علامات تدل أن طفلك مصاب بالاكتئاب، وطرق علاج ذلك

الاكتئاب هو واحد من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً وانتشاراً، ويمكن تعريفه على أنَّه: اضطراب في المزاج ينتج عنه غرق دائم في دوامة الحزن والإحساس بالدونية، إضافة إلى فقدان الشعور بالاهتمام والاكتراث والاستمتاع بأي شيء.



ولا تقتصر دائرة الأشخاص المصابين أو المُعرَّضين إلى الإصابة بهذا المرض على عمر معيَّن؛ بل هو حالة نفسية تصيب الإنسان في أيَّة مرحلة عمرية ومهما كان جنسه أو لونه أو عرقه، وتختلف درجاته من مصاب إلى آخر، ويمكن أن يُصاب الأطفال والمراهقون أيضاً بالاكتئاب؛ لذا، فإنَّنا قد خصصنا هذا المقال لذكر علامات تدل على أنَّ ولدك مصاب بالاكتئاب، وتبيان طرائق علاجه ومتى يحتاج الوضع إلى التدخل الطبي المختص؟

تعريف الاكتئاب:

قبل الدخول في علامات الاكتئاب وأعراضه لا بدَّ من توضيح معنى الاكتئاب، وخصوصاً بعد أن شاع في المرحلة الحالية استخدام كلمة "الاكتئاب" ككلمة مرادفة للحزن، وهذا خطأ فادح وشائع.

الاكتئاب عموماً هو اضطراب في المزاج ينتج عنه شعور دائم بالحزن وعدم الاستحقاق والدونية، وتنتج عنه أعراض نفسية وجسدية وسلوكية؛ فأمَّا عن الأعراض النفسية فهي: الحزن الدائم، وفقدان الثقة بالنفس، وانعدام الرغبة في الحياة والاقتصار عن التمتع بمباهجها، وأمَّا عن الأعراض الجسدية: فقد يتسبب الاكتئاب بحصول فقدان في الشهية ينتج عنه خسارة كبرى في الوزن وتأثيرات سلبية في الصحة العامة، وأمَّا الأعراض السلوكية فتبدو على شكل: الانطواء على الذات، وتجنُّب الاجتماعات والمحافل العائلية، والشرود الدائم، والصمت.

كما يتسبب الاكتئاب بالعزلة وانعدام الثقة بالنفس والعكوف عن التواصل مع الآخرين، والتخلي عن الأحلام والطموحات والاستسلام إلى سيطرة اليأس والعزوف عن حب الحياة، والتفكير في إنهائها بالانتحار، وقد يصل في مراحله المتقدمة على تنفيذ فعل الانتحار، وبحسب "مارتن سيلغمان" فإنَّ الاكتئاب هو: "اضطراب في الأنا التي فشلت بنظرك في تحقيق أي شيء".

الفارق بين الحزن والاكتئاب:

قد يتشابه الحزن مع الاكتئاب في بعض مظاهره وخصائصه مثل العزلة والعبوس، ولكن توجد بينهما اختلافات جوهرية، ومن أهم هذه الفروقات:

  1. الاكتئاب هو حالة مرَضيَّة، أمَّا الحزن فهو رد فعل طبيعي تجاه الخسارات.
  2. شعور الحزن يكون مؤقتاً في حالات الحزن الاعتيادية، وعلى الرغم من شدته، فإنَّ الإنسان لا يفقد الأمل بالمستقبل والرغبة فيه، على العكس في حالة الاكتئاب، فإنَّ الحزن يكون دائماً مستمراً ومُفقِداً الإنسان القدرة على الاستمتاع بما حوله أو التطلُّع نحو مستقبله.
  3. يفقد الإنسان في الاكتئاب ثقته بنفسه وينظر إلى ذاته بدونية واحتقار، أمَّا في حالات الحزن العابرة، فعادة لا تتأثر الثقة بالنفس ويحافظ الإنسان على اعتداده بذاته.

أسباب إصابة الأولاد بالاكتئاب:

لم تُحدَّد حتى الآن أسباب الاكتئاب عند الأطفال بشكل جازم وقطعي، إلَّا أنَّ الأسباب المرجَّحة له تكون بسبب حصول خلل في توازن المواد الكيميائية في دماغ الطفل؛ وهذا ما يسبب تأثيراً في حالته المزاجية، ومن العوامل التي تسبب تغيير الحالة المزاجية عن الطفل نذكر ما يأتي:

  1. التعرُّض إلى صدمات عنيفة مثل طلاق الوالدين، أو وفاة شخص عزيز أو تغيير المدرسة.
  2. وجود حالات اكتئاب في التاريخ العائلي؛ وذلك لأنَّ الاكتئاب عند بعض الأطفال يكون وراثياً.
  3. تناول بعض أنواع الأدوية؛ مثل الأدوية المخدرة والمسكنات القوية للألم والستيروئيدات.
إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

علامات الاكتئاب عند الأطفال:

بحسب تقرير نُشِر في موقع (Power Of Positivity) فإنَّ للاكتئاب الذي يصيب الأطفال أعراضاً وعلامات لا يمكن تجاهلها، وبحسب ما ذُكِرَ في التقرير، فإنَّ أسباب إصابة الأطفال بالاكتئاب تعود إلى توالي تأثير المؤشرات السلبية في اهتمامات الطفل ونشاطاته الاجتماعية وحياته الأسرية وأعماله الدراسية.

وقَسَّم التقرير الاكتئاب إلى نوعين: اكتئاب شديد، وآخر جزئي يسمى بـ "عسر المزاج"، وبيَّن أنَّ الاكتئاب الشديد يمكن أن يصيب الطفل أكثر من مرة خلال حياته وقد يستمر في كل مرة نحو الأسبوعين، أمَّا الاكتئاب الجزئي فهو شكل مطوَّل منه يستمر لمدة لا تقل عن العامين، وأمَّا عن علامات الاكتئاب عند الأطفال فهي:

1. الخمول والحزن:

تبدو على الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب علامات مثل الشعور بالدونية واليأس، وقد يميل بعضهم إلى البكاء بسهولة، وقد يمتنع بعضهم الآخر عن البكاء ويتحفَّظ تجاهه، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب يتَّصفون ببطء الاستجابة والمشي والحديث، ويبدون أقلَّ مرحاً وحركة من أقرانهم.

شاهد بالفديو: 13 طريقة تساعد الأبوين على علاج الاكتئاب عند الأطفال

2. الاستياء وقلة الانتباه:

من علامات الاكتئاب أن يُبدي الأطفال إحجاماً ونفوراً من القيام بالأشياء التي اعتادوا على القيام بها بمحبة وشغف؛ كأن يبتعدوا عن ممارسة الرياضة المفضلة لديهم، كما من الممكن أن يُبدوا استياءً من مشاركة أقرانهم في النشاطات الجماعية ويميلوا إلى وصف هذه النشاطات بأنَّها مملة بعد أن كانت مصدر متعة كبير لهم.

3. التوتر والعصبية:

ولعلَّ مظاهر الهلع والقلق والتوتر هي من أكثر علامات الاكتئاب عند الأطفال وضوحاً، فالأطفال الذين يعانون من الاكتئاب تبدو عليهم أعراض التوتر والقلق والأرق، فلا يستطيعون الجلوس لفترات طويلة متواصلة، ومن علامات الاكتئاب عند الأطفال أن يتحوَّل الطفل عن هدوئه إلى نموذج أكثر حدَّة وعصبية؛ فيغضب بسرعة أو يتحوَّل إلى طفل ساخر يستهزئ بنفسه ومحيطه، وقد يصبح مزاجياً لا يمكن تكهُّن موقفه.

4. إلحاق الأذى بالذات وعقدة الذنب:

من علامات الاكتئاب عند الطفل معاناته من الوساوس وتلقِّيه للخيبات وتصوره للأخطاء؛ وهذا يخلف عنده شعوراً بالذنب يجعله يقلل من قيمة نفسه ويشعر بأنَّه قليل النفع والفائدة، وقد يترتب على هذه المشاعر إذا ما تفاقمت إيذاء الطفل لجسده، أو تحمُّل مخاطر كبرى تصب في خانة الإيذاء الذاتي.

5. سرعة التأثر وضعف الشخصية:

يتجلى ضعف الشخصية عند الطفل الذي يعاني من الاكتئاب الجزئي كنتيجة طبيعية لشعوره الدائم بالإحباط؛ فهو مقتنع بفكرة أنَّه غير جيد للقيام بأي شيء وأنَّه غير كافٍ مهما فعل، فيستسلم لهذه الأفكار ويرضخ إلى كون هذه الحالة هي التي سيستمر عليها طيلة حياته، فيغدو ضعيفاً قابلاً للانهيار أمام أي تحدٍّ جديد.

6. الشعور بالعزلة:

يسيطر على الطفل المصاب بالاكتئاب الشعور بأنَّه وحيد ومنبوذ وأنَّ لا أحد من رفاقه وأقرانه يرغب في اللعب معه ومشاركته النشاط، وبالطبع هو أضعف من أن يندفع نحوهم ويفرض حضوره أمامهم، فينطوي على نفسه في عزلته.

حدوث تغير في عادات الأكل:

من علامات الاكتئاب عند الأطفال حدوث تغيرات في الشهية تكون إمَّا بالزيادة أو النقصان، وغالباً ما يفقد الأطفال الذين كانوا يمتلكون رغبة كبرى في الطعام الاهتمام به بشكل مفاجئ وغير مُتوقَّع عند إصابتهم بالاكتئاب؛ وهذا ما يسبب انخفاضاً سريعاً وملحوظاً في أوزانهم، وقد يؤثر الاكتئاب في الأطفال بطريقة عكسية، فيتناولون الطعام عند عجزهم عن تفسير حالتهم العاطفية.

7. اضطرابات النوم:

من أعراض الاكتئاب عند الأطفال حدوث اضطرابات في النوم، وقد تكون هذه الاضطرابات على شكل نوم كثير ومفرط أو أرق، وقد يعاني الأطفال من صعوبة البقاء مستيقظين خلال دوامهم المدرسي أو استيقاظ مبكر قبل حلول الصباح.

8. الرفض والانسحاب:

يعاني الأطفال المصابون بالاكتئاب من فقدان الثقة بالذات والكسل؛ وهذا يدفعهم إلى التهرُّب من تأدية المهام اليومية وحتى النشاطات الممتعة منها، فنلاحظ ميل هؤلاء الأطفال إلى الانعزال حتى عن أُسرِهم ودائرتهم المُقرَّبة، وتفضيلهم قضاء الوقت في غرفهم؛ حيث يجدون الراحة والخصوصية.

ولا بد لنا أن نشير إلى أنَّ ظهور هذه العلامات والأعراض عند الأطفال قد لا يعني حتمية إصابتهم بالاكتئاب، وقد يكون أقرب إلى كونه "كآبة عرضية"، ولكنَّ الأمور تغدو أكثر جدية إذا ما دامت هذه الأعراض أكثر من أسبوعين، وتسببت في إعاقة حياة الطفل وحجبه عن ممارساته الروتينية المعتادة في المنزل والمدرسة؛ وفي هذه الحالة، ندرك أنَّ طفلنا يواجه الاكتئاب ولا بدَّ لنا من تقبُّل حالته أولاً، ومن ثم الأخذ بيده ومساعدته في طريق العلاج.

علاج الاكتئاب عند الأطفال:

يُقسَّم علاج حالات الاكتئاب عند الأطفال إلى قسمين:

1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT):

وهو الحل الأنجع لعلاج حالات الاكتئاب الخفيفة والمعتدلة عند الأطفال والمراهقين، ويمكن أن توجد استثناءات لهذا النوع من العلاج، وهي تتوقف على كل حالة وطبيعتها، إضافة إلى ظروف الطفل وعمره، فالأطفال الذين تقل أعمارهم عن العشر سنوات يُعالَجون بطرائق تختلف عن العلاج النفسي ومنها: العلاج باللعب والعلاج السلوكي والعلاج الديناميكي، أمَّا بالنسبة إلى علاج الاكتئاب المعتدل والحاد، فإنَّ الإدارات تُوصي باستخدام مزيج علاجي مكوَّن من العلاج المعرفي السلوكي، إضافة إلى العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب، التي تُعرَف باسم "مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية" (SSRI).

إقرأ أيضاً: العلاج السلوكي المعرفي لمرض الاكتئاب

2. علاج الاكتئاب عند الأطفال بالأدوية (SSRIs):

الاكتئاب عند الأطفال

وهي مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية ومضادات الاكتئاب الأخرى، التي حذرت هيئة الصندوق الأسود عند بدء استخدامها من خطر الزيادة في الأفكار والسلوك الانتحاري، وخاصة في مراحل العلاج المبكرة، إلَّا أنَّ الدراسات لم تُظهِر حالات انتحار حتى الآن.

وإنَّ المراقبة الدقيقة في أثناء بدء الجرعة وتغيير المعايرة من شأنها أن تساعد على تقليل هذا الخطر، وعادة ما تُقيَّم فوائد ومخاطر استخدام العقاقير المضادة للاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين مع مخاطر الاكتئاب الذي لم يُعالَج للمساعدة على اتخاذ قرار العلاج الدوائي، ووافقت إدارة الأغذية والعقاقير لعلاج الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين على استخدام أدوية "فلوكستين" و"إسكيتوبرام".

إنَّ الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين أمر موجود مهما قسَت على الأهل حقيقة وجوده، ويمكن عن طريق الوعي وملاحظة الأعراض قبل تفاقمها إنقاذ الطفل من الوقوع ضحيَّة هذه الحالة المرَضية، وتخليصه من هوَّة سوداء تحاول جذبه إلى قاعها.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة