علم المترولوجيا: تعريفه ومجالاته واستخداماته

العلوم في الحياة كثيرة منها العلوم الطبيعية التي تدرس مختلف الظواهر الطبيعية التي يمكن ملاحظتها، وأهمها علم الفيزياء الذي يدرس الحركة والمادة والطاقة والتفاعلات الأساسية، والذي يهدف إلى تفسير جميع الظواهر الطبيعية، وعلم الكيمياء الذي يدرس المواد وبنيتها والخواص الكيميائية لكل منها، ويهدف إلى إيجاد تفسير للسلوك المعقد للمواد ولتفاعلها مع بعضها بعضاً، أما علم الأرض الذي يسمى الجيولوجيا فهو يدرس ما يتعلق بطبقات الكرة الأرضية وتقسيمها والمعادن التي تكوِّن صخورها سواء الرسوبية أم النارية أم المتحولة وتتداخل علوم الأرض مع الكيمياء لينتج عن ذلك علم الجيوكيمياء.



علم الفلك والفضاء أيضاً من العلوم الهامة الذي يدرس كل ما يقع خارج الغلاف الجوي لكوكبنا الأرض كالنجوم والكواكب، أما علوم الحياة فهي كثيرة كالكيمياء الحيوية، وعلم الأحياء الدقيقة الذي يدرس الكائنات التي لا تُرى بالعين المجردة كالفيروسات، وعلم النبات الذي يدرس تراكيب النباتات وتفاعلها مع البيئة، وعلم الحيوان الذي يدرس مختلف أنواع الحيوانات، وعلم البيئة الذي يدرس التغيرات البيئية وآثارها وعلاقة الكائنات الحية بعناصر البيئة المحيطة، والكثير من العلوم الأخرى التي لا يسعنا ذكرها جميعها الآن.

يوجد علم هام جداً تعتمد عليه مختلف العلوم الأخرى بشكل أساسي وهو علم المترولوجيا فمختلف الدراسات والأبحاث التي حصلت على مر العصور اعتمد نجاحها على علم المترولوجيا، فهل سبق لك أن سمعت عنه؟ نظراً لأهمية هذا العلم سوف نقوم بالتحدث عنه في مقالنا الحالي، وسنذكر أهم استخداماته في حياتنا اليومية والذي يفسر أهميته البالغة وحاجة العلوم الماسة إليه باختلافها.

أولاً: تعريف علم المترولوجيا

هو من العلوم الهامة جداً التي تؤثر في العديد من العلوم الأخرى، ويسمى أيضاً بعلم القياس فهو علم إجراء عملية القياس مع التحديد لنسبة الخطأ التي تترتب على عملية القياس، ويضم علم المترولوجيا جميع نواحي القياس سواء العملية أم النظرية.

ففي الماضي اضطرت بعض الدول إلى أن تتخذ بعض وحدات القياس الخاصة بها بهدف تسهيل ممارسة النشاطات اليومية باختلافها، وهذا ما يفسر لنا وجود وحدات قياس عدة لنفس الكمية، فمثلاً بعض الدول تقيس الوزن بالباوند وبعضها الآخر يقيس بالرطل، وذلك ما أدى لاحقاً إلى تشكيل المكتب الدولي للأوزان والمقاييس (BIPM) وهو المنظمة الدولية للمترولوجيا التي تمتلك أهم أدوات القياس ومقرها "باريس" عاصمة "فرنسا"؛ إذ وافق المؤتمر العام لها على اعتماد الوحدات الثلاث الآتية كوحدات القياس الأساسية:

  1. الغرام: وهو وحدة لقياس الوزن "الكتلة" ويرمز له (غ - g).
  2. المتر: وهو وحدة لقياس الطول ويرمز له (م - m).
  3. الثانية: وهي وحدة لقياس الزمن ويرمز لها (ث - s).

فيما بعد تمت إضافة وحدات قياس جديدة:

  1. الكلفن: وهو وحدة لقياس الحرارة ويرمز له (ك - k).
  2. الأمبير: وهو وحدة لقياس شدة التيار الكهربائي بالقوة الكهروديناميكية بين موصلين ويرمز له (أ - A).
  3. الشمعة: وهي وحدة لقياس شدة الضوء ويرمز لها (cd).
  4. المول: وهو وحدة لقياس المادة ويرمز له (mol).

حالياً تُعرَف هذه الوحدات بنظام (الوحدات الدولية/ SI)؛ إذ اتُّفِق عليها على مستوى العالم بأكمله؛ وذلك من أجل توحيد الوحدات التي تُستخدم في القياس وهي الوحدات السبع السابقة الأساسية، أما باقي الوحدات المستخدَمة في القياس فهي مشتقة من الوحدات الأساسية.

ثانياً: مجالات علم المترولوجيا

يؤثر علم المقياس في مجالات عدة في الحياة وهي كالآتي:

1. مجال الاقتصاد:

إذ يعتمد الاقتصاد العالمي بأكمله على القياسات، لكن يجب ألا يشكل وجود القياسات عوائق أمام التجارة الدولية؛ لذلك لا بد من وجود بنية تحتية مناسبة للمترولوجيا؛ إذ تسهم في التطور العلمي والتقني وفي دعم الاقتصاد الوطني وضمان العدالة في التعامل التجاري ورفع كفاءة العاملين من خلال تعزيز قدراتهم وإكسابهم خبرات جديدة تسهم في تطوير نشاطات المقاييس.

2. مجال الصحة:

وهو المجال الذي يتطور باستمرار وبشكل يومي سواء كانت تطورات واكتشافات علمية أم تطورات تقنية في مجال اختراع أجهزة طبية حديثة، وكي تكون هذه التطورات على مستوى رفيع من الثقة والمصداقية أمام العالم بأكمله بما يخدم القطاع الطبي، لا بد من الاعتماد في ذلك على علم القياس حصراً.

3. مجال البيئة:

الكثير من النشاطات التي يقوم بها الإنسان تترك تأثيراً سلبياً في البيئة، وتراكم التأثيرات السلبية شيئاً فشيئاً سيؤدي لاحقاً مع مرور الزمن إلى تدمير البيئة بمختلف مكوناتها، فالحاجة ماسة لعلم القياس في مجال البيئة من أجل رصد التغيرات البيئية ومعرفة تأثيراتها اللاحقة في الكائنات الحية لضمان سلامة البيئة، ومن ثمَّ جودة حياتنا.

ثالثاً: استخدامات علم المترولوجيا

يمكن توظيف علم المترولوجيا في وظائف مختلفة، ويعتمد ذلك اعتماداً رئيساً على الدراسة، ومن هذه الوظائف ما يأتي:

  1. تأهيل القياسات وفقاً للمعايير الصناعية والوطنية أيضاً.
  2. إعداد بيانات الاختبارات والتحقق منها.
  3. التحقق من القياسات بدقة.
  4. يوفر هذا العلم التكرار، ومن ثمَّ الموثوقية والجودة العالية.

رابعاً: أهمية علم المترولوجيا

من خلال ما سبق نلاحظ أنَّ علم المترولوجيا يدخل في مختلف تفاصيل حياتنا اليومية حتى أبسطها مثل تعبئة وقود السيارة أو شراء الخضار والفاكهة مثلاً، ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ إنَّما لعلم المترولوجيا أهمية كبيرة في مجالات مختلفة، وسنذكر منها ما يأتي:

1. يسهم في التطوير العلمي والتكنولوجي والصناعي:

يرتبط البحث كثيراً بعلم المترولوجيا؛ وذلك لأنَّ أساس أي تطوير علمي أو تكنولوجي أو صناعي هو التجارب العلمية المختلفة ومن ثمَّ القياس، فمعظم الدراسات أو الأبحاث تصدر عن مراكز البحث في مختبرات القياس الوطنية، وأيَّة عملية صناعية لا يمكن مراقبتها وضبط مخرجاتها إلا بالاعتماد على علم القياس، فنجد الباحثين مثلاً يستخدمون علم المترولوجيا في مجال الجاذبية الأرضية وتأريخ الصخور ومختلف التجارب الفيزيائية والكيميائية.

2. يلبي حاجات السوق من المنتجات:

يساعد هذا العلم على تصميم المنتجات أو الخدمات بالشكل الذي يلبي حاجات السوق؛ إذ يتم قياس جودة المنتجات بمدى قدرتها على سد حاجات السوق.

3. يخفف من وجود منتجات غير مطابقة للمواصفات:

ففي كثير من الأحيان يتم إنتاج منتجات غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، ومن ثمَّ وجود علم القياس الذي يستخدم أدوات قياس موثوقة يعالج الأسباب وراء ذلك ويمنع تكراره، ومن ثمَّ يخفف من وجود منتجات بمواصفات مخالفة.

4. يساعد على تسهيل المعاملات التجارية:

إذ إنَّ علم القياس عامل رئيس لتسهيل المعاملات التجارية سواء للبائع أم للمشتري أم للمصنع، فبذلك نضمن الجودة والسلامة لأنَّنا نقيس كل شيء في الحياة ولا يمكن إتمام عملية تجارية دون قياس بدءاً من شراء كيلوغرام من التفاح وصولاً إلى شراء سيارة أو شراء شركة لتصنيع الملابس مثلاً.

5. يساهم علم المترولوجيا في مجالات مختلفة من القانون:

هناك العديد من القوانين التي تعتمد اعتماداً أساسياً على علم القياس، فمثلاً نلاحظ وجود قوانين تحدد سلامة المواطن اعتماداً على تحديد سرعة قيادة السيارة وسعة تحميل السيارة، وأيضاً قانون العمل يضم العديد من الأنظمة المعتمدة على علم القياس مثل قانون تحديد ساعات العمل أو تحديد إنتاجية معمل مثلاً.

أو في مجال حماية البيئة هناك العديد من القوانين التي تعتمد على تحديد جودة المياه أو جودة الهواء، والتي تنص على الالتزام بمستوى محدد من الانبعاثات التي تؤدي إلى تلوث المياه أو الهواء، ومن ثمَّ تضمن نظافة البيئة المحيطة وسلامة الإنسان من الكثير من الأمراض التي تنتج عن التلوث.

6. يساعد علم المترولوجيا على حماية المرضى:

كما ذكرنا آنفاً فإنَّ هذا العلم يدخل في مجال الصحة ووجوده أساسي لضمان حماية المرضى من التعرض للأذى نتيجة استخدام بعض المواد الطبية بنسب خاطئة أو استخدام بعض الأجهزة بطرائق خاطئة.

على سبيل المثال، العلاج الإشعاعي هو من العلاجات التي تحتاج إلى قياس دقيق جداً؛ وذلك لأنَّ الإشعاع الصادر قد يتسبب بأذى كبير للمريض، إضافة إلى الدقة التي تطلبها غرف العمليات ووحدات العناية المركزة، ومن ثمَّ علم المترولوجيا يساهم في إنقاذ الكثير من الأرواح والحفاظ عليها ويضمن تلقِّي العلاج الصحيح والموثوق.

خامساً: أنواع علم المترولوجيا

إنَّ هذا العلم واسع كثيراً، وهناك العديد من الأنواع المختلفة له، وفيما يأتي أنواع علم المترولوجيا:

1. المقاييس الصناعية:

وهذا النوع يتعلق بالعمليات الصناعية؛ إذ يعمل على تحديد آلية الصناعة المناسبة لكل منتج في المصانع مثلاً، والهدف منه هو ضمان الحصول على نتائج صحيحة عند استخدام أدوات القياس في العمليات الصناعية المختلفة من إنتاج السلع والخدمات أو مراقبة سير عملية الإنتاج أو التفتيش والفحص للتأكد من مطابقة المنتجات للمواصفات، ومن ثمَّ التأكد من أنَّ عمل جميع الأدوات يتم بجودة عالية.

2. المقاييس العلمية:

وهذا النوع من علم المترولوجيا هو الذي يختص بالابتكارات والاختراعات الجديدة وكل ما يتعلق بالتطوير في مختلف المجالات، ومن ثمَّ هو من الأنواع بالغة الأهمية التي يتم استخدامها استخداماً كبيراً؛ إذ توجد محاولات يومية لابتكار أجهزة وأدوات تلبي مختلف الاحتياجات ولمختلف مجالات الحياة.

3. المقاييس القانونية:

وهو النوع الذي يرتبط بوضع الأنظمة القانونية والإشراف على تطبيقها بشكل دقيق من قِبل جهات حكومية متخصصة بذلك، وتضمن هذه الأنظمة سير الحياة بشكل متوازن وعادل وبعيد عن المشكلات وعن التسبب بأذية البيئة.

4. المقاييس الديناميكية:

وهو العلم الذي يعمل على قياس الاختلافات الصغيرة الحاصلة في أي مجال لكن مما تحمل صفة الاستمرارية؛ وذلك لأنَّ الاختلافات ذات الطبيعة المستمرة لها قيمة كبيرة ومزايا متعددة برأي الباحثين المتخصصين، فمن الضروري دراستها وقياسها.

إقرأ أيضاً: من اخترع أول آلة للزمن؟ وكيف وصلنا إلى الساعات؟

في الختام:

نستنتج مما سبق أنَّ علم المترولوجيا أو ما يُعرَف بعلم القياس هو من العلوم الأساسية في الحياة؛ إذ تبنى عليه الكثير من العلوم الأخرى فلا يمكن أن نقوم بتجربة فيزيائية أو كيميائية دون تحديد النسب الأساسية للمواد التي تدخل في التجربة، ومن ثمَّ نجاح التجارب متوقف على علم القياس، وينطبق الأمر نفسه على إنتاج السلع والخدمات التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية، فالحصول على ما يحتاجه الإنسان بشكل دقيق لا يمكن دون الاعتماد على علم المترولوجيا في مختلف المجالات من تجارة أو صناعة.

إقرأ أيضاً: علم الفيزياء: تعريفه، وتخصصاته، ومجالاته، وأشهر علمائه

الأهم من ذلك كله هو مجال الصحة فدون علم القياس قد نخسر يومياً الكثير من الأرواح نتيجة أخطاء بسيطة لكن تترك آثاراً سلبية مميتة في الكثير من الأحيان، كما أنَّ ابتكار أدوات طبية وعقاقير جديدة هو حاجة ماسة في زمننا الحالي؛ إذ انتشرت الكثير من الأمراض ومن الصعب السيطرة عليها أحياناً كانتشار فيروس كورونا المتجدد، ولا يتم ذلك إلا بالاستناد إلى تجارب متعددة تقوم على علم المترولوجيا بشكل أساسي، بالإضافة إلى أنَّ سير الحياة اليومية بشكل عادل لا يمكن دون وجود قوانين تنظم مختلف جوانب حياتنا، وهذه القوانين يعتمد معظمها أيضاً بشكل أو بآخر على علم المترولوجيا.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة