عبِّر عن رأيك دون اعتذار

هل سبق لك أن عبَّرت عن رأيك وأسكتك شريكك أو رئيسك في العمل أو والديك أو صديقك المقرَّب أو حتى شخص غريب؟ لقد حدث لي هذا الأمر مرات عديدة في الماضي، فقولُ ما تُفكر فيه أمرٌ صعب.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويشرح فيه عن تجربته في إبداء الرأي.

تجربة شخصية:

لطالما أبديت رأيي في كلِّ الأمور خلال نشأتي، وإبداء الرأي لا يعني أنَّك تعرف كلَّ شيء؛ بل يعني أنَّ لديك ما تقوله، وقد تكون مخطئاً في النهاية، لكن غالباً ما كان يتفوَّه أساتذتي وزملائي في العمل وحتى أصدقائي على الفور بعباراتٍ مثل: "هذا ليس صحيحاً"، ما جعلني أتخلى تدريجياً عن إبداء رأيي، حتى أصبحت أخشى ذلك.

نشرت مقالاً الأسبوع الماضي عن سبب تجنُّبي للأشخاص السامين، وذكرت أنَّ أقل من 1% من الناس لديهم قِيم باعتقادي، وكان عدد الأشخاص الذين استاؤوا من رأيي هائلاً، متسائلين عن مدى دقة معلوماتي، لقد أمطروني بالكلمات البذيئة؛ إذ إنَّني تلقَّيت مقالَين كاملين من شخصين عبر البريد الإلكتروني يُثبتان خطأ ما اعتقدته.

المقال جرح مشاعر الناس حقاً على الرَّغم من أنَّني في الحقيقة أشرت في المقال نفسه إلى أنَّه في حال شعر الناس بالإهانة، فذلك لأنَّهم قرروا ذلك.

إقرأ أيضاً: التعامل مع الاختلافات

ليست حقيقة؛ بل مجرد رأي:

قدَّمت رأيي بكلِّ وضوحٍ في المقال، وابتدأت الجملة بعبارة: "أعتقد أنَّ" لسببٍ معين، فأنا لا أملك بالطبع فكرةً دقيقةً عن عدد الأشخاص الذين يفتقرون للقيم، فلا أحد يعلم ذلك.

إضافةً إلى أنَّ كلَّ ما قُدِّم بوصفه حقيقةً في الحياة هو في الواقع مجرَّد رأي؛ لذلك عندما يحاول الناس الطعن بآرائك، فاعلم أنَّهم يلعبون لعبةً خاسرة، فلا وجود إلا لحقيقتك فقط، وهذا يذكرني بجزء في كتابي "التفكير تفكيراً مستقيماً" (THINK STRAIGHT) أقول فيه:

"هل الوقائع هي الحقيقة أيضاً؟ الإجابة هي لا، وقد يكون هذا مُحيِّراً، مثل الحياة تماماً، وقد يشك بعض الناس في حقيقة وجود خالق على سبيل المثال، مدّعين أنَّهم لم يروا قط أيَّ دليل على ذلك، هل هذا يعني أنَّه غير موجود؟ لا يهم ما يعتقدونه، إذا كان للخالق تأثير في طريقة حياتك، فهو حقيقي بالنسبة إليك بصرف النظر عمَّا يقوله الناس".

قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (Friedrich Nietzsche)، والذي كان له تأثير عميق في الفلسفة الغربية: "لا وجود للحقائق، إنَّها مجرد تفسيرات".

كان نيتشه رجلاً يتمتع بمعرفة حقيقية بذاته؛ إذ إنَّ مؤسس مدرسة التحليل النفسي الطبيب النمساوي سيغموند فرويد (Sigmund Freud) قال: إنَّ "لديه معرفةً متعمقةً بنفسه أكثر من أيِّ رجل آخر عاش أو سيعيش في هذه الحياة".

لقد كان مفكراً تحليلياً للغاية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بأفكاره الخاصة، وعندما قال نيتشه لا توجد حقائق، كان يقصد أنَّنا بوصفنا بشراً نعتمد في النهاية على تفسيرنا للواقع، وما من طريقةٍ لإثباتِ الحقيقة بموضوعية، وهذا لا يعني أنَّ كلَّ ما حولنا زائف، وأنَّنا نعيش جميعاً في وهمٍ كبير؛ علينا فقط أن ندرك أنَّ الوقائع ليست نفسها الحقيقة.

إنَّ هذه الفكرة البسيطة توفِّر كثيراً من الطاقة، فهي تعني أنَّ لا أحد يستطيع أن يكون على صواب أو خطأ، ولا تتكلف عناء إقناع الأشخاص الذين لديهم آراء مختلفة عن "الحقيقة"، فهذا ليس تصرفاً عملياً؛ لذا وفِّر طاقتك لأمور أخرى أكثر فائدة.

شاهد بالفديو: 20 نصيحة لإتقان فن الحديث والحوار مع الآخرين

عبِّر عن رأيك:

لقد كنت أخشى أن أعبِّر عمَّا أفكر فيه، وتراودني أفكار مثل: "ربما أنا على خطأ"، "ماذا سيقول الآخرون؟"، "سيعتقدون أنَّني غبي"، وهذا لا يهم؛ لأنَّه لا وجود لحقيقةٍ كونية، ونحن لا نعرف شيئاً؛ لذا من الأفضل أن تُعبِّر عن رأيك، فلا طعمَ للحياة دون ذلك، ولا تعتذر عن آرائك كذلك، فكِّر بأمور هامة في حياتك مثل علاقاتك ومهنتك، ولتَكن آراؤك واضحة بخصوصها، وشكِّل حقائقك الخاصة.

لقد تعلَّمت هذا قبل ثلاث سنوات من الكاتب والشاعر والفيلسوف الأمريكي رالف والدو إمرسون (Ralph Waldo Emerson)، الذي كتب في مقاله "الاعتماد على الذات" (Self-Reliance) عام 1841 قائلاً: "الإنسان متواضع ويحب الاعتذار، ولقد فقدَ استقامته، ولا يجرؤ على قول "بحسب اعتقادي" أو "أنا أكون"؛ بل يقتبس كلام قديس أو حكيم ما"، وكان ما فعلته بعد قراءة هذا هو الشروع بكتابة المقالات والتعبير عن رأيي، وهذا ما غيَّر حياتي.

إقرأ أيضاً: مهارات التواصل وطرق تطويرها وتنميتها

في الختام:

تذكَّر: لا توجد حقيقة كونية أو سُلطةٌ عليا في الحياة، فأنت تستطيع أن تقول وتفكر بما ترغب فيه، ولن يمنعك أحد إن كان رأيك نابعاً من نية صافية، لكن يوجد شرط واحد: تحمَّل مسؤولية كلماتك، فإذا كُنت مخطئاً، اعترف بذلك بثقة وكن محترماً، وهذا سيُعزز ثقتك بنفسك كذلك.




مقالات مرتبطة