فلسفة شوبنهاور في كتابه "كيف تكون دائماً على حق؟"

يُعَدُّ كتاب "أن تكون دائماً على حق" لفيلسوف التشاؤم المشهور "شوبنهاور" واحداً من الكتب المرجعية؛ بمعنى أنَّه يختلف اختلافاً كبيراً عن أي كتاب آخر؛ إذ إنَّك لا تستطيع أن تقرأ هذا الكتاب مرة واحدة ومن ثم تضعه جانباً وتنساه؛ بل من الضروري أن يحتل مكاناً ثابتاً في مكتبتك الشخصية، خصوصاً إن كنت تعمل في الأروقة الدبلوماسية أو السياسية أو العلاقات العامة، وفي أي مهنة تتطلب منك أن تجيد فن التفاوض.



هل يجب الامتناع عن قراءة كتاب "شوبنهاور" بحجة أنَّه يحتوي على مبادئ غير أخلاقية؟

قد نرى هذه المبادئ التي يطرحها الفيلسوف الألماني لا أخلاقية ولا تتناسب مع مبادئنا وتربيتنا؛ لأنَّها تعتمد على إيقاع الخصم في فخ المغالطات المنطقية، وإعادة قولبة الحوار بطريقة تجعلنا نبدو على صواب، حتى لو كنا على خطأ، إلا أنَّه من الضروري معرفتها والاطلاع على أهم بنودها ومبادئها؛ وذلك من أجل أن نتعامل معها بشكل صحيح في حال تم استخدامها ضدنا، كي لا نقع في حيرة أو دهشة أو ارتباك يجعلنا عاجزين عن الرد والدفاع عن أنفسنا.

من هو المنتصر من وجهة نظر "شوبنهاور"؟

يقول "شوبنهاور" إنَّ من ينتصر في أي معركة، ليس صاحب الحق؛ بل هو من يمتلك الأسلحة الأقوى، وقد يبدو هذا المبدأ الذي يقترحه "شوبنهاور" بعيداً عن المبادئ الأخلاقية، لكن يجب علينا أن نعترف بأنَّ ما يقوله واقعي إلى حدٍّ كبير، فلا يوجد حرب في التاريخ انتصر فيها الضعيف الذي يملك الحق على القوي الذي لا يملكه.

كيف يمكن أن تنتصر من خلال جعل أهدافك أصغر وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

ينطلق "شوبنهاور" من حقيقة مفادها أنَّ الهدف الكبير يمكن إصابته بسهولة، على عكس الهدف الصغير الذي يكون من الصعب أن تتم إصابته، ومن هنا يجب علينا أن نختار لأنفسنا أهدافاً صغيرة يكون من الصعب إصابتها من قِبل الخصوم.

على سبيل المثال، حين تقول إنَّ جميع سكان المدينة هم أشخاص في غاية الفظاظة، في هذه الحالة أنت اخترت هدفاً كبيراً يمكن لأي شخص أن يصيبه، ويستطيع بكل سهولة أن يفتك بما تقول، حين يصرح بأنَّه يعرف الكثير من الأشخاص الودودين في ذات المدينة؛ لذا من أجل أن تتجنب مثل هذا الإحراج، يمكنك أن تجعل هدفكَ أصغر حجماً، مثل أن تقول "أنا أعرف العديد من الأشخاص الذين يتسمون بالفظاظة"، وهنا لا يمكن لأحد أن يناقض ما تقوله؛ لأنَّك اخترتَ هدفاً صغيراً، فقد قلتَ إنَّ العديد من الأشخاص هم كذا وليس الجميع.

ما هي أهمية الأسئلة المفتوحة في إدارة الحوار وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

إنَّ اتباع أسلوب الأسئلة المفتوحة أو غير المباشرة أفضل بكثير من أسلوب الأسئلة الدقيقة؛ على سبيل المثال، حين تُجري اتصالاً مع صديقك بقصد طلب خدمة ما، فمن الأفضل أن تبدأ بسؤاله عن مكان وجوده، وماذا يفعل، وهل هو مشغول الآن أم لا، وبعد جمع هذه المعلومات، يمكنك أن تطلب منه ما تريد بالطريقة التي تناسب الحالة.

كذلك الأمر بالنسبة إلى المحقق الذي يقوم باستجواب المتهم، فإنَّه يبدأ الاستجواب بأسئلة عامة مثل، أين كنتَ في الساعة كذا؟ وماذا كنت تفعل في أثناء الفترة كذا؟ وما هي المقاهي التي ترتادها في العادة؟ فهنا يستطيع المحقق أن يجمع معلومات أكثر من الأسئلة المباشرة مثل، أين أخفيت الجثة؟ واشرح لنا طريقة ارتكابك للجريمة، فهي أسئلة سيتهرب منها المتهم بشكل أو بآخر.

إقرأ أيضاً: فن المفاوضات وكيفية إتقان مهارة التفاوض

ما هي أهمية استفزاز الخصم وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

إذا أردتَ أن تنتصر على خصمك، فإنَّ أفضل طريقة هي استفزازه وجرُّه إلى مستنقع الغضب؛ إذ يؤكد خبراء علم النفس أنَّ الغضب هو ضعف أي إنسان؛ لذا يدفعه إلى ارتكاب الأخطاء بشكل جنوني، ويظهر أمام الناس على أنَّه شخص غير منطقي ولا يتحلى بالعقلانية.

على سبيل المثال، قبل الخروج على الهواء في مناظرة تلفزيونية، يقوم أحد الضيوف باستفزاز الضيف الآخر بأي طريقة؛ وذلك من أجل إشعال فتيل الغضب عندما يخرج الضيفان على الهواء، وبعد أن يبدأ المناظر يقوم الضيف الذي اتبع استراتيجية الاستفزاز قبل الهواء، باتباع استراتيجية أخرى مختلفة تماماً وهي العقلانية والهدوء والمنطقية، مع قول بعض الكلمات والجمل التي تؤجج الغضب داخل الخصم الذي تم استفزازه مسبقاً وتحضيره لكي يقع في فخ الغضب، ومن ثم يقع بها فعلاً، وهنا يبتسم المناظر الآخر، وهو ينظر إلى خصمه، ويعلم أنَّه انتصر.

كيف يمكن استخدام حيلة الإرباك من أجل تحقيق النصر وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

يمكن اتباع حيلة الإرباك؛ وذلك بإخراج الخصم عبر إمطاره بوابل من المعلومات والأخبار الخاطئة أو المغلوطة، وتلك التي ليس لها أي معنى، وترتكز هذه الحيلة على استغلال عادةٍ قد تكون موجودةً عند العديد من الأشخاص، وهي الموافقة على أفكار تُطرح أمامهم دون فهمها، فقط من أجل ألا يظهروا على أنَّهم لا يفهمون ما يتم طرحه، ويُشترط لذلك أن نقول ما نقوله بجدية تامة ونبرة قوية توحي بالثقة الكاملة فيما نقوله، وأن تكون المعلومات التي نقولها متعددة وكثيرة ومتشعبة وغزيرة، بحيث تُشعر الخصم بالارتباك؛ وهذا يضعه تحت الضغط، ويدفعه للتظاهر بالموافقة.

ما هي أهمية استخدام المصطلحات الجديدة في تحقيق الانتصار على خصمك وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

يساعد طرح المصطلحات الجديدة أو الغريبة أو النادرة على إدخال الخصم في صدمة معرفية وفكرية ونفسية؛ وذلك من خلال إدخاله في دوامة الأفكار الجديدة التي تضعف ثقته بنفسه، وتدخل الشك إلى مستنقع يقينه، وتجعله يعلم تماماً أنَّه أمام خصم من نوع آخر، يفوقه من ناحية الثقافة والاطلاع والمعلومات، وهذا ما يقربه أكثر من الغضب، ومن ثمَّ إظهار مكامن ضعفه وكشفها أمامك، ومن الهام طرح هذه المصطلحات النادرة على أنَّها مسلمات أو معلومات بديهية يعرفها الجميع، فهذا أكثر ما يزعزع ثقة الخصم بنفسه، وكأنَّك تقول له "هذه بديهيات يعرفها الجميع، وأنتَ لا تعرفها!".

كيف يمكن لتشجيع الخصم على المبالغة أن يقودك للانتصار عليه وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

شجع الخصم على المبالغة فيما يقول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال الصمت حين يبدأ بالمبالغة، واتركه يتحدث كيفما شاء، طالما أنَّه بدأ بالمبالغة، فهو الآن يتكلم لمصلحتك، وكن على يقين من ذلك، فالمبالغة التي يقع بها الخصم تُشعره بالفوز والانتصار وتُخرج المُتغطرس الساكن في أعماقه؛ وهذا يعني بكل تأكيد نهايته أمام الجمهور أو المشاهدين؛ لأنَّ أكثر ما يستشعره الإنسان العادي على أنَّه سلبي هو المبالغة، فحتى لو كان مؤيدو وجهة نظره يشاهدونه، فإنَّهم سيشعرون بمبالغته، وسيقولون في دواخلهم إنَّهم يؤمنون بذات الفكرة، لكن ليس بهذا الشكل المتطرف أو المبالغ به إلى هذا الحد.

شاهد بالفديو: 10 نصائح تساعدك على امتلاك مهارات التفاوض

ماذا تفعل حين يسأل خصمك سؤالاً صعباً وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

عندما يسأل خصمك سؤالاً صعباً أو معقداً أو ملتبساً، فلا ترتبك ولا تغضب ولا تنفعل؛ لأنَّ خصمك هنا قد جاء بقدميه إلى الفخ، والجواب عن سؤاله يكون بسيطاً "لا أفهم شيئاً مما تقول"، وفي هذه الحالة تكون قد رميت عن ظهرك عبء الإجابة، وفي نفس الوقت تكون قد كسبتَ الجمهور إلى صفك؛ لأنَّ عامة الناس وخصوصاً غير المتخصصين، لا يحبون التعقيد ولا ينجذبون إلى من يبحث في دقائق الأمور؛ بل يحبون البساطة والعفوية في التعبير؛ لأنَّها تُشعرهم بأنَّهم يفهمون ما يقال، أما التعقيد والدقة فيُشعرهم بأنَّهم لا يفهمون، وهنا يهزؤون بالكلام المعقد على أنَّه مجرد هراء، كي يخفوا عدم فهمهم له، وينقلون هذه المسؤولية إلى صاحب الكلام.

ماذا تفعل في حال شعرت أنَّ موقفك أصبح ضعيفاً وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

في حال أحسستَ أنَّ حججك ضعيفة أو أنَّ موقفك ضعيف، فتوقف عن توجيه كلامك إلى الخصم، وحوِّل ما تقوله إلى الجمهور أو الناس، فالكثير منهم غير متخصص في الموضوع ولا يفهم سوى العموميات؛ لذلك يمكننا في هذه الحالة أن نسرد بعض الحجج البسيطة التي يفهمها الناس العاديون، ونبتعد فيها عن التخصص والتعقيد، وهذا ما يجعلك تفوز وتنتصر في نظرهم، ويجعل خصمك خاسراً أو مخطئاً في نظرهم.

ماذا تفعل حين تشعر بأنَّك خسرتَ كل أوراقك وفق فلسفة "شوبنهاور"؟

في حال خسرتَ كل أوراقك في مناظرتك أو حوارك مع الخصم، فقد يكون الحل الوحيد أمامك في هذه الحالة هو أن توجه مسار الحديث إلى الشخصنة أو التكلم بأمور خارجة عن موضوع المناظرة والغوص في أمور تمس شخص الخصم، وهنا سترى أنَّ خصمك يتحول في هذه الحالة إلى الدفاع عن نفسه، ويبتعد عن الدفاع عن أفكاره وقيمه ومبادئه، لكن يجب أن تكون حذراً في هذه الخطوة؛ لأنَّها قد تنطوي على الكثير من الأخطار والأضرار، ومنها تحول الحوار أو المناظرة إلى شجار أو عراك.

إقرأ أيضاً: قانون الكارما: كما تدِين تُدَان

في الختام:

صحيح أنَّ مبادئ "شوبنهاور" التي تطرقنا إليها في هذا المقال هي مبادئ قد لا تلتقي مع أخلاقنا وقيمنا، لكن في نفس الوقت من الهام جداً أن نفهمها، كي نعرف كيفية التصدي لها في حال تمت ممارستها ضدنا، ومن باب أن نبقي أذهاننا منفتحة على جميع الطرائق والأساليب مهما كانت توجهاتها ومنابتها، شرط ألا نؤذي أحداً.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة