طريقة مجنونة لتحافظ على هدوئك في فترة الحجر الصحي

رحت واضعاً يديَّ على خط البداية، متطلِّعاً نحو النهاية التي تبعد 40 ياردة، وكنت قد ركَّزت على هدفي، كما وخرق قلبي شعورُ التحدي والحماقة في آنٍ واحد؛ حيث كانت هذه أول مرةٍ أعدو فيها كلَّ تلك المسافة، والأسوأ من هذا كلِّه أنَّني كنت أُقدِم على السباق وكأنَّني أودُّ إخبار العالم بأسره -أو على الأقلِّ من يقرؤون كلماتي هذه- أيَّ عدَّاءٍ مبتدئٍ ذو خطواتٍ بطيئةٍ أكون!



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوّن مات كروسمان (Matt Crossman)، والذي يُحدِّثنا فيه عن طريقته في قضاء فترة الحجر الصحي.

رفعت كلتا يديَّ عن الأرض دافعاً قدمي اليمنى إلى الأمام، ومتقدِّماً بأسرع ما يمكنني في المضمار.

أوه، أكاد لا أصدق؛ فقد صار عمري 48، ولم يسبق وأن تحمَّست لشيءٍ بقدر ما أنا عليه الآن.

في كافة الأحوال، تغلَّبت على الموقف قدر المستطاع، وساقتني قدماي 10 يارداتٍ خلال 2.14 ثانية، حيث تخلَّصت من شعوري بالضعف نوعاً ما.

لقد سيطرت الكورونا على حياتنا سيطرةً تامة، لكنَّ الركض عزَّز من تحكُّمي بنفسي للمرة الأولى في فترةٍ بدت وكأنَّها أشهرٌ طِوال. لقد كنت أمضي وقتي في الخارج أفعل شيئاً ما ذا أهميةٍ بالنسبة إلي، حتَّى وإن بدا هذا سخيفاً، فقد كان أحلى المُرَّين؛ إذ لم أكن مهووساً بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي ومواكبة كلِّ جديدٍ من أخبارٍ متداولةٍ عن تلك الجائحة، ولم أرثِ حالي ومستقبلي الذي كنت أرنو إليه.

إقرأ أيضاً: كيف تبقى على اطلاع بآخر أخبار فيروس كورونا دون أن تفقد عقلك؟

بينما يزداد ضجيج الحياة وصخبها، رحت أسأل نفسي: ما الذي يمكن أن أفعله في وقت الفراغ بعيداً عن شبكة نيتفلكس أو العمل لساعاتٍ طويلة؟ وكيف سأنأى بنفسي عن سماع الأخبار، وألجأ إلى كلِّ ما يعود عليَّ بالنفع جسدياً وعاطفياً وروحياً؟ وماذا أستطيع أن أفعل لأحافظ على حياةٍ يعمُّها الهدوء، ولا يشوبها التخبط؟ هل من المحتمل أن أحقِّق كلَّ ما تمنيته، وكلَّ ما سيغمرني بالسعادة؟

لعلَّ ما دفعني إلى تخطِّي مسافة "40" ياردة، هو أملي بأن أصبح رياضياً، حتَّى وأنا في عمري هذا.

ابتكر رجل الأعمال ومؤسس شركة (Zybek Sports) "مايك وينستين" (Mike Weinstein) برنامج "SAT" الرياضي، وهو عبارةٌ عن سلسة اختباراتٍ تسبر قدرة الشخص الرياضية، ويتضمَّن هذا الاختبار الركض مسافة 40 ياردة، والقيام بوثباتٍ عاليةٍ وطويلة، ومجموعةً من تمرينات اللياقة.

جرَّب وينستين (Weinstein) الاختبار على 20,800 شخصٍ العام الماضي، وقد كانت الغالبية العظمى منهم من طلَّاب المدارس الثانوية. وبناءً على طلب تقدمت به الشركة إليها، قامت الشركة بإعداد الرسوم البيانية لنتائج كلِّ الاختبارات؛ لذا رَكَضْتُ الأسبوع الماضي 40 يارداً كي أمرِّن نفسي لإجراء الاختبار، وبعدها سأجري الاختبار كاملاً في غضون شهرٍ لقياس التقدُّم الذي أحرزته، وأعيده مرةً أخرى بعد شهرين.

سأعطي تعريفاً شاملاً قدر الإمكان عن "رياضي المدرسة الثانوية العادي": هو شخصٌ يتراوح معدل درجاته بين 25 إلى 75 بالنسبة إلى معيار "SAT"، أي أنَّ أيَّ شخصٍ معدَّله أقلَّ من 25 هو رياضيٌّ سيئ، وأيَّ شخصٍ معدَّله فوق 75 هو رياضيٌّ جيد، وكلُّ شخصٍ بينهما متوسط المستوى.

أصبح سعيي هذا غير ملائمٍ عندما صارحت نفسي بحقيقة أنَّي حتَّى عندما كنت في المدرسة الثانوية لم أكن ولو رياضياً متوسط المقدرة، فلطالما لعبت التنس، ولا أستحي من أن أعترف أنَّه لم تتجاوز نسبة إنجازاتي في المباريات نسبة 25%، لقد كنت بطيئاً ومشتتاً، ولطالما كان التعب يثقلني منذ الخطوة الأولى.

لقد قضيت معظم مراهقتي فاتر الهمة، أمارس بعض تمرينات الكارديو لبضع مراتٍ خلال الأسبوع؛ لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت كاتباً متمرساً في كتابة قصصٍ وتقاريرَ  تتحدَّث عن المغامرات، ما يستدعي أن أكون على قدرٍ عالٍ من اللياقة؛ لذا هيأت نفسي تحسباً إذا تطلَّب الأمر أن أبذل جهداً إضافياً لأبيع قصةً ما.

أثار ذلك في نفسي المخاوف، حيث أنَّني عندما كنت أتدرَّب بسبب عملي في هذا المجال في الماضي، كان ذلك لأختبر قدرتي على التحمُّل فحسب، وليس من أجل الركض بسرعة. أنا أمتلك القدر الكافي من الإصرار بغية الاستمرار والتقدُّم، لكنَّ تلك العزيمة ليست بالضرورة أن تجعل مستوى كلٍّ من سرعتي ووثبي أعلى؛ ولم أُجرِ أيَّ سبرٍ لتلك المهارات، ويبقى السؤال الحائر على شفتَي: إلى أي درجةٍ سأجعل من نفسي أضحوكةً؟!

وصلني من أصدقائي أنَّهم كانوا على شفا حفرةٍ من الجنون، نظراً إلى الوضع الراهن والملل المُطبِق؛ وبمجرَّد سماعي لذلك، حذوت حذوهم شعورياً، وسرعان ما لجأت إلى التدرُّب لمحاربة السَّأَم. في كثيرٍ من الأحيان، نتجه أنا وزملائي إلى المهام الصعبة التي لا طائل منها؛ لذا فإنَّ محاولتي أن أصبح رياضياً عادياً في المدرسة الثانوية محاولةٌ ساذجةٌ لا معنى لها، لكن كان لها جانبٌ من الأهمية.

لا أعني بذلك أنَّ سعيي هو كلّ ما يهم، لكن ما يهمُّ فعلاً هو فكرة المحاولة بغية حماية نفسي من الاستسلام إلى الملل المطبق على الجميع. وفي حين أنَّ الأرقام التي حدَّثتكم عنها لا تهم، فإنَّ ما آمل تحقيقه من خلال التدرُّب للاختبار هام؛ لذا أصبحت أصبُّ جلَّ تركيزي على تجنُّب الهلع والخوف والاكتئاب والكسل، بيدَ أنَّ كلَّ قرارٍ مهما كان صغيراً، يحمل في طياته تغييراً بالغ الأثر. لقد كان عليَّ أن أتحلَّى بالشجاعة الكافية كي أذهب إلى ذلك المبنى وأسلِّم بطاقة الائتمان خاصتي إلى الموظف، ومن ثمَّ أتجرأ على استخدام قلمه كي أمضي على الفاتورة؛ لكن لم يعد هنالك متسعٌ للخوف بينما كنت أعدو خطواتي وحيداً.

إقرأ أيضاً: 17 فكرة خاطئة لا ينبغي أن تصدقها عن اللياقة البدنية بعد عمر الخمسين

آمل أن أشرِككم معي في ذلك الحدث، فلربَّما تأخذوا بعض دروس البيانو، أو تتعلَّموا إعداد الطعام، أو تدرسوا اللغة الألمانية، أو تجرِّبوا ما هو أكثر -جنوناً- من تجربتي الغريبة. في النهاية، مهما كان اختيارك، آمل أن يصبَّ في راحتك المنشودة، ويقلِّل من توترك الذي تعيشه، ويكون الترياق الشافِ الذي يحفظ روح المرح فيك في كلِّ وقت.

لعلَّ أكثر ما أفضله أيضاً هو أن تجد شخصاً ما تتشارك معه تلك المهام، حيث يكون رقيباً عليك، ويرافقك خطوةً تلو الأخرى، ويخلق تحدٍّ فيما بينكما. نعم، وبكلِّ تأكيد، عليك أن تحرص على مراعاة التباعد الاجتماعي، ولكن إن طال الأمر على هذا الحال، فقد ينعكس ذلك التباعد إيجاباً على تواصلكما، ليفرَّ فيروس الكورونا بعيداً على إثر انخفاض نسب العدوى.

هل بإمكاني أن أصبح رياضياً عادياً في المدرسة الثانوية بعد 30 عاماً؟ جوابي هو: من يهتمُّ لذلك؟ ليس أنا على أيِّ حال، فلسوف أحاول، وهذا ما يجب أخذه في عين الاعتبار.

 

المصدر




مقالات مرتبطة