علامات تدل على أنَّ صحتك النفسية في خطر وكيفية التعامل معها

الحياة ليست وردية دائماً، ومراتٍ كثيرة نمرُّ بفترات عصيبة وظروف قاسية، وهذا ما ينعكس بالضرورة على صحتنا الجسدية والنفسية، ويبقى السؤال الأهم متى تصبح هذه الصحة أمام خطرٍ حقيقيٍّ يهددها؟ وما هي العلامات التي تشير إلى أنَّنا في طريقنا إلى الهاوية وأنَّنا نحتاج إلى يد حنونة تطبطب على جراحنا وتعيد الضوء إلى النفق المظلم الذي بدأنا نخطو داخله الخطوات الأولى دون أن ندري؟



يتفق الأطباء على أنَّ تدهور الصحة النفسية غالباً ما يشير إلى وجود أمراض أو اضطرابات نفسية شديدة قد تفتك بداخلك إن لم تخطُ جدياً باتجاه علاجها، وهذا ما دفعنا لكتابة هذا المقال لتتعرف أكثر إلى العلامات التي تدل على أنَّ صحتك النفسية في خطر وكيفية التعامل معها.

أولاً: ماذا تعني الصحة النفسية؟ وما هي أسباب تراجعها؟

الصحة النفسية كما تؤكد منظمة الصحة العالمية جزء رئيس وأساسي ولا يمكن أبداً فصله عن الصحة عموماً، وعليه نصَّ دستور منظمة الصحة العالمية على أنَّ "الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز".

فالصحة النفسية إذاً هي حالة يكون فيها الفرد معافىً وقادراً على الاستفادة من قدراته واستثمار إمكاناته بما ينفعه ويساعده على إنجاز أعماله بدقة وإتقان، كما أنَّه يكون قادراً على التعامل مع الظروف الصعبة والقاسية والتعب والجهد، وقادراً أيضاً على التكيف معها دون أن تتأثر إنتاجيته تأثراً ملحوظاً ومضراً.

أهمية الصحة النفسية:

تنبع أهمية الصحة النفسية من ارتباطها الوثيق بباقي نواحي الحياة الأخرى، ولأنَّ تأثيرها لا يقف عند الشخص ذاته؛ بل يمتد ليطال المحيط الاجتماعي كله، كما أنَّ هذه الصحة أساسية لبناء إنسان أكثر فاعلية في مجتمعه وأكثر إنتاجية، وهامة جداً لعيش حياة أقل توتراً وأكثر استقراراً، وبذلك يمكن تحديد النقاط التي تظهر فيها أهمية الصحة النفسية بالآتي:

  1. الصحة النفسية أساسية لبناء علاقات اجتماعية قوية وفعالة.
  2. الصحة النفسية هامة للتطور على الصعيد المهني وتحقيق النجاح في العمل.
  3. الصحة النفسية تحسِّن من قدرات الفرد على التفكير والإنجاز والإنتاج وتوجهه للطريق الصحيح عند مواجهته للمواقف الحياتية المختلفة.

بناءً على هذا كانت الصحة النفسية موضوعاً هاماً للدراسة والبحث، ولكي نبدأ بالقلق بشأن صحتنا العقلية والنفسية علينا أن ننتبه إلى مقدار تأثير سلوكاتنا وتصرفاتنا في الأمور الآتية:

  1. علاقاتنا مع أسرتنا وأصدقائنا ومحيطنا الاجتماعي عموماً.
  2. طريقة تصرفنا وتعاطينا مع المواقف الاجتماعية المختلفة.
  3. إنجازاتنا اليومية ومدى قدرتنا على تحقيقها.
  4. نجاحنا في عملنا ومدى تطورنا وإنتاجيتنا.
  5. قدرتنا على المشاركة بالنشاطات المختلفة والتفاعل معها.

في حال أثَّرت صحتك النفسية في واحدة من النقاط السابقة، يجب أن تأخذ نفساً عميقاً وتبدأ بالبحث عن حلول قبل أن يتفاقم وضعك ويزداد سوءاً.

حقيقةً، الكثير من العوامل والظروف تتداخل وتؤثر في الصحة النفسية للأفراد، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الذي تؤديه المعايير الثقافية في تحديد مدى كون تصرفاتنا غير طبيعية وغير مقبولة، فالسلوكات المقبولة في مجتمع قد تكون مرفوضة تماماً في مجتمع آخر، كما أنَّ الإدراك الشخصي للمواقف أيضاً يؤدي دوراً كبيراً ومؤثراً في الصحة النفسية؛ إذ يختلف إدراك كل شخص للظروف التي يعاني منها، ومن ثمَّ تختلف استجابته.

فمثلاً قد يكون إدراك شخص ما لموضوع تعرضه للخيانة مختلفاً تماماً عن إدراك شخص آخر، فبينما يجد الأول في تعرضه للخيانة سبباً لجلد الذات والإحساس بالنقص والعار، وهذا ما يدخله في حالة نفسية سيئة جداً قد يلزمه سنين لتخطيها، ينظر الآخر إليها على أنَّها دافع له ليحسن اختيار شريكه في المستقبل، وعلى الرغم من كونها تجربة سيئة له فهي لا تعني أبداً نهاية العالم، فالقصد من هذا المثال التأكيد على أنَّ الظروف والعوامل المؤثرة في الصحة النفسية مطاطة جداً وتأثيرها مختلف بين شخص وآخر، فما تجده عادياً قد يجده شخصٌ آخر قاسياً ومؤلماً.

أسباب تدهور الصحة النفسية:

توجد عدة محددات متفق عليها ومذكورة في تقارير منظمة الصحة العالمية تؤدي دوراً في تدهور الصحة النفسية، وسنذكر منها:

  1. الضغوطات الاجتماعية التي تفرض على بعض الأفراد نوعية حياة لا تشبههم ولا يحبونها فقط لمسايرة الجماعة ونيل الرضى الاجتماعي، وهذا ما يأخذهم في نهاية المطاف إلى الانعزال والابتعاد عن المحيطين، وهذا بدوره يؤثر في صحتهم النفسية تأثيراً كبيراً.
  2. أشارت أيضاً تقارير منظمة الصحة العالمية إلى العلاقة بين تدهور الصحة النفسية للأفراد وبين مستواهم المادي؛ إذ تزداد مشكلات الصحة النفسية عند الأشخاص الذين يعانون من ظروف مادية صعبة ويعيشون في حالة من الفقر.
  3. توجد أيضاً علاقة بين الصحة النفسية ومستويات التعليم.
  4. التمييز الجنساني المنتشر في كثير من بلدان العالم يؤثر في الصحة النفسية أيضاً خاصةً عند النساء.
  5. ممارسة الأعمال المجهدة تؤثر أيضاً تأثيراً كبيراً في الصحة النفسية للأفراد، وتؤدي في بعض الحالات إلى الاكتئاب، خاصة عندما لا يكون الجهد مساوياً للمردود المادي.
  6. العوامل النفسية المتعلقة بشخصية الفرد نفسه وكيف ينظر إلى الأمور كما أشرنا آنفاً لها علاقة مباشرة في صحة الأفراد النفسية.
  7. لا يمكن إنكار دور العوامل البيولوجية والجينية واختلال توازن المواد الكيميائية في الدماغ.

شاهد: 10 نصائح للحصول على الراحة النفسية

ثانياً: ما هي العلامات التي تدل على أنَّ صحتك النفسية في خطر؟

توجد عدة علامات ودلائل تشير إلى أنَّ صحتك النفسية ليست بخير، وأنَّ ما تمر به ليس وقتاً عصيباً تتجاوزه بعد أيام عدة، وليس اضطراباً مؤقتاً في سلوكك وردود فعلك وسيعود كل شيء إلى طبيعته مع مرور القليل من الوقت؛ بل توجد مشكلة حقيقية لا بد من علاجها والتوقف عندها، ومن هذه العلامات:

1. تغييرات كبيرة في نمط حياتك وسلوكاتك:

كالتغييرات في نمط الأكل لديك إما شراهة كبيرة أو فقدان تام للشهية.

2. صعوبة كبيرة في مواجهة ظروف الحياة اليومية:

وعدم القدرة على التعامل مع الواجبات الروتينية المعتادة أو التعاطي مع الناس وكأنَّ العالم ينتهي على باب غرفة النوم، وأي خروج بالنسبة إليك يصبح نوعاً من المجازفة.

3. الحزن الذي يسيطر على جزء كبير من حياتك:

وهذا يسبب لك نظرة سوداوية للعالم والشعور بأنَّ لا شيء يستحق أن يُعاش.

4. لامبالاة:

وعدم اكتراث بكل ما يجري حولك.

5. حالة من انعدام الإحساس وفقدان للمشاعر:

وعدم القدرة على الإحساس بالمتعة حتى لو خرجت أو قابلت أحد رفاقك.

6. الشعور بالقلق دائماً والخوف من كل شيء:

من الماضي والمستقبل والحياة والموت.

7. الرغبة في الانتحار:

والاعتقاد بأنَّ الراحة تكون بمغادرة هذا العالم فقط.

8. التفكير في إيذاء الآخرين:

والقيام ببعض التصرفات غير المسؤولة مع تغييرات كبيرة في حالة الشخص المزاجية.

9. الشعور بالألم الجسدي:

دون سبب عضوي حقيقي.

10. عدم تقدير الذات وجلدها باستمرار:

والشعور بأنَّك أقل من الآخرين وأنَّ الجميع متفوِّق عليك في كل النواحي.

ثالثاً: طرائق تعزيز الصحة النفسية

تعزيز الصحة النفسية مطلب أساسي وضرورة مُلِحَّة بطبيعة الحال، وتزداد الحاجة إليها عند مرور الفرد بمشكلات صعبة، وفي حال ظهور علامات تدهور الصحة النفسية عليه.

في الواقع عملية تعزيز الصحة النفسية ليست عملية سهلة وليست آنية؛ بل هي عملية مستمرة يجب أن تبدأ منذ الطفولة المبكرة، كما أنَّها تتضمن العديد من الإجراءات والعمليات؛ وذلك لأنَّ العوامل والظروف المؤثرة بها من الأساس كثيرة ومتعددة وتحمل الكثير من الجوانب المتبدلة والمتغيرة.

لذلك يجب أن تبدأ الحلول قبل كل شيء من تهيئة جو صحي وآمن للعيش، مع احترام كامل لحقوق الإنسان من كل النواحي، فلا يمكن الحديث عن حالة نفسية مستقرة في ظروف يتم فيها انتهاك دائم لحقوقنا الأساسية بصفتنا بشراً أولاً.

بعد تأمين هذا المطلب الأساسي الذي يشكل البيئة الآمنة نفسياً لأي إنسان، يمكن الحديث عن النقاط الآتية:

1. الاهتمام من الأساس ببناء إنسان سوي نفسياً ومحصَّن قدر الإمكان:

وهذا ما يقع على عاتق التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ طفولته.

2. الصحة النفسية مقترنة بالصحة الجسدية:

ولذلك لكي تنعم بصحة نفسية جيدة عليك أن تعطي جسدك حقه، فتأخذ قسطاً وافراً من الراحة والنوم والطعام والشراب.

3. تقدير الذات واحترامها من أهم دلائل تمتُّعك بصحة نفسية عالية:

لذلك كان من الضروري جداً العمل على تحسين صورة الشخص عن ذاته ورفع معنوياته باستمرار.

4. النظر إلى الحياة من زاوية أخرى بعيداً عن التشاؤم والسوداوية:

فعلينا أن نتذكر دائماً أنَّ الظروف الصعبة ليست حكراً على فئة معينة وأنَّ الجميع يقاسون في هذه الحياة، ولكنَّ الاختلاف يكمن في طرائق التعاطي مع هذه الأزمات.

5. محاولة الاسترخاء قدر الإمكان:

وعدم تعقيد الأمور والنظر ببساطة إلى ما يجري حولنا، والإيمان بأنَّ لا شيء يبقى على حاله وأنَّ ما قد نراه اليوم صعباً وقاسياً قد نراه مع مرور الوقت أقل أهمية.

6. اللجوء إلى الأهل أو أحد الأصدقاء المقربين ومشاركة أفكارنا معهم:

وفي حال كان الوضع شديد الصعوبة تجب مراجعة الطبيب المتخصص أو المعالج النفسي.

شاهد أيضاً: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

7. الحياة ليست حرباً عليك أن تنتصر بها:

فأنزل هذا الثقل عن عاتقك وحاول الاستمتاع بأشياء بسيطة.

8. تدوين ملاحظاتك دائماً:

فيمكنك الاحتفاظ بدفتر خاص بك أينما ذهبت، فقد أكدت الكثير من الدراسات أنَّ التفريغ بالكتابة يساعد على تحسين الحالة النفسية.

إقرأ أيضاً: أثر الفقر في الصحة النفسية

9. ممارسة الرياضة:

هامة أيضاً لتحسين صحتك النفسية.

10. التدخل الدوائي:

للحالات الصعبة التي تترافق مع أمراض نفسية شديدة كالذهان والاكتئاب، إضافة إلى العلاج السلوكي المعرفي.

إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان

في الختام:

يمكن لأي شخص في هذا العالم أن يتقوقع داخل غرفته وينظر إلى الحياة من الثقب الصغير في بابها، وأن يؤدي دور الضحية ويفرد كل ليلة أحزانه على الطاولة ويراقبها حتى يغفو مثقلاً بدموعه ومكبلاً بألمه، لكن تذكَّر دائماً أنَّ هذا الهروب والانعزال ليس حلاً وأنَّ المواجهة هي الحل الحقيقي لتستعيد نفسك وعافيتك، فالمواجهة لا تعني أن تخوض حرباً؛ بل تعني أن تستمر على الرغم من كل شيء، وبدلاً من التحديق في الأرض ارفع عينيك وانظر إلى السماء وكن مؤمناً بأنَّ الحياة بانتظارك دائماً وأنَّ السقوط تجربة تعلِّمك كيف تنجو في الخطوة التالية وأنَّ الكثيرين من حولك جاهزون لمد يد العون إليك، فقط آمن بنفسك.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة