علم النفس التربوي: تعريفه، ومجالاته، وفوائده، وأهدافه، وأهم نظرياته

ترتقي الأمم بارتقاء شعوبها، وترتقي الشعوب بتطور المهارات والقدرات؛ ولكي نستطيع إخراج أفضل ما لدى الشعوب من طاقات، علينا بالعلم.



الصف المدرسي أكثر من مجرد قاعة يجتمع فيها التلاميذ مع معلميهم، إذ إنَّه البداية الحقيقية لولادة أمة حضارية، ومنشأ الأخلاق والقيم، ومُولِّد الرغبات والأمنيات، وصانع قصص الحياة الناجحة، وموطن القادة، وأصل التغيير المصيري في المجتمع؛ والطالب ليس مجرد خزَّان للمعلومات، بل إنَّه كينونة مستقلة بذاتها ومميزة بقدراتها، كما أنَّه عالَمٌ يستحق البحث والسعي إلى اكتشافه واستخراج أجمل ما فيه.

لذلك، يجب أن تكون العملية التدريسية عملية ممنهجة ومبنية على أسس واضحة ومنطقية، وتراعي الجوانب النفسية والبيئية للطفل، والفروقات الفردية بين التلاميذ، وانعكاس ذلك على تحصيلهم العلمي؛ كما ينبغي أن تأخذ في حسبانها نظريات التعلم وآليات تطبيقها ضمن القاعة الدراسية، وتعتمد آليات تعليمية متجددة وفقاً لما يتوافق مع مهارات وقدرات المجموعات الطلابية المختلفة.

عندما تُستخدَم مهارة التعامل مع التلاميذ بحكمة، يزداد الطالب المميز تميزاً، ويَسعد الطالب المتوسط والضعيف بإنجازاته المحدودة، ويسعى جاهداً إلى التطور والارتقاء؛ ليكون ذلك بمثابة تطبيق حي لعلم النفس التربوي.

ما هو علم النفس التربوي؟

هو العلم الذي يسعى إلى تزويد المدرِّس بكمٍّ كبير وغني من المعلومات والأفكار والنظريات والآليات التطبيقية التي من شأنها جعل العملية التعلمية أكثر فائدة وزخماً، والذي يبحث في خفايا المواقف محلِّلاً الأسباب الكامنة وراء كل ردة فعل سلبية يبديها تلميذ من التلاميذ، ويساعد في ضبط السلوكات، والتنبؤ بالنتائج العلمية والسلوكية لمجموعة طلابية ما مستنداً على معايير علمية وطرائق منهجية في القياس والرصد.

ما هي مجالات علم النفس التربوي؟

يبحث علم النفس التربوي في مجالات شتى تخص العملية التعليمية؛ ومنها:

  1. تحديد نوع التعلم الذي يلائم مستوى نمو المتعلِّم.
  2. تنظيم مادة التعلم لضمان أفضل تعلُّم ممكن.
  3. تنمية القدرة على معالجة المشكلات واتخاذ القرارات الصائبة.
  4. تحديد التمرينات والأنشطة الملائمة للمتعلِّم، وخلق رابط إيجابي بين المُتعلِّم ومادة التعلم.
  5. تحقيق التناسب بين مستوى النمو المعرفي للمتعلِّم وبين طريقة عرض مادة التعلم.
  6. العمل على توليد الدافعية لضمان استمرار انتباه المتعلم إلى موقف التعليم.
  7. تحقيق حالة من الانضباط في الصف الدراسي.
  8. تحديد وسائل التواصل الفعالة بين المعلِّم والمتعلِّم.
  9. تحديد طرائق قياس التعلم وأثرها في نتائج التعلُّم.
  10. إنشاء المقارنات، واكتشاف مزايا وعيوب أنواع التعلم المختلفة.

ما أهداف علم النفس التربوي؟

إنَّ علم النفس التربوي له هدفين اثنين: نظري وعملي.

1. الهدف النظري لعلم النفس التربوي:

يعمل علم النفس التربوي على خلق الأفكار والنظريات والمعلومات الخاصة بالتعلم والطلاب، ومن ثمَّ تنظيمها بأسلوب منهجي علمي، مستنداً إلى دراسة خصائص المتعلِّم النفسية والحركية والانفعالية والعقلية ذات العلاقة بالعملية التعليمية؛ كما أنَّه يبحث في الشروط المدرسية والبيئية المؤثرة في فاعلية العملية التعليمية، وكذلك في طبيعة التعلم ونتائجه وقياسه.

2. الهدف العملي لعلم النفس التربوي:

يعمل علم النفس التربوي على بلورة الأفكار والمعلومات تلك وتشكيلها في قوالب عملية (تطبيقات عملية) يستطيع المعلِّمون استخدامها وتطبيقها ضمن الحرم المدرسي.

ما هي فائدة علم النفس التربوي؟

  1. إكساب المعلِّم المهارات اللازمة لممارسة مهنته بطريقة أنجح، حيث نلاحظ في أيامنا هذه انتشار طرائق وأساليب غير منهجية في التعليم، الأمر الذي يُضعِف من سوية طلابنا، ويؤثِّر سلباً في تحصيلهم العلمي؛ ونذكر من الأساليب غير المنهجية:
    • المحاكاة الحرفية لأسلوب معلِّم قديم ذي خبرة سابقة، بغض النظر عن مدى حداثة أساليبه ومواكبتها لمتغيرات العصر.
    • تبنِّي وصفات تعليمية تقليدية دون السعي إلى ابتكار وصفات جديدة تجعل أداء الطلاب أعلى، وتزيد من استيعابهم، وتقوِّي رغبتهم في العلم.
    • اعتماد أسلوب فوضوي في التعليم غير مبني على أسس ومبادئ صحيحة ومدروسة.
  2. تزويد المعلِّم بالمبادئ الصحيحة التي تدعم التعلم المدرسي، بحيث تكون مبنية على نتائج البحث العلمي، وصالحة لكل المواقف التربوية؛ وتشمل المبادئ الصحيحة كلَّاً من:
    • كيفية ضبط الطلاب وتحفيزهم.
    • استخدام الطرائق التدريسية الملائمة لهم ولقدراتهم المعرفية.
  3. إرشاد المعلم نحو طريقة تعليم صحيحة وآمنة ومجدية.
  4. تزويد المعلم بمهارة الفهم النظري والوظيفي للعملية التربوية، وتطوير هذا الفهم من خلال الملاحظة العملية وطرائق البحث المتعددة.
  5. تدريب المعلم على التفسير العلمي للعملية التربوية؛ كأن يستنبط الأسباب الكامنة وراء السلوكات السلبية لبعض التلاميذ، ويغوص في خلفياتهم وقيمهم، ويعمل جاهداً على تعديل سلوكاتهم وضبطها باتباع أسلوب الإقناع ومهارة الترغيب.
  6. يساعد المعلم على دراسة العمليات المعرفية المرافقة للعملية التعليمية من انتباه وتركيز وذاكرة وتفكير ونسيان وإدراك، وعلى ربط نتائج العمليات المعرفية مع المعطيات البيئية للمتعلم.
  7. يساعد علم النفس التربوي في التنبؤ العلمي بسلوكات التلاميذ من خلال دراسة العوامل المرتبطة بالنجاح والفشل؛ كالبحث في الظروف الاجتماعية والبيئية التي يعيشها المتعلم، إضافة إلى الانتباه إلى العوامل الوراثية وأثرها في تكوين شخصية المتعلم، مع الأخذ في عين الاعتبار الدافعية والجو الانفعالي المصاحب للمتعلم، والغوص في طرائق التدريس ووسائله وشخصية المتعلم ومستوى نضجه.

ما أهمية علم النفس التربوي؟

  1. معرفة خصائص نمو التلميذ وصفاته المميزة في مرحلة الدراسة التي يمر بها.
  2. وضع المناهج لمواد الدراسة المختلفة في ضوء معرفة الخصائص النوعية للتلاميذ، بحيث لا يتحمَّل الطالب أكثر من طاقته.
  3. دراسة الفروقات الفردية بين التلاميذ؛ بحيث يزداد الطالب المميز تميزاً، ويزداد الطالب المتوسط والضعيف سعياً واجتهاداً.
  4. مراعاة أن تكون الأسئلة الامتحانية شاملة لكل المستويات الطلابية المختلفة، وأن يوجِّه المعلِّم الأسئلة الأكثر صعوبة إلى الطلاب المميزين والأسئلة الأقل صعوبة إلى باقي الطلاب، بحيث يضمن بذلك مشاركة الطلاب جميعاً وتفاعلهم خلال الحصة الدرسية.
  5. العمل على تحفيز الطالب ومدحه بعد إجابته الصحيحة، وعدم التدقيق الزائد على أخطاء التلاميذ؛ أي أن نركِّز على الإيجابيات لكي تزداد، ونتجاهل السلبيات لكي تتناقص.
إقرأ أيضاً: حقوق وواجبات المعلم والطالب في المدرسة

بعض نظريات التعلم التي يستند إليها علم النفس التربوي:

تعدُّ نظريات التعلم بمثابة القواعد الأساسية التي يُبنَى عليها العلم، وتُستخدَم في حل المشكلات، وتساعد الطالب في الوصول إلى الطريقة السليمة في حفظ المعلومات واسترجاعها والاستفادة منها استفادة أفضل.

1. نظرية التعلم الشرطي الكلاسيكي:

هي من النظريات السلوكية التي أسَّسها العالم الروسي (إيفان بافلوف)؛ حيث لاحظ أنَّ الكلبَ عندما يتعرَّض مراراً إلى بعض المثيرات المرتبطة بالطعام، يسيل لعابه حتى وإن لم يُوضَع الطعام في فمه، وهذا ما أُطلق عليه اسم المثير الشرطي.

كان لعاب الكلب يسيل عند رؤيته الطعام، كاستجابة طبيعية لمثير طبيعي هو الطعام، وكان صوت الجرس مثيراً محايداً بالنسبة إلى الكلب، أي أنَّه ينبِّهه ولكن لا يدفعه إلى القيام بأي استجابة؛ ولكن عندما ارتبط صوت الجرس مع الحصول على الطعام، تحوَّل صوت الجرس من مثير محايد إلى مثير شرطي، وتحوَّل سيلان اللعاب من استجابة طبيعية إلى استجابة شرطية.

1. 1. قوانين نظرية التعلم الشرطي الكلاسيكي:

1. 1. 1. قانون التدعيم:

ينوِّه هذا القانون إلى أنَّ قدرة المثير الشرطي في إحداث استجابة شرطية تتعلق بعدد مرات ارتباطه بالمثير الطبيعي، وبالفاصل الزمني بينه وبين المثير الطبيعي؛ وبالمثل، فعندما يشجِّع المعلِّم الطالب ويمدحه بعد كل إجابة صحيحة. يُدعِّم ذلك السلوك الإيجابي للطالب، ويرفع من مستوى أدائه؛ ذلك لأنَّه ربط بين الإجابة الصحيحة واستجابة المعلم الإيجابية.

1. 1. 2 قانون الانطفاء:

يؤكِّد هذا القانون على تناقص حدة الاستجابة الشرطية إلى حد كبير في حال تكرار حدوث المثير الشرطي دون أن يعقبه المثير الطبيعي؛ كأن يتكرر قرع الجرس في تجربة بافلوف على الكلب دون أن يُقدَّم الطعام للكلب بعد ذلك.

إذا أسقطنا الأمر على الصف الدراسي، فسنجد أنَّ بإمكان المعلم ضبط سلوك الطالب المتحمِّس إلى الإجابة على الدوام، والذي يُحدِث ضجة في المكان، ولا يُعطِي فرصة للآخرين لكي يشاركوا من خلال عدم السماح لهم بالإجابة؛ حيث ستقل استجابة هذا الطالب الشرطية وتنطفئ، ويسود الهدوء الصف.

1. 1. 3. قانون الاسترجاع التلقائي:

عند تقديم المثير الشرطي بعد فترة من حدوث الانطفاء، تعاود الاستجابة الشرطية الظهور، ولكن ليس بالحدة السابقة نفسها.

1. 2. التطبيقات التربوية لنظرية التعلم الشرطي الكلاسيكي:

  • تُعطِي التفسيرات لردود الأفعال الانفعالية؛ فمثلاً: يمتنع الطفل عن الذهاب إلى الطبيب بسبب خبرات الألم المرتبطة بالذهاب إليه.
  • العمل على تكوين روابط إيجابية في ذهن الأطفال عن المدرسة من خلال الربط بين الأنشطة المحببة للأطفال والمدرسة.
  • الربط بين المعلومات والصور لتسهيل حفظها واسترجاعها.

2. نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ:

توكِّد هذه النظرية على أنَّ عملية التعلم تحدث من خلال المحاولات المتكررة والأخطاء العديدة؛ ففي كل مرة حاولت فيها قطة العالم الأمريكي (ثورنديك) -مخترع النظرية- فتح باب القفص، كان يُسجَّل في مخها تجربة جديدة، وقد لاحظ العالم أنَّ القطة باتت تربط بين نتائج التجارب السابقة والوضع الحالي وصولاً إلى حلٍّ جديد، أي تزداد لديها القدرة على معالجة الأمور وتحليلها.

2. 1. قوانين نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ:

2. 1. 1. قانون التمرين:

يشير إلى ممارسة الارتباط بين المثير والاستجابة، ويُقسَم إلى:

2. 1. 2. قانون الاستعمال:

يؤكِّد على أنَّ التمرين والممارسة يقوِّيان الرابطة بين المثير والاستجابة، فمثلاً: يقوِّي تدريب الطلاب على النماذج الامتحانية الرابطة بين السؤال والجواب الصحيح.

2. 1. 3. قانون عدم الاستعمال:

تضعف الرابطة بين المثير والاستجابة نتيجة عدم التمرُّن لفترة من الزمن؛ فمثلاً: يُضعِف عدم التمرن على النماذج الامتحانية الرابطة بين السؤال والجواب الصحيح.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتنشيط القدرات الذهنية عند الطلاب
2. 1. 4. قانون الأثر:

يكون للحالة النفسية للشخص لحظة الاستجابة دور كبير في تقوية أو إضعاف الارتباط بين المثير والاستجابة؛ فمثلاً: إذا أجاب الطالب عن سؤال ما إجابة صحيحة، فسيشعر بالراحة، ممَّا يجعله قادراً على الإجابة بسرعة في المرات القادمة؛ أمَّا إذا أجاب إجابة خاطئة، فسيشعر بالانزعاج، وتَضعُف الرابطة بين السؤال والإجابة، ويميل إلى نسيان السؤال تماماً وكره الدرس كاملاً.

2. 1. 5. قانون الاستعداد:
  • إذا كان الشخص مستعداً للاستجابة واستُثِير بطريقة تساعد على إصدار هذه الاستجابة، فيشعر بالرضا والسرور.
  • إذا كان الشخص مستعداً للاستجابة ولم يعطَ الفرصة لإصدارها، فسيشعر بالضيق والانزعاج.
  • إذا كان الفرد غير مستعد للاستجابة واستُثِير مجبراً عليها، فسيشعر بالضيق والانزعاج.

2. 2. التطبيقات التربوية لنظرية التعلم بالمحاولة والخطأ:

  • إشراك الطلاب في اختيار أنشطة التعلم وأساليبه، وذلك لكي يزداد حماسهم وإقبالهم على العلم؛ كأن يسألهم المعلِّم عن مقترحاتهم لاتباع أسلوب جديد في ايصال المعلومات.
  • لكي تتعلم أي مهارة، عليك ممارستها وتكرارها بشدة؛ وذلك لكي تتقوَّى العلاقة بين المثيرات والاستجابات.
  • يعدُّ التمهيد للدرس وتقديم ملخَّص يوضِّح الهدف منه خطوة هامة جداً لفهم واستيعاب الدرس.

3. نظرية التعلم بالفهم والاستبصار:

تؤكِّد هذه النظرية فكرة "الكل أكبر من مجموع أجزائه"، فعندما ينظر الإنسان إلى شخص معين، يدرك الوجه إدراكاً كاملاً، ثمَّ يبدأ بعد ذلك التركيز في تفاصيله.

3. 1. مكونات نظرية التعلم بالفهم والاستبصار:

تتكوَّن عملية التعلم في هذه النظرية من:

  • يدرك الفرد المواقف والأحداث إدراكاً كلياً، أي أنَّه يخلق تصوراً عاماً للمشكلة أو التحدي.
  • يحدث التعلم من محاولة تسبقها فترة تأمل وانتظار تتخللها عملية تنظيم لعناصر الموقف.
  • تعدُّ عملية فهم وإدراك العلاقات من أهم العمليات التي يمارسها الفرد في كل مواقف التعلم المعقدة، فالفهم والتحليل وربط الأمور هي الوسائل التي ترسِّخ المعلومة في الذاكرة.

3. 2. مزايا نظرية التعلم بالفهم والاستبصار:

من مزايا التعلم بهذه الطريقة:

  • الخلو من الأخطاء، يحيث يعطي كلٌّ من الفهم والتحليل والاستنتاج قوة وصلابة للمعلومات الناتجة.
  • الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة؛ ذلك لأنَّ المعلومات ناتجة عن الفهم وليس الحفظ.
  • سهولة التطبيق في مواقف مشابهة.
  • تجنُّب انطفاء الرغبة في التعلم عن طريق الاستبصار؛ ذلك لأنَّ المعلومات تصبح جزءاً من الذاكرة طويلة الأمد.

3. 3. التطبيقات التربوية لنظرية التعلم بالفهم والاستبصار:

  • يحدث التعلم عن طريق الإدراك الكلي للموقف، وليس نتيجة إدراك أجزائه المنفصلة فحسب.
  • يحدث التعلم عن طريق الفهم وليس الحفظ.
  • يجب إعادة النظر في التجارب السابقة واستخلاص الدروس المستفادة منها؛ وذلك لتكوِّن قاعدة تُبنَى عليها التجارب الجديدة.
  • يجب الربط بين عناصر أي موقف للوصول إلى المعلومة الأكثر صحة.

الخلاصة:

علم النفس التربوي بحر من المعلومات والأفكار والتطبيقات والآليات، ومن شأنه أن يضفي البهجة والهناء على حياة الطالب المدرسية، ويزيد من قدراته المعرفية، ويعزز من نقاط قوته، ويدير نقاط ضعفه بحكمة وذكاء.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة