قاعدة بسيطة ستساعدك في تغيير حياتك

لن تظهر لك هذه العبارة في العنوانات الرئيسة لنشرة الأخبار، ولكن من الضروري معرفتها:



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "كيندرا رايت" (Kendra Wright)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في تغيير طريقة تعاملها مع الحياة التي تعيشها.

مجتمعنا مصاب بداء الانشغال:

ينال المرء في مجتمعنا وسام شرف بسبب انشغاله، وأنا لست استثناءً، فحين كنت في الثانية والعشرين من عمري أدرجتُ هذه المهمة حسنة النية في رأس قائمة مهامي: "الذهاب إلى دار رعاية المسنين والطلب من الموظفين ترشيح أقل النزلاء استقبالاً للزوار؛ لقضاء الوقت معه والإصغاء إليه".

كانت نيتي أن أمنح بعض اللطف والمحبة لشخص حكيم يجلس وحيداً في غرفة هادئة، وأن أؤكد له أنَّه ما يزال في الذاكرة، ولكن بسبب انشغالي مرت الأيام والسنون دون أن أفي بوعدي، أليس غريباً أن ننشغل عن أهم الأشياء في حياتنا ولا نتفرَّغ لها إلا بعد قضاء مهامنا الأقل أهمية؟  

بعد مرور خمس سنوات في السابعة والعشرين من عمري قررت أنَّ الوقت قد حان لعيش القصة التي أردت أن أعيشها سابقاً، سيتضمن تقويمي الآن أكثر من مجرد مكالمات جماعية ومواعيد نهائية للعمل واحتياجات الآخرين.

في إحدى ليالي الشتاء الاستثنائية الباردة دخلت من الباب الأمامي لدار رعاية المسنين في الحي الذي أسكن فيه، فحص الموظفون قوائمهم بحثاً عن مقيم ليس لديه زوار، وكان مرشحهم يجلس بهدوء في الغرفة 202.

مشيت في الردهة الطويلة الهادئة والتوتر يعتريني، وكلما مررت بأحد الأبواب أخذت وقتي لقراءة الاسم المكتوب بخط اليد على اللافتة، والأفكار تملؤني؛ فكل اسم يعود لشخص حقيقي ويخفي بين حروفه قصة حياة كاملة لا أعلم عنها شيئاً.

حين وصلت إلى الغرفة ذات الرقم 202 بدأت راحَتَيَّ تتعرقان من خلال قفازاتي الشتوية، ولم يكن لديَّ أدنى فكرة عمَّن كنت سأقابله؛ لكنَّني علمت أنَّه لا يوجد مكان في العالم أجمع يحتاج وجودي فيه أكثر من هذا المكان؛ والسبب هو أنَّ الذكريات التي ترافقك نادراً ما تُوْلَدُ داخل منطقة راحتك.

كيف تكون أسعد شخص في دار رعاية المسنين؟

طرقت الباب عازمةً تقديم هدية للشخص الذي سأقابله؛ لكنَّني اكتشفت هديَّةً في الداخل حيث جلست إيلا (Ella) ذات الـ 98 عاماً، لقد فاجأني ردها حين سألتها عن أفضل لحظات حياتها؛ فقد أمسكت بيدي وشدت عليها بقوة وغمرتها الإثارة وأجابت والبسمة تعتلي وجنتيها أنَّ حياتها كانت رائعة وحافلة جداً.

غمرني امتنانها وتدفق في الغرفة كما أشعة الشمس فوق أفق الفجر، وغمر كل زاوية في الغرفة، ونشر الدفء في المكان، كنت مرتبكةً ومسحورةً على حد سواء؛ فلم يكن هذا ما توقعته؛ فكيف لها أن تشعر بكل ذلك وهي منسية في هذه الغرفة الصغيرة؟ وكيف لها ذلك في حين يعاني معظمنا الفراغَ حتى بوجود عائلاتنا الكبيرة وحياتنا المترفة وأحدث الأجهزة الذكية؟

بابتسامة عريضة روت لي قصة حياتها الطويلة، وملامحها تتوهج بإشراق لجميع الطرائق المدهشة التي جمعت بها قدراً هائلاً من الذكريات الجميلة الرائعة، وقد ابتسمت لحبٍّ قويٍّ متمردٍّ استمر لعقود، ضحكنا سوياً عندما أحصت المخاطر غير المألوفة في شبابها (وقد كان لديها كثير منها).

لا شيء يمكن أن يمحو الرضى الذي منحته لها الحياة الجيدة التي عاشتها، حتى لو كان ذلك وجودها في غرفة صغيرة بيضاء الجدران دون زوار في الأشهر القليلة الماضية، خلال الساعة والنصف التي أمضيناها معاً نروي القصص ونضحك حدثتني إيلا مراراً وتكراراً وبشغف على تخصيص وقت لتجارب الحياة المثيرة، وكانت تلك الحكمة الأولى التي أرادتني أن أعرفها، وطلبت منِّي أن أَعِدَ نفسي أن أنفذها.

قدت سيارتي إلى المنزل والدموع تنهمر من عيني، وأخذت أفكر كيف استغرق مني الأمر 27 عاماً لأقوم بهذه الزيارة؟ ومع ذلك أذهب إلى عملي كل يوم حتَّى أنَّني أذهب إلى طبيب الأسنان مرتين على الأقل في السنة، ما الذي كنت أفعله طوال تلك السنوات وكان أكثر أهمية من لحظات كهذه؟

شاهد: كيف تنظّم حياتك بالشكل الصحيح

الحياة التي تريد حقاً أن تعيشها لن تكون مريحة أو ملائمةً على الإطلاق:

أنا لا أتذكر معظم سنوات العشرينيات الأولى من عمري؛ ربَّما لأنَّني لم أتريث بما يكفي لأعيشها، فقد أهملت مسؤولياتي وواجباتي وحياتي كانت تسير تلقائياً، لحسن الحظ أنَّني كنت شابةً، وفي الغالب كنت حمقاء فيما يخص هذه النقطة تحديداً، فتغير كل شيء عندما بدأت في نقل المهام المزمع إنجازها في يوم ما، وتعيين يوم محدد لإنجازها.

ما اكتشفته وأكَّده لي أناس آخرون هو أنَّك إذا لم تكتب الأمور الهامة في جدول أعمالك، فهي لن تحصل

نحن بالتأكيد مضطرون لجني المال، والذهاب إلى طبيب الأسنان، وشراء البقالة، والقيام بمختلف الأعمال والمشاغل، ولكن ليس على حساب هدر حياتنا بالكامل والتساؤل كيف ضاعت أيامنا؟ خوض التجارب والمغامرات واللقاءات الشخصية مع أناس رائعين أمر هام  إن لم يكن أكثر أهمية من معظم مهامنا والتزاماتنا الأخرى.

إذاً، ما الذي يمكننا فعله؟ خطط لوقتك الخاص خارج العمل كما تخطط لحياتك "المهنية " وبالدرجة نفسها من الإصرار والعزيمة، فإن لم نفعل ذلك فعلى الأرجح سنختار الراحة (وعدم القيام بأي شيء) في كل مرة، وإنَّ اعتياد عدم الارتياح هو الأمر الصعب الذي يتعين علينا القيام به لنعيش حياة نتحمس ونفرح لتذكرها، ستكتشف لاحقاً أنَّ كلامي صحيح ما لم يكن لأولوياتك الشخصية تواريخ تنفيذ في مخططاتك اليومية، ستسقط هذه الأولويات أسفل قائمة مهامك التي لا تنتهي.

الجزء الآخر من هذه القصة هو كيف أردتُ أن أتراجع عن لقاء إيلا (Ella) تلك الليلة، فبقدر ما كانت نيتي طيبة بالكاد حاولوا إخراجي من الشركة وإرسالي إلى المنزل حين كان الطقس سيئاً وكنت منهكة، فإنَّ فشلي في وضع الحدود لأعباء عملي، جعلني أعمل عشر ساعات مرهقة في ذلك اليوم، إضافة إلى أنَّ صديقاً كان من المفترض أن يرافقني من أجل المغامرة تخلى عنِّي.

كان الدافع لدي شبه معدوم؛ بل يمكنني القول إنَّه كان معدوماً حتى، لكن في تلك الليلة لم تعد هذه المهمة مدرجة في قائمة المهام التي سأقوم بها يوماً ما كما كانت لسنوات عديدة؛ بل كانت مدرجة في جدول أعمالي بتاريخ محدد والتزمت تنفيذها.

لقد تعلمت تخصيص الوقت في يومي حتى يكون لعملي معنى أكثر من مجرد الحصول على الراتب، والقيام بالمهام، وبالتخلي عن انشغالي لأعيش حياة أفخر بتذكرها أدركت أنَّني يمكن أن أقوم بالأمر بالتدريج، وكل يوم بيومه؛ لذا دخلت دار الرعاية قبل سنة ونصف، وأكثر ما أتذكره عن الليلة التي طرقت فيها الباب 202 لم يكن الالتزام بأعجوبة بالمواعيد النهائية، أو ما شعرت به عندما أردت ملازمة منزلي الدافئ دون المجازفة في البرد، ما أتذكره فعلاً هو التمهل بما يكفي للحصول على ذكرى تستحق منِّي أن أذكرها لبقية حياتي؛ وهي إيلا (Ella).

أتذكر من كان علي أن أصبح لمواجهة المشي إلى بابها لوحدي، وأتذكر التعرق في قفازاتي دون معرفة من يجلس خلف الباب، وأتذكر انكماش أصابع يدي وقدميَّ الباردة على أمل أن يكون شخص ما ممتناً لوجودي هناك (بدلاً من التساؤل عمَّا إذا كنت مجنونة).

لن أنسى أبداً الطريقة التي عانقتني بها إيلا (Ella) حين ودعتني طويلاً وبشدة كصديقة أحبَّتْهَا بشدة ولم تكن متأكدة متى ستراها مرة أخرى، وعلى الرَّغم من أنَّ قائمة مهامي كانت طويلة جداً في ذلك اليوم إلَّا أنَّني أتممت أهم مهمة: التمهل والحصول على لحظة أتذكرها، ولم تعد الحياة كما كانت منذ ذلك الحين.

كيف تتوقف عن العيش من أجل العمل حتى تتمكن من العمل لتعيش؟

لدي ذكريات في أواخر العشرينيات من عمري أكثر ممَّا لدي في أوائلها؛ وذلك ببساطة لأنَّني بدأت بتحديد مواعيد لأقوم بواجباتي وأعيش حياتي، فإذا كان بجعبتنا أكثر من مجرد العمل ومتطلبات العالم من حولنا - ولدينا ذلك - فلماذا لا تُدرَج في جدول أعمالنا؟ تخيل قائمة من 100 شيء تريد القيام به أو تجربته صغيراً كان أم كبيراً، فكم عدد الأهداف والأحلام والرغبات المدرجة في مخططاتك اليومية؟

إن كنا لا نعمل بنشاط لتحقيق ما على القائمة، فلماذا نعمل بجد أصلاً؟ أنا الآن أتبع قاعدة بسيطة واحدة؛ وهي جدولة أمر ممتع كل أسبوع، وأُفضِّل أن يكون أمراً جديداً ومختلفاً يسمح لي بمشاركة ابتسامتي مع الآخرين؛ لأنَّ معظم الذكريات التي تستحق التذكر لا تحصل مصادفةً.

نحن نعلم أنَّ التقدم بأفكارنا سيجعلنا نشعر بالارتياح، وأنَّ التخطيط لقضاء ليلة لا تُنسى مع شريكنا بدلاً من مشاهدة التلفاز سيجعلنا نشعر بالحياة، وأنَّ إغلاق هواتفنا لنكون حاضرين ونستمتع باللعب مع أطفالنا الصغار سيجعلنا نبتسم، فلماذا لا نفعل تلك الأشياء؟ ببساطة لأنَّنا مشغولون جداً في محاولة أن نكون "ناجحين" أو لأيِّ سببٍ آخر.

شاهد أيضاً: 5 علامات تخبرك أنه يجب أن تغيّر طريقة حياتك حالاً

لا أحد ممَّن يجهدون أنفسهم حتَّى الموت ينجح في النهاية:

أؤكد لك بأنَّك أكثر من مجرد موظف، ومهام، واجتماعات، وأجار منزل، فأنت تعني أكثر من مجرد الانشغال على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع؛ لذا أفسِح المجال في تقويمك لأكثر من مجرد الأشياء التي تبقيك مشغولاً.

احذف شيئاً واحداً من قائمة الأولويات التي ستقوم بها "يوماً ما" وضعه في تقويمك هذا الأسبوع، ليس من الضروري أن يكون أمراً هاماً ليترك أثراً؛ فالأشياء الصغيرة مثالية للبدء بها عندما تريد التحكم في جدول أعمالك اليومية؛ حدد ساعةً مناسبة للعودة إلى المنزل من العمل، وفاجئ شريكك بهدية يحبها.

قم ببناء حصن من البطانيات مع أطفالك، وأطفئ جميع الأضواء وتنقل في المنزل بمساعدة مصباحك اليدوي و فضولك فقط، ادخل إلى دار الرعاية وساعد شخصاً لا يمكنه مساعدتك بالمقابل.

إقرأ أيضاً: كيف يؤثر تمجيد الانشغال في صحتنا وعافيتنا؟

في الختام:

ضع في حسبانك أنَّ حياتك عبارة عن دين ووفاء ستضع جميع تجارب السفر والمغامرات والذكريات التي تجمعها ودائع في حساب السعادة الخاص بك، وعندما تصل إلى النهاية ولم يعد من السهل عليك المجازفة أو تجربة أشياء جديدة ستحتاج إلى كثير من تلك الذكريات لتستفيد منها.

إقرأ أيضاً: كيف تغير حياتك نحو الأفضل؟

أنت لا تحصل على المكافآت في الحياة لمجرد أنَّك تعمل وتجهد نفسك حتى الموت، وطبيعة مرور الأيام دون الانتباه إلى تفاصيلها لا تجعل ذلك الأمر مقبولاً، كل نفس تأخذه يقرِّبك من منيَّتك، فهل تتخذ قرارات اليوم تشكر نفسك عليها مستقبلاً؟ تذكر، أسعدُ شخصٍ حينما يشيخ هو من يفوز.




مقالات مرتبطة