فيروس كوفيد-19 والحزن الذي نتج عنه

اليوم، نحن جميعاً حزينون بسبب فقدان حريتنا، ومستقبلنا المجهول، والحياة والأدوار التي تركناها خلفنا بسبب فيروس كورونا؛ وتشمل أسباب حزننا أيضاً القلق على العمَّال في بلادنا الذين يؤمِّنون لنا قوت يومنا، فجميعنا خائفٌ على العمل والصحة والعائلة والمستقبل بشكلٍ لا يصدق. نحن خائفون على آبائنا وأجدادنا وأطفالنا ووظائفنا وبلدنا وطريقة حياتنا، وربَّما خائفون من الموت.



إنَّ ردودنا الفردية على هذه المخاوف يمكن أن تختلف قليلاً. ومع ذلك، نودُّ أن نوضّح أنَّه باستخدام مشاعر الحزن المشتركة عالمياً، يمكننا الحصول على القليل من التبصر حول ردود أفعالنا الفردية والجماعية، حيث تقدِّم مراحل الحزن لكلٍّ منَّا إطاراً محتملاً يمكننا من خلاله تحديد ردود أفعالنا ومشاعرنا بشكلٍ أفضل خلال الأوقات التي نعيشها.

في كتابها عن المرارة والحزن، أعطتنا الدكتورة إليزابيث كوبلر روس رؤيةً سريريّةً أوليَّةً حول عملية الحزن عند البشر، وزوَّدتنا بشكلٍ أساسيٍّ بقائمةٍ وشرحٍ لمراحل الحزن الخمس المشتركة:

  1. الإنكار.
  2. الغضب.
  3. المساومة.
  4. اليأس.
  5. القبول.

مع مرور السنين، عدَّلت الدكتورة "كوبلر روس" نظرياتها، وقالت بأنَّ هذه المراحل متغيرةٌ وليست ثابتة، أي أنَّها قد تحدث أو لا تحدث بالترتيب المقدَّم، وقد تظهر اختلافاتٌ عند بعض الأشخاص في المرحلة نفسها عدة مرات، بينما قد يتخطَّى آخرون مرحلةً -أو مراحل- بالإجمال. ولكن كقاعدةٍ عامة، هذه هي مراحل عملية الحزن لدينا:

1. الإنكار:

الإنكار هو الرفض الفكري والعاطفي لشيءٍ واضح. من المثير للاهتمام أنَّ الإنكار آلية بقاء مطلوبة وبشدة، وضرورةٌ تطوريَّةٌ تطوَّرت على مدى آلاف السنين. فلنأخذ مثلاً أسلافنا الصيادين: إذا كان أحدهم في الخارج يبحث عن الطعام وهاجمه نمر، فإنَّ هذا الجد المشؤوم لم يكن قادراً على القتال أو الفرار أو طلب المساعدة. ولحسن حظ سلفنا هذا، تطوَّرت قدرته على إنكار الألم الجسدي، وعلى الفور سيعرف كمية الألم الناتجة عن هجوم النمر، ممَّا يوفِّر له فرصة القتال والبقاء على قيد الحياة. كما يمكن إنكار الألم العاطفي بالطريقة نفسها.

حسَّن التطوُّر لدى البشر القدرة على إنكار الألم الجسدي والعاطفي لفترةٍ قصيرةٍ من الوقت من أجل الحفاظ على الذات. أمَّا اليوم، فيبدو الإنكار مثل:

  • هذا الأمر كلُّه مبالغٌ فيه، يا له من سيركٍ إعلامي.
  • إنَّه يشبه الإنفلونزا، حيث يصاب الناس بها كلَّ عام ولا يموت أيُّ شخص.
  • أنا لست مسنَّةً أو ضعيفة المناعة أو عرضةً إلى أمراض الرئة؛ لذلك سأكون بخير.
إقرأ أيضاً: 5 حقائق عليك أن تخبرها لكل شخص يبدو أنَّه لا يكترث لفيروس كورونا

2. الغضب:

نحن نغضب في محاولةٍ للسيطرة على مخاوفنا، فبدلاً من قبول المشكلة والتعامل معها، فإنَّنا نتحوَّل إلى أشخاصٍ عدائيين، ونلوم الآخرين، وندخل في صراعاتٍ مع السلطة، وننسب المشكلة إلى أشخاصٍ لا دخل لهم، وأحياناً، نرفض الامتثال إلى القواعد.

في وضعنا اليوم، يبدو الغضب مثل:

  • هذا كلُّه خطأ الصين؛ لو أنَّهم عُزِلوا مسبقاً، لما كنَّا نواجه هذه المشكلة اليوم.
  • لا يهمني ما يقوله المسؤولون عن العزل الصحي، سأذهب إلى العمل اليوم.
  • لننسى ما قالوه لنا، أشعر بالملل ولديّ بعض الأصدقاء.

3. المساومة:

تحدث المساومة عندما ينهار الإنكار ونبدأ بالاعتراف بالواقع، بينما لا نكون مستعدين للتخلِّي عن الوهم الذي لا يزال يسيطر على تفكيرنا. في الأساس، نحن نحاول المساومة لإيجاد مخرجٍ أسهل وأقل إيلاماً.

تبدو المساومة اليوم مثل:

  • لا بأس بقضاء الوقت مع الآخرين طالما أنَّهم يغسلون أيديهم.
  • سينتهي كلُّ هذا بحلول العيد، وسأكون بأمانٍ حتَّى ذلك الحين، وبعد ذلك يمكننا العودة إلى الوضع الطبيعي.
  • أعرف متى يبدو الناس مرضى، سأكون بخيرٍ طالما بقيت حول الأشخاص الأصحاء.
إقرأ أيضاً: القلق لن يفيد: 10 أسباب لعدم الذعر بسبب فيروس كورونا

4. اليأس:

يحدث اليأس والاكتئاب عندما يظهر الواقع بوضوح، وعندما لا يكون هناك مجالٌ آخر للإنكار، فنشعر بأنَّنا محرومون، ونفقد كلَّ شيء، ونشفق على أنفسنا، ونعتقد أنَّه لا يوجد شيءٌ يمكن أن يساعدنا الآن، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى خلاف ذلك؛ فنشعر بالأسف لأنَّ محاولاتنا للمساومة لم تنجح.

أما اليوم، فيبدو اليأس مثل:

  • لا يمكنني الذهاب إلى العمل، ولا يمكنني كسب المال. قريباً جداً، سأكون منكسراً ومشرداً.
  • هذا الوباء هو الوضع الطبيعي الجديد، أستطيع أن أقول وداعاً لآمالي وأحلامي.
  • أنا في خطرٍ كبيرٍ ومن المرجح أن أموت وحدي. لن يأتي أحدٌ لمساعدتي عندما أحتاج ذلك.
إقرأ أيضاً: هل علينا أن نتوقَّع الموت في خضمِّ أزمة فيروس كورونا المستجد؟

5. القبول:

يبدأ القبول عندما نعترف في النهاية، ونستسلم للحقائق أياً تكن. عندما نصل إلى هذه المرحلة، يمكننا التوقف عن الإنكار ومحاربة الواقع، والبدء بالتعامل بقدرٍ أكبر من الفعالية مع ما حدث وما يحدث.

اليوم، يبدو القبول مثل:

  • لا يمكنني السيطرة على الوباء، لكن يمكنني أن أقوم بدوري من خلال الاحتماء في المنزل، وغسل يدي، والبقاء إيجابياً.
  • لا تعني حقيقة أنَّني لا أستطيع مغادرة منزلي أنَّ حياتي يجب أن تتوقف. يمكنني العمل من المنزل، ولا يزال بإمكاني التواصل مع أصدقائي وعائلتي عبر الهاتف والإنترنت، ويمكنني أيضاً الاستمتاع بالوقت الإضافي الذي أمضيه مع زوجتي وأطفالي.
  • العالم سيتغيَّر، ولكن ربَّما عندما ينتهي كلُّ هذا سنكون أكثر لطفاً مع بعضنا بعضاً.
إقرأ أيضاً: 10 مهارات يمكنك إتقانها في الحجر الصحي

هل يشتمل الحزن على مشاعر أخرى؟

هناك شعورٌ آخر تشتمل عليه عملية الحزن، هذا الشعور هو فقدان الدور. يحدث فقدان الدور عندما نفقد شخصاً ما أو شيئاً عزيزاً، فحينها لا نعاني ألم الخسارة الجسدية (مثلاً: مات أحدهم، وأنا أفتقده) فحسب، بل نفقد دورنا بأن نكون على صلةٍ بذلك الشخص أيضاً.

نفتقد الشيء الذي فقدناه، ونتذكر خسارتنا، ونشعر أنَّه لم يعد لدينا دورٌ لنقوم به. وبالتالي، فإنَّ فقدنا يترافق مع أنفسنا وصلتنا بذلك الشخص نفسه.

نحن نعاني اليوم كثيراً من فقدان الأدوار التي كنا نقوم بها، ممَّا يجعل الحزن أكبر بكثير. إذ نشعر بالحزن؛ لأننَّا فقدنا دور القائد المفيد في العمل، وفقدنا قدرتنا على دعم الموظفين الجدد، ولأنَّنا غير قادرين على إقامة حفلات أعياد الميلاد التي يحبها الجميع. نحن نحزن على أدوارنا، وروتيننا، ورحلتنا، والأهمُّ من ذلك كلِّه تفاعلاتنا مع الآخرين الذين يعانون المعاناة نفسها.

كلُّ شيءٍ صعبٌ اليوم، ويسبِّب حزناً كبيراً.

للأسف، لا يمكننا تغيير شيء، ولكن ربَّما يمكننا النظر إلى تجربتنا الجماعية من منظورٍ نفسي، وهذه وظيفة أيِّ معالج جيدٍ لمساعدة الناس على فهم ما يمرون به. من فضلك، اسمح لنفسك ببعض الغضب والإنكار والمساومة، وبقليلٍ من اليأس. وامضِ قُدماً حتَّى لو كنت حزيناً؛ لأنَّنا جميعاً حزينون.

 

المصدر




مقالات مرتبطة