فوائد التفويض للشركات والموظفين وقادة الأعمال

يكثر الحديث في مجال ريادة الأعمال عن القيادة وأهميتها، وعن شخصية القائد، ومن يمتلك هذه الموهبة بالفطرة، كما يتحدث الناس عن السِمات والمهارات الضرورية بالنسبة إلى القائد.



على سبيل المثال، يرى بعضهم أنَّ الحافز هو أكثر السِمات المطلوب توفرها في شخصية القائد، ويرى آخرون أنَّ التواضع هو أكثر السِمات أهميةً، كما يؤكِّد بعضهم على سِمات أخرى، مثل روح الدعابة، والثقة بالنفس.

لكنَّنا سنناقش الموضوع من زاوية مختلفة، بحيث يكون السؤال "ما هو أهم شيء يجب أن يمتلكه القائد؟" ستكون إجابتنا عنه ودون تردد: "إنَّ أهم ما يميِّز القائد الناجح هو قدرته على تفويض المهام بطريقة فعَّالة".

فالتفويض أمر بالغ الأهمية في القيادة، ومع ذلك فهو أكثر ما يعاني منه معظم رواد الأعمال، ففي بداية انطلاق مشاريعهم، ينهض كثير من رواد الأعمال بمسؤوليات أكثر من وظيفة في شركتهم، ويشاركون تقريباً في جميع أعمال الشركة، وغالباً ما تترسَّخ هذه العادة لديهم ويصبح من الصعب التخلِّي عنها.

لكنَّ روَّاد الأعمال الذين استطاعوا التخلِّي عن هذه العادة هم من استطاعوا أن يقودوا فِرق عمل ناجحة تمكَّنت من تحقيق نموٍّ في الأرباح وتوسيع نطاق أعمالها، وتُعزى علاقة هذا النجاح بقدرة القائد على التفويض الفعَّال لأسباب متعددة، سنشرحها بالتفصيل.

ما هو التفويض؟

هو عملية يقوم من خلالها المدير أو القائد بإسناد المهام والمسؤوليات لمرؤوسيه، وفي مجال الأعمال يُعرَّف التفويض على أنَّه الطريقة التي يُنجز بها الهيكل التنظيمي الهرمي المهام؛ لذلك هو عملية يقوم بها المديرون على اختلاف مستوياتهم الوظيفية، أو على الأقل يُفتَرض أنَّهم يقومون بها.

لكن بالنسبة إلى رواد الأعمال، فإنَّ التفويض ينطوي على قدر لا يُستهان به من الصعوبات، فبعض منهم يرى أنَّ الإشراف المباشر على تفاصيل العمليات التجارية اليومية أمر بالغ الأهمية.

في حين أنَّ هذا الأسلوب في العمل له ما يبرِّره، وخاصةً في الأيام الأولى لانطلاق المشروع، فإنَّه يصبح عبئاً عندما ينمو حجم الأعمال إلى درجة معيَّنة.

أهمية التفويض في القيادة:

يجيب مفهوم القيادة بحدِّ ذاته على تساؤلنا عن السبب الذي يجعل التفويض على هذه الدرجة من الأهمية، وذلك وفقاً لـ "مجلة فوربس" (Forbes Magazine)؟ وتضيف المجلة: "القيادة هي عملية تأثير اجتماعي، وتهدف إلى تحقيق الأهداف من خلال مضاعفة جهود الأشخاص الآخرين".

من هذا التعريف للقيادة بأنَّه عملية تهدف إلى حثِّ الآخرين على بذل قصارى جهدهم في سبيل تحقيق هدفٍ ما، فإنَّنا نجد أنَّ التفويض يختزل عملية القيادة برمَّتها وليس مجرد واحد من أهم الأدوات فيها، وذلك إذا كنت ترغب في قيادة فريق من أجل تحقيق هدف ما، فهذا يعني أنَّك ستحتاج إلى تحقيق أقصى فائدة من مهارات كل عضو في الفريق، وذلك من خلال جعل كل واحد منهم يقوم بالمهام التي تتلاءم مع نقاط قوته.

هذا يعني توكيلهم بمهام بما يتناسب مع إمكاناتهم، ومن ضمن ما يعنيه ذلك أيضاً أن تقوم بإعطائهم الحرية للتعامل مع المهمة الموكلة لهم؛ لذا، فكِّر في الأمر، إذا كنت تستمر بالتحكُّم مباشرة بكافة جوانب العملية، فإنَّك عملياً لا تمارس القيادة، بل أنت تقوم بكل شيء وحدك، وعندما تقوم بكل شيء وحدك فأنت لا تمتلك فريقاً، بل مجموعة من المساعدين.

عندما لا تثق في قدرات الآخرين على القيام بالمهمة التي أوكلتها لهم، فيجب أن تتوقع عدم الثقة من جانبهم بك أيضاً، إذ من المستحيل أن تقود الناس نحو تحقيق هدف ما إذا لم يثقوا بك، فهم سيهدرون كثيراً من الوقت في محاولة تخمين خططك ومعرفة مهام بعضهم، بدلاً من أن يستثمروا الوقت في إنجاز المطلوب.

شاهد: 9 مفاتيح للتفويض بنجاح

فوائد التفويض بالنسبة إلى القادة وإلى فِرق العمل:

بعد أن عرفنا السبب وراء أهمية التفويض، يجب أن نعرف ما هي فوائد التفويض للقادة وللفرق التي يقودونها، وفيما يأتي فوائد للتفويض:

1. توفير مزيد من الوقت للتفكير الاستراتيجي:

واحدة من أهم الفوائد التي تعود على قادة الأعمال جرَّاء تفويض المهام، هي أنَّه يتوفَّر لديهم مزيد من الوقت للتفكير في المهام الحساسة التي يجب العمل عليها على الأمد الطويل.

بمعنى أنَّ التفويض يوفِّر على القادة الوقت الذي يقضونه في القيام بالمهام التي يمكن للفريق القيام بها، وبذلك يتفرَّغون أكثر للتخطيط وتقدير الموقف ووضع الاستراتيجيات المتعلقة بمستقبل الفريق، وهي ما يُسمَّى في نظريات الإدارة بالتفكير الاستراتيجي، وهو أمر ضروري من أجل نجاح الفريق على الأمد الطويل.

يؤيد ذلك مراجعة قامت بها كلية "هارفرد لإدارة الأعمال" (Harvard Business School)، لدراسة سابقة شملت 10,000 من كبار قادة الأعمال، فقد صُنِّفَ التفكير الاستراتيجي على أنَّه أكثر السلوكات ارتباطاً بالنجاح المؤسساتي.

مع ذلك، فقد أفاد 96% من قادة الأعمال الذين شملتهم دراسة أخرى أنَّه ليس لديهم الوقت للقيام بالتفكير الاستراتيجي، والحل هو في التفويض، فإذا كان قادة الأعمال قادرين على تفويض المهام بفاعلية، فإنَّه يتبقى لديهم ما يكفي من الوقت للتفكير الاستراتيجي دون العمل لساعات إضافية حتى.

2. بناء الثقة المتبادلة:

لا شيء يؤكِّد للشخص أنَّك تثق به أكثر من توكيله للقيام بشيء هام دون تدخُّل منك، ووفقاً للخبراء في مجال قيادة الأعمال، فإنَّ الثقة أساسية في جعل أعضاء الفريق مرتاحين في التعامل مع قائدهم، والثقة تكون متبادلة، فعندما يتعامل القائد مع أعضاء فريقه بثقة، فإنَّ أعضاء الفريق يبادلونه الثقة بدورهم أيضاً.

علاوةً على ذلك، فإنَّ تفويض المهام لأعضاء فريقك يساعدهم على صقل مهاراتهم، وأن يصبحوا أعضاء ذوي تأثير وإمكانات أقوى، فكما يُقال التدريب يحقِّق الإتقان، وما من طريقة تمكِّن أعضاء فريقك من التدرُّب على استخدام مهاراتهم أكثر من تمكينهم من استخدامها.

3. تهيئة الموظفين المناسبين لتولي المناصب القيادية:

أحد فوائد التفويض والتي تنعكس على المؤسسة كلها ثمَّ على القادة أيضاً، هي أنَّه يهيِّئ الفرصة لمزيد من الموظفين ليصبحوا قادة للمؤسسة في المستقبل، وذلك لأنَّ التفويض لا يتناول تفويض المهام فحسب، بل يمكن للقائد أيضاً أن يفوِّض مهامه القيادية أيضاً، وهو ما يُسمَّى بتفويض القيادة.

فتفويض القيادة كما يتَّضح من اسمه، هو عندما توكل لأحد أعضاء فريقك مهمة قيادة فريق معيَّن يعمل على تحقيق هدف معيَّن؛ بعبارة أخرى، أنت تعطي هذا العضو دوراً قيادياً، وتطلب منه العمل وفقاً له، ومن خلال ذلك أنت تفوِّض العضو بصلاحيات قيادية، وتوفِّر له الفرصة لتطوير إمكاناته القيادية.

إذ تعدُّ تهيئة القادة في المؤسسات أمراً ضرورياً لدى خبراء الأعمال؛ وذلك لأنَّ الدراسات تثبت بازدياد أنَّ القادة الذين يُطوَّرون ضمن المؤسسة نفسها يحققون نتائج أفضل في جميع أنواع الأنشطة التجارية.

يمكن رؤية ذلك على أرض الواقع عندما نرى كثيراً من النساء اللاتي تُكلَّفنَ بمناصب قيادية، فقد وجدت دراسة بحثية أنَّ وجود 30% من النساء العاملات في مناصب قيادية مرتبط بزيادة هوامش الربح بنسبة 6% في الشركات، وهذا يتفق مع تجارب أكثر رواد الأعمال نجاحاً في عصرنا الحالي.

على سبيل المثال، أنت لم تعد ترى "بيل غيتس" (Bill Gates)، مديراً لشركة "مايكروسوفت" (Microsoft)، ولا "جيف بيزوس" (Jeff Bezos)، مديراً لشركة "أمازون" (Amazon)، فقد فوضوا القيادة منذ وقت طويل لأشخاص ارتقوا في السلم الوظيفي للشركة نفسها.

ففي شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) انتقلت القيادة إلى "ستيف بالمر" (Steve Ballmer)، ومن بعده "ساتيا ناديا" (Satya Nadia)، أمَّا في شركة "أمازون"، فقد انتقلت القيادة إلى "آندي جاسي" (Andy Jassy)، والقاسم المشترك لهؤلاء الثلاثة هو أنَّهم كانوا مطَّلعين على كل ما يتعلَّق بشركاتهم قبل أن يتولوا قيادتها.

4. زيادة الرضى الوظيفي:

يعود التفويض أيضاً بالفائدة على مرؤوسيك، وذلك لأنَّ لتأثيره الإيجابي في شعورهم بالرضى الوظيفي، ووفقاً لمراجعة شملت أربع دراسات مستقلَّة عن بعضها وتناولت هذا الموضوع، فقد وجِدَ أنَّ الموظفين الذين مارس مديروهم التفويض بأسلوب فعَّال كانوا أكثر سعادةً في أثناء أداء مهامهم الوظيفية.

مع أنَّ هذه الدراسات قد شملت في معظمها قطاعات تقدِّم الخدمات الطبية، فإنَّ السبب ينطبق على كافة المجالات الأخرى؛ إذ وضحَّت هذه الدراسات أنَّ سبب سعادة الموظفين يعود إلى أنَّ التفويض الفعَّال جعل الموظفين يشعرون بمقدار أكبر من الاستقلالية، وتتعزَّز هذه الحقيقة إذا ما عرفنا أنَّه يوجد كثير من المعلومات التي تفيد بأنَّ استقلالية الموظف هي أحد أهم العوامل في شعوره بالرضى الوظيفي.

شملت إحدى الدراسات 20،000 موظفاً في المملكة المتحدة (UK)، وقد بيَّنت وجود علاقة سببية مباشرة بين الاستقلالية والرضى الوظيفي، فيمكننا القول: كلما شعر الموظف باستقلالية أكبر، كان أكثر سعادةً.

شاهد أيضاً: 7 خطوات لتفويض المهام وفق نصائح مديري غوغل

5. تكريس الإحساس بالمسؤولية على مستوى الشركة بالكامل:

التفويض وسيلة تمكِّن قادة الأعمال من بناء مسؤولية على مستوى المؤسسة بالكامل، فهي الطريقة الوحيدة لذلك؛ فلا يمكنك أن تحمِّل أحداً المسؤولية عن أداء مهمة ما لم تمنحه كامل الصلاحيات للقيام بها، ولكي يتحقَّق ذلك، يجب تحديد توقعات واضحة لهذا الشخص ومنحه استقلالية كافية في أداء المهمة التي فوضته بها.

أمَّا القادة الذين يتولون القيام بكل شيء بأنفسهم، لا يمكنهم تحميل مرؤوسيهم المسؤولية عن نتيجةٍ ما إلا إذا كانوا قد طلبوا المساعدة، وذلك لأنَّ الإدارة التفصيلية تنمُّ عن عدم ثقة، وتسحب التفويض عملياً من الشخص الذي تم التفويض إليه.

إقرأ أيضاً: 10 طرق يفكر فيها رواد الأعمال تفكيراً مختلفاً

بذلك لا يمكنك تحميل غيرك المسؤولية عن النتائج إن كنت قد أخبرتهم وتصرفت بما يوحي بأنَّك المسؤول الوحيد، ومن ثمَّ يجب أن تتحمَّل المسؤولية كاملةً، وبهذه الطريقة أنت تحث على عقلية التنصل من المسؤولية التي ستتغلغل في شركتك شيئاً فشيئاً.

على النقيض من ذلك، إذا أوضحت أنَّ التفويض يعني الصلاحية وأنَّ الصلاحية تعني المسؤولية، فإنَّ فريقك سيعي ذلك، ويضع التوقعات السليمة، وكل ما يتبقى عليك فعله هو منحهم الوسائل اللازمة للنجاح وغالباً ما سينجحون.

إقرأ أيضاً: أهمية تفويض القيادة، وكيفية تفويض المهام على نحوٍ صحيح

في الختام:

توجد عدة أمور هامَّة في قيادة الأعمال والشركات ولا يقتصر الأمر على التفويض، لكن يبقى التفويض هو أهم عوامل النجاح في الدور القيادي، كما يجب أن يكون واضحاً كيف تنبثق الكثير نواحي القيادة الفعَّالة من هذه الآلية؛ لذلك يجب على الأقل أن تقوم بتفويض الأمور الضرورية لكل قائد ناجح.

إنَّ القدرة على التفويض ليست موهبة، بل هي شيء نتعلَّمه، ولو أنَّ السرعة في التعلُّم تتفاوت بين شخص وآخر، لكن ما يهم هو أن تدرك ما هو التفويض، وما أهميته، وسيكون لديك الدافع لجعل التفويض جزءاً من أدوات القيادة لديك.

المصدر




مقالات مرتبطة