علم النفس وصناعة النجاح: كيف يمكن أن يكون الفشل مفتاح النجاح؟

يختلف مفهوم النجاح من شخص إلى آخر، فمنهم مَن يَعُدُّ وجود أشخاص يحبهم ويحبونه هو نجاح بحد ذاته، ومنهم مَن يذهب إلى أبعد من ذلك فيرى النجاح أبعد من النطاق الشخصي الضيق؛ بل يتجاوزه إلى مرحلة إحداث فارق في حياة مَن حوله، أو اختراع ما يمكن أن يقلب حياة المجتمع رأساً على عقب، أو تأليف كتاب يُسهِم في نشر الوعي بغية تحقيق مستقبل أفضل.



سنحاول في هذا المقال أن نُضيء على نظرة علم النفس حيال مفهوم النجاح، وكيفية صناعته والوصول إليه، فربما تكون الناحية النفسية هي الأمر الأهم من أجل الوصول إلى الهدف؛ إذ إنَّ القدرات والمواهب هي أمور موجودة عند جميع الناس بدرجات متفاوتة، ولو كان هذا الشخص فاشلاً في تعلُّم اللغات على سبيل المثال، فهذا لا يعني أنَّه فاشل في جميع المجالات؛ فربما ينجح في التجارة أو الرياضة أو في مجال آخر؛ لذا فإنَّ حجر الأساس في أي نجاح هو الجهد؛ وبشكل أدق الجهد المستمر، ومن أجل تحقيق الاستمرارية، لا بدَّ لنا من تحليل النواحي النفسية ودعمها وتعزيزها.

كيف يرى علم النفس مفهوم النجاح؟

تجتمع الكثير من مدارس علم النفس على نقاط أساسية عدَّة تُعرِّف من خلالها مفهوم النجاح؛ وهو يتناقض عموماً مع المفهوم الموجود في أذهان العامة والثقافة الشعبية؛ إذ يُؤكِّد خبراء علم النفس على أنَّ النجاح ليس مفهوماً كمياً أكثر مما هو مفهوم زمني يتعلق بالاستمرارية، فالإنجازات التي تتوهج لفترة قصيرة أو لمرة واحدة ثم تنطفئ لا يمكن أن نسميها نجاحات؛ بل تصح عليها تسمية الطفرات؛ وذلك لأنَّ النجاح هو عملية طويلة الأمد ومستدامة وذات استمرارية متصلة، كما أنَّها خالية تقريباً من أيَّة انقطاعات هامة.

ويرى علماء النفس أنَّ النجاح لا يتعلق بضخامة المجهود أو ارتفاع سقف النتيجة النهائية؛ بل يتعلق تعلُّقاً وطيداً بعملية فكرية مستمرة تتخذ قراراً حاسماً باتباع عادات يومية، ويغلب عليها طابع السهولة والاستمرارية لأطول فترة ممكنة، مع إمكانية الاستمرار في تنفيذها طوال العمر.

شاهد بالفيديو: 18 نصيحة سريعة تساعدك على تحقيق النجاح

أهم الأمثلة العملية على دور علم النفس في صناعة النجاح:

1- علم النفس والنجاح في الوصول إلى جسد رشيق:

في حال أردتَ أن تتخلص من الوزن الزائد الذي تراه مسيئاً إلى شكلك الخارجي، فمن الأفضل ألَّا تشغل جميع أدواتك الفكرية والمعرفية بهدف يحمل سقفاً عالياً؛ مثل أن تحصل على جسد كامل الرشاقة خلال فترة ثلاثة أشهر فقط ظناً منك بأنَّك بهذه الطريقة تحفز نفسك على العمل أكثر، فبدلاً من ذلك، حاول أن تُخصِّص ساعتين يومياً على سبيل المثال لممارسة الرياضة، واصرف انتباهك عن النتيجة أو الهدف؛ وذلك لأنَّ التفكير الزائد في تحقيق الهدف هو أمر مرهِق ومحبِط؛ لذا، انهمك في ممارسة الرياضة وخسارة الوزن.

2- علم النفس والنجاح في تعلُّم لغة جديدة:

لا تضع نفسك رهينة لفكرة أنَّه يجب عليك أن تتقن اللغة الصينية أو الروسية أو الفرنسية وتصبح متحدثاً طليق اللسان؛ بل قسِّم هذا الهدف الكبير إلى أهداف عدة سهلة وصغرى؛ فمن الممكن أن تُعوِّد نفسك على قراءة صفحة واحدة يومياً من اللغة التي تحبها، ويمكنك الاستماع لمقاطع صوتية وأنت على طريق الذهاب إلى جامعتك أو مكان عملك؛ وبهذه الطريقة ومع مرور الوقت، لن تجد نفسك إلَّا مُتقِناً لهذه اللغة.

3- علم النفس والنجاح في الامتحان:

بدلاً من أن تضع خطة لإنهاء مقرر دراسي خلال خمسة أيام قبل موعد الامتحان وتضع نفسك تحت كم هائل من التوتر والضغط والقلق، من الأفضل أن تخصص ساعتين كل يوم لدراسة ما تريد أن تمتحن به، والحرص على أن تبدأ قبل أسبوعين مثلاً أو أكثر؛ بل من الأفضل أن تبدأ بذلك منذ بداية العام الدراسي.

إنَّ حياتنا تمضي بسرعة غير محسوسة، وفي الوقت ذاته، يبقى العمر وقتاً طويلاً والنجاح أيضاً هو عادة طويلة الأمد لا يمكن تحقيقها في فترة قصيرة، وحين نواظب على عادات سهلة بشكل يومي، سنجد بعد عام أو عامين أنَّنا لم نكتفِ بتحقيق ما نريده؛ بل تجاوزنا الأمر بأشواط عدَّة، وهو أمر سيحمل الكثير من المفاجآت بالنسبة إلى المحيطين بنا، وبالنسبة إلينا شخصياً.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب "علم نفس النجاح" لـ بريان تريسي

ما هي أهم النصائح التي يقدمها علم النفس من أجل الوصول إلى النجاح؟

1- كن لاعباً بدرجة إنسان:

أن تكون لاعباً في الحياة بدرجة إنسان يعني ألَّا تهتم بعدد الأهداف التي تسكنها شباك المرمى؛ بل الأهم هو أن تلعب في هذه الحياة بكل شرف، فيوجد مَن يدخل إلى لعبة الحياة ولا يستطيع أن يحقق ما يصبو إليه من أهداف فيشعر بالفشل، ويلجأ إلى إفشال مَن حوله في محاولة منه لتحويل فشله إلى شيء عادي مشابه لفشل الآخرين، وعندما يكون فشلهم أكبر، يُنَصِّبُ نفسه ناجحاً عليهم.

2- العَب بروح الفريق:

إنَّ اللعب بروح الفريق هو أهم بند في صناعة النجاح، وخصوصاً عندما يكون النجاح جماعياً مثل: الألعاب الرياضية الجماعية، أو الشركات التجارية، أو المؤسسات الحكومية، أو الوزارات، وما إلى ذلك من منظمات جماعية، ولا يقتصر ذلك على الناحية الجماعية؛ بل يصل إلى النواحي الفردية، فالشخص الذي يعرف كيف يدير طاقاته لخدمة المجموعة، هو شخص يجيد إدارة طاقاته لتحقيق ذاته والوصول إلى هدفه.

3- اسأل نفسَك السؤال الصحيح:

في نهاية كل يوم وعند الخلود إلى النوم نبدأ باستجواب أنفسنا بطريقة غير واعية أو غير إرادية، ونبدأ بتوجيه الأسئلة المختلفة؛ هل بعنا اليوم منتجات كافية؟ وهل كسبنا اليوم المزيد من النقود؟ وكم هدفاً سجلنا اليوم؟

وبدلاً من هذه الأسئلة الخاطئة، يجب أن نستعيض عنها بسؤال صحيح وجيد وحقيقي مثل: "هل أدَّينا دورنا بشكل صحيح ومناسب؟" و"هل قدَّمنا أفضل ما يمكن تقديمه؟" في حال كان الجواب "نعم"، فنحن على المسار الصحيح والطبيعي؛ وذلك لأنَّنا فعلنا ما بوسعنا فعله، أمَّا النتائج الأخرى، فهي أمور لا يمكننا التحكم بها، فلا داعيَ لمساءلة أنفسنا عنها.

4- اسعَ وراء الأفكار الجديدة:

في حال طرحَ أحد الأشخاص فكرة جديدة أو عرضاً جديداً، فلا تبادر إلى رفضها دون التفكير فيها؛ وذلك لأنَّ عقل الإنسان كسول جداً إذا تركنا له المجال لذلك، ولا تنسَ أنَّ خوض تجارب جديدة هو أكثر ما يعطيك خبرات ومعلومات لا يمكن لأحد أن يعلِّمك إياها، ومن ثم تستطيع توظيف هذه الخبرات والاستفادة منها في سبيل الوصول إلى الهدف المرجو.

إقرأ أيضاً: علم النفس التحفيزي: سر قوة الدافع

5- كن صديقاً لأي ناجح:

لا شيء يزرع في داخلك حافز النجاح أكثر من مصادقة أصحابه؛ إذ أثبتت آخر الدراسات أنَّ الإنسان يستمد أكبر تأثير من أصدقائه، وقد يتفوق تأثير الأصدقاء على تأثير الأهل والعائلة والأقارب، وتأكَّد من أنَّ حافز النجاح هو أمر مُعدٍ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفشل؛ لذا، ابتعد عن الفاشلين قدر الإمكان وصادق الناجحين بكل ما لديك من مشاعر وأفكار وعواطف.

6- حاول مجدداً:

في حال فشلتَ في محاولات عدَّة، فحاول مجدداً وإياك أن تستسلم، وإياك أن تضيع المحاولات السابقة هباءً، فكل مَن نجح؛ نجح لأنَّه لم يستسلم، وبعد كل فشل حاول مجدداً، وكل مَن فشل؛ فشل لأنَّه لم يَعُد قادراً على المحاولة مجدداً.

كيف يمكن أن يكون الفشل هو أفضل طريق للوصول إلى النجاح؟

عندما قال "أديسون" إنَّ 99% من العبقرية هي تعب وجهد، فهل كان يعني أنَّ هذه النسبة الكبرى تنطوي على نجاحات متتالية؟ بالتأكيد لا؛ بل إنَّ أكثرها هي عمليات فاشلة للوصول إلى النجاح، وهي فاشلة بمعنى أنَّها لم تصل إلى الهدف، ولكنَّها في حقيقة الأمر ضرورية، فلولاها لما استطعنا أن نتعلَّم أشياء جديدة أو نصحح ما ارتكبناه من أخطاء؛ لذا، فلولا الفشل، لما وصلنا إلى النجاح، ومن هذه النقطة يمكن أن نغيِّر نظرتنا حيال الفشل، وربما قد نغير نظرتنا تجاه التسمية بحد ذاتها، فإن كان الفشل ضرورياً للوصول إلى النجاح وتحقيق الأهداف، فلماذا نسميه فشلاً؟

إنَّ الكثير من الحكماء الذين عاشوا في العصور القديمة وكذلك العديد من خبراء علم النفس، يقولون إنَّ أفضل وسيلة تُحقِّق لك النجاح المبهر هي أن تزيد من معدل ارتكابك للأخطاء والهفوات؛ وذلك لأنَّ ارتكاب الأخطاء هو أكثر ما يخدم عملية التعلم عندما يتعلق الأمر بتعلُّم أشياء للمرة الأولى.

قد يبدو هذا القول سخيفاً أو غير مألوف للوهلة الأولى، ولكن في حقيقة الأمر، مَن لا يُخطِئ لا يتعلم، ويوجد إنسان واحد لا يُخطِئ وهو الشخص الذي لا يجرب، ومَن لا يجرب لا يتعلم، ومن ثم فإنَّ الخطأ أو الفشل أو سَمِّه ما شئت، هو طريق لا يمكن تجاهله من أجل الوصول إلى الهدف.

إنَّ الأخطاء التي نرتكبها تدفعنا إلى التفكير خارج الصندوق، وتدفعنا إلى فضاء جديد يعج بالطرائق والأفكار والأساليب الجديدة التي يمكنها ابتكارها.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل

في الختام:

لا شكَّ في أنَّ الوقوع في الخطأ هو أمر مُربِك ومُحرِج ولا يتمناه أي شخص، ولكنَّ الخبرة الناجمة عن هذا الألم ستتراكم لتنتج لنا خبرات عميقة تُمكِّننا من عدم تكرار الأخطاء، ومن ثم الوصول إلى حلول، وبعد ذلك، تحقيق النجاحات المتلاحقة التي ستمحو آثار الأخطاء والهفوات التي وقعنا بها.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة