الكهربائيَّة في البلاد، والتي حاربته بُكلِّ ما أُوتِيَت من قوَّةٍ ونفوذ، إلَّا أنَّ دايسون كان يثق بقدرته على الترويج لمُنتَجه في بريطانيا، فبدأ بإنتاجه وبيعه وتطويره، وأنتج المئات من هذه المكانس ذات التقنية المُستحدثة، ومن ثمَّ وزَّعها تحت إشرافه الشخصي على المحال التجاريَّة الكُبرى في لندن.

وقد حصد مُنتَجه بعد عرضه ضمن إعلانٍ تلفزيونيٍّ لأوَّل مرَّةٍ شعبيةً كبيرة، وطلباً كبيراً في الأسواق، ليُصبح أكثر المكانس الكهربائية مبيعاً في كلِّ أنحاء المملكة المُتحدة، وتمكَّن دايسون أخيراً من اكتساح السوق البريطاني. وعلى مدار 3 سنواتٍ فقط من بدء تصنيعه على نطاقٍ تجاري، استطاع المُنتَج أن يستحوذ على 20% من سوق المكانس في أمريكا، وأصبحت مكانس "دايسون" الأولى بسبب أدائها وسرعتها وجودتها العالية.

بعد نجاح اختراعه، قدَّم دايسون لاحقاً العديد من الاختراعات الأُخرى، مثل: مُجفِّف الشعر الذي يعمل دون صوت، ومُجفِّف اليدين السريع "Dyson Air Blade" الذي أطلقه في عام 2006 ولاقى نجاحاً كبيراً، كما ابتكر المروحة الكهربائية التي تعمل بدون شفرات، وحقَّقت مبيعاتٍ وصلت إلى 500 مليون يورو.

وحديثاً طلب دايسون براءة اختراعٍ لابتكارٍ جديد، حيث كشف دايسون عن صُنع سماعات رأسٍ تعمل على مُكافحة تلوُّث الهواء، كما كشفت وكالة بلومبيرغ عن براءة الاختراع التي تحمل عنوان "جهازٌ لتنقية الهواء يُمكن ارتداؤه".

إقرأ أيضاً: أبرز 10 اختراعات غيرت حياة البشر

إنجازات جيمس دايسون:

  • يُعدُّ جيمس دايسون من كبار المُلَّاك في بريطانيا، فهو واحدٌ من 25 ألف أرستقراطيٍّ يملكون نصف ما يملكه الإنجليز.
  • قُدِّر صافي ثروته في عام 2019 بـ 7.8 مليار جنيهٍ إسترليني.
  • حصل دايسون في عام 1997 على جائزة الأمير فيليب للمُصمِّمين.
  • نال دايسون في عام 2000 جائزة اللورد لويد من كيلجران.
  • نال دايسون في عام 2000 الدكتوراه الفخرية من جامعة باث.
  • نال دايسون لقب "فارس" في تكريمات عام 2007.
  • نال دايسون في تكريمات عام 2016 وسام الاستحقاق (أو إم) عن مُساهماته وإنجازاته في التصميم الصناعي.
  • حَصَلَ دايسون في عام 2017 على عضوية مؤسَّسة المهندسين الكهربائيين والإلكترونيين الفخرية.
  • حَصَلَت شركة دايسون في عام 2017 على لَقَب الشركة الأكثر شُهرةً في المملكة المُتحدة.
  • عمل دايسون في منصب رئيس مجلس الكُليَّة الملكية للفنون في لندن.
  • عمل دايسون في منصب رئيس مجلس أمناء متحف التصميم، إلى أن استقال في سبتمبر/أيلول 2004.
  • انتُخِبَ دايسون في فبراير 2019 عضواً أجنبياً في الأكاديمية الوطنية الأمريكية للهندسة.
  • يمتلك دايسون أكبر يختٍ فاخرٍ يحمل علم بريطانيا، والذي احتل المرتبة 36 في إحصائيةٍ عام 2013 لأكبر 100 يختٍ في العالم.

واليوم، لم تتوقَّف إنجازات رائد الأعمال دايسون على ما سبق، بل بادر في ظلِّ الأزمة العالميَّة التي يمرُّ بها العالم في ظلِّ جائحة كورونا إلى خدمة بلده، والعمل على توفير 10 آلاف وحدة تنفُّسٍ اصطناعيٍّ لمُحاربة فيروس كورونا. أكَّد دايسون أنَّه سيجري تصميم جهاز تنفُّسٍ جديدٍ كُليَّاً (The CoVent) مُخصَّصٍ لمرضى فيروس كوفيد-19؛ والذي يُمكن صناعته سريعاً وبجودةٍ عالية وكميَّاتٍ كبيرة.

وهكذا تمكَّن دايسون من خلال عزمه وتصميمه أن يصنع اسماً لامعاً، ويكتُب قصَّة نجاحٍ تلهم العديد من الأشخاص حول العالم.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة