عيد الاستقلال التونسي

يحتفل التونسيون في 20 مارس/ آذار من كلِّ عامِ بذكرى عيد الاستقلال، والذي يُعدُّ محطَّةً هامَّةً في تاريخ تونس، ويحمل ذكرى استقلال تونس عن فرنسا في عام 1956م، الذي أُنهِيَت بموجبه المحميَّة التي أُنشِئَت في عام 1881م، وأيضاً تخليداً لذكرى الشهداء الذين ناضلوا من أجل وطنهم وضحُّوا بأرواحهم في سبيل تحقيق هذا الاستقلال وبناء دولة تونس الحرَّة والمستقلة.



1. الاحتلال الفرنسي لتونس:

لم تسلم تونس -كغيرها من البلدان الإسلامية- في أواخر القرن التاسع عشر من أطماع الدول الغربية، والتي تقاسمتها القوى العُظمى حينئذ، لتكون تونس من نصيب المستعمر الفرنسي الذي أخذ الحصة الكبرى من المنطقة العربية في أفريقيا، حيث سيطر على جميع أقاليم شمال غرب أفريقيا تقريباً.
عملت فرنسا على توسيع نفوذها الاستعماري في العالم، فلم تكتف باحتلال الجزائر، بل وجَّهت أنظارها نحو تونس، وبادرت إلى توقيع اتفاقية (باردو) مع الباي التونسي "محمد الصادق" في 12 مايو/ أيار عام 1881م، التي فَرَضَت بموجبها حمايتها على تونس.

لاحقاً وفي عام 1883م، وقَّع شقيقه ووريثه "علي باي" اتفاقيّة (المرسى)، والتي زادت من الهيمنة الفرنسية على تونس، بعد أن استتبَّ الأمن وتراجعت حركة المقاومة.

إقرأ أيضاً: مقومات السياحة في الوطن العربي وأشهر الأماكن السياحية فيه

2. المقاومة التونسية للاحتلال:

عملت فرنسا على تحويل حمايتها على تونس بالتدريج منذ عام 1881م لاستعمارٍ واضحٍ ومُباشر عانت خلاله البلاد من التقهقر السياسي، ونُهِبت خيراتها وثرواتها، وقدَّمت عدداً كبيراً من الشهداء على مرِّ السنين، حيث استطاعت السلطات الفرنسية في كلَّ مرةٍ إخماد أيِّ شكلٍ من أشكال المقاومة، مُعتمدةً على سياسة الاغتيال والاعتقال والنفي.

وتجسَّدت المقاومة في عددٍ من الثورات، مثل الثورة التي اندلعت في مطلع الثمانينيات من القرن التاسع عشر، حيث اشتعلت ثورة الجهاد المُقدَّس في الشمال التونسي ضدَّ المحتل الفرنسي، وقد كانت الثورة التونسية الأولى شبيهةً بالثورات القبلية التي لا تجد دعماً كافياً إلَّا في مرابع البدو، حيث تتواجد الجبال وشعابها وكهوفها ومخابئها التي تحمي المقاتلين عند محاولة الاجتياح البري أو القصف الجوي، بينما تنشط في المدن الحركات السياسية الشبابية من خلال الخروج في مظاهراتٍ للمطالبة بالحقوق التي سُلِبَت من الشعب ومنحت للمستعمرين الفرنسيين، لتضعف بذلك حركة المقاومة المسلحة، وتتضاءل باتّجاه مناطق الجنوب الشرقي التونسي حيث الأرياف والقبائل البدوية.

ونتيجة الأوضاع السابقة، لم يجد التونسيون أمامهم في نهاية عشرينيات القرن العشرين إلَّا النضال بشكلٍ سلميٍّ مَدَنيٍّ في المدن بعد أن أُخمِدَت روح المقاومة، فلجأوا إلى الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والصحافة المحلية، وتحوَّل النضال ضدَّ المستعمر إلى مظاهراتٍ شعبيةٍ وإضراباتٍ عمَّالية، إلى أن اندلعت الحرب العالمية الثانية.

انشغلت فرنسا مع اندلاع الحرب العالمية بمقاومة احتلالها الداخلي والحرب على الاحتلال النازي، ما أدَّى إلى ضعف سيطرتها الأمنية في تونس وإنهاك جيشها، الأمر الذي منح الثوَّار الفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم من جديد، وتأمين الكثير من الأسلحة، وتنفيذ العديد من العمليات النوعية ضدَّ الفرنسيين، والسيطرة على بعض مواقعهم.

في المُقابل، عاد الصوت السياسي بعد انتهاء الحرب العالمية ليعلو مرَّةً أُخرى على صوت البندقية، من خلال بعض الأحزاب السياسية والحكومة التونسية التي كانت في خضم مفاوضاتٍ مع الفرنسيين لنيل بعض الحقوق؛ وقد اتحد المناضلون التونسيون رسميَّاً فيما بينهم مع رفض فرنسا مطالبهم، ما أدَّى إلى اندلاع الثورة الكُبرى (1952م-1954م)، والتي تُعدُّ مرحلةً حاسمةً في تاريخ الحراك الوطني، أَنهَكَ خلالها الثوَّار المستعمر الفرنسي في كلِّ بقعةٍ من بقاع تونس.

لم يبقَ أمام فرنسا إلَّا الرضوخ إلى الأمر الواقع والاستجابة للمطالب التونسية، لتنطلق بعد ذلك المفاوضات لمنح تونس استقلالها الداخلي، وذلك بعد وصول "منداس فرانس" لرئاسة الحكومة الفرنسية؛ وقد قرَّرت فرنسا فعلاً الالتزام باستقلال تونس الداخلي الذي كانت وعدت به من قبل ثمَّ أخلفت وعدها، وأعلنت عن ذلك بشكلٍ رسميٍّ في يوليو/ تموز عام 1954م.

إقرأ أيضاً: النهضة الأدبية في الوطن العربي وأبرز أدباء عصر النهضة

3. استقلال تونس:

بعد أن نالت تونس استقلالها الداخلي، جرى خلافٌ كبيرٌ بين الحبيب بورقيبة -أبرز زعماء الحزب الدستوري الحر ومنظِّر استقلالها الداخلي- الذي كان يرى ضرورة استثمار كلِّ تنازلات فرنسا والبناء عليها لنيل الاستقلال التامِّ فيما بعد؛ وبين الأمين العام للحزب "صالح بن يوسف"، الذي كان يرى أنَّ الاستقلال الداخلي لا يكفي، وأنَّ على تونس أن تُواصل كفاحها حتى تنال استقلالها الكامل.

زاد الخلاف بشكلٍ كبيرٍ بين صالح بن يوسف والحبيب بورقيبة، الأمر الذي أدَّى إلى انقسام تونس إلى فرقتين عظيمتين، وما لبث أن تحوَّل الصراع بين الرجلين من خلافٍ سياسيٍّ إلى حربٍ أهليّة طاحنة.

تمكَّن الحبيب بورقيبة بعد ذلك من نيل ثقة الشعب، وتأسيس حكومة تفاوض جديدةٍ يوم 17 سبتمبر/ أيلول عام 1955، فجلست فرنسا مرَّةً أُخرى مع الحكومة التونسية من أجل التفاوض على الاستقلال التام لتونس، وهو ما حدث بالفعل في 20 مارس/ آذار عام 1956.

إقرأ أيضاً: الرموز الوطنية للمملكة العربية السعودية

4. عيد الاستقلال التونسي:

يحتفل التونسيون منذ التحرير في 20 مارس/ آذار من كلِّ عام، بذكرى الاستقلال عن المستعمر الفرنسي، والذي يُعدُّ يوم عطلةٍ رسمية؛ كما وتعم الاحتفالات في هذا اليوم أنحاء تونس، وتُزيَّن الشوارع والمنازل بالأعلام الوطنية، وتُقام الاحتفالات الفلكلورية، وتُعرَض الأفلام الوثائقية التي تعود لتلقي الضوء على أحداث هذا اليوم العظيم.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة