فصام الشخصية: أعراضه، أنواعه، أسبابه، وطرق علاجه

يحدِّثك عن المؤامرة الكبيرة التي تُحاك ضده، وعن أصدقائه الأشرار الذين لا يثق بهم البتة، وتنفرج أساريره عندما يكلِّمك عن ذاك الصوت المرافق له على الدوام، والذي يسمعه عندما يكون وحيداً؛ فهو صديقه الوفي الذي يشاركه آلامه وأفراحه، ويستشيره في كلِّ أموره، وقد يراه أحياناً متجسداً أمامه بهيئة جميلة جداً.



وفي حين أنَّك مُصابٌ بالدهشة من كلامه عن ذلك الصوت وهؤلاء الأشخاص الخياليين الذين يتعامل معهم، قد تتسرَّع وتقول له بغتةً: "ما بالك؟ أنتَ متعبٌ بالتأكيد، ولا تدرك ما الذي تقوله؛ إذ من المؤكَّد أنَّك كنت في حلم، وما الأحداث التي تصفها إلَّا أضغاث أحلام"؛ ولكنَّه يدافع عن نفسه بشراسة ويقول لك: "عن أيِّ أضغاث أحلام تتكلَّم؟ إنِّي أقول لك أنِّي أرى وأسمع إنساناً حقيقياً، وهو قريبٌ جداً منِّي، وأنا أتعامل معه كما أتعامل معك تماماً، وأحبُّه، ولا أسمح لك أن تتكلَّم عنه باستهزاء".

تراه دائم الانطفاء الروحي، فبينما تتحدَّث معه بكامل الطاقة والحماس، لا يعير انتباهاً لما تقول، ويبدو وكأنَّ ما من شيءٍ يثيره في الحياة؛ فهو دائم البرود واللامبالاة، ولا يعبِّر عن مشاعره، وإن سألته عن سبب ذلك وطلبت إليه أن يشاركك في أحاديثك؛ يقول لك: "اعذرني، فأنا لا أملك تدفق الأفكار الذي لديك، وأشعر أنِّي أميل إلى أن أكون لوحدي"؛ فيذهب بعدها ويتركك وحيداً.

قد تنصدم منه كثيراً عندما يعترف لك ذات مَرّةٍ بأنَّه لا يثق بصديقه المقرَّب، ويعدُّه شخصاً استغلالياً وغير نزيه؛ وقد تظهر عليه سلوكات غريبة وغير مفهومة، أو قد يميل إلى التشتت وعدم التنظيم في حديثه وأفكاره؛ فلا تستطيع أن تفهم ما الذي يريده.

يسبِّب وجود هكذا شخص في أيِّ منزل عبئاً كبيراً على الأسرة، حيث يحتاج إلى عناية خاصة، وإلى وعيٍ نفسيٍّ كبير؛ فهو شخصٌ مريضٌ بأحد أصعب الأمراض العقلية على الإطلاق، وهو مرض "الفصام"، والذي سنناقشه بالتفصيل خلال هذا المقال؛ لذا تابع معنا السطور التالية.

ما هو مرض الفصام؟

الفصام مرضٌ عقليٌّ يصيب الإنسان عادةً قبل بلوغه سن العشرين، وغالباً ما يصيب الذكور بين عمر 15 إلى 20 سنة؛ بينما يصيب الإناث بين عمر 20 إلى 25 سنة.

تتدهور فيه قدرات الفرد العقلية تدريجياً، حيث يفقد تواصله مع الآخرين، ويميل إلى العزلة والانكفاء، وتزداد الأعراض إلى حدِّ ضياع القدرة على التسلسل المعرفي للأمور، وإصابة الشخص بالهلاوس السمعية والبصرية والحسية، إضافة إلى تبنِّيه قناعات وأفكار خطيرة جداً، والسعي باستماتة إلى تطبيقها.

أعراض مرض الفصام:

1. أعراض سلبية:

يعاني مريض الفصام من غياب الأمور الطبيعية التي يشعر أو يقوم بها الناس؛ كأن يكون دائم العزلة، وبارد المشاعر، وغير مُبادر، وفاقداً للطاقة والحماس، وغير آبه باستمرار أيِّ علاقة اجتماعية، وغير مهتم بالنظافة الشخصية؛ كما وقد يميل إلى السلوكات المتناقضة الغريبة، وإلى الكآبة.

2. الهلوسات:

حيث يرى أو يسمع أصواتاً وأشخاصاً غير موجودين حقيقةً، فقد تجده ينفعل ويرفع صوته بشدة بينما يكون لوحده؛ وذلك لأنَّه قد سمع كلاماً سلبياً من الصوت التخيُّلي المرافق له، أو قد يشمُّ ويتذوق أشياء غير موجودة، وقد يحس بأشياء لا وجود لها، أو بأنَّه يلمس أشياء خيالية.

3. الضلالات:

يتبنَّى الكثير من الشكوك، ويصل بها إلى مرحلة القطعية والجزم الحاسم؛ فمثلاً: قد تسيطر عليه فكرة أنَّه مراقب من قبل المخابرات على مدار الساعة، وأنَّه معرَّض إلى الخطر الشديد؛ أو قد تهيمن عليه فكرة أنَّ والده إنسانٌ شرير وعليه التخلُّص منه.

إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن مرض الفصام

أنواع مرض الفصام:

1. الفصام البسيط:

رغم أعراضه الهادئة المتمثلة بانعدام روح المبادرة، وانطفاء الطاقة والحماس، وبرود المشاعر، ووجود نسبة قليلة من الهلاوس والضلالات؛ إلَّا أنَّ استجابة هذا النوع من المرض للعلاج الدوائي لا تُعدُّ استجابةً جيدة.

لذا، على الأهل في هذه الحالة احتواء ابنهم المصاب، ومحاولة زيادة انخراطه في العائلة، والتقليل من توجيه الانتقادات إليه، والعمل على تقليل الواجبات الموكَلة إليه؛ ذلك لأنَّه معرَّضٌ إلى الإصابة بحالة ضغطٍ نفسيٍّ شديدٍ في حال وجود كمٍّ كبيرٍ من المهام الواقعة على عاتقه.

2. الفصام الهيبيفريني:

وهو الفصام الذي يصيب الأشخاص في مرحلة البلوغ، حيث يعاني الشخص من أعراض شديدة، مثل: الهلاوس السمعية والبصرية، فقد يسمع أصواتاً تتكلَّم معه باستمرار، أو تطلب منه أوامر معينة؛ إضافة إلى أنَّه يعاني من شكوك قوية، ومن سلوكات غريبة جداً ومستهجنة؛ ويكون هذا النوع من الأشخاص خطيراً على نفسه والآخرين.

3. الفصام الكتاتوني:

يتحوَّل الإنسان في هذا النوع من الفصام إلى ما يشبه الخشبة، فيكون متخشِّباً تماماً، وغير قادرٍ على الحركة أبداً، إضافةً إلى سيطرة الهلاوس والضلالات عليه، وقد يتعرَّض إلى أذية عضوية في حال استمراره؛ لذلك يُنصَح في هذه الحالة بجلسات من الصدمات الكهربائية.

4. الفصام الزوراني (الشكي):

يكون لدى الشخص شكوك غير عادية، بحيث تتحوَّل إلى قناعات مسلَّم بها، وهو ما يسمَّى "ضلالات"؛ فعلى سبيل المثال: قد تصل به الحال إلى الشك بوالدته، كأن تتملَّكه قناعة بأنَّ والدته شيطان بصورة إنسان وعليه قتله؛ حيث يتحوَّل هذا النوع من الأشخاص إلى إنسانٍ خطيرٍ على نفسه والآخرين.

أسباب مرض الفصام:

لم يُتَّفَق بعد على أسباب مؤكَّدة لهذا النوع من المرض، ولكن تُرجِّح الأبحاث وجود العديد من الأسباب المحتملة التي أدَّى اجتماعها إلى خلق هذا المرض المزمن، وهي:

1. السمات الشخصية:

تقول الأبحاث أنَّ هناك أنواعاً معينة من الشخصيات أكثر ميلاً للإصابة بمرض الفصام؛ ومنها: الشخصية الفصامية، والشخصية شبه الفصامية.

  • الشخصية الفصامية: تكون باردة المشاعر، ولا تستمتع بالانخراط مع المجتمع، وتميل إلى البقاء وحيدة، ولا تستطيع التعبير عن مشاعرها بحرية؛ لذلك عليك أن تتقبَّلها كما هي، فكلمات الحب والشوق واللهفة ليست ضمن قاموسها. وعادةً ما يميل قسم من علماء المختبرات إلى تبنِّي هذا النمط من الشخصيات، كأن ينشدوا الوقت الكافي للتأمل والتفكير بعيداً عن الناس تماماً. ليس بالضرورة أن تصاب كلُّ الشخصيات الفصامية بمرض الفصام، ولكن نسبة 26% منهم معرَّضون إلى الإصابة بهذا المرض.
  • الشخصية شبه الفصامية: تكون غريبة الأطوار، ويصعب التنبؤ بسلوكاتها، وهي مشتتة التفكير، وغير منظَّمة، ودائمة التغيير لمواقفها ومبادئها، وقد تعاني من خيالات وضبابية في التفكير، فتخال نفسها الأكثر قوة وذكاءً من بين الجميع.

 2. بنية الجسم:

تشير بعض الدراسات إلى أنَّ الجسم النحيل أكثر عرضةً إلى الإصابة بمرض الفصام من مثيله الممتلئ.

3. العامل الوراثي:

ترجِّح معظم الدراسات بأنَّ العامل الوراثي هو المسبِّب الأساسي لمرض الفصام، حيث وُجِد أنَّ النسبة الطبيعية للإصابة بالفصام في أيِّ مجتمعٍ هي 1%، وتزداد هذه النسبة لدى الإنسان كلَّما كان أحد أقربائه مصاباً به؛ فإذا كان أحد الأبوين مصاباً بالفصام، ستكون نسبة إصابة الأولاد 10%؛ أمَّا إذا كان كلا الوالدان مصابين، فستزداد نسبة الإصابة لدى الأولاد إلى 40%.

لقد قام العلماء بتجارب على أطفال بالتبني، ووجدوا أنَّ الأطفال ممَّن وُلِدوا من أبوين فصاميين قد أصيبوا بالفصام على الرغم من تربيتهم ضمن كنف أبوين غير مصابين به، وهذا أكبر دليلٍ على أنَّ العامل الوراثي هو الأساس وليس البيئة.

4. التغيرات الكيميائية في المخ:

تُظهِر العديد من الدراسات أنَّ هناك تغيُّرات كيميائية في مخ مريض الفصام، حيث يؤدِّي نقص نسبة الناقل العصبي "الدوبامين" بين نهايات الخلايا العصبية في المخ، إضافة إلى الخلل في المستقبلات الحسية لهذا الناقل؛ إلى الإصابة بهذا المرض.

من هنا جاءت فكرة الأدوية المضادة للدوبامين، والتي تعمل على إعادة نسبة الدوبامين في المخ إلى طبيعتها؛ كما قد أضافوا أنواعاً أخرى من الأدوية من خلال اكتشاف نواقل عصبية أخرى، مثل السيروتونين، والنورأدرينالين، وغيرها.

5. الضغوطات النفسية الشديدة:

قد يؤدِّي التعرُّض إلى ضغوطات كبيرة، مثل التحرش أو الاعتداءات الجنسية، أو التربية القاسية جداً، أو الإهمال العاطفي الشديد جداً من قِبَل الأبوين؛ إلى الإصابة بمرض الفصام.

إقرأ أيضاً: أشهر أنواع الأمراض النفسيّة وأعراضها

علاج مرض الفصام:

على الأهل أن يُدرِكوا أنَّ الفصام من الأمراض النفسية المزمنة التي تحتاج إلى علاجٍ دوائيٍّ حصراً، وأنَّ المريض معرَّضٌ إلى الانتكاس حتَّى مع وجوده، والذي يمكن خفض نسب حدوثه من خلال الالتزام بالدواء ووجود دعمٍ نفسيٍّ جيد.

لا ينفع مع مريض الفصام أسلوب الانتقاد، ولا أسلوب التشجيع المبالغ فيه؛ لذلك على الأهل التعامل معه بإسلوبٍ حَذِرٍ ومدروس، والوعي لكون قدرات ابنهم العقلية قد تضرَّرت بفعل المرض، وأنَّه غير مستبصر بمرضه، بل يعتقد أنَّ الهلوسات والخيالات والشكوك التي تنتابه حقيقية مئة في المئة؛ لذلك عليهم ألَّا يحمِّلوه أكثر من طاقته، وأن يصبروا عليه.

أيضاً، يحاول 50% من مرضى الفصام الانتحار؛ لذا على الأهل الانتباه إلى ذلك.

كلَّما شُخِّص المرض بوقتٍ مبكر، ازدادت احتمالية تحسُّن المريض بطريقةٍ أفضل وأسرع؛ لذلك على الأهل مراقبة أولادهم، والانتباه إلى أيِّ سلوكٍ غريبٍ يقومون به، أو برودٍ غير طبيعي في المشاعر، أو كسلٍ شديد، أو عزلةٍ دائمة، أو شكوكٍ غير منطقية يتبنَّونها؛ ومن ثمَّ الإسراع إلى استشارة مختصٍّ نفسيٍّ في حال اكتشاف أعراض غير طبيعية.

عادةً ما يدرس المختص النفسي التاريخ المرضي للمريض من أجل الوصول إلى التشخيص المناسب؛ فإن شخَّص الحالة على أنَّها فصام، يضع خطة علاجية يُستخدَم فيها الدواء حكماً، وذلك إلى جانب العلاج المعرفي السلوكي؛ بحيث يعمل على جعل المريض مستبصراً بوضعه، ويَعِي حالته، ويحاول التحكُّم بأفكاره وهلاوسه، ودعمه روحياً واجتماعياً.

الخلاصة:

يقع العبء الأكبر في علاج أيِّ مرضٍ نفسيٍّ على أهل المريض؛ لذلك على الأهل الإيمان المطلق برحمة اللَّه وكرمه، والسعي إلى التمتع بأكبر قدرٍ من مشاعر القوة والرضا والتسليم، ومنح ابنهم المريض حبَّاً طاهراً لا مشروطاً وحقيقيَّاً.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة