فشل التعاطف عند القادة

يُعَدُّ من الصعب تعرُّف أوجه القصور في قدراتي القيادية، ففي نهاية الأمر المديرون التنفيذيون هم جميعاً قادة أقوياء ومؤثرون وملهمون، أليس كذلك؟ فلن يكونوا مديرين تنفيذيين إذا لم يكونوا كذلك، ولكن اتضح من خلال بيانات تشير إلى أنَّ العديد من كبار القادة - إن لم يكن جميعهم - يعانون من عجز كبير يمنعهم من أن يكونوا أكثر فاعلية؛ ولهذا السبب يحتاج كبار القادة إلى إعادة تدريب أدمغتهم.



وجد "داشر كيلتنر" (Dacher Keltner) أستاذ علم النفس في "جامعة كاليفورنيا في بيركلي" (UC Berkeley) بعد 20 عاماً من التجارب العملية والميدانية التي تدرس الأشخاص الأقوياء، أنَّ تأثير القوة يقود الأفراد إلى أن يكونوا أكثر ميلاً إلى التصرف على أساس الاندفاع والمخاطرة؛ وهو ما يمكن أن يكون مفيداً للمديرين التنفيذيين في قيادة نجاح الأعمال، ولكن أيضاً أقل تعاطفاً، والتي يمكن أن تكون ضارة للقيادة.

وبالمثل، درس عالم الأعصاب في "جامعة ماكماستر" (McMaster University) "سوخفيندر أوبي" (Sukhvinder Obhi) تحفيز الدماغ للأفراد الأقوياء وغير الأقوياء، ووجد أنَّ الأشخاص الأقوياء أظهروا ضعفاً في "أسلوب المحاكاة"، وهي عملية عصبية تجعل الناس يقلدون السلوكات غير اللفظية لشخص آخر لا شعورياً، ويقول علماء النفس إنَّ الانعكاس مفيد بشكل خاص في بناء علاقة مع الآخرين؛ نظراً لأنَّه ينطوي على تقليد لغة جسد الطرف الآخر حرفياً، ويقول العديد من خبراء علم النفس إنَّ أسلوب المحاكاة أمر أساسي للتعاطف.

هذا العجز الدماغي ليس خطأنا بالكامل؛ بسبب عدم توازن القوى في المواقف معظمها التي نشارك فيها - خاصة بين موظفينا - يميل الناس إلى عكس تصرفاتنا نحن كمقياس لقياس وتعديل سلوكهم؛ وهذا يمنحنا فرصاً أقل لممارسة التعاطف، حتى نتوقف في النهاية عن محاكاة أسلوب الآخرين تماماً؛ وهذا يؤدي إلى خلق ما أطلق عليه كيلتنر "العجز عن التعاطف".

وخلال تحليل البيانات من دراسة حالة التعاطف في مكان العمل السنوية لشركة "بزنس سولفر" (Businessolver)، ما زلنا نرى أنَّ المديرين التنفيذيين يدركون نقص التعاطف، حتى وهم غير متأكدين مما يجب عليهم فعله حيال ذلك. ووفقاً لبيانات عام 2021، 68% من الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة يقولون إنَّهم يخشون أن ينقص من احترامهم إذا أظهروا تعاطفاً في مكان العمل، ويقول 70% إنَّه من الصعب عليهم إظهار التعاطف باستمرار في حياتهم العملية.

لاحظ الموظفون أنَّ 75% يعتقدون أنَّ المستوى الحالي التنظيمي للتعاطف ليس كافياً، وهو رقم بقي دون تغيير إلى حد كبير في السنوات الست التي أُجريت فيها الدراسة. وبالنظر إلى الارتفاع الأخير في عدد الرؤساء التنفيذيين الذين يدفعون الموظفين للعودة إلى العمل في المكاتب، فإنَّ العجز سيستمر.

في الوقت الذي تبحث فيه القوى العاملة والمجتمعات لدينا عن قيادة متعاطفة، يتجلى نقص التعاطف لدى القادة بطريقة لا يستطيع بعض المديرين التنفيذيين تبنِّي منظور الآخرين حقاً.

على سبيل المثال، صرَّح "جيمي دايمون" (Jamie Dimon)، الرئيس التنفيذي لشركة "جيه بي مورغان تشيز" (JP Morgan Chase)، مؤخراً أنَّه يتوقع عودة الموظفين إلى مكان العمل بحلول نهاية الصيف؛ إذ قال: "لا يحب الناس التنقل من وإلى العمل، ولكن ماذا في ذلك؟ أنا على وشك إلغاء جميع اجتماعاتي على منصة "زووم" (Zoom)، فقد اكتفيتُ منها".

في هذه الأثناء، عندما سُئِل "ريد هاستينغز" (Reed Hastings) من شركة "نتفلكس" (Netflix) عن فوائد أماكن العمل المرنة، أجاب: "لا أرى أيَّة إيجابيات، فعدم القدرة على الاجتماع وجهاً لوجه هو أمر سلبي بحت".

تجلب ثنائية "الوضع الطبيعي الجديد" مقابل "الخلل" فجوة التعاطف إلى الواجهة؛ إذ قال موظفون من شركة "آبل" (Apple) إنَّ التغييرات في سياسات مكان العمل تشعرهم "ليس فقط بأنَّهم غير مسموعين؛ وإنَّما أيضاً يُتجاهلون بشكل مستمر، ويبدو أنَّ هناك انفصالاً بين الفريق التنفيذي والتجارب الفعلية للموظفين؛ "لذا كيف يمكن للمديرين التنفيذيين سد فجوة التعاطف وإحراز تقدم؟ الإجابة هي: من خلال المرونة.

يتعيَّن على القادة قبول أنَّ العام الماضي قد وفر مرونة فريدة للموظفين، ويجب أن يتبنوا هذا بدلاً من مقاومته؛ كطريقة للمنظمات لتحقيق نجاح في المستقبل. في الواقع، يقول 88% من الموظفين إنَّ المنظمات التي تسمح للموظفين بالعمل من المنزل في أثناء الجائحة هي أكثر تعاطفاً من تلك التي لا تسمح بذلك، ويريد 86% من الموظفين أن تقدم شركتهم العمل عن بُعد بَعد الجائحة.

ولكن هل التضحية بالعمل ذي التواصل الواقعي لصالح المرونة أمر جيد للأعمال؟ بكلمة واحدة؛ أجل؛ إذ تزيد المرونة من إنتاجية الموظفين، حيث أنَّ 71% من الموظفين عن بعد يعتقدون أنَّ جودة عملهم قد تحسنت في أثناء الجائحة، و66% يقولون إنَّهم أكثر إنتاجية في المنزل منها في المكتب.

شاهد بالفديو: 6 طرق مبتكرة لتعزيز إنتاجية الموظفين

كما تزيد المرونة من ولاء الموظفين وتقلل من معدل دوران العمالة، وفي الواقع، قال 58% من العمال إنَّهم سيبحثون "حتماً" عن وظيفة جديدة إذا لم يُسمح لهم بمواصلة العمل عن بُعد في مناصبهم الحالية. علاوة على ذلك، تُظهر البيانات أنَّ 88% من الموظفين على استعداد للبقاء مع رب عمل متعاطف و74% سيعملون لساعات أطول له.

في نهاية المطاف، لجذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، والحفاظ على إنتاجية العمال، ودعم الثقافة التنظيمية الإيجابية، يجب على الرؤساء التنفيذيين النظر إلى نجاحاتهم الأخيرة من خلال العمل المرن كفرصة لإعادة تدريب أدمغتهم، وبناء المرونة، والارتقاء بالتعاطف في مكان العمل إلى آفاق جديدة.

المصدر




مقالات مرتبطة