فوائد التشاؤم في توقع الأسوأ وتجنُّبه

قد يكون الممثل البريطاني هيو غرانت (Hugh Grant) مشهوراً لكونه متقلِّب المزاج ويصعب التعامل معه في العمل، لكن ما احتمال أن يكون مزاجه السوداوي هو سبب نجاحه؟



لم يسبق أن انشغل العالم بالحديث عن الإيجابية، كما يجري الآن، حيث تدفعنا ثقافة العالم المعاصر إلى أن نسعى جاهدين لنكون سعداء؛ فقد بيعت كتُب بمليارات الدولارات تتحدث عن تحقيق السعادة والمساعدة الذاتية، وأينما تتصفح في الإنترنت فإنَّك تجد اقتباسات في هذا الشأن.

يمكنك الآن توظيف منتور أو كوتش لمساعدتك لتكون إيجابياً، أو ممارسة تأمل اليقظة الذهنية (أحد أنواع التأمل الذي يقوم على التركيز المكثَّف على المشاعر والأفكار في اللحظة الحالية دون تفكير في الماضي أو المستقبل)، أو استخدام أحد تطبيقات الهواتف الذكية التي تساعدك على تحقيق السعادة؛ لذلك ليس مفاجئاً أن يبدأ الجيش الأمريكي (US Army) بتدريب جنوده الذين يبلغ عددهم أكثر من مليون فرد على علم النفس الإيجابي، وأن يُدرِّس الإيجابية في مدارس المملكة المُتحدة (UK).

لقد بلغ الأمر أن أصبحت رفاهية الشعوب تُقاس من خلال السعادة، وأصبح مؤشر السعادة إذا صح القول بأهمية الناتج القومي الإجمالي نفس، لكنَّ الحقيقة أنَّ توقع الأسوأ له حسناته أيضاً؛ فالأشخاص المتشائمون يمكن أن يكونوا مفاوضين بارعين وصُنَّاع قرار فطنين، ويقلُّ لديهم خطر الإصابة بنوبة قلبية، ويمكن أن نتوقَّع من شخص متشائم أن ينعم بزواج أكثر استقراراً، ويحصل على دخل أعلى والتمتع بحياة أطول على الرَّغم من أنَّهم يتوقعون العكس.

من ناحية أخرى، تأتي الحالة المزاجية الجيدة مصحوبة بمخاطر كبيرة؛ فهي تستنزف طاقتك وتقلِّل من انتباهك للتفاصيل، وتجعلك ساذجاً وأنانياً في الوقت نفسه، ومن المعروف أيضاً أنَّ المزاج المرح يشجع على الإفراط في المشروبات الكحولية والإفراط في تناول الطعام، والتهور في الدخول في علاقات قد تكون مؤذية.

في خضمِّ كلِّ ذلك، تنبثق فكرة أنَّ مشاعرنا قابلة للتكيف؛ فمشاعر الغضب والحزن والتشاؤم ليست بالضرورة سيئة أو حظاً عاثراً على الإطلاق، فقد طورنا بوصفنا بشراً ردود الفعل النفسية هذه لتخدم وظائف معينة وتساعدنا على الازدهار.

خذ على سبيل المثال الغضب، بدءاً من أحقاد نيوتن ووساوسه (Newton) إلى نوبات الغضب لدى بيتهوفن (Beethoven) التي جعلت ثائرته تثور في أكثر من مرة، يبدو أنَّ العباقرة لا بدَّ من أن تنتابهم مشاعر شديدة من الحزن والغضب وغير ذلك، وإن كانت لا تستمر طويلاً، ومجمَّع "سيليكون فالي" (Silicon Valley) مليء بالأمثلة على ذلك؛ فمؤسس موقع أمازون (Amazon) جيف بيزوس (Jeff Bezos) معروف بطبعه الغضوب وتوجيهه للإهانات عندما يغضب، ومع ذلك لم يمنعه ذلك من أن يؤسس شركة قيمتها 300 مليار دولار.

الإبداع هو قدرتك على التحوُّل من مسار معيَّن في التفكير إلى مسار مختلف:

لسنوات بقيَت العلاقة بين الغضب والإبداع مجهولة، حتى قرر البروفيسور في علم النفس من جامعة أمستردام (University Of Amsterdam) ماتيس باس (Matthijs Baas) التحقيق في الأمر؛ فأثار ماتيس وفريقه غضب مجموعة من الطلاب بطريقة تخدم الأغراض العلمية للدراسة؛ فطلب من نصف الطلاب أن يتذكروا شيئاً أزعجهم؛ ومن ثمَّ كتابة مقال قصير عنه؛ فقال ماتيس إنَّ ذلك جعلهم يغضبون قليلاً، إلا أنَّهم لم يبلغوا مرحلةً من الغضب جعلتهم يفقدون أعصابهم تماماً، أمَّا النصف الآخر فقد شعروا بالحزن.

بعد ذلك وُضِعَ الفريقان في مواجهة بعضهما في اختبار مصمم للتعرف إلى قدراتهم الإبداعية؛ فمُنحوا 16 دقيقة للتفكير في أكبر عدد ممكن من الطرائق لتحسين التعليم في قسم علم النفس في جامعة أمستردام.

كما توقع البروفيسور باس، تمكَّن طلاب الفريق الذين شعروا بالغضب من الوصول إلى عدد أكبر من الأفكار، على الأقل في بداية الاختبار، واتسمت أفكارهم بالإبداع أكثر؛ إذ كانت أفكارهم فريدة ومقدار تكرارها كان أقل من 1% من مُجمل الأفكار التي توصَّلوا إليها، وبشكل لا يدع مجالاً للشك، كان المشاركون الغاضبون أفضل في مجال الابتكار غير المُنظَّم، ويمكن توضيح ذلك بالمثال الآتي:

لنفترض أنَّه طُلب منك التفكير في الاستخدامات المُمكنة لحجارة البناء؛ فالشخص الذي يتَّبع أسلوب التفكير المنهجي؛ أي المنظَّم قد يتوصل إلى 10 استخدامات تتعلق كلُّها بالبناء، إلا أنَّه سيكون عاجزاً عن التفكير في حجارة البناء بوصفها سلاحاً ما لم يستخدم أسلوباً مختلفاً في التفكير يتسم بعدم المنطقية.

جوهر الإبداع هو قدرتك على التحوُّل من مسار معيَّن في التفكير إلى مسار آخر مختلف، وفي المواقف التي تتطلب اتخاذ وضعية الكر والفر، فإنَّ التفكير غير المنطقي هو الأقدر على إيجاد الحلول المُنقذة للموقف.

يشرح باس هذه العلاقة ويقول: "الغضب يهيئ الجسد لشحذ طاقاته، فهو رسالة تُعلِّمُك أنَّ الموقف سيئ ويجب أن تجد مخرجاً منه"، ولكي نفهم هذه الآلية فهماً واضحاً يجب أن نفهم ما يحدث في الدماغ في أثناء الغضب؛ بدايةً ومثل معظم المشاعر، يبدأ الغضب في اللوزة، وهي جُسيم في الدماغ على شكل لوزة مسؤولة عن تحديد ما يهدد سلامتنا، وهي على درجة عالية من الحساسية للأخطار، وتعمل على تنبيهنا لوجود الخطر قبل وقت طويل من حدوثه، وتقوم بإيصال التنبيه إلى مستوى الوعي.

شاهد: كيف تتخلص من الأفكار السوداوية بشكل نهائي؟

لكنَّ الأمر مرهون بالإشارات الكيميائية في الدماغ لإثارة الغضب، فعندما يصل الأدرينالين إلى مستوى عالٍ؛ فإنَّه يثير لدينا شعوراً عارماً بالغضب المصحوب بانفعال جسدي وعاطفي يستمر إلى دقائق عديدة، ويتسارع معدَّل التنفس ويزداد معدَّل ضربات القلب ويرتفع ضغط الدم ارتفاعاً كبيراً.

يندفع الدم إلى الأطراف، ما يؤدي إلى هذه العلامات المُصاحبة للغضب، من احمرار الوجه وانتفاخ للأوردة الصدغية والجبهية، وهي إحدى العلامات البارزة والمميزة للغضب، لكن وعلى الرَّغم من الاعتقاد الشائع بأنَّ الغضب هو انفعال نفسي تطور أساساً لنكون عدوانيين، إلا أنَّ هذه الاستجابة الفيزيولوجية لها فوائد أخرى؛ فهي تعزز لدينا الحافز وتجعلنا أكثر إقداماً على تحمُّل المخاطر المُحتملة، وكلُّ هذه التغيرات الفيزيولوجية مفيدة للغاية، طالما أنَّك تستطيع التنفيس عن غضبك مهما كانت درجة المخاطرة التي تتحملها.

بالطبع في مواقف معيَّنة قد يتسبب التعبير عن غضبك بنفور الأشخاص، لكن بعد ذلك مباشرةً يجب أن يعود ضغط الدم إلى معدله الطبيعي، مع العلم أنَّ كبت الشعور بالغضب له عواقب خطيرة أكثر بكثير من التنفيس عن الغضب.

فكرة أنَّ الانفعالات المكبوتة ضارة بالصحة هي فكرة قديمة، كان الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristotle) من أشدِّ المناصرين لفكرة التنفيس، وكان يرى أنَّ المسرحيات التراجيدية تجعل المشاهدين يختبرون مشاعر الحزن والغضب والشعور بالذنب.

لكن في بيئة مدروسة، ومن خلال التفاعل مع هذه المسرحيات، فإنَّ المشاهدين يتخلصون من هذه المشاعر دفعةً واحدة، ثم تبنَّى فلسفته لاحقاً عالِم النفس النمساوي "سيغموند فرويد" (Sigmund Freud)، لكن مع تعديل على أسلوب التنفيس؛ إذ استخدم فرويد لذلك تقنية تقوم على جعل المريض يستلقي على الأريكة؛ ومن ثَمَّ يعبِّر عن كلِّ ما ينتابه.

قرر فريق من العلماء في عام 2010 التعمُّق في البحث؛ فأجروا استطلاعاً شمل 644 شخصاً يعانون مرض الشريان التاجي لتحديد مستويات الغضب لديهم ومدى الكبت لمشاعر الغضب، ومدى شعورهم بالضيق، واستمر العلماء بتتبع الحالات لمدة تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات حسب كلِّ حالة.

تعرَّض 20% منهم خلال مدة الدراسة لأزمة قلبية حادة، وتوفي 9% منهم، وبوصفه دليلاً أولياً بدا أنَّ الغضب في حالتي التنفيس والكبت يزيد من احتمالية الإصابة بنوبة قلبية، لكن بعد التحكُّم بالعوامل الأخرى، أدرك الباحثون أنَّ الغضب بحد ذاته ليس له أيُّ تأثير، لكن يزيد الكبت من احتمالية الإصابة بثورة قلبية بنحو ثلاثة أضعاف، وما يزال سبب حدوث ذلك غير معروف بالضبط، لكن أظهرت دراسات أخرى أنَّ كبت الغضب يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم المزمن.

لا تقتصر الفوائد على الصحة؛ بل قد يعزز الغضب من قدرتك على التفاوض، فما يثير العدوانية فجأةً لدى الشخص هو إحساسه أنَّ شخصاً ما لا يقدِّر اهتماماته كما يجب، ومن هنا تُستخدم وسائل الضغط مثل العنف المادي، واسترداد المزايا من ولاء وصداقة ومزايا مالية، كلُّ ذلك لجعل الطرف الآخر يدرك خطأه.

ما يدعم صحة هذه النظرية، هو التعبير عن انزعاجنا عندما نغضب؛ إذ تشير الدراسات إلى أنَّ هذه الإيماءات والتعابير التي تظهر على وجوهنا ليست عشوائية إطلاقاً؛ إنَّما تهدف بالتحديد إلى جعلنا نبدو أقوى من الناحية البدنية في نظر خصمنا.

إذا فهمت هذه الآلية فهماً صحيحاً، فمن الممكن أن تساعدك على الحصول على مزيد من التقدير لاهتماماتك من قبل الآخرين وتحسين موقفك في المفاوضات، وهذه في الواقع إحدى الوسائل القديمة لتحقيق أفضل النتائج في المفاوضات.

كما يدرك العلماء أنَّ الغضب يمكن أن يعزِّز معظم المهارات الاجتماعية، ويحسِّن المهارات اللغوية ويقوي الذاكرة ويجعلنا نبدو أكثر إقناعاً؛ إذ يقول جوزيف فورغاس (Joseph Forgas) أحد الباحثين في العلاقة بين العواطف والسلوك لمدة تزيد على أربعة عقود: "تشير الحالة المزاجية السيئة إلى أنَّنا في موقف غامض وصعب، وتدفعنا إلى التفكير بأسلوب أكثر يقظةً مع الانتباه إلى التفاصيل وملاحظة دقائق الأمور".

لقد وجدت الأبحاث في سياق مشابه أيضاً أنَّ الشعور بالإحباط قليلاً يعزز وعينا بالإشارات الاجتماعية، ومن المثير للاهتمام أنَّه يحثُّنا على التصرف بطريقة أكثر إنصافاً تجاه الآخرين.

قاسية لكن عادلة:

على الرَّغم من أنَّه يُنظر إلى السعادة دوماً على أنَّها فضيلة، إلا أنَّ الشعور بالسعادة بحد ذاته لا يحقق الفوائد التي نتخيلها.

لقد اختلفت مشاعر المتطوعين في إحدى الدراسات بين الاشمئزاز والحزن والغضب والسعادة والغرابة، وأحياناً كانت مشاعر حيادية؛ ومن ثَمَّ أُشركوا في لعبة الإنذار؛ وهي عبارة عن تجربة يحصل فيها اللاعب الأول على بعض المال، ويُسأل عن الكيفية التي يريد فيها تقسيم المال بينه وبين لاعب آخر، ويقرر الأخير ما إذا كان يوافق أو يرفض، وفي حالة الرفض، لا يحصل أيٌّ منهما على المال.

تُستخدم هذه التجربة عادةً في المجال النفسي لاختبار مدى إحساسنا بالعدالة من خلال إظهار ما إذا كان اللاعب الآخر يتوقع الحصول على نصف المبلغ الذي بحوزة اللاعب الأول، أو ما إذا كان اللاعب راضياً عن فكرة أنَّ كلَّ شخص يستأثر بالمبلغ لنفسه، ومن المثير للدهشة أنَّ كلَّ المشاعر السلبية أدت إلى رفض اللاعب الثاني للقسمة غير العادلة، ممَّا يعني أنَّ هذه المشاعر تعزز رغبتنا في العدالة ومعاملة الجميع على قدم المساواة.

تكشف تجربة أخرى أنَّ هذه الحالة ليست على سبيل المصادفة؛ فلعبة الديكتاتور لها القواعد نفسُها تماماً باستثناء أنَّه ليس للاعب الثاني أيُّ رأي إطلاقاً؛ بل يُفرَض عليه قبول قسمة الطرف الأول حتماً، واتضح أنَّ اللاعبين الأكثر سعادةً يميلون إلى الأنانية، في حين أنَّ أولئك الذين يعانون مزاجاً كدراً أقل أنانيةً.

يقول فورغاس: "إنَّ الأشخاص الذين يشعرون بالإحباط قليلاً يولون اهتماماً أكثر للأعراف والتوقعات الاجتماعية الخارجية؛ ومن ثَمَّ يتصرفون بطريقة أكثر إنصافاً وعدالةً تجاه الآخرين".

تحمل السعادة في بعض المواقف محاذير أكثر خطورةً، وهي مرتبطة بهرمون الأوكسيتيسون المعرف باسم هرمون السعادة، والذي أظهرت بعض الدراسات أنَّه يقلِّل من قدرتنا على تحديد التهديدات؛ ففي عصور ما قبل التاريخ، كانت السعادة تجعل أسلافنا عرضةً للحيوانات المفترسة، أمَّا في عصرنا الحالي فإنَّها تقلل حذرنا من مخاطر الحياة المعاصرة مثل الإدمان على المشروبات الكحولية والإفراط في تناول الطعام والدخول في علاقات مؤذية.

يستطرد فورغاس: "تتعامل أدمغتنا مع السعادة على أنَّها مؤشرات أمان؛ ومن ثَمَّ نفقد انتباهنا لما يشكِّل خطراً في البيئة المحيطة"، وأولئك الذين يبقون سعداء باستمرار قد تفوتهم إشارات هامة في البيئة المحيطة، وبوصفه بديلاً لذلك، قد يعتمدون اعتماداً مفرطاً على المعارف الموجودة لديهم سابقاً، ممَّا قد يجعلهم عرضةً لخطر الوقوع في المحاكمات الخاطئة.

وضع فورغاس وزملاؤه من جامعة نيو ساوث ويلز (University of New South Wales) في أستراليا (Australia) في إحدى الدراسات، مجموعةً من المتطوعين في مختبر، وعُدِّلت حالتهم المزاجية ليصبحوا سعداء أو حزينين؛ وذلك من خلال عرض مجموعة من الأفلام؛ ومن ثَمَّ طُلب منهم الحكم على مصداقية بعض الشائعات الحديثة، مثل كون خطوط التيار الكهربائي تسبب اللوكيميا (سرطان الدم)، واغتيال وكالة المخابرات المركزية (CIA) للرئيس جون كينيدي (John Kennedy).

كانت النتيجة أنَّ الأشخاص السعداء كانوا أقل ميلاً للشك وكانوا أكثر قابليةً للتصديق الساذج؛ ومن ثَمَّ استخدم فورغاس إحدى ألعاب إطلاق النار لاختبار ما إذا كانت الحالة المزاجية الجيدة تدفع الأشخاص إلى الاعتماد على الصور النمطية لاتخاذ القرار، وكما توقَّع فورغاس فقد كان الأشخاص الذين يتمتعون بحالة مزاجية جيدة أكثر ميلاً لاستهداف الشخصيات التي ترتدي عمائم في اللعبة بسبب الصورة النمطية التي لديهم عن الإرهاب.

أمَّا عن التفاؤل، فإنَّه لا يقل سلبيةً من ناحية نتائجه عن السعادة؛ فالتوقعات الإيجابية يمكن أن تتعارض تماماً مع الحافز الذي نحتاج إليه لإنجاز المهام.

تقول أستاذة علم النفس غابرييل أوتينجن (Gabriel Oettingen) من جامعة نيويورك (New York University): "يؤدي التفاؤل إلى شعور الشخص بأنَّه أنجز الكثير، ومن ثَمَّ يسترخي ولا يبذل الجهد اللازم لتحويل التوقعات الإيجابية إلى حقيقة".

على سبيل المثال خريجو الجامعات الذين يبالغون في تخيُّل مستقبل مليء بالنجاح، ينتهي بهم الأمر إلى تحقيق نجاحات مهنية ومادية أقل من غيرهم، وبالمثل المرضى الذين يتخيلون التعافي السريع، يكون تحسنُّهم أبطأ، وفي كثير من الدراسات أثبتت أوتينجن أنَّه كلَّما ازداد تخيُّلنا لما نحلم به، قلَّت احتمالية تحقيق أيِّ شيء منه.

توضَّح خطأ اعتقاد معظمنا بالفكرة التي تقول احلم بشيء ما وستحصل عليه، والواقع أنَّ التفاؤل المبالغ فيه يشكِّل مشكلة، فهو سيمنع الشخص الذي يعاني السمنة من فقدان وزنه وسيثبِّط عزيمة المدخِّن للإقلاع عن التدخين.

شاهد أيضاً: 8 نصائح للتخلص من التشاؤم والتفكير بإيجابية

التشاؤم الدفاعي:

لعلَّ الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو اعتقاد أوتينجن أنَّ مخاطر التفاؤل قد تتعدى الفرد وتمتد إلى مستوى المجتمع.

أُجريَت مقارنة تتبعت فيها صحيفة "يو إس إيه توداي" (USA Today) وراقبت الأداء الاقتصادي خلال أسبوع؛ ومن ثمَّ خلال شهر، ووجدت أنَّه كلَّما كان محتوى الصحيفة أكثر تفاؤلاً انخفض الأداء الاقتصادي انخفاضاً كبيراً، ثمَّ تابعت خطابات التنصيب الرئاسية في الولايات المُتحدة ووجدت أنَّ الخطابات الأكثر إيجابية تلاها انخفاض كبير في معدلات التوظيف والناتج المحلي الإجمالي.

بعد كلِّ هذه النتائج السلبية، يصبح من الخطأ الانحياز إلى التفاؤل والاعتقاد بأنَّك أقل عرضةً للوقوع في الأخطاء التي يقع فيها غيرك؛ لأنَّ هذا بلا شك سيؤدي إلى نتائج سيئة.

بدلاً من ذلك، يجب أن تتخلى عن النظرة التفاؤلية غير الواقعية، ورؤية الواقع بنظرة موضوعية، فيما يمكن تسميته "التشاؤم الدفاعي" الذي يمكن عدَّه الترجمة الوجدانية لقانون مورفي (Murphy) وهو أحد القوانين الحتمية، الذي ينص على أنَّ أيَّ شيء يمكن أن يحدث بشكل خاطئ، فلا بدَّ من أنَّه سيحدث بشكل خاطئ.

الفائدة هي أنَّك من خلال توقع الأسوأ ستكون جاهزاً للتعامل معه عندما يحدث فعلاً، وسنوضِّح عمل هذا القانون من خلال المثال الآتي: لنقل إنَّك تلقي محاضرةً في مكان العمل، وكلُّ ما عليك فعله حسب قانون مورفي هو التفكير في أسوأ النتائج المُحتملة، مثلاً قد تتعثر بينما تصعد إلى المنصة، أو تنسى وسيط التخزين الذي يتضمن المعلومات التي تحتاج إليها في استعراض أفكارك، أو مشكلات تقنية، ربما أيضاً أسئلة مُحرجة، بالطبع يوجد كثير ممَّا يمكنك توقُّعه حسب درجة تشاؤمك.

إقرأ أيضاً: نصائح فعّالة لتزرع التفاؤل في حياتك

على أيَّة حال أيُّ احتمال تفكِّر فيه، يجب أن تتذكَّره، وتحاول التفكير في بعض الحلول لهذه المشكلات.

عالمة النفس جولي نوريم (July Norem) من كلية ويليسلي (Wellesley College) هي إحدى الأشخاص الخبراء في التشاؤم، تقول عن هذا الموقف: "أنا خرقاء بعض الشيء خاصةً عندما أشعر بالقلق؛ لذلك أحرص على ارتداء أحذية ذات كعب منخفض عندما يكون لديَّ محاضرة، وأحضر إلى المكان قبل الوقت لتحديد اتساع المسرح والتأكُّد من عدم وجود أسلاك أو أيِّ شيء آخر يمكن أن أتعثر به، وعادةً ما يكون لديَّ عدة نسخ احتياطية لوسائط التخزين، بالطبع يمكنني إلقاء المحاضرة من دونها إذا لزم الأمر، ومن ثمَّ أرسل نسخة بالبريد الإلكتروني إلى مُنظمي المحاضرة، وربما أحمل معي نسخةً على بطاقة الذاكرة وأُحضر معي حاسوبي المحمول لتشغيلها، وكما يُقال من لا يحسب لا يسلم".

إقرأ أيضاً: كيف يساعدك تخفيف التشاؤم على تجاوز الأوقات الصعبة؟

في الختام:

في المرة القادمة التي يدعوك فيها أحدهم إلى التفاؤل، لِمَ لا تدافع عن تشاؤمك قليلاً؟ وتخبرهم أنَّ ما يحدث في العالم يستحق من الإنسان العاقل بعض القلق، وأنَّ من يضحك كثيراً يبكي أخيراً، كن من الذين يرون العالم قاتماً في البداية حتى تحصل على النتائج التي تدعوك إلى السعادة حقاً.




مقالات مرتبطة