طرق وكيفية تطوير الإبداع عند الأطفال

"إنَّ الهدف الرئيس للتربية هو تنشئة أفراد قادرين على فعل أشياء جديدة، لا تكرار لما فعلته الأجيال المنصرمة، وتنشئة أفراد يتميزون بالإبداع والابتكار والاكتشاف"، أفضل ما نبدأ به هو هذه المقولة لـ "جان بياجيه"؛ وذلك لأنَّها تركز على أسمى ما تسعى إليه التربية وهو صنع أفراد مختلفين لهم نظرتهم الخاصة للحياة لا صنع نسخ مكررة تتصرف بالطريقة ذاتها وتحمل ردود الأفعال ذاتها لأيَّة مثيرات خارجية قد تواجهها.



ربما من أخطر الأمور التي تواجهها مجتمعاتنا العربية اليوم هو عدم اهتمامها بالإبداع وتمسكها بالقوالب النمطية والجاهزة عندما يتعلق الأمر بتوجيه الأطفال وتنشئتهم، ونكاد لا نبالغ إذا قلنا إنَّنا جميعاً في طفولتنا أجبنا الإجابة ذاتها عندما سُئلنا "ماذا تحب أن تصبح في المستقبل؟"، جميعاً أردنا أن نكون أطباء لأنَّ كل من حولنا كان يوجهنا بالطريقة النمطية ذاتها ووفقاً لمعايير مناسبة لنظرة معينة ومتوارثة، وهذه النظرة بالذات قتلت الإبداع في كثير من الأطفال وحصرتهم في زاوية محددة ومجال معين، فإما أن تنجح بمقاييسهم أو أن تُحبَط، وإما أن تحارب رفضاً للثقافة الإقصائية المنتشرة بكثرة.

هنا يحضرني قول "جون ديوي" حين قال: "الإبداع حاجتنا العظمى، أما إطلاق سراحه فمردُّه إلى النقد والنقد الذاتي"، ففي هذا المقال سنحاول جاهدين إقناعكم بضرورة إطلاق سراح الإبداع الموجود بالتأكيد داخل أطفالكم من خلال التعرُّف إلى كيفية تطوير وتنمية الإبداع لدى الأطفال.

أولاً: ما هو الإبداع؟ وما هي دواعي الاهتمام به في عصرنا الحالي؟

الإبداع هو أحد الموضوعات التي زاد الاهتمام بها كثيراً في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ويرجع هذا الاهتمام إلى العلاقة المباشرة بين الإبداع وتطور المجتمعات من كل النواحي سواء الاقتصادية أم الصناعية أم الاجتماعية أم حتى الفنية والسياسية، فالإبداع ليس مفهوماً جديداً، فكل عمل خارج المألوف وكل تفكير خارج الصندوق هو إبداع بطريقة ما، فمن اخترع المعول مثلاً هو شخص مبدع بالنسبة إلى عصره، ومن فكر باختراع المصباح الكهربائي للخلاص نهائياً من الظلام مبدع أيضاً.

وعليه يمكن تعريف الإبداع بأنَّه نشاط إنساني راقٍ يتميز بأنَّه هادف وموجَّه، ويسعى من خلاله الإنسان إلى اكتشاف أمر جديد، أو حل مشكلة مستعصية بطريقة مختلفة، ومجالات الإبداع لا حصر لها، فقد يكون الإبداع في اختراع شيء جديد، أو حل مسألة مستعصية فيزيائياً، أو كتابة قصيدة أو رواية، ومن الهام أن نعرف أنَّ الإبداع ليس ذكاءً أو تفوقاً دراسياً؛ بل هو القدرة على السير بطريقة مختلفة عن التيار والإتيان بأمور وأفكار جديدة، فيجب أن يكون الإبداع مميزاً وخارجاً عن المألوف وبعيداً كل البعد عن التقليد والنمطية.

مرحلة الطفولة هي أهم مراحل اكتشاف الإبداع وتنميته، فكما يقول التربويون وعلماء النفس: "الإبداع يتأسس في مرحلة الطفولة المبكرة، وكل طفل هو مشروع مبدع ويمتلك بطبيعته كل مقومات الإبداع وكل أدواته"، ومن هنا كان التركيز على أهمية التربية والتعليم لتطوير هذه الناحية الإبداعية لدى الأطفال بدلاً من قتلها بالنمطية والتقليد والتلقين الذي للأسف تزخر به طرائق تربيتنا ومناهجنا الدراسية.

لقد تلقَّى عدد كبير من الأطفال الصفعة الأولى من الأهل، فمن منا لم يشاهد حفلة توبيخ كبيرة لطفل لأنَّه تسبب في تخريب أحد أغراض المنزل في محاولته لصنع شيء ما؟ ومن منا لم يشارك هو بنفسه بذلك عندما عاقب طفله لأنَّه رسم على الحائط مثلاً؟ فنحن لا ندعو هنا إلى التشجيع على بعض السلوكات الخاطئة ولكنَّنا ندعو إلى محاولة تغيير النظرة لأفعال أطفالنا التي قد تكون الشعلة الأولى لإنارة عالم بأكمله.

بدلاً من التوبيخ يمكننا توجيه الطفل إلى ممارسة ما يحب في المكان الصحيح، فالهدف الأول من التربية والتعليم يجب أن يكون في تعليم الأطفال كيف يفكرون وكيف يتصرفون وكيف يخرجون ما في داخلهم دون خوف بعيداً عن قالب جاهز للتفكير.

الأسباب التي تدعو لدراسة الإبداع وتنميته وتطويره عند الأطفال كثيرة جداً وقد زادت أكثر في عصرنا الحالي، وسنذكر فيما يأتي بعضاً منها:

  1. للمبدعين مكانة هامة جداً في تطوير المجتمعات وتقدُّمها.
  2. الإبداع هو من أهم القوى في مواجهة التحديات التي تعاني منها دول العالم الثالث كالجهل والبطالة وعمالة الأطفال وغيرها.
  3. الإبداع يواجه حالة الملل التي تعاني منها المجتمعات المتقدمة نتيجة التطور الذي شهدته على جميع الأصعدة.
  4. الأهم دائماً هو النوع وليس العدد، فمستقبل الأمم لا يتعلق فقط بعدد القوى العاملة؛ بل بنوعيتهم أيضاً وطرائق تفكيرهم.
  5. الأهمية الكبرى للكشف عن المبدعين في عمر مبكر لتأمين ما يلزمهم من برامج تعليمية وتربوية لاستثمار ما لديهم من طاقات على أفضل وجه.

شاهد: 8 طرق لتنمية الذكاء الاجتماعي للطفل

ثانياً: ما هي منطلقات التربية الإبداعية للأطفال؟ وكيف تتم تنمية الإبداع عند الأطفال؟

استراتيجيات تربية الإبداع عند الأطفال تقوم على العديد من المنطلقات والمسلمات كما أوضحت الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة عام 1988، وسنذكر من هذه المنطلقات النقاط الآتية:

  1. عدم الشك للحظة واحدة أنَّ الإبداع موجود لدى طفل وغير موجود لدى طفل آخر، فكل طفل يمتلك قدرة على الابتكار والتفكير، وعلى الرغم من اختلاف هذه القدرة وتفاوتها إلا أنَّها موجودة.
  2. الإبداع قد يظهر في جانب أو مجال واحد عند الطفل، وعلينا بصفتنا مربين اكتشافه.
  3. مسؤولية تطوير وتنمية القدرات الإبداعية عند الأطفال لا يتحملها طرف ولا تقع على عاتق جهة دون أخرى، فالكل مسؤولون بدءاً من الأهل إلى الروضة ثم المدرسة، فهذه العملية متصلة ومستمرة ولا ترتبط بمرحلة دون غيرها.
  4. السلوك الإبداعي المثمر ليس حصيلة لجهد فردي أو استعداد وراثي فطري فقط؛ بل هو تتويج لجهود العديد من العوامل والظروف.
  5. علينا أن ندرك جيداً أنَّ الإبداع هو مهارة عقلية، ومن ثمَّ فإنَّ إمكانية تحسينها وتطوريها بتدريب الطفل وتشجيعه أمر مفروغ منه.
  6. إذا أردنا الاهتمام بالجانب الإبداعي لدى أطفالنا الكنز الحقيقي لأي بلد، يجب على مسؤوليه الاهتمام بشكل جدي بقطاع التعليم من مناهج وطرائق تدريس وكوادر.

تنمية وتطوير الإبداع والتفكير الإبداعي عند الأطفال:

يمكن تشجيع الأطفال ومساعدتهم على تطوير وتنمية الإبداع والتفكير الإبداعي لديهم، فالنشاط الإبداعي مثله مثل أي سلوك إنساني آخر يمكن عَدُّه مهارة مكتسبة، ومن ثمَّ يمكن تحقيق ذلك من خلال النقاط الآتية:

1. إبعاد الأطفال عن كل ما يعوق تفكيرهم ويقف في وجه سيل الأفكار:

الذي يجتاحهم من انفعالات ناتجة عن القلق والخوف من رد فعل الأهل عن أفعالهم وأفكارهم، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أفكارهم، وهذا بالضبط ما يؤدي للوصول إلى أفكار متميزة بالأصالة، فهي نادرة وغريبة ولكنَّها مقبولة ومبتكرة.

2. تحفيز الأطفال على التفكير:

من خلال توجيههم في أثناء طرحهم للأسئلة، فالمعروف أنَّ الأطفال يسألون كثيراً ومن الخطأ أن نعطيهم مباشرةً إجابات أو حلولاً دون تحريضهم ومساعدتهم على تقديم الأدوات اللازمة لإيجاد الحل بأنفسهم.

3. تعويد الأطفال على أنَّ الأفكار مرنة وليست جامدة:

ويتم تحقيق ذلك للطفل من خلال مشاركته بألعاب مختلفة فردية وجماعية تتطلب منه انتباهاً وتذكُّراً وتصوُّراً وغيرها من العمليات العقلية التي تحتِّمها المرونة.

4. من أهم النقاط التي يجب مراعاتها التي لها دور كبير في تطوير وتنمية الإبداع عند الأطفال:

هي السماح لهم بالتجريب والتعبير عن أفكارهم ومساعدتهم للوصول إلى النتائج التي يريدونها.

5. البدء مبكراً في عملية تربية الطفل وتعليمه وتدريبه:

إذ يكون الجهاز العصبي عند الأطفال مرناً وطرياً ومستعداً لتقبُّل أيَّة معلومات.

6. تنمية حساسية الأطفال تجاه المشكلات من خلال تعريضهم لمواقف إشكالية ونشاطات صعبة وتحفيزهم لإيجاد حل لها:

ويمكن إعطاء مثال لمساعدتكم على هذه النقطة، فبعد ملاحظتك وجود استعداد لدى طفلك للرسم، واجهه بمشكلة عدم وجود ورقة مثلاً أو قلم، ففي هذه الحالة سيبحث الطفل عن الحلول الممكنة أمامه، وهذا ما يدفعه للتفكير بطريقة مبتكرة، وهنا يجب الانتباه إلى عدم تصعيب الأمور كثيراً على الطفل حتى لا يصيبه الإحباط.

شاهد أيضاً: 8 أخطاء شائعة في تربية الأطفال

 

ثالثاً: دور كل من الأسرة والمدرسة في تنمية الإبداع عند الطفل

الأسرة هي الحاضن الأول للطفل، وتؤدي هذه الأسرة وظروفها والعوامل المؤثرة بها دوراً كبيراً في تنمية الإبداع عند الأطفال، ويمكن أن نقول باختصار يجب على الأسرة حتى تسهم في تطوير الإبداع أن تمتلك العناصر الآتية:

  1. تتوفر فيها الأدوات الثقافية المشجعة على التفوق والإبداع من مثيرات لغوية وفكرية واجتماعية.
  2. أن يكون عدد أفراد الأسرة مقبولاً إلى حدٍّ ما، وهذا يساهم في تقوية الروابط الأسرية واعتماد الحوار والنقاش بوصفهما أسلوباً للتربية داخل الأسرة.
  3. الابتعاد الكامل عن وسائل التربية القسرية القائمة على العنف والتسلط والقهر والتمييز وتنميط الدور الجنسي.
  4. الاعتماد الكبير على التعليم غير المباشر من خلال استغلال الأحداث ومجريات الحياة اليومية لتحقيق ذلك.

بالنسبة إلى الروضة والمدرسة فإنَّ الدور الذي يقومان به ليس بأقل أهمية على الإطلاق من دور الأسرة، فعلى عاتقهما تقع مسؤولية تنمية وتطوير وصقل قدرات وطاقة الأطفال الإبداعية، ولتحقيق ذلك يمكننا تحديد العوامل والظروف المدرسية المشجعة على الإبداع بالنقاط الآتية:

  1. تهيئة المناخ المدرسي المشجع على الإبداع بحيث يصبح إبداع كل طفل حدثاً ذا قيمة، وبناءً على ذلك يجب أن تتضافر جميع الجهود في المدرسة لاستثارة إمكانات الأطفال وقدراتهم الإبداعية.
  2. العمل على جعل بيئة المدرسة والروضة غنية بالمثيرات والخبرات؛ لأنَّ ذلك يساعد على تنمية المهارات الإبداعية عند الأطفال.
  3. استخدام طرائق التعليم المحفزة والمشجعة على الإبداع بوصفها طرائق عصف ذهني وتقصٍ وحل المشكلات.
  4. اختيار كادر المعلمين ممن لديهم القدرة على التعامل والتعاطي مع الأطفال لتفجير طاقاتهم الإبداعية، وكذلك اعتماد المناهج الغنية بالمثيرات والابتعاد قدر الإمكان عن المناهج التلقينية والمثبطة لقدرات الأطفال.
  5. توفير بيئة انفعالية مناسبة للأطفال عن طريق احترامهم وتقدير تساؤلاتهم وعدم السخرية منهم.
  6. تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وخيالهم بالرسم والتمثيل والرقص وغيرها من النشاطات.
  7. الابتعاد عن الجمود في طرح الأسئلة الامتحانية والاعتماد على توجيه أسئلة مفتوحة للأطفال لحثِّهم على البحث والتفكير المرن، فكم مرة استغربنا من بعض المعلمين حذف درجات لأطفالنا بسبب تقديم إجابات غير مطابقة للإجابة الموجودة في الكتاب على الرغم من منطقية أجوبتهم؟ هذا ما يقتل روح الإبداع لدى الأطفال.
إقرأ أيضاً: 6 تصرّفات خاطئة تقتل الإبداع عند الأطفال

لا بد من الإشارة إلى أنَّ هناك الكثير من العوامل المؤثرة في الإبداع لدى الأطفال وتسبب اختلافاً في مستواه بين طفل وآخر، ويمكن تحديد هذه العوامل ضمن فئتين أساسيتين:

  1. العوامل الوراثية: وغالباً ما يكون أثرها واضحاً في تباين الإبداع في الناحية الفنية كالغناء والرسم وغيرها.
  2. العوامل البيئية المحيطة بالطفل.

يوجد اتجاه ثالث يتحدث عن أثر العاملين معاً دون تحديد نسبة تدخل كل فئة، إضافةً إلى العوامل الأخرى المتعلقة بالظروف التي سبق وأشرنا إليها كالظروف الاقتصادية والمستويات الثقافية للأسرة وطرائق المعاملة الوالدية وغيرها.

إقرأ أيضاً: 5 طرق بسيطة تزيد من ذكاء طفلكِ

في الختام:

"%99 من الإبداع جهد ووعي وتعب، أما الإلهام فيشكل 1% فقط"، ومن الواضح من خلال ما قمنا بذكره آنفاً أنَّ المبدعين هم الثروات الحقيقية للبلاد وأنَّ كل طفل هو مشروع مبدع؛ لذلك كان لا بد من العمل على تنمية وتطوير وصقل هذه الروح الإبداعية الموجودة لدى الأطفال بدلاً من قتلها وتنميطها، وحقيقةً ربما نحن العرب نحتاج أكثر من غيرنا إلى فهم ذلك والعمل في سبيل اكتشاف المبدعين وتقديم الرعاية والدعم والاهتمام لهم وإزالة العقبات التي تقف في طريقهم وتدفعهم للرغبة بالسفر خارجاً.

المصادر:

  1. كُتب من خلال متابعة الكاتب.
  2. كتاب الإبداع وتنمية القدرات الإبداعية عند الأطفال، للدكتور غسان أبو فخر، والدكتورة مها زحلوق، كلية التربية جامعة دمشق.



مقالات مرتبطة