صفات الشخصية النرجسية وطرق التعامل معها

عندما تصبح المبالغة سلاح دفاع يقي من ظهور مشاعر الفقر والحاجة النفسية، وتضيع المرونة، وتُعشَق الأنا، ويصبح النقد بمثابة رصاصة قاضية وقاتلة، وتتحكم مقولة "أنا ومن بعدي الطوفان" بسير الحياة؛ تضيع الحدود بين الوعي واللاوعي، ويصبح ما كان مرفوضاً باللاوعي مطلباً أساسياً في الوعي، وينفصل الشخص عن الرضا الذاتي، ويلجأ إلى إشباع رغباته من خلال الآخرين، ويتعامل معهم على أنَّهم وسائل وأدوات توصله إلى أهدافه؛ فما يهمه هو الوصول إلى أهدافه مهما كلف الثمن.



عادةً ما يتبنى شخصٌ كهذا معايير معينة متوافقة مع عذابات طفولته، ويصنع وسيلة دفاعية مبتكرة تخفي وراءها معاناته الشديدة عوضاً عن تقبلها ومعالجتها بصبر، ويتبرأ من صورته الحقيقية ليصنع صورة مزيفة ترضي الآخرين، ويسعى إلى تضخيم الأنا إلى درجة مبالغ فيها، وينتشي بانبهار الآخرين ودهشتهم به، ويعدُّ كلَّاً من الأنانية والكبرياء المحرك الأول لسعادته، والمعيار الأول في حياته؛ وكأنَّه يخفي بذلك مقارنات سلبية مؤذية اعتمدها أهله في أثناء تربيته عندما كان طفلاً، أو يخفي عقدة نقصٍ كبيرة وإحساساً بالعار والعجز، أو يريد أن يثبت في كلِّ لحظة أنَّه قويٌّ ومميزٌ وقادرٌ على فعل الكثير؛ فهو الأفضل والأنجح والأكثر حكمةً ومهارة.

إنَّه يعشق التحدي الذي يُشعِره بالسيطرة والتفرد، ولكنَّه لا يعتمد التحدي الإيجابي المفيد، بل يتعامل مع الحياة بطريقة الجشع والندية؛ فهو قادرٌ على اصطياد كلِّ ما تقع عينه عليه، بغض النظر عن حقوق الملكية؛ فهو لا يعترف بقانون ولا قاعدة، ويجد أنَّ المشاعر من الأمور الساذجة وغير الهامة، ولكنَّه يحترفها ويتقنها ويستخدمها كوسيلةٍ للوصول إلى ما يريد.

إنَّه شخصٌ في غاية الذكاء الاجتماعي، وقادرٌ بمنتهى الحنكة على قلب موازين الأمور وتقمُّص دور الضحية، رغم أنَّه هو الجاني؛ فهو مجرمٌ تكتيكي يخطط بمنتهى الذكاء والهدوء للظفر بفريسته، حيث يتبع مراحل في غاية الدقة، ويختبر الضحية ريثما يتأكد من سيطرته التامة عليها، ومن ثمَّ يبدأ بنفث سُمِّهِ فيها، وإطفاء طاقتها، وتحويل حياتها إلى جحيم، واستخدام أشدّ الإهانات وأنواع الذل معها.

هو عاشقٌ للمواربة ولعبة التخفي والظهور، وذلك بعد أن يكون قد أغرق ضحيته بكمٍّ هائلٍ من مشاعر الحب والدفء والاهتمام، الأمر الذي يجعل العلاقة ذات طابع إدماني إلى حدٍّ كبير، حيث تكون الضحية راغبة في نسفه والبعد عنه، ولكنَّها مكبلةٌ بحجم المشاعر والأوهام التي زرعها في قلبها بعد أن غيَّب عقلها؛ الأمر الذي يجعلها دائمة الرجوع إليه، معتقدةً أنَّها قادرةٌ على التأثير فيه وإيقاظ مشاعره وضميره، غير مدركة أنَّه لا يعترف بأخطائه البتة؛ بل ويرى أنَّه قد أحسن إليها بوهبها وقته واهتمامه، وأنَّها لم تُقَدِّر ذلك.

يتبنى مثل هذا الشخص طابع النرجسية، ولا شكَّ أنَّكم سمعتم أو تعاملتم حتَّى مع هكذا شخصية، ورغبتم في الخوض أكثر في تفاصيلها ومعرفة مزيدٍ من المعلومات عنها؛ لذا إليكم في هذا المقال تعريفها، وسماتها، وأسبابها، وطرائق الشفاء منها.

من هي الشخصية النرجسية؟

إنَّها واحدةٌ من ضمن الشخصيات المؤذية التي تدمر حياة مَن حولها، حيث تسعى بكلِّ ما أُوتِيت من قوة إلى إحكام سيطرتها على الطرف الآخر لتجعله مُتَيَّماً بها وغير قادرٍ على البعد عنها، وتحقق منتهى النشوة عندما تجد نظرات الانبهار على وجوه الآخرين؛ فهي عاشقةٌ للأنا، لدرجة أنَّها تشنُّ حروبها الشعواء على كلِّ من يخالفها الرأي، أو ينتقدها، أو لا يهتمُّ لوجودها.

كما تعترف هذه الشخصية بلغة المنطق والأرقام فقط، وتستخدم لغة المشاعر من أجل الوصول إلى غاياتها، حيث تمثل دور الشخص الدافئ والمتواضع وطيب القلب من أجل كسب ثقة الآخر وقلبه، لتستطيع بعدها استغلاله والوصول إلى ما تريده منه.

إقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على الإصابة باضطرابات الشخصيّة

سمات الشخصية النرجسية:

1. شخصية مغرورة:

تكون "الأنا" لدى الشخص النرجسي عاليةً جداً، ويعمل دائماً على تغذيتها، ولا يهدأ أو يطمئن باله إلَّا في حال سماعه عبارات المديح الطنانة من قِبل الآخرين؛ فهو الأفضل في كلِّ شيء، وإنجازاته الأكثر تأثيراً، وأفكاره الأكثر لمعاناً.

2. شخصية غير مرنة:

عادةً ما يُظهِر النرجسيّ تعاملاً راقياً، ويوهمك أنَّه متقبلٌ إيجابيٌّ للآخر ومصغٍ جيد له؛ إلَّا أنه لا يلبث أن يُظهِر وجهه الآخر بمجرد إبدائك ملاحظات حول كلامه وأفكاره، أو انتقاده في مسألةٍ ما ومخالفته الرأي؛ كما ويستشيط غضباً، ويتهمك بأنَّك تغار منه ومن إنجازاته.

من جهةٍ أخرى، قد يلتزم النرجسي الخبيث بالصمت بعد إبداء ملاحظاتك وانتقاداتك، ولكنَّه الصمت الذي يسبق العاصفة، حيث يأخذ وقته لجمع معلومات تفصيلية عنك، ويحدد نقاط ضعفك، ويبدأ ابتزازك بها والاستهزاء بك، أو قد يفتري عليك ويشوه سمعتك عن قصد.

3. شخصية أنانية بالمطلق:

يعشق النرجسي المركزية في كلِّ أمر، وتكتشف في الوقت الذي يقول فيه أنَّه مصغٍ جيد، أنَّه فقط ثرثارٌ جيد؛ فهو دائم الحديث عن نفسه وتفاصيله وإنجازاته.

يوجد نوعٌ آخر من النرجسيين، وهو النوع الأذكى الذي يبدي شيئاً ويخفي شيئاً معاكساً تماماً، كأن يُظهِر أنَّه متواضع جداً وحنون ولطيف ومساعد للآخرين ومظلوم ومغلوب على أمره؛ وذلك لكي يفوز بتعاطف الآخرين، ومن ثمَّ يعمل على الوصول إلى ما يريد من خلالهم.

4. شخصية محترفة في قلب الأدوار:

يعتمد النرجسي أسلوب العواطف الجياشة والاهتمام الكبير مع ضحيته في بداية العلاقة، ويسعى جاهداً إلى تغييب العقل في علاقته معها، الأمر الذي يجعلها تقع في شراكه؛ ومن ثمَّ يختبر مدى قدرته على امتلاك ضحيته والسيطرة عليها، وذلك من خلال: الاستهزاء بها، أو إهانتها والتقليل من شأنها أمام الناس، أو معاقبتها بتجاهلها التام؛ حيث يتأكد من إحكام قبضته عليها في حال قبولها للوضع المؤذي ورضوخها له، ليبدأ بعد ذلك بالتمادي في إيذائها لفظياً ومعنوياً؛ فهو يتلذذ برؤية الطرف الآخر مستكيناً له وضعيفاً أمامه تماماً، وكأنَّه يعيد شريط ذكرياته عندما كان ضعيفاً أمام أبويه المتسلطين.

كما أنَّه يحترف قلب الأدوار عندما تعاتبه الضحية على سلوكاته، ويستخدم ذكاءه ودهاءه في جعل الضحية هي المخطئة في حقه، ولا يتوانى في الكذب على ضحيته، وقد يصل إلى مرحلة تشكيك الضحية بذاتها؛ كأن يتنصل ويراوغ ويكذب في أمور كانت الضحية قد شاهدتها بأمِّ عينها وتدينه تماماً.

5. شخصية متعددة العلاقات:

يعشق النرجسي العلاقات، ويجد ضالته في تعددها، ولديه هاجسٌ ليكون محاطاً بالكثير من المعجبين والمنبهرين به، ويكون الحب لديه أشبه بالتحدي وبعيداً كلَّ البعد عن المشاعر؛ فبمجرد رضوخ الضحية له، يمل ويبدأ البحث عن ضحيةٍ أخرى.

6. شخصية حاسدة:

لا يستطيع النرجسي تقبل فكرة وجود شخصٍ في الحياة أفضل منه، سواءً على الصعيد المهني أم العائلي أم الاجتماعي؛ لذا تجده دائم التركيز على ما يملكه الآخرون، ويسعى جاهداً ليظفر بما لدى الآخرين بشتى الطرائق وأكثرها دناءة.

7. شخصية غير قيادية:

لا تفضل الشخصية النرجسية العمل الجماعي؛ فهي شخصيةٌ أنانيةٌ ومغرورةٌ وغير مرنة؛ فإن وُجِد ضمن فريق، فإنَّه يسعى جاهداً إلى تفريقه وبثّ المشكلات بين أفراده؛ أمَّا إن كان قائداً لفريق، فسيتعامل بمنتهى اللطافة مع من يوافقونه الرأي ويمدحون أعماله على الدوام، ويكون ذئباً مع من يخالفه الرأي وينتقده؛ الأمر الذي سيؤدي إلى فشل الفريق.

8. شخصية عاشقة للمبالغة:

يعشق النرجسي المبالغة في كلِّ شيء، فتجده دائم الحديث عن نفسه والمبالغة في مدح إنجازاته، والمبالغة كذلك في الاهتمام بمظهره الخارجي الذي يعتبره كرت عبورٍ إلى قلوب الآخرين؛ وفي حال أصابه عارضٌ صحيٌّ بسيط، فإنَّه يتخبط ويهول الأمر ليثير اهتمام الآخرين؛ فهو عاشقٌ للفت الأنظار، ويُشبِع ذاته من خلال نظرة الآخرين عنه وإعجابهم به.

إقرأ أيضاً: اضطراب الشخصية النرجسية

أسباب الشخصية النرجسية:

من أهم أسباب الشخصية النرجسية التربية القاسية، حيث تعاني الشخصية النرجسية من شعورٌ كبيرٌ بالنقص، ومن رفض لذاتها الحقيقية؛ فتعوض هذا النقص من خلال غرورها الزائد وتشبثها برأيها، وسعيها اللاهث إلى كسب إعجاب الآخرين.

تعدُّ التربية القاسية مصدراً أساسياً لشعور النقص هذا، حيث يزرع الأبوان اللذان يعتمدان أسلوب تربية قائماً على المقارنات بين الأولاد في عقل طفلهما أنَّه مرفوض وغير مقبول بشخصيته الحقيقية، وأنَّ عليه أن يغير من ذاته على الدوام لكي يكسب رضا أهله.

من جهة أخرى، عندما يعتمد الأب والأم أسلوب النقد اللاذع مع طفلهم، فإنَّهما يضعفان ثقته بنفسه، ويعززان لديه شعور الفشل وعدم النفع.

كما تؤدي التربية القائمة على المظاهر إلى خلق شعور الرفض لدى الطفل، بحيث يكون دائم السعي إلى تغيير ذاته لإرضاء أبويه، ويكون مهووساً بالذات المثالية التي يريده أبواه أن يكون عليها؛ فيكره بالنتيجة ذاتَهُ الأصلية، ويعيش متقمصاً ذاته المثالية إلى أن يصدقها تماماً، وهذا ما يفسر نوبة غضبه الشديدة في حال وَجَّه إليهِ أحدٌ ما أيَّ انتقاد؛ ذلك لأنَّه يذكره بذاته الأصلية التي رفضها ولا يريد تذكرها البتة؛ فهو صَنَعَ وسيلةً دفاعيةً آمنةً من خلال تقمص شخصية قوية ومغرورة ومثالية، ليتخلص من مشاعر الطفولة المعذبة ويداري النقص الشديد في داخله.

كيف تعالج روحك من التأثيرات السلبية للعلاقة مع شخصية نرجسية؟

  1. اعترف بدايةً بوجودك في علاقة مؤذية لك، فالحبُّ مختلفٌ تماماً عن ذلك، فهو أمان واحتواء وثقة واحترام وأخذ وعطاء؛ لذا ابتعد عن تبرير مواقف النرجسي؛ فمن يحب، لا يؤذي محبوبه.
  2. توقف عن قبول الأذية لمجرد خوفك من الوحدة، أو لمجرد أنَّ النرجسي يلبي احتياجك من الحب والأمان؛ واعلم أنَّك تستحق الحبَّ بأسمى أشكاله.
  3. واجه النرجسي بقوة، وحدد له الأمور التي آذاك فيها، وكن حاسماً معه.
  4. لا تتوقع أنَّ النرجسي سيتغير إن احتويته أو سامحته؛ ذلك لأنَّه شخصٌ يتغذى على ألمك وإهانتك، ولا يعرف كيف يحب.
  5. لا تستعد ذكرياتك المؤلمة معه؛ إذ سيشعل استرجاعك للتفاصيل المؤذية رغبة الانتقام في قلبك، ويضرك، ويغيرك إلى الأسوأ.
  6. أعد تشكيل حياتك، فأنت إنسانٌ قويٌّ ومفعمٌ بالأفكار والأحلام والطموحات، ولست مُجَرَّدَ تابعٍ لشخصٍ نرجسيٍّ يتغذى على مديحك وتفانيك له. لذا ابدأ الآن، وانشغل بحبِّ ذاتك وتقديرها، وقم بفعل الأشياء التي تحب.
  7. اقطع أيَّ تواصل يربطك مع النرجسي، حيث يبدأ التعافي من أيِّ علاقة مؤذية باتخاذ قرار جَدِّيٍّ بالابتعاد؛ ولا تمضِ وقتك في مراقبته على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنَّك بذلك تؤجل مسألة تعافيك؛ بل انسفه تماماً من حياتك.
  8. لا تلم ذاتك وتجلدها كثيراً، واجلس معها، واكتشف نقاط ضعفك التي أوصلتك إلى علاقتك مع هذا الإنسان، والأمور التي عليك العمل على تغييرها في شخصيتك لتلافي الوقوع في أيِّ علاقةٍ مؤذيةٍ مستقبلاً.
  9. أعد بناء علاقاتك الاجتماعية القديمة، فممَّا لا شك فيه أنَّ النرجسي قد استمات من أجل إبعادك عن كلِّ من حولك لكي يُحكِم سيطرته عليك، ويعزز لديك فكرة أنَّه السند الوحيد لك في الحياة؛ لذا استشعر المحبة الصادقة من الآخرين، وانطلق في حياتك، ومارس أجمل النشاطات.
  10. استعن بمتخصص نفسي موثوق في حال لم تستطع الخروج من الحالة لوحدك، حيث سيساعدك ذلك على تنظيف كلِّ المواقف المؤذية التي اختبرتها، وكلِّ المشاعر المكبوتة السلبية التي لا تستطيع البوح بها لأيِّ أحد.
إقرأ أيضاً: النُّخَب والنَّرجسيَّة

الخلاصة:

اجعل "الأفعال" معيارك في أيِّ علاقة تربطك مع أيِّ شخص، ولا تنخدع بالمظاهر الخارجية والكلام المعسول، واعلم أنَّ المتواضع والغني من الداخل لا يتكلم عن نفسه، بل يترك الحكم لسلوكاته وتصرفاته.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة