فوائد الصيام والحكمة منه

الحمد لله الحكيم الخبير، العليم بما خلق وقدَّر وشرع وهو على كل شيء قدير، فرض على عباده الصوم ليعلم من يتقيه، ويسمع من يناديه، ويقبل من آوى إليه، جاء برمضان، وأنزل فيه القرآن هداية للإنس والجان، فله الحمد أولاً وآخراً، وله الشكر ظاهراً وباطناً، له الحمد في الأولى والآخرة وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على البشير النذير، خير الأتقياء، وسيد الأنبياء، وإمام العابدين الأخفياء، كثير الجود والصدقات لاسيما في شهر التقوى والرحمات، فصلوات الله وسلامه عليه ما هلَّ لرمضان هلال، وما أفطر مسلم برزق حلال، وما أنفق مؤمن في سبيل الله المال، صلوات الله وسلامه عليه وعلى صحبه والآله.



سمّى الله عز وجل نفسه "الحكيم"، فشرع لعباده ما ينفعهم، وهو أعلم بذلك: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، وممّا شرّع وفرض صيام شهر رمضان المبارك، أياماً معدودات، وفي صومها من الحكم والبركات ما يشرح النفوس المؤمنات، ويفرح الأرواح الطاهرات.

نقف لحظات قصيرة مع بعض أسرار وحِكَم الصوم علَّنا أن ندرك ما تقوى به عزائمنا، وتعلو به هممنا، ويزداد به إيماننا وقربنا من مولانا، وقبل الكلام عن الحكمة من الصوم ينبغي أن نعلم أن الله يشرّع الشرائع والأحكام لحِكَمٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، وقد شرّع الصيام وأوجبه على عباده لحِكَم عديدة، وفوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، من تلك الحكم:

1- الصيام سبب لحصول التقوى:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فبيّن سبحانه وتعالى أنّ الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى ميزة عظيمة، وهي جماع الخير، ويجدها الصائم عندما يترك طعامه وشرابه، ولا يلاحظ أحداً من الناس، قد علم أنّ الله مطلع عليه، يعلم سرَّه ونجواه فامتنع عن كل مفطر، وترك كل مفسد لصيامه، وكل ذلك يورثه تقوى الله جلّ في علاه.

واشتمال الصيام على التقوى بيّنه الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره حيث قال عند آية الصيام: "إنّ الصيام من أكبر أسباب التقوى لأن فيه امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى:

  1. أنّ الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه، متقرباً بذلك إلى الله، راجياً بتركها ثوابه، فهذا من التقوى.
  2. أنّ الصائم يدرّب نفسه على مراقبة الله تعالى فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه.
  3. أنّ الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنّه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقلّ منه المعاصي.
  4. أنّ الصائم في الغالب تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
  5. أنّ الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا من خصال التقوى.

ويقول أبو بكر البيهقي رحمه الله: "قال أبو عبد الله الحليمي في مبسوط كلامه: قد أبان الله عز وجل أنّ الصوم من أسباب التقوى، وحقيقة التقوى فعل المأمور به والمندوب إليه، واجتناب المنهي عنه والمكروه والمنزه عنه، لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار، وهو إنّما يقي نفسه بما ذكرت".

إقرأ أيضاً: فوائد صيام شهر رمضان الصحيّة والنفسيّة والأخلاقية

2- الصيام يزكّي النفس ويطهّرها:

من حكم الصوم ومقاصده وأسراره تزكية النفس وتطهيرها، وتهذيبها ممّا أصابها من درن الذنوب والمعاصي، ويذكر النبي صلّى الله عليه وسلم الأجر الجزيل للصائم لتزكو نفسه بذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

كما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلم عن عظيم ثواب الصيام فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له إلّا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنّي امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه).

إقرأ أيضاً: فضل الصيام في شهر رمضان المبارك

3- الصيام يقوّي العزيمة، ويربّي الإرادة:

كما في الحديث: (الصوم نصف الصبر)، وفي الحديث: (الصبر نصف الإيمان)، فالصائم يصبر طاعة لله على الجوع والعطش، وكبت الغرائز والشهوات عن الحلال الذي بين يديه يوماً كاملاً طيلة شهر كامل، فلا شك أنّه بذلك يتمرّس على قوة الإرادة، وصلابة العزيمة.

إقرأ أيضاً: فضل صيام الست من شوال وأيام البيض

4- في الصيام إعلان لمبدأ وحدة المسلمين:

فتصوم الأمة وتُفطر في شهر واحد، وفي هذا شعور بالقوة، وهو من المقاصد العظيمة التي لابدّ أن يستشعرها كل مسلم، إذ أمر الله تعالى بالوحدة والتمسك بها فقال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

اللهم اجعلنا من أهل رمضان الذي يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم، وارزقنا فيه التقوى والعمل الصالح.




مقالات مرتبطة