ضبابية الدماغ: تعريفها، وأسبابها، وطرق التغلب عليها

يمكن أن تسهم العديد من العوامل في التعرُّض لحالة ضبابية الدماغ؛ إلا أنَّنا لن نتعمق في مناقشة إحداها على وجه الخصوص (كالاضطرابات النفسية)؛ وذلك لأنَّ المقالة ستصبح طويلةً للغاية؛ بل سنركز على الشخص العادي وما قد يواجهه من تحديات مرتبطة بضبابية الدماغ، أو ببساطة غياب الصفاء الذهني والتركيز.



يمكن أن تظهر ضبابية الدماغ بأشكال عديدة، وغالباً ما تنتج عن سلوكات أو ظروف معينة يواجهها المرء كقلَّة النوم (أو ضعف جودته)، وسوء التغذية، والجفاف، والتوتر، والقلق، وغيرها من العوامل الأخرى؛ لذا دعنا نتعمق في هذه الأمور بالتفصيل. 

ما هي الأسباب الشائعة لضبابية الدماغ؟

هناك 5 أسباب شائعة لضبابية الدماغ، وهي:

1. قلة النوم:

تُعدُّ قلة النوم أو ضعف جودته إحدى أهم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث حالة ضبابية الدماغ؛ حيث يعمل الدماغ على تنظيم نفسه واستعادة طاقته في أثناء النوم؛ كما أنَّه يتخلص من السموم التي تراكمت على مدار اليوم؛ مما يعني أنَّ النوم الجيد يمكن أن يصفِّي ذهنك ويساعد في الحفاظ على وظائف دماغك الطبيعية. 

2. نقص الماء في الجسم:

وفقاً للعالِم إتش إتش ميتشل (H.H. Mitchell) في مجلة الكيمياء البيولوجية، تبلغ نسبة الماء في الدماغ والقلب 73%؛ مما يعني أنَّ المرء يحتاج إلى شرب الماء بكثرة كي يتمتع بالصفاء وبأداء ذهني عالٍ؛ كما تُعدُّ نوعية المياه أمراً هاماً أيضاً؛ لذا ننصحك بشرب مياه الينابيع الطبيعية أو المياه القلوية. 

إقرأ أيضاً: حيويتك ونضارتك في شرب الماء!!

3. سوء التغذية:

تُعدُّ المعدة بمثابة دماغ ثانٍ؛ حيث لن يؤدي تناول الوجبات السريعة والأطعمة الغنية بالسكريات إلى الصفاء الذهني، والذي يتطلب التمتع به تناول وجبات غنية ببروتينات عالية الجودة مثل سمك السلمون وشرائح اللحم والدجاج، أو أطباق نباتية مثل البقوليات والخضروات الورقية كالسبانخ. 

4. عدم ممارسة التمرينات الرياضية:

وفقاً لمجلة "ساينتفيك أمريكان" (Scientific America)، ترفع التمرينات الرياضية من معدل ضربات القلب، الأمر الذي يساعد على ضخ الأوكسجين في الدماغ، وإفراز الهرمونات التي توفر بيئةً مثاليةً لنمو خلايا الدماغ. 

كما تعزز التمرينات الرياضية مرونة الدماغ عبر تحفيز نمو روابط جديدة بين الخلايا في العديد من المناطق القشرية الهامة في الدماغ.

5. التوتر والقلق:

يمكن أن تدفع حالات القلق أو التوتر أو نوبات الهلع طويلة الأمد دماغك إلى إفراز هرمونات التوتر بصورة دائمة؛ مما يؤدي إلى تكرر أعراض مثل الصداع والدوار والاكتئاب باستمرار؛ إلى جانب أنَّ ضبابية الدماغ تنتج عن  القلق أو التوتر المزمن وحتى الحاد.  

إقرأ أيضاً: 10 طرق فعّالة للحفاظ على صحة الدماغ (2)

كيف تتغلب على ضبابية الدماغ؟

هناك العديد من الأساليب التي يمكن أن تستخدمها للتخلص من ضبابية الدماغ، فبعضها عبارة عن حيل بسيطة، وبعضها الآخر عبارة عن تعديلات عليك إجراءها في نمط حياتك؛ لذا دعنا أولاً نلقي نظرةً على الحيل السريعة، ثم ننتقل إلى مناقشة التغييرات في نمط الحياة. 

تجدر الإشارة إلى أنَّ المكملات الغذائية يمكن أن تساعدك في التمتع بالصفاء الذهني؛ حيث تُعدُّ "منشطات الذهن" (nootropics) طريقةً فعالةً لدعم نمط حياة يسهم بالفعل في تحقيق الصفاء الذهني، كما يُعدُّ التنظيم من أبسط الطرائق التي تساعدك في التغلب على ضبابية الدماغ؛ فإنشاء قوائم المهام هي طريقة رائعة لتنظيم أفكارك وأفعالك. 

يمكنك الاستفادة أكثر إذا أنشأت قائمةً تفصيليةً تُرتِّب فيها مهامك حسب أولوياتها من خلال استخدام الرموز؛ فتضع مثلاً رمز النجمة للدلالة على المهام الهامة، ورمز المربع للإشارة إلى مهام ثانوية، ورمز الدائرة للمهام التي يمكن إنجازها بسرعة؛ وحينما تعود إلى قائمتك في نهاية كل يوم أو أسبوع، تضع علامةً إلى جانب المهام التي أنجزتها، أو تضيف ملاحظات إضافية إذا لزم الأمر. 

1. تنظيم نظامك الغذائي:

تتكون القناة الهضمية من 100 مليون عصبون، وهي شبكة من الخلايا العصبية التي تبطِّن الجهاز الهضمي؛ إنَّ هذه الشبكة واسعة للغاية لدرجة أنَّه غالباً ما يشار إليها باسم "الدماغ الثاني"، وتُعرف منطقة الأمعاء في الجسم بالجهاز العصبي المعوي، وغالباً ما يتجاهل الناس شبكة العصبونات هذه، ولكنَّها تحتوي على خلايا عصبية أكثر من النخاع الشوكي أو الجهاز العصبي المحيطي

من الممكن أن يؤدي النظام الغذائي السيئ إلى التهاب الأمعاء، والذي يُعدُّ بمثابة حالة ثانية من ضبابية الدماغ؛ فهو أحد الأسباب الرئيسة للمرض، وغالباً ما يرتبط بالعادات الغذائية الرديئة ونقص الماء في الجسم؛ لذا نظِّم نظامك الغذائي وستنعم بصفاء ذهني ملحوظ، كما ننصحك باتباع برنامج الصيام المتقطع (Intermittent Fasting) لثلاثة أيام في الأسبوع على الأقل، وستذهلك النتيجة الإيجابية التي ستشعر بها.

تشمل بعض الأطعمة التي تعزز صحة الدماغ ما يلي: الأسمالك الدهنية الغنية بالزيوت، والتوت البري (حيث له فوئد إضافية تتضمن تعزيز الخصائص المضادة للأكسدة)، والكركم، والبروكلي، وبذور اليقطين، والشوكولا الداكنة، والمكسرات (كالجوز)؛ وينبغي تناولها جميعاً باعتدال.

2. الحصول على قسط وافر من النوم ليلاً:

يُجدِّد النوم طاقة الدماغ ويستعيد خلاله نشاطه وحيويته، كما يحدث مع باقي أجزاء الجسم والحمض النووي (DNA) والخلايا؛ حيث يمنح النوم الجيد فرصةً لتخفيف تلف الحمض النووي المتراكم في الدماغ في أثناء الاستيقاظ.

وكشفت الكثير من الأبحاث التي أُجريت حول النوم وتأثيراته في الدماغ أنَّ النوم يرتبط بحركة الكروموسومات ونشاط الخلايا العصبية وتلف الحمض النووي وإصلاحه؛ الأمر الذي له علاقة فيزيولوجية مباشرة بالكائن الحي؛ لذا يُعدُّ النوم باكراً واتباع نظام يومي صحي مع الحصول على قسط كاف من النوم ودورات النوم مع حركات العين السريعة (REM) أمراً في غاية الأهمية.

3. ممارسة التمرينات الرياضية:

تُعدُّ ممارسة التمرينات الرياضية من أكثر العوامل المعروفة لمعالجة ضبابية الدماغ؛ كما لا تقتصر فوائدها على تعزيز نشاط الدماغ فحسب؛ بل تؤدي إلى توسيع مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة وإدارة المهام والتنسيق والتخطيط والتثبيط (في القشرة الحزامية الأمامية والمنطقة الحركية الإضافية)؛ الأمر الذي يخفف في النهاية من حالة ضبابية الدماغ؛ وذلك لأنَّ الأجزاء التي توسَّعت وتطورَّت باتت تعمل بصورة أسرع وأكثر كفاءة.

بالإضافة إلى ذلك، يتدفق الأوكسجين إلى هذه المناطق من الدماغ عند ممارسة الرياضة، الأمر الذي يعود عليك بفوائد جمَّة أيضاً. 

شاهد بالفديو: 10 طرق بسيطة لممارسة التمارين الرياضية أثناء العمل

4. ممارسة التأمل لتخفيف القلق:

لقد أُثبِت أنَّ التأمل يقلل من القلق والاكتئاب؛ وذلك لأنَّه يُعيد المرء إلى حالة ذهنية أكثر انسجاماً، كما يُعدُّ تأمل اليقظة الذهنية من أفضل أنواع التأمل التي يمكنك اتباعها؛ حيث تتمحور حول أن تكون واعياً للغاية بما تحس وتشعر به في اللحظة الراهنة، دون محاولة تفسير تلك المشاعر أو الحكم عليها. 

تتضمن اليقظة الذهنية ممارسات معينة، مثل: طرائق التنفس، والتأمل الاسترشادي، وغيرها؛ والتي تهدف إلى أن ينعم جسدنا وذهننا بالاسترخاء، وتنخفض نسبة التوتر. 

كما ننصحك بممارسة أنواع التأمل الأخرى التالية:

  • التأمل الحركي (movement meditation).
  • تأمل المانترا (mantra meditation).
  • التأمل التجاوزي (transcendental meditation)
  • تأمل الحب واللطف (loving-kindness meditation). 
  • التأمل في خزان العزل أو ما يُعرف بخزان الحرمان الحسي (sensory deprivation tank). 
إقرأ أيضاً: 8 خطوات تساعد المبتدئين على تعلُّم رياضة التأمل

كيف تحافظ على الصفاء الذهني؟ 

يُعدُّ الالتزام عاملاً هاماً حينما يتعلق الأمر بالحفاظ على الصفاء الذهني؛ لذا ننصحك بإنشاء روتين يتضمن التغذية الجيدة (مع ممارسة الصيام المتقطع)، ونيل قسط كاف من النوم، وممارسة التمرينات الرياضية بانتظام. 

وبعد وضع روتين مناسب، يمكنك أن تجرِّب منشطات الذهن، ولكن ليس قبل ذلك لأنَّك لست بحاجة إلى الحصول على تلك الفوائد الإضافية، ولن تنعم بالصفاء الذهني بين عشية وضحاها؛ لذا كن مستعداً للالتزام بتحقيق النمو الشخصي والمضي قدماً في حياتك.

الخلاصة:

إنَّ الحفاظ على الصفاء الذهني والأداء الأمثل ليس أمراً صعباً كما قد يبدو؛ فبعد أن تتلاشى ضبابية الدماغ، سيصبح الصفاء الذهني أمراً اعتيادياً للغاية، وحينما يكون ذهنك صافياً، ستعير انتباهك في حياتك اليومية إلى جميع السبل التي تُفضي إلى إظهار أعلى إمكاناتك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة