عزز علامتك التجارية الشخصية من خلال التفاني والعمل الدؤوب

يُتحدَّث كثيراً في الآونة الأخيرة عن العلامة التجارية الشخصية (Personal Brand) ولكن بطريقة مبالغ فيها؛ إذ يقترح هذا المفهوم أنَّ في إمكان الشخص تحسين حياته المهنية من خلال إنشاء سمعة طيبة، لكن يغفل من يتحدث بهذا المنطق عن أنَّ السمعة المهنية أو العلامة التجارية الشخصية لا تخضع لتحكُّم مطلق من الشخص.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويتحدَّث فيه عن العلاقة بين العمل المتقن والسمعة التجارية.

يخبرك معظم الناس أنَّ عليك أن تحسِّن علامتك التجارية الشخصية، وقد أُخبرتُ بذلك عام 2004 عندما حصلت على أول وظيفة لي في مجال المبيعات بينما كنت ما أزال طالباً في الجامعة، فكانت النصيحة أن أعمل على تحسين علامتي التجارية الشخصية وسأتمكَّن من الحصول على ترقية سريعاً.

ما تزال هذه النصيحة تُقدَّم حتى يومنا هذا، فقد عثرت منذ فترة على مقال تتحدث فيه المؤلفة عن الكيفية التي يساعدك فيها العلم على تحسين علامتك التجارية الشخصية، وكان واحداً من أسخف الأشياء التي قرأتها؛ إذ قامت مؤلفة المقال، التي تصف نفسها بخبيرة في مجال العلامات التجارية، بتحرير صورة ملفها الشخصي بواسطة تطبيق "كانفا" (Canva)، ومن الواضح أنَّها زادت السطوع والتباين وكثافة اللون في الصورة بمقدار 4 درجات والنتيجة هي صورة رائعة؛ إذ حقَّقت الصورة المعدَّلة زيادة في المتابعين بمقدار 412 شخصاً عن الصورة السابقة على تطبيق "تويتر" (Twitter).

لكن مَن يهتم بهذا؟ فهذه الأمور ليس لها أي تأثير في الرضى الوظيفي أو الدخل، فأنا مُجاز بدرجة ماجستير في التسويق، وأؤكَِد لك أنَّ تغيير سطوع صورة ملفك الشخصي ليس من ضمن العلوم التي تلقيتها في الجامعة من قبل الأساتذة المتخصصين.

الأشخاص الذين يدَّعون أنَّ العلامة التجارية الشخصية هي شيء يمكنك تحسينه يتناسون شيئاً هامَّاً جداً، وهو أنَّ السمعة هي نتيجة ثانوية للعمل، فأنت تستطيع تحسين مهاراتك، لكن لا يمكنك تحسين سمعتك وحدها.

السمعة تُكتسب:

من الواضح أنَّ السمعة ليست أكثر من المنظور الذي يكوِّنه الآخرون عنك؛ لذلك هي ليست شيئاً تتحكَّم فيه مباشرةً، لكن بطريقة غير مباشرة، تكون قادراً على التحكُّم به من خلال عاملين:

  1. القيام بعمل رائع.
  2. معاملة الآخرين بلطف.

هذا شي تعلَّمته في مرحلة مبكرة من خلال أحد المنتورز الذي كان يملك عدة شركات يعمل فيها مئات الموظفين، أتذكَّر منذ سنوات أنَّني كنت في مكتبه لمساعدته في بعض أعمال الشركة على الإنترنت، وقد بدا عليه الإحباط قليلاً، فسألته عن السبب، وكان جوابه أنَّه مضطر لتسريح أحد الموظفين، وهو شيء لا يحب القيام به أبداً.

لم يقل لي ما السبب الذي يدفعه لتسريح هذا الموظف، وهو شيء تعلَّمته منه أنَّه لا يجب أن نخوض في تفاصيل خلافاتنا الشخصية مع الآخرين، لكنَّه اختصر الموضوع بقوله: "يتظاهر الناس أحياناً أنَّهم بوجه واحد، لكنَّهم في الواقع متعدِّدو الوجوه، لكنَّني أؤمن أنَّه مع مرور الوقت سيظهر كل شخص على حقيقته".

شاهد: 7 نصائح لتطوير علامتك التجارية الشخصية فوراً

لا تكن مغفلاً:

هذا كل ما تحتاج إلى معرفته بخصوص العلامة التجارية الشخصية، فالأشخاص الأذكياء من حولك يستطيعون أن يعرفوا حقيقتك، والأمثلة عن ذلك كثيرة:

  1. يحصل بعض الأشخاص على وظيفة ويتظاهرون بأنَّهم مجتهدون في العمل، صادقون ومخلصون، لكن بعد مرور ما يُقارب العام يبدؤون بخداع الآخرين وطعنهم في الظهر.
  2. تقوم بتوظيف شخص ليعمل بصفة مستقلة، أو تقوم بتوظيفه ليعمل بصفته مستشاراً، ولكنَّه لا ينجز ما وعد بالقيام به، ببساطة مخادع وكذَّاب، ويحدث هذا كثيراً للأسف.

لذلك؛ عندما تريد أن تتفوق في مسيرتك المهنية، لن ينظر أحد إلى صورة ملفك الشخصي أو عدد متابعيك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يقيِّموا سمعتك، بل سيسألون ما يأتي:

  1. هل ينجز هذا الشخص عمله بطريقة جيدة؟
  2. هل يعامل هذا الشخص الآخرين باحترام؟

لكنَّنا نفضِّل أن نصدِّق أنَّ في إمكاننا تكوين سمعة جيدة دون بذل جهد؛ لذلك أصبحت نصائح من قبيل تعديل صورة الملف الشخصي وحصد مزيد من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر انتشاراً، مع الاعتقاد السائد بانَّها فعَّالة في تحسين العلامة التجارية الشخصية.

ينطبق هذا على أشخاص يبدؤون مسيرتهم المهنية للتوِّ، وعلى أشخاص لديهم ما يكفي من الخبرة؛ وذلك بسبب ميلنا الطبيعي للاعتقاد بأنَّنا نستطيع التحكُّم بالنتائج مباشرةً.

لكن نحن نخدع أنفسنا، ونشعر بالضغط الذي يمارسه الناس حولنا، فنحن نرى مؤسِّسي شركات مبتدئين في مجال الصحافة قد حقَّقوا نجاحاً باهراً في غضون عام من انطلاق شركاتهم الناشئة، فننبهر بالتطور السريع للتكنولوجيا ونشعر أنَّ عملنا مهدَّد؛ إذ إنَّها ثقافة تعتمد على الظهور، بمعنى أنَّنا بقدر ما نبدو هامِّين فإنَّنا نصبح هامِّين بالفعل.

لاحظت مؤخراً أنَّ أحد زملائي القدامى على مقعد الدراسة أصبح نشطاً جداً على مواقع التواصل الاجتماعي، فدائماً ما ينشر أشياء عن شركته الجديدة التي تحتوي عشرة موظفين، كما يتحدث في منشوراته عن موقع الويب الخاص بشركته.

الأغرب من كل هذا أنَّه في ملفه الشخصي يعرِّف نفسه على أنَّه ظاهرة؛ إذ يعدُّ نفسه معجزة، فهذا نوع من الغرور، خاصةً أنَّه لم يحقِّق أي شيء للآن، وحتى لو حقق الكثير أليس مستهجناً أن يصف نفسه بالمعجزة؟

السمعة التجارية مفارقة:

الأشخاص الذين لا يبذلون جهداً لتطوير علامتهم التجارية الشخصية يمتلكون في الواقع علامة تجارية شخصية جيدة، وهذه هي المفارقة، ففي كل مرة تحاول فيها كتابة تغريدة جذَّابة، أو تحميل صورة ملف شخصي رائعة، أو منشور طريف على "فيسبوك" (Facebook)، تذكَّر أنَّ لا أحد يهتم بذلك.

لذلك؛ ما يجب أن تفعله هو أن تقدِّم نفسك كما أنت، بصدق ودون تزييف، وإذا لم ترق حقيقتك للبعض، فلا مشكلة، طالما أنَّ العالم كبير بما يكفي لتجد أشخاصاً يُعجبون بك كما أنت، فعندما تفعل ذلك، فأنت أيضاً تحافظ على سمعتك، لكن عندما تقوم بالتزييف بعد فترة يصبح من الصعب امتلاك علامة تجارية شخصية مميزة تستطيع تطويرها بسهولة.

لاحظ أنَّ الحفاظ على سمعتك يجب ألَّا يتطلَّب جهداً عظيماً، فإذا وجدت صعوبة في ذلك، فكل ما عليك فعله هو أن تبقى واضحاً دون تزييف؛ لذا أنجز عملك، وكن متفوقاً في مجالك، وسترى كيف تحقق السمعة الطيبة نتيجة لعملك المتقن.

يعبِّر رجل الأعمال الأمريكي "جيف بيزوس" (Jeff Bezos) عن ذلك بطريقة أفضل: "العلامة التجارية للشركة، تشبه السمعة الطيبة للإنسان التي يكسبها من خلال أداء العمل الصعب بطريقة متقنة".

توقف عن بذل الجهد حتى تثبت حضورك اجتماعياً، أو تضييع الوقت في مناسبات اجتماعية غير هادفة على مواقع الويب، أو محاولة الظهور بمظهر المنشغل، واعمل عملاً حقيقياً.

يتفق كثيرون على أنَّ كتابة عبارة مذهلة في ملفك الشخصي على فيسبوك أو غيره تعود عليك بكثير من الفوائد أكثر من العمل الفعلي، فعندما تُنشئ موقعك على الويب يكون من المغري أن تعدِّل في صورتك الشخصية لتبدو أروع ممَّا هي عليه في الواقع.

ربما السبب أنَّنا نعيش اليوم في عالم افتراضي؛ إذ يلفِّق الناس القصص طوال الوقت، ونحن نحب هذا التزييف؛ ولذلك تحن مدمنون على الأفلام والعروض التلفزيونية.

إقرأ أيضاً: 10 قواعد ذهبية لبناء العلامة التجارية الشخصية

في الختام:

السمعة هي نتيجة خارجية، لكنَّ الشخصية هي المكافئ الداخلي؛ لذلك ما يجب أن تعوِّل عليه هو كيف تنظر لنفسك لا كيف ينظر الآخرون إليك، أو كما يقول أسطورة كرة السلة "جون وودين" (John Wooden): "ركِّز على شخصيتك أكثر من سمعتك، فشخصيتك هي ما أنت عليه، أمَّا السمعة فهي ما يعتقده الآخرون عنك".

إقرأ أيضاً: ما هي العلامة التجارية الشخصية؟ وكيف تخدم حياتك المهنية؟

فأنا لا أعبأ أبداً بما يعتقده الآخرون عني، لكن لا يمكنني العيش في شخصية لا تشبه حقيقتي أو ما أريد أن أكون عليه، وحالياً أحب ما أنا عليه؛ لذلك النصيحة الجوهرية؛ ركِّز على شخصيتك، ليس سمعتك، فعندما تفعل ذلك، ستجد أنَّ السمعة الطيبة ستكون من نصيبك بقدر ما تكون شخصيتك حقيقية، وهذا ما تريده في نهاية المطاف.




مقالات مرتبطة