علم النفس الروحي: لماذا التأمل ليس كافياً؟

بعيداً عن كونه الدواء الشافي الذي نأمله جميعاً، فإنَّ التأمل هو بلا شك أداة قوية، ولكنَّه لا يحل المشكلات العميقة المتجذرة التي يحملها الكثير منا، ففي الواقع وبصرف النظر عن الممارسة أو المسار الروحي الذي تشارك فيه، وبصرف النظر عن الأداة المقدسة التي تحملها بالقرب من قلبك، فهي غير متوازنة إن لم تكن أنت من تملك التوازن النفسي الداخلي.



تحتاج مساراتنا الروحية إلى عنصر من الاستكشاف النفسي، وإلا فهي عرضة لمشكلات مثل المادية الروحية والنرجسية الروحية والإنكار والتجنب والقمع والانفصال وضعف الإحساس بالذات والصدمة، ومثل كل الأشياء في الحياة، يجب أن تتطور الروحانية إلى ما وراء النماذج الطفولية والاجتنابية والقمعية، فنحن بحاجة إلى تعميق نهجنا تجاه التحول الروحي، وهذا ينطوي على توحيد عالمي الروحانية وعلم النفس.

ما هو علم النفس الروحي؟

علم النفس الروحي كما يوحي اسمه هو مزيج من الروحانية وعلم النفس، وإنَّه دراسة كيفية تأثير العقل في التطور الروحي وخلاف ذلك صحيح؛ إذ يُشار أحياناً إلى علم النفس الروحي على أنَّه علم نفس ما وراء الشخصية؛ أي ما يكمن وراء شخصية كل فرد منا، وتشمل الموضوعات التي يتم استكشافها غالباً في علم النفس الروحي ما يأتي:

  1. الصدمات النفسية والعاطفية و/ أو الجسدية والشفاء الروحي.
  2. ظاهرة فقدان الروح.
  3. توحيد العقل والقلب.
  4. اكتشاف الدعوة الروحية للفرد.
  5. فهم معنى الحياة.
  6. إطلاق الطاقة المكنونة.
  7. تأثير الطفل الداخلي.
  8. الوصول إلى الطبيعة الحقيقية للفرد.

يوجد عدد غير محدود من الموضوعات التي يمكن لعلم النفس الروحي استكشافها، وكل هذا يتوقف على احتياجاتك في الوقت الحالي.

أليس علم النفس والروحانية غير متوافقين تماماً؟

عندما نلقي نظرةً سريعة على الاثنين، فإنَّهما يشبهان الغرباء المحرجين الذين يحاولون التحدث مع بعضهم بعضاً بلغتين أجنبيتين تماماً، لكن في الواقع يوجد الكثير من القواسم المشتركة بين علم النفس والروحانية أكثر مما تعتقد.

في الواقع تأتي كلمة "علم النفس" (psychology) من جذر الكلمات (psykhē) وتعني "التنفس والروح" و(logia) التي تعني "دراسة"، لذلك كان المعنى الأصلي لعلم النفس هو دراسة الروح، وهذا بعيد كل البعد عن علم النفس السريري الذي يركز على العقل في هذا العالم الحديث.

إضافة إلى ذلك فإنَّ علم النفس والروحانية يعكسان ما نمتلكه جميعاً في الداخل؛ أي العقل والروح، فلماذا إذاً يجب أن يكونا منفصلين؟ وما هي فائدة إبقاء هذين الجانبين الفطريين منفصلين.

شاهد بالفيديو: 7 فوائد للمشي التأملي

كتب الشاعر "مارك نيبو":

"مثلما لا ينفصل عمق البحر وسطحه، كذلك الروح وسايكولوجيا كل إنسان، فإنَّ تياراتنا العميقة هي التي تدفعنا إلى الارتفاع والصعود والهبوط والانهيار، ومع ذلك تظل قاعدة الروح هذه غير متأثرة بالعواصف التي تحدث على السطح؛ إذ إنَّها تخضع لأمر أعمق، ومع ذلك نحن كائنات نعيش في العالم ونخضع دائماً لكل من العمق والسطح وروحنا وسايكولوجيتنا".

تماماً مثل المحيط، يوجد قاع وسطح بداخلنا، وبعبارة أخرى نمتلك جميعاً محوراً أفقياً (ذاتنا الأرضية) ومحوراً رأسياً (ذاتنا الروحية)؛ إذ تركز ذاتنا الأفقية على الفعل والتحول، وتركز الذات الرأسية على الوجود والتخلي، فنحن بحاجة إلى تكريم كليهما إذا أردنا أن نعيش حياة تتسم بالتوازن والكمال.

لماذا علم النفس في حد ذاته ليس كافياً؟

بالتأكيد علم النفس مفيد، ولقد مررنا جميعاً بمستوى معين من التكيف الاجتماعي السام والصدمات والجروح، لذلك من الهام أن نستكشف هذه القضايا ونعمل من خلالها حتى نتمكن من عيش حياة أكثر سلاماً، ولا نصيب أطفالنا وعائلتنا وصداقاتنا وعلاقاتنا بالعمل بالسلبية والمشكلات التي لم يتم حلها.

لكن علم النفس في حد ذاته لا يكفي، فعندما يفتقر علم النفس إلى الروحانية يكون عقيماً ومنغمساً في نفسه وفارغاً، نعم، قد نصبح أعضاءً أكثر فاعليةً في المجتمع، لكن أين هذا العمق؟ وأين تلك الحماسة؟ وأين تلك المشاركة الأعمق في الحياة؟ وفي أي وقت شُفينا من كل انتكاساتنا ومشكلاتنا؟

يشبه علم النفس إلى حد كبير حفرة الأرانب، فكلما تعمقت في الحفر، وجدت المزيد من الممرات، وكلما وجدت المزيد من القمامة النفسية، زادت احتمالية أن تبدأ بعلاج نفسك وأن تتعثر في القصص التي أنشأها العقل في حلقة لا نهاية لها من الهلاك، وإذا كنت محظوظاً، فإنَّ نوعاً ما من المحترفين سيفعلون ذلك نيابةً عنك، وهذا يزيد من تقوية وإضفاء الشرعية على بؤسك العقلي.

بهذا المعنى، يمكن أن يصبح علم النفس سماً وعلاجاً في نفس الوقت، ومن ناحية فإنَّه يشير إلى أنَّنا لسنا جيدين بما فيه الكفاية، ولسنا مستقرين عاطفياً بدرجة كافية، أو متزنين وسليمين بما يكفي، وما إلى ذلك، ومن ناحية أخرى يمنحنا جميع الأدوات لمساعدتنا على التغلب على هذه الأمراض أو يعطينا فكرةً أنَّنا نتغلب عليها حتى نستخدم علم النفس لإدانة أنفسنا مرة أخرى، ففي أيَّة مرحلة يوجد قبول حقيقي للذات أو حتى تجاوز يتخطى الأنا المحدودة؟ وفي أيَّة مرحلة ينتهي علم النفس وتبدأ الروحانية؟

حتى "جونغ" فهم مفارقة علم النفس وفخ تحسين الذات، فكتب:

"بين الحين والآخر حدث في ممارستي أنَّ المريض يتخطى نفسه بسبب إمكانات غير معروفة، وأصبحت هذه تجربةً ذات أهمية قصوى بالنسبة إليَّ، وفي غضون ذلك تعلمت أنَّ جميع مشكلات الحياة الكبرى والأكثر أهمية غير قابلة للحل بشكل أساسي، ويجب أن تكون كذلك؛ وذلك لأنَّها تعبر عن القطبية الضرورية المتأصلة في كل نظام ذاتي، ولا يمكن حلها أبداً، لكن يتم تجاوزها فقط".

إذا تمكنا فقط من تجاوز مشكلاتنا، فإنَّ علم النفس هو اليد التوجيهية التي تساعدنا خلال هذه العملية، وأحياناً يُسرع علم النفس عملية النمو، لكن في كثير من الأحيان يسيطر على علم النفس تيار خفي متناقض من التخريب الذاتي، ومن ثم تظهر حلقة ردود فعل سلبية لا تنتهي، فكلما عملنا على أنفسنا، زاد شعورنا بالعيوب والقصور.

لماذا الروحانية في حد ذاتها ليست كافية؟

"الإدراك بحد ذاته لا يغير بالضرورة الكائن ككل، فقد يكون لدى المرء بعض النور في القمة الروحية للوعي، ولكنَّ الأجزاء أدناه تظل كما كانت، ولقد رأيت عدداً من الأمثلة في ذلك". - سري أوروبيندو.

مرةً أخرى نعود إلى النقطة المركزية لدينا "التأمل ليس كافياً"، ففي الواقع لا يكفي أي مسار روحي بحت وحده (أي المسارات التي تركز حصرياً على الأجزاء الميتافيزيقية والسامية من أنفسنا/ الحياة)، وعندما تفتقر الروحانية إلى علم النفس، فإنَّها تكون منفصلةً وغير جوهرية ولا أساس لها وعرضة لعدد من المشكلات المزعجة مثل النرجسية الروحية والمادية الروحية والتجاوز الروحي.

نعم، قد نكون قادرين على التأمل لساعات عديدة في اليوم، وقد نتمكن من القيام بجلسة يوغا ممتعة، وقد يكون لدينا نظام غذائي صحي، وقد نفهم قانون الجذب فهماً تاماً، وربما لدينا كل مظاهر الشخص الروحي، لكن كل هذا عبارة عن تمثيلية براقة إذا لم نستطع أن نكون واقعيين مع أنفسنا ونواجه ظلالنا النفسية.

كتب عالم النفس "جان مونبورغيت":

"دون قبولٍ عميق وصادق للذات، فإنَّ الحياة الروحية تقوم على أساس نفسي خطير وليست أكثر من الهروب إلى عالم الوهم، وإنَّ معرفة الذات المتواضعة هي الشرط الأساسي لأيَّة روحانية حقيقية".

يقول "جوزيف بورغو" المعالج النفسي والمحلل النفسي مضيفاً:

"يعلمك الجميع كيف تجد السعادة، وكيف تختبر الحب غير المشروط وما إلى ذلك، ومجتمعات المساعدة الذاتية والروحية مليئة بها، وفي حين أنَّ الرغبة في العثور على الحب والسعادة وتجاوز المشاعر الصعبة أمر طبيعي، إلا أنَّها لا تتعامل مع السبب الجذري لمعاناتنا التي قد تظهر مراراً وتكراراً".

الحقيقة هي أنَّ الروحانية يمكن استخدامها بسهولة للهروب وتجنب وتسكين وقمع القضايا الأعمق بداخلنا، فكل ذلك باسم "الحب والنور"، وفقط لأنَّك مررت بصحوة روحية مذهلة والعديد من التجارب الصوفية وموت الأنا، لا يعني أنَّك قد تطورت على مستوى عميق حقاً.

شاهد بالفيديو: 12 قانون في علم النفس إذا فهمتها ستُغيّر حياتك

الضياع في النور:

"توجد عدة طرائق لتضيع في النور كما في الظلام". - مادرونا هولدن.

دعنا نعود مرةً أخرى إلى مثالنا عن التأمل، فغالباً ما يتم عرض التأمل ووصفه على أنَّه علاج لجميع أمراضنا، وعلى الرغم من أنَّ له فوائد عميقة، إلا أنَّه محدود دون نوع من العمل النفسي المصاحب.

إقرأ أيضاً: التجربة الروحانية: مشكلاتها ومعانيها ومستوياتها العليا

كتب مدرِّس التأمل البوذي الشهير "جاك كورنفيلد":

"استخدم العديد من الطلاب التأمل ليس فقط لاكتشاف العالم الداخلي وإيجاد التوازن الداخلي، لكن أيضاً للهروب، ولأنَّنا خائفون من العالم أو خائفون من العيش بشكل كامل أو خائفون من العلاقات أو خائفون من العمل أو خائفون من بعض جوانب ما يعنيه أن نكون على قيد الحياة في الجسد المادي، فإنَّنا نركض إلى التأمل، وكل من مارسه لفترة من الوقت ربما رأى بعضاً من ذلك في قلبه وعقله.

يجب أن نفهم أنَّ التأمل مثل أي نوع من العلاج أو الانضباط يمكن استخدامه بطرائق ماهرة من أجل الحرية وللتحرر ولفتح القلب، كما يمكن استخدامه أيضاً بطرائق دفاعية لخدمة الأنا وهزيمة مخاوفنا من خلال تهدئة أنفسنا حتى لا نضطر إلى التعامل مع بعض الصعوبات من خلال متابعة أنفاسنا بطريقة لا نشعر بها حتى ببعض المشاعر الصعبة".

هذا هو الوقت الذي يأتي فيه دور علم النفس، فهو يهتم بمساعدتنا على مواجهة هذه المشكلات الأعمق واستكشافها واحتضانها وعلاجها، وفي الواقع للنمو عدة مجالات؛ إذ يكون علم النفس أكثر استعداداً وأسرع لمساعدة الشخص من التأمل، وتشمل الأمثلة المخاوف والرهاب ومشكلات العلاقات ومشكلات العمل والحزن والأعمال غير المكتملة والجنس والجروح النفسية وما إلى ذلك.

تم تصوير السمو الذاتي على أنَّه طريق من الطوب الأصفر سيأخذنا إلى التنوير؛ شيء على قدم المساواة مع "لاس فيغاس" بأضوائها الساطعة والجمال والفرح غير المحدود.

إقرأ أيضاً: الباراسيكولوجي Parapsychology

في الختام:

على الرغم من أنَّنا تعلمنا أنَّ ممارسة اليوغا وشرب العصائر الخضراء وقول التأكيدات والتأمل كل يوم سيساعدنا على التحرر، إلا أنَّ هناك شيئاً حيوياً مفقوداً وهو علم النفس، فنحن بحاجة إلى كل من الروحانية وعلم النفس للعمل جنباً إلى جنب للوصول إلى إمكاناتنا التطورية والروحية بصفتنا بشراً.




مقالات مرتبطة