علاقة الذكاء الاصطناعي بالموارد البشرية

لعلَّنا لن نلحظ وجود علاقة بين الذكاء الاصطناعي والموارد البشرية للوهلة الأولى؛ إذ يذكِّرنا الذكاء الاصطناعي بكلمات مثل: "برود المشاعر"، و"روبوت"، و"آلي"، في حين أنَّ الموارد البشرية تركِّز بكل مقاصدها وأهدافها على الناس والعلاقات.



وحتى الأسماء نفسها تبدو متناقضة تناقضاً ميؤوساً منه؛ فالذكاء الاصطناعي مرتبط بشيء مصطنع، أما الموارد البشرية، فتختص بالإنسان؛ وقد تكون هذه النظرة السبب الكامن وراء كون الموارد البشرية واحدة من آخر الوظائف التي تتبنَّى تقنيات الذكاء الاصطناعي.

والحقيقة هي أنَّ الذكاء الاصطناعي والموارد البشرية متطابقان تطابقاً أكبر بكثير مما قد توحي به تصنيفاتهما، وتشير مجموعة متزايدة من الأبحاث إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجعل المنظمات أكثر إنسانية، وبتسخير التكنولوجيا الذكية اصطناعياً، تعمل المنظمات على تحسين الشفافية، وتقديم الكوتشينغ الشخصي على نطاق واسع، ومساعدة القادة على فهم أهمية صحة قواهم العاملة فهماً أكثر عمقاً، وفي كل الأحوال، يمنح الذكاء الاصطناعي الموارد للموارد البشرية والقادة والمديرين لتحسين تجربة الموظفين تحسيناً جذرياً.

دون وجود الذكاء الاصطناعي تضيع آراء الموظفين:

إنَّ المثال الأكثر وضوحاً هو عملية التغذية الراجعة للموظفين، إذ يمكن القول إنَّ جمع وفهم والاستجابة لآراء الموظفين هو أكثر المساعي "إنسانية" التي يمكن أن تقوم بها أي منظمة؛ ومع ذلك، بما أنَّ التغذيات الراجعة للموظفين معقدة جداً ومتأثرة بالعاطفة، فإنَّ معظم المنظمات تفشل اليوم في استثمار آراء موظفيها استثماراً فعالاً.

يعتمد النهج التقليدي والأكثر شيوعاً على دراسات استقصائية طويلة وشاقة لمشاركة الموظفين، والتي لا تلهم الموظفين بالاستجابة، ولا تحفز المديرين على اتخاذ أيَّة إجراءات؛ إذ إنَّ المعلومات التي تُحلَّل يدوياً على مستوى الفريق بطيئة في الوصول إلى أولئك الذين يمكنهم إحداث التغيير، وقد يستغرق الأمر أسابيع أو أشهر، وبعد استلامها، يصعب تحليلها والعمل عليها.

قد يواجه القادة والمديرون صعوبة في فهم أهم المجالات التي يتعين عليهم تحسينها، وفي الوقت نفسه، تفقد البيانات ضرورتها وملاءمتها مع مرور الوقت، ومن ثمَّ تفقد الإجراءات معناها؛ وهذا بدروه يؤدي إلى عدم الاستجابة لمطالب الموظفين.

ونتيجةً لهذا، يشعر الموظفون بأنَّهم لا يُسمَعون، ولا يُقدَّرون، وأنَّهم يفتقرون بكل تأكيد إلى التواصل مع القادة والمديرين الذين ينادون بأنَّ موظفي المنظمة هم على رأس أولوياتها، والمعنى هو، النهج التقليدي بعيد عن "الإنسانية".

شاهد بالفديو: مهام الموارد البشرية

تتغير بيانات التغذية الراجعة تغيراً دائماً مع وجود الذكاء الاصطناعي:

لقد حسَّنت الأتمتة تحسيناً كبيراً عملية استطلاع مشاركة الموظفين، ويتزايد عدد المنظمات التي تبتعد عن النهج التقليدي الموصوف آنفاً لمصلحة إجراء استطلاعات متكررة ولوائح متابعة معتمدة على التكنولوجيا؛ وذلك لمنح المديرين والقادة بيانات على مستوى الفريق في الوقت المناسب، وحتى قبل استخدام الذكاء الاصطناعي، فإنَّ هذا التحسُّن وحده يقودنا إلى بيانات أكثر صلة وقابلية للتنفيذ وتحفِّز على تغيير أكثر فاعلية.

لقد مكَّن الذكاء الاصطناعي من التوصل إلى نتائج أسرع؛ فهو يعني أنَّ القادة والمديرين يستطيعون الحصول على رؤى تنبؤية شخصية تسمح لهم بالاستجابة الفعالة لمخاوف الموظفين، واستباق المواقف الصعبة قبل بدء ظهور المشاعر السلبية، وباستخدام ملايين من البيانات، يمكن لهذه التكنولوجيا أن تحدد المشكلات الرئيسة التي تلوح في الأفق، وتحفز المحادثات الهادفة الموجَّهة نحو التغيير التي لم تكن ممكنة من قبل على نطاق واسع.

يمكن للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي مراقبة وتحليل الملايين من البيانات، وإيجاد الأنماط والتناقضات في درجات المشاركة والتوجهات مع مرور الوقت، ثم تُظهِر هذه التكنولوجيا التوقعات عن المشاركة في المستقبل، وغيرها من النتائج الرئيسة مثل معدَّل دوران العمالة، وأدائهم، وجودة عملهم، وبالإضافة إلى ذلك، يتعلَّم النظام مع مرور الوقت من كل منظمة وفريق؛ وهذا بدوره يجعل التنبؤات أكثر تخصيصاً ودقة، بحيث يمكن للفرق إجراء محادثات أكثر فاعلية وشخصية عن المستقبل.

تُعَدُّ التعليقات المفتوحة ذروة الإنسانية عندما يتعلق الأمر بالتغذية الراجعة الخاصة بالموظفين؛ إذ تتضمن التعليقات المميزات الدقيقة في آراء الموظف، ومن ذلك العاطفة، والاقتراحات، والأفكار، ولكن مع مشاركة عشرات أو حتى مئات الآلاف من التعليقات في كل دراسة استطلاعية، يصبح من المستحيل بالنسبة إلى القادة استيعاب وفك شيفرة الأمر المعقد الذي يُتحدَّث عنه.

يغيِّر الذكاء الاصطناعي ذلك؛ إذ يمكن لمعالجة اللغات الطبيعية (NLP) تدقيق مئات الآلاف من التعليقات الصريحة، ففجأة تتحول كميات هائلة من التغذيات الراجعة المنفصلة إلى روايات ذات قيمة، فتظهر المجالات التي تحوي خللاً أو مشكلة، والتي كان سيصعب حلها لولا ذلك.

لقد دُرِّب محرك معالجة اللغات الطبيعية على الملايين من استجابات الموظفين؛ وهذا بدوره يمكِّن النظام من استخلاص المشاعر وتصنيف الأنماط الأساسية إلى موضوعات، وهذه الموضوعات - إلى جانب العلاقات الظاهرية بينها وبين المشاعر الإيجابية أو السلبية المرتبطة بها - توفِّر أساس قصة مكان العمل، وتتعلم الخوارزميات باستمرار مع دخول بيانات جديدة إلى النظام، فتصبح أكثر دقة، ومخصَّصة لكل منظمة مع مرور الوقت.

وقد وصفت مجلة "أميريكان بانكر" (American Banker) كيف بدأت شركة "فيرست هورايزون ناشيونال كورب" (First Horizon National Corp)، التي تمتلك "بنك فيرست تينيسي" (First Tennessee bank) وشركات مالية أخرى، باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل استطلاعات رأي موظفيها السنوية.

وأوضح "ماريو براون" (Mario Brown)، نائب الرئيس، ومدير قسم تقييم وتطوير القادة في شركة "فرست هورايزون": "لقد كان الأمر حاسماً في كيفية مراجعة فلسفتنا في إدارة الأداء".

لذا، إنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي لإعطاء تغذيات راجعة مختلفة للموظفين، يعطي القادة والمديرين الأساس لاتخاذ إجراءات فعالة، مع إزالة كثيرٍ من احتمالات التحيز والخطأ البشري، وجوهرياً، عندما يطبَّق الذكاء الاصطناعي على تعليقات الموظفين، يربط النقاط بين ما يقولونه، وكيف يشعرون حيال ذلك، وكيف يرتبط ما يقولونه بالمشاركة وبالنتائج الأخرى؛ فهو يجمع بيانات من التعليقات لتحديد القضايا التي يهتم بها موظفوك تحديداً فورياً، وتقود هذه المعلومات المديرين والقادة بسرعة إلى التوجه على طريق التحسين، وتحفِّز على إجراء محادثات مُجدية عن التغيير.

إقرأ أيضاً: هل يجب تقديم التغذية الراجعة وجهاً لوجه أم عبر برامج التواصل؟

تعزيز الموارد البشرية الموجهة للإنسان بواسطة الخوارزميات:

من خلال الحصول على معلومات أكثر وضوحاً وعمقاً عن كيفية تفكير الموظفين ومشاعرهم، يصبح القادة والمديرون قادرين على اتخاذ قرارات أفضل تؤثر في خبرات موظفيهم.

ومع قضاء وقت أقل في تحليل البيانات وتفسيرها، تتحرر فِرق الموارد البشرية لتقضي مزيداً من الوقت في تدريب وتطوير القادة والمديرين والموظفين، وتعزيز العلاقات، وتنفيذ البرامج الاستراتيجية والإبداعية؛ إذ إنَّ هذه التكنولوجيات الجديدة - في حين تدعمها الخوارزميات - تؤدي في نهاية المطاف إلى تركيز أكثر على الناس ومكان عمل الإنسان.

إنَّ تحسين قدرة المنظمات على فهم تغذية الموظفين الراجعة والاستجابة لها يعدُّ مثالاً واضحاً على أنَّ الذكاء الاصطناعي يجعل مكان العمل أكثر إنسانية، وبدلاً من القلق بشأن ثورة الروبوتات، فقد حان الوقت للتفكير في الكيفية التي يمكن بها لهذه التكنولوجيات أن تُحدث ثورة في الموارد البشرية.

المصدر




مقالات مرتبطة