علم الميتاهيلث: مفهومه، وفلسفته، وتاريخه، وآلية العمل به

في عالمٍ تَكثرُ فيه الضغوطات بمختلف أنواعها: النفسية، والاجتماعية، والحياتية، والاقتصادية، والسياسية؛ بحيث تبقى آثارها على أجسادنا وأرواحنا بهيئة أمراضٍ عضويةٍ وأخرى نفسية - نسأل: "في خضم هكذا تغيُّراتٍ واضطرابات، هل ستبقى "ثقافة معالجة الأعراض وليس الأسباب الحقيقيّة" هي السائدة؟ هل ستبقى ثقافة "تخدير الألم، لا انتشاله من جذوره الأساسية" هي المعترف بها؟ هل سنبقى أسرى التشخيص السطحي للأمراض والأعراض؟ أمَّا آن الأوان للوصول إلى حالةٍ صحيةٍ متكاملةٍ وغنية، تهتم بالبحث في الأسباب الشَّاملة للمرض وليس فقط في الجزئيَّات القاصرة؟ أمَّا آن الأوان لظهور تقنياتٍ جديدةٍ ومُبتكرةٍ في عالم الصحة؟ أليس من الأجدى بنا أن ننظر بصورةٍ مختلفةٍ إلى المرض، بحيث يرتبط مع ما هو أكثر من الجسد؟



يقدِّم إلينا علم الميتاهيلث تلك النظرة المختلفة والعميقة إلى المرض والصحة، وسنناقش في هذا المقال هذا العلم ومفهومه ونشأته وآليته، وصولاً إلى وصفةٍ مثاليَّةٍ لتقوية مناعتنا النفسية.

هل الصحة والعلاج مفهومان متشابهان؟

عرَّفت منظمة الصحة العالمية "الصحة" على أنَّها: "حالة السلامة البدنية والنفسية والاجتماعية التي يحظى بها الفرد، وهي لا تعني مجرَّد غيابٍ للمرض أو العجز"؛ في حين أنَّ العلاج هو: عملٌ يقوم به الأخصائي في حال وجود مرضٍ أو عجز ما". أي أنَّ مفهوم الصحة أشمل بكثيرٍ من مفهوم العلاج، ولا نستطيع عدَّ أنَّ غياب المرض أو العجز دليلٌ على  وجود الصحة؛ فهناك فارقٌ شاسعٌ بين حالة السلامة النفسية والجسدية والاجتماعية، وبين مجرَّد غياب المرض.

تتبنَّى أغلب وزارات الصحة في العالم مسار العلاج، حيث ينصبُّ الاهتمام على التعامل مع الأمراض، وتشخيصها، وكيفيَّة علاجها؛ ولا يُؤخَذ مسار الصحة الشَّاملة في عين الاعتبار، حيث يُراعَى الجانب النفسي والجسدي والاجتماعي لدى الفرد.

ما هو علم "الميتاهيلث"؟

يُبنَى علم الميتاهيلث على مفهوم الصحة، وليس على مفهوم العلاج؛ فهو يعني المفهوم الشَّامل للصحة أو ما وراء الصحة. أي: أن يكون الإنسان سليماً جسدياً، وذلك بغياب المرض عنه؛ ومُعافىً نفسياً، وذلك بغياب المرض النَّفسي عنه؛ وصحيحاً اجتماعياً، وذلك بغياب المرض الاجتماعي عنه.

ما هو مفهوم علم "الميتاهيلث"؟

يقوم هذا العلم على مفهومٍ مختلفٍ جداً، وهو: "تعدُّ الصدمة النفسية السبب الأساسي لأيِّ عرضٍ أو مرضٍ يتعرَّض إليه الإنسان"، أي أنَّ الصدمة النفسية هي الأصل، والمرض العضوي هو العرض.

ينظر علم الميتاهيلث إلى الإنسان على أنَّه منظومةٌ متكاملةٌ مكوَّنةٌ من أربعة أركانٍ هي: الجسد، والعقل (التفكير)، والمشاعر (النفس)، والبيئة.

في حين ينظر علم الطب التقليدي إلى الإنسان على أنَّه جسدٌ مقسَّمٌ إلى أعضاء كثيرة، أي: أنَّ الإنسان عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأعضاء المنفصلة المتراكبة فوق بعضها بعضاً، وتُعالَج هذه الأعضاء بطريقةٍ منفصلة.

ما هي فلسفة الميتاهيلث؟

يُصاحِب أيُّ تغيُّرٍ في المجتمع تغيُّراتٍ عاطفيةً لدى الإنسان، ومن ثمَّ تُؤثِّر المشاعر في أفكارنا، ولا تسلم أجسادنا من هذا التَّأثير، فقد نعتقد أنَّ أجسادنا لا تتغيَّر؛ لأنَّنا لا نلاحظ ذلك في أعيننا مباشرة، إلَّا أنَّ الحقيقة تقول أنَّ أجسادنا تتغيَّر لحظياً.

يتعامل "علم الميتاهيلث" مع التغير اللحظي الحاصل في منظومة الإنسان، ويُحدِّد اللحظة التي حدثت عندها الصدمة النفسية، والتي أدَّت إلى عدم التناغم بين جزءٍ من المنظومة والمنظومة ككل؛ أي: أنَّه يكشف لحظة حدوث الخلل في المنظومة من خلال تحديد الصدمة النفسية ومعالجتها.

يتبنَّى "علم الميتاهيلث" فكرة أنَّ جسم الإنسان مرآةٌ تامةٌ ودقيقةٌ لحالته النفسية، فهو متكاملٌ مع النفس، والمرض العضوي هو عرضٌ من أعراض الصدمة النفسية.

على سبيل المثال: يشكو شابٌ في الثلاثين من عمره من ألمٍ حادٍ في كاحله الأيمن، وبينما يغوص مُعالِج الميتاهيلث في التَّاريخ النَّفسي للمريض بغية الوصول إلى الصدمة النفسية، يكتشف أنَّها عبارةٌ عن كلامٍ جارحٍ وغير متوقَّعٍ من قبل أبيه الذي يثق به كثيراً ويَجلُّه كثيراً، فقد وجَّه إليه الوالد بعد نتائج الإعدادية التي لم تكن عند المستوى كلاماً قاسياً وغير متوقعٍ نهائياً، حيث قال له: "لن تكون ناجحاً في حياتك"، ممَّا خلق لدى الشَّاب ندبةَ نفسيَّةً عميقةً لحظتها، وظهرت بعد 15 سنةً على هيئة ألمٍ حادٍ في الكاحل الأيمن.

إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان

إلامَ يعود تاريخ "الميتاهيلث"؟

بدأ علم الميتاهيلث في سبعينات القرن الماضي على يد الطبيب الألماني "هامر"، حيث كان لديه ولدٌ وحيد، واحتفالاً بتخرُّجه من كلية الطب، قرَّر الابن الذهاب إلى اليونان برفقة أصدقائه، وهناك حصل شجارٌ بين الأصدقاء، وقُتِل ابن "هامر" على إثره.

أُصِيب "هامر" بعد 6 أشهرٍ من الحادثة المؤسفة بسرطانٍ في الخصية، كما وأُصِيبت زوجته بسرطانٍ في المبيض؛ ممَّا دفع "هامر" إلى طرح العديد من الأسئلة: "كيف يُصاب هو وزوجته معاً، وفي العضو نفسه (عضو التناسل لكلٍّ من الرجل والمرأة)، وبعد 6 أشهرٍ من وفاة ابنهما؟"

قضى بعدها "هامر" حياته في البحث عن الأسباب النفسية للأمراض، وبدأ يبحث عن الخلفية النفسية لمرضاه، ورسم خرائط معقدةٍ جداً وضخمةٍ جداً، واكتشف أنَّ التعرُّض إلى صدمةٍ نفسيَّةٍ يؤثِّر في نقطةٍ معينةٍ من المخ، وكلُّ نقطة من المخ لها عضوٌ مقابلٌ في الجسد تؤثِّر فيه، وقد أظهرت الأشعة المقطعيَّة للمخ نقاط الصدمة تماماً، وأصبحت أسلوباً هامَّاً من أساليب التشخيص، بهدف قراءة التاريخ المرضي للمريض.

كيف تحدث الصدمة النفسية؟

قد تكون الصدمة النفسية عبارةً عن كلمةٍ أو موقفٍ ما تعرَّض إليه الإنسان، ولكنَّ استقباله لهذا الموقف أو لتلك الكلمة كان قاسياً جداً.

يوجد صفاتٌ معيَّنةٌ للصدمة، فهي:

  • غير مُتوقَّعة: كأن توجَّه إلى الفرد كلمةٌ سلبيةٌ جداً من قبل شخصٍ مُقرَّبٍ منه جداً وموثوقٍ به جداً، بحيث لم يكن مُتوقِّعاً مطلقاً هكذا كلمةٌ من هكذا شخص.
  • كارثية: كأن يكون وقعها قاسياً جداً على مُتلقِّيها.
  • غياب الاستراتيجيَّة: كأن يصبح الشخص في لحظة الصدمة غائباً عن الوعي، بحيث يفقد السيطرة ولايستطيع التفكير بحلٍ للموقف.
  • عازلة: كأن يشعر الشخص المصدوم بأنّه وحيدٌ في الحياة، حيث تعزله الصدمة عن نطاقه كلِّه.

قد تُسبِّب الصدمة النفسية مرضاً عضوياً، وقد لا تُسبِّب؛ فقد يجتاز الإنسان الكثير من الصدمات بنجاح دون تأثرٍ في منظومته الصحيَّة، لكن أساس كلِّ مرضٍ عضويٍّ إن وجد؛ هو صدمةٌ نفسيَّة.

ما هي آلية عمل مُعالِج "الميتاهيلث"؟

تكمنُ مساعدة المريض في صلب عمل مُعالِج الميتاهيلث، بغية الوصول إلى لحظة الصدمة النفسيَّة المُؤثِّرة في منظومته الصحية، فهناك صدماتٌ ترجع إلى 20 أو 30 سنةً من حياة الإنسان؛ ممَّا يتطلَّب تقنياتٍ معيَّنةً للوصول إليها.

يُسجِّل الفرد في لحظة صدمته كلَّ التفاصيل، مثل: المكان، والصوت، والألوان، ومشاعره السلبية؛ ويُخزِّن هذه التفاصيل في عقله، ويُقفِل عليها في صندوق، سندعوه بالصندوق الأسود؛ وتكمن براعة مُعالِج الميتاهيلث في وصوله إلى هذا الصندوق وفتحه وتنظيفه تماماً.

بعد اكتشاف الصدمة، يَطلب المُعالِج من الفرد استحضار صدمته بكلِّ تفاصيلها، واستشعار مشاعره السلبية كما هي، وبعد ذلك يستخدم المُعالِج تقنياتٍ معينةً لتحرير الفرد من الصدمة، وعَتقِه من المشاعر السلبية المرتبطة معها.

يستطيع الفرد بعد مرحلة التحرر استرجاع الموقف نفسه، لكن دون وجعٍ أو ألم، ويدخل الفرد بعدها مرحلة التَّعافي، وتَخُفُّ شكواه من الآلام الجسدية تدريجياً، إلى أن تختفي.

أبدى هذا النوع من العلاج نتائجاً إيجابيَّةً في الكثير من الحالات، لكنَّ هنالك بعض الأشخاص مِمَّن يبدون مقاومةً رهيبةً في أثناء استحضار الصدمات، فهم لا يَقوون على استحضارها والتَّحرر منها؛ وذلك إمَّا لأنَّها صدماتٌ شديدةٌ ومؤلمةٌ جداً، أو لأنَّهم ضعيفو الإرادة.

وهناك بعض الحالات لا يَصلح معها تقنية الميتاهيلث، كأن تكون الأعراض الجسديَّة للشخص شديدةً جداً، ولا يُمكِن الانتظار ريثما تُعالَج على مدى طويلٍ باستخدام تقنية "الميتاهيلث"، فهي تحتاج إلى تَدخُّلٍ جراحيٍّ مباشر، وإلَّا ستكون حياتها مُهدَّدة.

كيف نكون صحيحين جسدياً ونفسيَّاً؟

لطالما تعرضنا إلى صدماتٍ نفسيَّةٍ في حياتنا، ومن قِبل أقرب الأشخاص إلى قلبنا؛ لذلك علينا تقوية لياقتنا النفسية كما نقوِّي لياقتنا البدنيَّة، فكما نهتمُّ بنظامنا الغذائي الصحي، وكما نلتزم بنادٍ رياضيٍّ للمحافظة على جسمٍ سليمٍ؛ علينا أن نُولِي اهتماماً لصحَّتنا النفسيَّة.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

ما هي أهم أركان تقوية اللياقة النفسية؟

1- الصدق في كلِّ شيء:

علينا أن نبتعد كلياً عن الكذب بكلِّ أنواعه، وعلينا تجنُّب السخرية من الآخرين، وتجنُّب لومهم، وأيضاً تجنُّب جلد الذَّات؛ إذ من شأن هذه الممارسات أن تُطبِق على صدر الإنسان مُسبِّبةً له الألم، فما تُصدِّره من طاقةٍ إلى الكون يعود إليك من نوعيَّة الطاقة المُصدَّرة ذاتها؛ لذا، انتبه إلى ما تُصدِّره من تصرُّفاتٍ وسلوكات، فهي التي ستحدِّد حياتك.

2- احترام الذات:

على الإنسان أن يَعِي قيمة نفسه، وأن يُواظِب على حوارٍ مُفعَمٍ بالصدق والوضوح والحبِّ مع نفسه، حيث يتوجَّب عليه أن يحترم جسده، وأفكاره، ومشاعره، وأن يحتوي ذاته ويتقبَّلها حتَّى لدى الخطأ؛ فهو إنسان، ومن الطَّبيعي أن يُخطِئ.

3- القدرة على الإنجاز:

أن يكون الإنسان واثقاً من قدرته على الإنجاز، فهو خليفة اللَّه على الأرض، وعليه أن يُقوِّي علاقته مع ربِّ العالمين، وذلك من خلال الدعاء الصادق والنية الطيبة؛ فمن شأن ذلك أن يجعله هادئاً مُطمئِناً، ومُستشعراً للقوة الداخلية والرسالة.

4- مراقبة الذات:

على الفرد أن يراقب أفعاله ويعمل على إصلاحها باستمرار، ممَّا يضمن له النُّمو والنُّضج النفسي، وذلك بعيداً عن إطلاق الأحكام، سواءً على نفسه أو على الآخرين، فإطلاق الأحكام من اختصاص اللَّه وحدهُ، وعلى الإنسان أن يَنصح الآخرين، لا أن يُقيِّمهم.

إقرأ أيضاً: أشهر الأمراض النفسية: أعراضها وطرق علاجها

الخلاصة:

أكبر تحدٍّ يعيشه الإنسان هو الوصول إلى انسجامٍ حقيقيٍّ بين جسده وروحه وأفكاره ومشاعره وبيئته، حيث تكمنُ السعادة والسلام الداخلي في الوصول إلى هذه المُقاربة المتوازنة للحياة.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة