فكر في ما تحتاجه بحق للتقليل من رغباتك

هل يمكن تغيير هوس الشراء إلى الاكتفاء بالحاجات الأساسية في عصر الهوس الاستهلاكي الذي تقوده المادية؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلفة "شيريل سميث" (Cheryl Smith)، والتي تُحدِّثُنا فيه عن تجربتها في التقليل من الاحتياجات في سبيل إيجاد الذات الحقيقية والسكينة العميقة.

من خلال تجربتي مع عائلتي في تقليل الاستهلاك على مدى السنوات القليلة الماضية، أُجيبُ بأنَّ ذلك ممكن وبسهولة، ولقد دُهِشنا بالفعل بعد مقارنة طريقة تفكيرنا اليوم عما كانت عليه قبل البدء بتقليل الاستهلاك؛ إذ يعلِّمك تقليل الاستهلاك معنى الرضى والاكتفاء بما تحتاج إليه. إنَّه لشيءٌ جميلٌ أن تصل الآن إلى مرحلة تصبح فيها الأشياء التي ترغب في شرائها هي الأشياء التي تحتاج إليها فقط. ثمَّة هامش حرية واسع إذا عرفتَ أين تبحث.

ترتيب الحاجات حسب الأولوية والضرورة:

تحديد أبرز احتياجاتك:

لنفكر فيما نحتاج إليه بشدة في الوقت الراهن، باستثناء ضرورات الطعام والمأوى والملبس والحفاظ على الصحة الجيدة، ولنسأل أنفسنا ما هو الجانب الذي سيختل توازنه في حال لم يُلبَّ بالشكل المطلوب؟ إذ يُعَدُّ تحديد هذا الأمر في غاية الأهمية؛ وذلك لأنَّك لن تصل إلى أقصى درجات السعادة إلَّا إذا حددتَ الحاجات الأساسية المُلحَّة ولبيتَها، بغض النظر عن تراكم الأشياء من حولك، وتنوع السبل التي ستكتشفها لتلبية احتياجاتك.

يُعَدُّ استرجاع أيام الطفولة أحد الخطوات الضرورية الأولى للكشف عن حاجاتك الضرورية، على سبيل المثال: كنتُ فتاة صغيرة ذات شعر بني مربوط وعيون عسلية مائلة إلى الخضار، وقلب مليء بالأمل، تعلمُ الاعتماد على الله وأداء الصلوات في سنٍ مبكر، حتى أصبحت تلبية الحاجات الروحية - الأكثر إلحاحاً - جزءاً لا يتجزأ من اليوم.

تعودُ بي الذاكرة إلى مشهد ركوعي قرب سريري للصلاة، وقد أحسستُ بشعورٍ نادرٍ بالراحة والسلام العميقَين، لا تزال تلك الحاجة الأساسية والعميقة للسكينة - عندما كنت في الثالثة من عمري - ملحَّةً حتى اليوم، الأمر سهل جداً ولكنَّه عميق جداً.

شاهد بالفديو: كيف تطوّر ذاتك وتقوّي شخصيتك

تحديد ثاني أبرز حاجة من احتياجات حياتك:

العيش بسلام وقضاء أكبر قدر ممكن من الوقت مع من أحب، هو حاجتي الضرورية الثانية، فكلَّما تقدم بي السن، أدركتُ قِصرَ الحياة وشعرتُ بحاجتي العميقة إلى الاستفادة القصوى من كل لحظةٍ ثمينة، قد لا أستطيع العمل بفاعلية عندما أكون على خلافٍ مع أي شخصٍ ضمن دائرة المقربين؛ إذ يُشكِّل التواصل المنفتح أمراً بالغ الأهمية، كما أنَّني أَعدُّ القيام بكل ما يلزم لإشعارهم بأولويتهم واجباً عليَّ.

إقرأ أيضاً: 9 طرق لتحسين مهارات التواصل

تحديد الاحتياجات اللاحقة:

لربما تشعر برغبة عارمة في خدمة الآخرين أو الابتكار أو السفر أو الاستكشاف أو التعلُّم أو التعليم، ففكِّر فيما يرضيك ويجعلك تشعر بالكمال، وحدد ما يمنعك من القيام بذلك، وما الذي يقف في طريقك؟

بما أنَّك حددت أهم احتياجاتك، هل ترى المشهد واضحاً؟ وهل تلاحظ أنَّ الاحتياجات الحقيقية ليست "ممتلكات حسية" على الإطلاق؟ الاحتياجات الحقيقية هي أحاسيس قلبية ونفسية تنبع من داخلك، وإذا تحوَّل الفكر للتركيز في تلبية الاحتياجات النفسية الداخلية، فستدرك حاجتك إلى التحرر من الأشياء المادية غير الضرورية.

قبل بضع سنوات فقط، كان لدينا منزل كبير من أربع غرف نوم وثلاثة حمامات، مع مرآبين ضخمين، قائماً على فدانين من الأرض، كان منزلنا ومرآبنا وحتى العلِّيَّة وخزائننا وأدراجنا ممتلئة حتى النهاية، وكنا غارقين بالديون، وقد استنزف الحفاظ على ممتلكاتنا المادية وصيانتها باستمرار وقتنا وطاقتنا، والتي من المفترض استثمارها للرعاية الروحية، وتطلَّب أسلوب حياتنا القديم من زوجي الانشغال المستمر في وظيفةٍ يكرهها.

شعر زوجي بشعورٍ عميقٍ بالذنب بسبب مشاهدة ابننا الوحيد يكبر بينما لا يستطيع قضاء الوقت الكافي معه، لم نكن بحاجة إلى أغلب رغباتنا المحققة كما أنَّ تحقيق رغباتنا الدنيوية حال دون تحقيق رغباتنا الروحية، فجاءت لحظة التنوير بعدما سُرِقَت هويتنا منا، لنواجه الخسائر المتزايدة بإرادتنا يوماً تلوَ الآخر، لتستولي على حياتنا في نهاية المطاف.

بعنا منزلنا وتخلَّصنا من معظم ممتلكاتنا وتحررنا من الديون بنسبة 100%، وانتقلنا إلى الجبال؛ حيث تركنا نمط الحياة السريع وتحولنا إلى حياةٍ ذات وتيرة أبطأ، تؤدي غرضها في تغذية أرواحنا، وبدلاً من العودة إلى الديون قررنا استئجار منزل صغير مفروش، يتولى شخص آخر العناية به.

بعد أشهر عدَّة من انتقالنا، انتقل زوجي إلى العمل بنظام "التعاقد الخارجي" في وظيفته، وأخذ إجازة طويلة للمساعدة على إنهاء رحلتنا التعليمية الذاتية التي دامت 13 عاماً، مررنا بأوقاتٍ عصيبة للتأقلم مع فقدِ جميع الممتلكات، وفقدان العمل غير المتوقع، ولحسن الحظ، تمكَّنَّا من التأقلم والشعور بالبهجة سريعاً بتحررنا من عبودية الأشياء، من خلال المساواة بين ما نرغب فيه وما نحتاج إليه، وتقليل احتياجاتنا في وقتٍ قياسي.

كان زوجي قادراً على المشاركة الفعالة في التربية، وحقق حلمه في القيام بدوره كأبٍ متفرغٍ كما يحب ويرضى، وخلال إجازته استثمرنا حريتنا في الاستكشاف والقيام بأشياء معاً لم نكن نشهدها من قبل.

تأخذنا الحياة بمساراتها الوَعِرة إلى وجهاتٍ غير مرغوب فيا، وتطمس المعالم الرئيسة فينا وتلهينا عن تلبية حاجاتنا العميقة الضرورية، فنحتاج إلى العمل بجد للبحث عن ذواتنا المشتتة، والتنقيب العميق للعثور على أعظم احتياجاتنا، والاستفادة من الحكمة المتوفرة في طريق البحث عن الذات الحقيقية؛ إذ سنجدها بالتأكيد مدفونة ربَّما تحت أكوامٍ من البدائل المادية الرخيصة وعمليات التجميل المؤقتة والممتلكات الكثيرة الزائلة.

إقرأ أيضاً: 22 طريقة للإحساس بالسكينة الذهنية والروحية والجسدية

إذ لا تعادل الرغبات الدنيوية شيئاً أمام تلبية الحاجات الروحية، وأمام أهم الخيارات التي سنقدِم على اختيارها لإيجاد ذاتنا الحقيقية.

المصدر




مقالات مرتبطة