صفات الشخصية المندفعة وطرق علاجها

لا يتوانى عن هدم العلاقة التي تربطه بأقرب شخصٍ إلى قلبه في لحظةٍ واحدة، مُنهالاً عليه بأبشع الألفاظ وأكثرها قسوة، ومتبنياً سياسة الهجوم المسبق على الناس؛ إذ إنَّه يجد أنَّ الشخص القوي من يأخذ حقَّه بيده، وبطريقةٍ عنيفة ومؤذية.



إنَّه لا يُراعِي مساحات الناس وخصوصياتهم، فيميل إلى طرح الأسئلة المُحرجة والخاصة، وينتقل على مقياس الغضب بسرعة البرق ليصل إلى الذروة في لحظة واحدة، ودون أدنى تفكير في حجم الكوارث الناتجة عن تصرفه؛ فهو محترف في تعطيل نعمة التفكير واللهث وراء الغريزة واللامنطق.

عادةً ما يقول عنه الناس أنَّه إنسانٌ عصبي ولكنَّه يملك قلباً طيباً، فيصفحون عن تصرفاته في الكثير من الأحيان، غير واعين أنَّهم بذلك يؤذونه، ويجعلون من العصبية والاندفاعية أسلوب حياة دائم له لا مجرَّد لحظات استثنائية عابرة في حياته؛ فهو في الحقيقة شخصٌ يعاني من اضطراب فقدان القدرة على التحكم بالانفعالات.

يستلزم هذا الاضطراب عادةً العلاج المناسب، وإلَّا سيؤدِّي إلى انهيارٍ في حياة الشخص على مستوى جميع الأصعدة الاجتماعية والمهنية والعاطفية، حيث ينفضُّ الناس من حياته؛ ذلك لأنَّهم غير قادرين على مواصلة تبرير تصرفاته الطائشة وغير المسؤولة، فكيف لهم أن يستمروا بصحبة إنسانٍ يدمر كلَّ شيء في لحظة؟ وكيف لهم أن يُعِيدوا بناء الثقة مع شخصٍ دائم النزعة إلى التخلي والتجريح، ودائم العودة إلى تصرفاته المتهورة رغم ندمه الكبير ووعوده الكثيرة بالإقلاع عن هذه السلوكات الخاطئة؟

إنَّه يُهَشِّم "الأمان"، والذي يعدُّ أهمَّ ركن من أركان العلاقة الإنسانية؛ فكيف لهؤلاء الأشخاص أن يأمنوا جانب من تقوده غرائزه وأفكاره السلبية، ولا يأخذ وقته في التفكير في مدى جدوى الأفكار وأهميَّتها، بل يتوجَّه إلى تنفيذها مباشرة؟

ولأنَّ الكلام عن مثل هكذا شخص يطول؛ أسهبنا في هذا المقال بالحديث عن كلِّ ما يتعلَّق بالشخصية المندفعة، وصفاتها، وأسبابها، وطرائق علاجها؛ لذا تابعوا معنا.

مَن هو الشخص المندفع؟

الشخص المندفع هو الشخص الذي يعاني من اضطراب فقدان القدرة على السيطرة على الانفعالات، بحيث يتسرَّع في التصرف دون أن يُعمِلَ عقله أو يحسب حساب المشكلات التي ستنشأ عن اندفاعه المتهور؛ وهو عكس الشجاع الذي يخطِّط قبل قيامه بأيِّ خطوةٍ في حياته، ويُعمِل العقل قبل اتخاذه لأيِّ قرار، ويُراعي ألَّا يحمل قراره في طيَّاته أيَّ خسائر له أو لغيره.

ويمكننا تعريف الاندفاعية على أنَّها الاستجابة المباشرة للأفكار السلبية التلقائية الآتية من العقل الباطن.

ما هو اضطراب فقدان القدرة على السيطرة على الانفعالات؟

لكي نشخِّص اضطراب فقدان القدرة على السيطرة على الانفعالات، يجب أن تظهر على المُصاب الأعراض الآتية عند قيامه بأمرٍ ما؛ وهي:

1. عدم القدرة على مقاومة الدافع الشديد للقيام بأمرٍ ما:

حيث يشعر بأفكار ملحَّة لا يستطيع مقاومتها لتنفيذ أمرٍ ما، كأن يشعر الشخص المندفع أنَّه غير قادرٍ على السماح للشخص الآخر بمناقشته والاختلاف معه، وأن يكون لديه رغبةٌ شديدةٌ في الصراخ والتقليل من قيمة الآخر.

فرغم كون الأمر بسيطاً جداً ولا يستحق كلَّ هذا الانفعال؛ لكنَّ الشخص المندفع يستشيط غضباً، وينفِّذ أفكاره السلبية دون أدنى مقاومةٍ لها.

2. أذية النفس والآخرين:

يميل الشخص المندفع إلى إيذاء نفسه والآخرين بتصرُّفاته الطائشة؛ فهو لا يخطط لما يقوم به، وينفجر كالقنبلة في أثناء انفعاله، ويترك المجال لأهوائه لكي تقوده.

3. تصاعد وتيرة التوتر والإثارة قبل القيام بالتصرف الطائش:

حيث تصعد مستويات الانفعال والتوتر إلى ذروتها قبل إقدام الشخص على التصرف غير المسؤول.

4. الإشباع النفسي والشعور بالراحة بمجرد تنفيذ الأمر:

حيث يشعر الشخص بمنتهى السعادة والراحة بعد قيامه بالفكرة السلبية التي راودته؛ كأن يشعر الأب بالنصر بعد انفجاره في وجه ابنه الصغير الذي كسر كوبه دون قصد.

5. الإحساس بالذنب:

حيث يشعر الشخص المندفع بالذنب والأسف بعد فترة من قيامه بالسلوك الطائش، ويستشعر حجم المشكلات التي تولَّدت من جراء سوء إدارته لانفعاله.

إقرأ أيضاً: 8 طرق هامة لتهدئة ثورة الغضب بسرعة

أسباب الشخصية الاندفاعية:

1. الاعتداد المفرط بالذات:

لا يتحمَّل الأشخاص ممَّن يملكون غروراً مفرطاً بذواتهم أدنى انتقادٍ يوجَّه إليهم من الآخرين، ويأخذونه على أنَّه هجوم عنيف عليهم؛ فهم يُسيؤون الظنَّ بالآخرين، ويتبنون سياسة الدفاع المسبق، بحيث يكونون المبادرين بالعنف والانفعال والسلوك السلبي.

على سبيل المثال: تعتقد الأم المغرورة أنَّها أمٌّ مثالية، لذلك تعدُّ أنَّ السلوك السلبي الصادر عن ابنها بمثابة اتهام عنيف ضدها، وتشكيك في مثالية تربيتها؛ فتجدها تلجأ إلى عقابه عقاباً شديداً لمجرد تلويثه الأرضية مثلاً.

2. عدم الثقة بالنفس:

يميل الأشخاص الاعتماديون وضعيفو الثقة بالنفس إلى أن يكونوا اندفاعيين؛ فهم ينظرون إلى مفهوم القوة من منطلق الانفعال الشديد والتوبيخ والشتم والهجوم، ويلجؤون إلى هذا الأسلوب في التعاطي كنوعٍ من تعويض النقص الذي يعيشونه في دواخلهم.

3. البيئة:

يزداد احتمال الإصابة باضطراب فقدان القدرة على التحكم بالانفعالات عند أولئك الذين تربُّوا في بيئةٍ تُشجِّع على العنف والغضب.

كما يميل الأشخاص الذين نشؤوا في مناطق خاضعة لدرجات حرارة عالية لأن يكونوا اندفاعيين.

تصبح الاندفاعية أسلوباً للحياة، عندما ينخفض مستوى الوعي لدى الشخص؛ فكلَّما زاد الوعي النفسي في المجتمعات، زادت أعداد الأشخاص الشجعان وقلَّت أعداد أولئك الاندفاعيين.

4. الأحمال الزائدة:

يصبح الشخص الذي يتعرَّض إلى عددٍ كبيرٍ من الضغوطات النفسية مهيَّأً للإصابة باضطراب فقدان السيطرة على الانفعالات؛ فعلى سبيل المثال: تميل الأنثى الخاضعة لمشكلات نفسية شديدة على مدار سنين طويلة إلى التخلي عن سلامها وهدوئها، واتباع نمطٍ جديدٍ في التعاطي مع الآخرين؛ بحيث تصبح عصبية واندفاعية ومتهورة ولا تأبه بمشاعر الآخرين، ولا تخطِّط قبل قيامها بأمرٍ ما.

5. نمط الشخصية السيكوباتية:

يميل من يعاني من اضطراب الشخصية السيكوباتية إلى الاندفاعية في تصرفاته، بحيث يكون عدوانياً ومتسرعاً ومؤذياً وعاشقاً للسيطرة والتحكم، ولا يأبه بأذية الآخرين.

6. انخفاض معدلات السيروتونين في الدماغ:

السيروتونين مادة كيميائية تُنتَج في الجسم، وناقل عصبي تتبادله النهايات العصبية في الدماغ، ويؤدِّي انخفاض معدلاته إلى التقليل من الإحساس بالذنب عَقِب قيام الشخص بالتصرفات السلبية؛ وهذا هو سبب تكرار الأخطاء لدى الشخص الاندفاعي.

أشكال اضطراب فقدان القدرة على السيطرة على الانفعالات:

1. الخلل الانفعالي المتقطِّع:

حيث ينساق الشخص وراء انفعاله الشديد، فيضرب ويعتدي، أو يجرح ويهين ويهدِّد، ولا يستطيع كبح جماح ثورته؛ ثمَّ يعود بعد انجلاء نوبة غضبه إلى صوابه ورشده، فيندم على ما فعل؛ فهو عادةً شخصٌ هادئ الأعصاب ولطيف ومريح في حياته اليومية، ولكنَّه يفقد السيطرة على انفعالاته في فترات متقطعة من الزمن.

يصيب الخلل الانفعالي المتقطِّع الرجال بنسبةٍ أكبر من النساء.

2. هوس السرقة:

يكون لدى الشخص دافعٌ شديدٌ لسرقة شيءٍ ما، علماً أنَّ هذا الشيء لا قيمة له ولا يحتاجه مطلقاً، فيشعر بالسعادة والمتعة بعد سرقته؛ إلَّا أنَّه يندم على فعلته بعد فترةٍ من الزمن، ويتخلَّص ممَّا سرقه أو يخفيه عن الأنظار.

يختلف من يعاني من هوس السرقة عن السارق الحقيقي، حيث يخطط السارق الحقيقي لفعلته، ويسرق أشياء قيِّمة وثمينة؛ في حين يستجيب المهووس بالسرقة إلى أفكار ملحة تنتابه دون أن يكون هناك سابق تخطيط أو تصميم، ويميل إلى الاكتئاب بعد فترةٍ من فعلته، ويسارع في أغلب الأحيان إلى الاعتراف لأصحاب العلاقة عن سرقته، وكأنَّه يتلذَّذ بإهانة الناس له وتوبيخه والتقليل من قيمته؛ فهو لا يقدِّر ذاته ويحتقرها.

3. هوس إشعال الحرائق:

يميل الشخص المصاب بهوس إشعال الحرائق إلى تنفيذ رغبته الملحة في إحداث حريق، دون إدراك حجم الكوارث الناتجة عن الأمر، فيشعر بالنشوة عند قيامه بالأمر؛ ولكنَّه يندم بعد فترةٍ من الزمن.

4. هوس نتف الشعر:

يميل الشخص هنا إلى الاستجابة للرغبة الملحة في نتف شعره، وذلك في حال كان حزيناً وتعيساً، أو سعيداً حتى.

يعاني المصابون بهوس نتف الشعر من اضطرابات أخرى، مثل: الوسواس القهري، والاكتئاب، واضطراب القلق العام.

5. هوس الإنترنت:

يميل الكثير من الأشخاص -تحديداً في وقتنا هذا- إلى الإصابة بهوس الإنترنت، بحيث لا يقاومون الرغبة الملحة لتصفُّحه، ويشعرون بالمتعة بذلك؛ ولكن سرعان ما ينتابهم الندم على إضاعتهم الوقت في ذلك.

من علامات هوس الانترنت:

  • الانشغال التام بتقنيات الإنترنت، بحيث يمارس الشخص أعماله في أوقات فراغه من الإنترنت.
  • عدم القدرة على السيطرة على استخدام الإنترنت، بحيث يكون له الأولوية القصوى.
  • خسارة الشخص للكثير من الفرص والعلاقات جرَّاء إدمانه على الإنترنت.
  • مقاومة المشاعر السلبية والاكتئاب من خلال الاستخدام المفرط للإنترنت.
إقرأ أيضاً: 7 حقائق مفاجِئة عن الأشخاص المدمنين على التكنولوجيا

علاج الشخصية المندفعة:

يوجد نوعان من العلاج: العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج الدوائي القائم على رفع معدلات السيروتونين في الدماغ.

يهدف العلاج المعرفي السلوكي إلى إدارة الغضب وتعديل الانفعال، حيث إنَّ الأصل في الانفعال هو فكرة؛ فإذا استطاع المعالج النفسي إصلاح التشوه المعرفي الحاصل في عقل مريضه، فسيكون قادراً على إحراز نتائج مذهلة في العلاج.

يُفسِّر الشخص المُندفع الموقف بناء على افتراضاته الخاطئة، فعلى سبيل المثال: يعتقد الشخص المندفع أنَّ الضحك المتواصل مع الآخرين، والسخرية والتهكم منهم، والاهتمام المبالغ فيهم، ومشاركتهم خصوصياتهم؛ نوعٌ من أنواع التودد والألفة والمحبة؛ لذا فهو بحاجةٍ إلى تعديل هذه المعرفة لديه.

تتمثل الخطوة الثانية من العلاج المعرفي السلوكي في التدريب على التعامل مع الانفعال، واتباع التقنيات النفسية السلوكية، مثل: التنفس الاسترخائي، والقيام بحركات اهتزازية مثل الرقص وغيره، والتي من شأنها أن تنقل الشخص من الهيجان إلى حالةٍ أكثر إيجابية.

على الأهل تشجيع الشخص المندفع على العلاج، بحيث يبدون استياءهم من فقدانه السيطرة على انفعالاته، وأنَّهم لا يتقبلون هذا النوع من السلوك؛ وذلك من خلال اتباعهم منهجية التركيز على السلوك وليس على الشخص؛ كما عليهم إيصال المعلومة إليه بأسلوبٍ لطيف.

إقرأ أيضاً: الانفعالات: أنواعها وطريقة ضبطها

الخلاصة:

عندما يعترض طريقنا مجرمٌ ما؛ فإنَّنا نصاب بالغضب الشديد، ولكنَّنا رغم ذلك نتحكَّم بغضبنا ونحسن التصرف لنستطيع إنقاذ حياتنا؛ ويؤكد هذا أنَّ مقولة "أنا لا أستطيع التحكم بانفعالاتي مُطلقاً، وهكذا طبعي" خاطئةٌ تماماً.

إن نويتَ بصدق أن تُنقِذ حياتك من براثن الغضب ومشكلاته، وتزيد من جودة الحياة ورونقها وهدوئها وجمالها؛ فعليك أن تسعى بجدٍّ إلى التحكم بانفعالاتك، بحيث تكون أنتَ قائد أفكارك ومشاعرك وسلوكاتك.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة