قاعدة 20/80 للتفكير الفعال

كم من الوقت يجب أن أقضيه في التفكير بدلاً من العمل والإنجاز؟ إنَّه أحد أكبر الأسئلة التي أواجهها في حياتي، ولا يمكنني الإجابة عنها؛ فأحياناً أقول إنَّ الأفعال أبلغ من الأقوال ودون فعل لن تحقق شيئاً أبداً، وأحياناً أخرى أقول إنَّه من دون التفكير في الأشياء قبل تنفيذها، قد أرتكب الأخطاء.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويخبرنا فيه عن تجربته في تطبيق قاعدة 20/80 للتفكير الفعال.

التفكير في حدِّ ذاته لا قيمة له إذا لم ينتهِ بالتنفيذ والإنجاز، وإذا تصرفت فقط دون تفكير، فربما ينتهي بك الأمر في مأزقٍ ما؛ هذا هو سبب أهمية هذا الموضوع، لكن معظمنا لا يفكر أبداً في نسبة التفكير إلى العمل.

أنا أعيش وفقاً لنسبة 20/80:

قبل أن أشرح سبب ذلك، وكيف يمكنك إنشاء نسبتك الخاصة، دعنا نلقي نظرة على بعض الأفراد الأكثر احتراماً في عصرنا، وهما المستثمرَان الأمريكيَّان: وارن بافت (Warren Buffett) وتشارلي مونجر (Charlie Munger)، المعروفان بقراراتهما الصائبة وطريقة تفكيرهما؛ فهما ليسا مفكرين فحسب؛ بل رَجُلَا أعمال ناجحان.

ماذا تفعل؟

من المعروف جداً أنَّ "وارن بافت" يقضي معظم وقته في القراءة والتفكير، وهو أول شيء يفعله عندما يصل إلى مكتبه الكائن في أوماها (Omaha)؛ ووفقاً لكاتبة سيرته الذاتية، "أليس شرودر" (Alice Schroeder)، يقضي بافيت 5 ساعات على الأقل يومياً في قراءة الصحف والمجلات والتقارير السنوية والكتب.

تبدو القراءة بالنسبة إلى معظم الناس نوعاً من الخمول؛ إذ ليس فيها أيُّ نشاط بدني، وظاهرياً يبدو أنَّك لا تفعل شيئاً، وأنا أعتقد أنَّ هذه هي المشكلة الأولى في التحدي الذي نتناوله في هذا المقال؛ فالمجتمع الغربي منحاز نحو العمل، وما عليك سوى التفكير في عدد المرات التي يسألك فيها الناس هذا السؤال: "ماذا تفعل؟".

ربما سمعت هذا السؤال في المدرسة، أو في العمل أو المنزل طوال الوقت، يريد الناس أن يفعلوا شيئاً ما في الأوقات جميعها؛ فالنشاط هو الأساس.

أعتقد أنَّ نسبة التفكير مقابل العمل في معظم المؤسسات هي نحو 10/90؛ إذ نقضي وقتاً في العمل أكثر بكثير من التفكير، وإذا تعلمنا شيئاً من كتاب "بافت ومونجر"، فيمكننا القول إنَّ هذه ليست نسبة فعالة، ووفقاً للكاتب "بيتر بيفلين" (Peter Bevelin)، فإنَّ "بافت ومونجر لديهما عادة تخصيص مزيد من الوقت للتعلم والتفكير أكثر من العمل".

هذا يعني أنَّ النسبة التي يمتلكها هذان الرجلان تصل إلى 80% للتفكير و20% للعمل؛ ولكي أكون واضحاً، وأنا أخمن فقط هنا بحسب ما أراه، هذه هي النسبة التي يمتلكها "بافت ومونجر".

شاهد بالفيديو: 10 طـرق لتفكـر بوضوح أكثر

ما هي طبيعتك؟

إذاً هل ينبغي لنا جميعاً قضاء 80% من وقتنا في التفكير؟ يعتمد هذا على عاملين:

  1. طبيعتك.
  2. عملك.

بعض الناس مفكرون بالفطرة، يحبون قضاء الوقت في التفكير، ويفضلون القراءة، والتحدث عن الأفكار التي تراودهم، وفي المقابل يوجد أشخاص يكرهون ذلك؛ فالمغزى هنا هو أنَّ كلَّ شخص مختلف عن الآخر، ومن المحتمل أنَّك شخص يحب التفكير، وإلا فلن تقرأ هذا المقال؛ فالشخص الذي يفضل العمل على التفكير لن يهدر خمس دقائق في قراءة هذا المقال.

لكن مقدار التفكير الذي نحتاجه يعتمد أيضاً على عملنا؛ "وارين بافت" هو مستثمر قيمة (استثمار القيمة) يتخذ قرارات قليلة جداً، لكن عندما يفعل ذلك، يتخذ قرارات ضخمة، وخارج مجال الاستثمار، ثمة عدد قليل من المهن من هذا القبيل؛ فمعظمنا بحاجة إلى مزيد من التنفيذ، ونحتاج إلى إجراء مكالمات وكتابة رسائل بريد إلكتروني وعقد اجتماعات وما إلى ذلك.

لذا، على الرَّغم من أنَّني وجدت نسبة مثالية تناسب معظم الأشخاص، تذكر دائماً إلقاء نظرة على طبيعتك وعملك؛ فالنسبة المثالية الخاصة بك تعتمد على هذين الأمرين، ولكن ماذا عن الأشخاص الذين لا يحبون التفكير ويرغبون في فعل المزيد؟

تأليف 500 كتاب في 42 سنة:

يُعدُّ "إسحاق أسيموف" (Isaac Asimov) أحد أكثر الكُتَّاب إنتاجاً في القرن الواحد والعشرين، نُشر كتابه الأول "حصاة في السماء" (Pebble in the Sky) عام 1950، وكان قد كتب نحو 500 كتاب حين وافته المنية عام 1992؛ بالتأكيد، كانت بعض كتبه قصيرة جداً، لكنَّها ما تزال قائمة بوصفها مراجع رائعة.

هذا يعني أنَّه كان يؤلف كتاباً واحداً كلَّ شهر، وهذا كثير من العمل؛ إذ يبدو أنَّ نسبة عمله كانت 100% تقريباً، وربما كان يفكر ويعمل في الوقت نفسه، لكن معظمنا ليس كذلك؛ إذ إنَّنا نقوم فقط بأحد هذين الأمرين.

كن حازماً:

لقد بحثنا في حالتين تمثلان الحدود القصوى؛ إذ يقضي "بافت" و"مونجر" معظم وقتيهما في التفكير، وقضى "أسيموف" معظم وقته في العمل، لكن لسوء الحظ، القيم القصوى لا تمثل الواقع، ومع ذلك، يمكننا التعلم منها، وما تعلمته هو أنَّنا بحاجة إلى أن نكون حازمين.

لم يكن "وارن بافت" لينال هذه الشهرة لو أنَّه لم يقم بمراهناتٍ كبيرة، ولم يكن "أسيموف" ليكتب 500 كتاباً لو أنَّه لم يلتزم بالكتابة كلَّ يوم، كانت حياة الرجلين كليهما مختلفة، لكن كلاهما كان حازماً في أفعاله، وهذا هو السر لمعرفة نسبة التفكير/ العمل المثالية لديك.

لا يهم مقدار التفكير الذي نقوم به؛ بل الجودة هي ما تهمنا، فإذا كنت تقضي 40% من وقتك في التفكير بينما تكون متردداً ومضطرباً، فأنت تضيع وقتك، وعلى العكس من ذلك، إذا كنت تقضي 1% فقط من وقتك في التفكير وكنت حاسماً للغاية، فأنت مؤثِّر.

إقرأ أيضاً: ما هو الحزم ولماذا هو هام؟

قاعدة 20/80 للتفكير الفعال:

أنا أعيش وفقاً لما أسميه "قاعدة 20/80 للتفكير الفعال"، وأعتقد أنَّه بالنسبة إلى معظم المهنيين في عصر اليوم، فإنَّ هذه النسبة كافية على الرَّغم من أنَّني مفكر بالفطرة، أحتاج إلى تذكير نفسي بالعمل أكثر ممَّا أفكر.

مرة أخرى، ليست النسبة هي الهامة؛ إنَّما جودة تفكيرك؛ وفي النهاية، تؤثِّر جودة تفكيرك في النتائج التي تحققها.

إقرأ أيضاً: ما هي قاعدة 80/20؟ وكيف تساعدك في تحقيق النجاح؟

في الختام:

يمكن تبرير النتائج الضعيفة، لكن لا يمكنك تبرير القرارات غير الصائبة وقلة التفكير، والسبب هو أنَّك ليس لديك أيُّ سيطرة على النتائج، لكن لديك كلُّ السيطرة على التفكير واتخاذ القرار، لهذا السبب من المحتمل أن توفر لك النسبة 20/80 كثيراً من الوقت والمال والقلق.

عندما تأخذ وقتاً للتفكير ملياً في الأمور، فمن غير المرجح أن تتخذ قرارات ضعيفة مبنية على العاطفة، وعندما تكون حاسماً، فإنَّك تتخذ قراراً وتلتزم به، وفي النهاية هذه هي الطريقة التي نحقق بها أهدافنا.




مقالات مرتبطة