عالم العمل الجديد والمرن

أدت الجائحة إلى عدد كبير من التغييرات، التي كانت بالفعل في طور التكوين قبل فترة طويلة من إغلاق أجزاء من العالم وإجبار المنظمات على إعادة التفكير في كيفية عملها. عانى العاملون في مرحلة ما قبل الجائحة بالفعل من بطء وتيرة التغييرات في مكان العمل؛ فتراهم يطلقون تطبيقاً برمجياً جديداً تارة، وعملية جديدة تارة أخرى. لقد مررنا جميعاً بالفعل في موجات من الاضطرابات التي منحتنا قدراً معقولاً من الوقت للتقدُّم في مراحل التغيير.



لكن في شهر آذار/ مارس من عام 2020، تحوَّلت تلك الموجات الصغيرة إلى تسونامي من الاضطرابات في مكان العمل في لحظة واحدة. وفي غضون أسابيع قليلة، أو في بعض الحالات أيام، أصبحت منهجيات "مستقبل العمل" التي كان يُكتب عنها حقيقة واقعة. إنَّ الجائحة العالمية مأساوية؛ ومع ذلك، تعلَّمنا في خضم المأساة:

  • أنَّه يمكننا تجاوز اضطراب هائل.
  • أنَّه يمكننا الوثوق ببعضنا بعضاً حتى لو لم نتمكن من البقاء مع بعضنا بعضاً جسدياً.
  • أنَّ زملاء العمل لدينا هم أشخاص حقيقيون يعتنون بالحيوانات الأليفة والأطفال ويتعاملون مع الأعمال المنزلية.
  • أنَّ بعض زملائنا في العمل هم أناس حقيقيون قد لا يكون لديهم حياة زوجية أو أطفال، ولكنَّهم يتأثرون تماماً مثل أولئك الذين يفعلون ذلك.

لا أحد منَّا لديه بلورة سحرية ستخبره الشكل الذي ستبدو عليه تفاصيل عالم العمل في الغد، ولكن هناك عبارة واحدة تصف بدة حالة العمل اليوم وغداً: في حركة وتطور مستمر.

يتكون هذا النظام الديناميكي الجديد للعمل من أربعة مكونات:

1. مكان عمل ديناميكي:

يظن معظمنا أنَّ مكان العمل هو المكان الذي نذهب إليه حرفياً في العالم الواقعي، لتقديم خدماتنا مقابل راتب؛ إذ كانت تعمل مجموعات من الموظفين من مكان عمل بعيد لسنوات. في أثناء الجائحة، تشير التقديرات إلى أنَّ ما يصل إلى 71% من موظفي الولايات المتحدة عملت عن بُعد.

مع أنَّ العديد من المنظمات تعيد الموظفين إلى التعريف التقليدي لمكان العمل على الأقل بضعة أيام في الأسبوع، فمن الواضح أنَّ العديد من الأشخاص سيستمرون في العمل من مكاتبهم في المنزل، على الأقل بضعة أيام في الأسبوع.

إقرأ أيضاً: 4 قواعد لتوفير المرونة في العمل دون فقدان المساءلة

2. عمل ديناميكي:

متى كانت آخر مرة نظرت فيها إلى وصف وظيفتك؟ المسؤوليات الوظيفية الحالية والمفصلة بوضوح لعمال المعرفة لم تعد موجودة بالفعل. وفي الوقت نفسه، يساهم الموظفون في مهاراتهم ومواهبهم وإضافة قيمة إلى منظماتهم. فالنشاطات التي تشغل يوم عمل الموظف سلسة وديناميكية.

3. عامل ديناميكي:

اليوم، الأشخاص الذين يقومون بالعمل في المنظمات ليسوا بالضرورة موظفين. قد يكون بعضهم متعاقدين أو استشاريين أو عمال مؤقتين. العديد من الموظفين الفعليين هم عمال مؤقتون داخليون، ينتقلون من فريق إلى آخر، ويساهمون بخبراتهم مساهمة أكثر مرونة. عندما يكون العمل ديناميكياً، يجب أن تكون الطريقة التي يُنجَز بها هذا العمل ديناميكية أيضاً.

4. هيكلية عمل ديناميكية:

لقد اعتدنا على التفكير في تصميم المنظمة بكل مَن فيها، وفقاً لمخطط هيكل تنظيمي. القائد في القمة، وتحت إمرة القائد مجموعة أخرى من القادة.

يُعَدُّ المخطط التنظيمي التقليدي مفيداً عندما نحتاج إلى فهم المسؤول عن الموافقة على الأشياء، ولكنَّ هذا لم يعد يُترجَم إلى صورة دقيقة لمن يقود العمل. إذا كان العمل ديناميكياً، وكان الأشخاص الذين يقومون به ديناميكيين، فإنَّ هيكل العمل يكون أيضاً ديناميكياً ومتدفقاً ومرناً.

إقرأ أيضاً: كيف أتقنت رائدة الأعمال نينا فاكا (Nina Vaca) المرونة في عملها؟

التكرار الجوهري:

كيف يمكننا تسريع الإنتاجية والجودة والمشاركة بفاعلية وكفاءة في عالم العمل الديناميكي الجديد؟ هناك أفكار ونماذج وتطبيقات عدة؛ لكنَّ أقوى نهج للانتقال الناجح إلى طريقة العمل الجديدة هو التكرار.

اعتادت المنظمات على الاعتماد على الخطط الاستراتيجية السنوية أو حتى نصف السنوية. وفي حين أنَّ الخطط طويلة الأمد تساعد على توفير إرشادات توجيهية للموظفين عن المكان الذي تتجه إليه المنظمة، فإنَّ العمل نفسه يحدث بوتيرة أسرع بكثير؛ لذلك، لا يمكننا الاعتماد على إعلان سنوي أو حتى الاجتماع في قاعة مرتين في السنة لإيصال الأولويات للقوى العاملة.

من أجل المواءمة الحقيقية لعمل الفرد مع استراتيجية المنظمة، يجب أن يكون التواصل متكرراً. لا أحد يريد عقد اجتماع كل أسبوع، ولكن هناك شخص في وضع جيد للتواصل والتحول والتعامل مع ديناميكية احتياجات المنظمة، وهو قائد الفريق. هذا هو المجال الذي تكمن فيه المرونة؛ إذ يوفر قائد الفريق اهتماماً متكرراً لكل عضو في الفريق.

تُظهر البيانات أنَّ هذا الاهتمام فعال بحق؛ فعندما يتواصل قادة الفِرق أسبوعياً مع أعضاء فريقهم، يزيد احتمال شعورهم بالثقة في مستقبل المنظمة، وعلى الأرجح يشعرون بالحماسة تجاه مهمة المنظمة أيضاً، كما أنَّه يزيد احتمال التزامهم الكامل.

هناك أشياء كثيرة قد تساعد على التوافق في عالم العمل الديناميكي؛ لكنَّنا نعلم على وجه اليقين أنَّ الاهتمام المتكرر يسهم في ذلك، كما يؤدي التواصل الأسبوعي إلى الوضوح واليقين، ويقوي الثقة والشعور بالإنسانية الذي غالباً ما يكون مفقوداً في العمل.

التركيز على العمل الأكثر أهمية الذي يحدث الآن يؤدي إلى الإلحاح والتركيز ويدعم نظام العمل؛ وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون أولويات العمل ذات الصلة في هذا الوقت شراكةً تعاونيةً بين عضو الفريق وقائده.

أفضل جانب في الاهتمام المتكرر هو أنَّ قادة الفِرق لا يحتاجون إلى أن يكونوا في مكان واحد مع أعضاء فريقهم، ولا يحتاجون أيضاً إلى أن يكونوا قادة غير عاديين؛ فأي قائد منهم يستطيع تفقُّد موظفيه، من خلال الاطمئنان على حالهم، أو سؤالهم ما إذا كانوا يحتاجون إلى أي مساعدة منه؛ فحتى قائد الفريق الأكثر تردداً يمكنه طرح هذه الأسئلة الثلاثة. وعندما يطرح قادة فريق مؤسستك هذه الأسئلة على كل فرد من أعضاء الفريق كل أسبوع، تصبح مؤسستك مرنة ومتفاعلة.

إذا كنت تريد أن تستثمر الأشخاص في عملك، فابدأ بالممارسات التي تدعم عالم العمل الجديد والمرن هذا.

المصدر




مقالات مرتبطة