شرب الماء عند الحيوانات: سلوكيات فريدة ومثيرة للاهتمام

مشكلة "المياه النظيفة" موجودةٌ في كل مكانٍ، حيث يصاب البشر بسهولةٍ بالأمراض من المياه القذرة والملوثة، لكن ماذا عن الحيوانات؟ هل يمكنها شرب الماء القذر؟ وهل تمرض؟ وهل الإنسان هو الوحيد الذي يحتاج إلى "مياهٍ نظيفةٍ"؟ تعالوا معنا لنجد الإجابات.

توجد مستوياتٌ عديدةٌ لهذا السؤال؛ فأولاً، لا يوجد سوى حفناتٍ قليلةٍ من المسطحات المائية في البرية والعديد منها "متسخة" وفقاً للمعايير البشرية؛ إذ تعتمد الحيوانات البرية على نفس البرك أو الجداول المتسخة لإرواء عطشها، ويساعد الاستهلاك المنتظم من نفس المصدر أو من مصدرٍ مشابهٍ الحيوانات على "الاعتياد" على المياه القذرة وتطوير نوعٍ من المقاومة ضد بكتيريا معينةٍ فيها، ومع مرور الوقت يتكيف جهاز المناعة لديها ويبني القدرة على التحمل.

هذا صحيح فقط عندما تكون أعداد الميكروبات في المسطحات المائية مستقرةً، فإذا كان حدث أي تغييرٍ مفاجئٍ في الفوعة الميكروبية في مسطحٍ مائيٍ معينٍ، فإنَّ النتائج ستكون مميتةً بالطبع، وبعد ذلك تنقل الحيوانات الناجية "المقاومة" إلى ذريتها وتطور قدرة تحمُّلٍ تجاه المياه القذرة.

ثانياً، ليست كل المسطحات المائية ملوثةً بشكلٍ خطيرٍ، وبالإضافة إلى ذلك، ليست كل الأمراض الجرثومية قويةً بما يكفي لتنفق الحيوانات، وثالثاً، تمتلك معظم الحيوانات حاسة شمٍّ غير عاديةٍ تساعدها على تحديد ما إذا كانت ستشرب أو تتخلى عن فكرة الشرب من مصدر مياهٍ معين.

لماذا لا تمرض الحيوانات بعد شرب المياه الملوثة؟

توجد عدة إجابات لهذا السؤال:

إذا كانت "المياه القذرة" دائماً مسببةً للأمراض ومميتةً، فمن المحتمل أن تكون العديد من الأنواع قد نفقت، فما هي الطريقة التي تكون بها المياه "قذرةً" أو "غير نظيفةٍ"؟

إذا كانت البرك تحتوي على طميٍ، فمن غير المحتمل أن يتسبب ذلك في إصابة الحيوانات بمرضٍ خطير؛ فالميكروبات المختلفة تجعل الأنواع المختلفة مريضةً، على سبيل المثال مرض الكوليرا، فالبكتيريا التي تسبب الكوليرا في البشر لا تؤثر في أفراس النهر، وبالمثل فإنَّ نفس الميكروب الموجود في "المياه الملوثة" ستكون له تأثيراتٌ مختلفةٌ في أفراد نفس النوع.

بعض الحيوانات تمرض، فعلى سبيل المثال، يصاب ما يقرب من 90% من الغزلان في أمريكا الشمالية بالجيارديا؛ وهو طفيليٌ مجهريٌ يسبب الجيارديا، وينتشر هذا الداء من خلال الماء والغذاء الملوثين، ونظريةٌ أخرى هي أنَّ الحيوانات لديها أحماض معدة أقوى بما يكفي لقتل الميكروبات المسببة للأمراض، ونظراً لعدم وجود أدلةٍ قاطعةٍ، لا يمكننا التعليق عليها.

كيف تشرب الحيوانات الماء؟

1. تُجعِّد القطط الكبيرة والحيوانات المجترة لسانها إلى الخلف في أثناء غمسه في الماء ثم تسحبه سريعاً لأعلى، وهي حركةٌ تسمى اللف، وتحرك القطط المنزلية لسانها بشكلٍ أسرع 3 مرات في الثانية، وهذا يسمح لها بشرب كميةٍ معتدلةٍ من الماء.
2. تتبع جميع القطط الكبيرة الأخرى مثل الأسود والفهود والنمور نفس أسلوب الشرب لكن بوتيرةٍ أبطأ، وهذا يسمح لها بشرب المزيد من الماء، وعندما تشرب الكلاب الماء، فإنَّها تسكبه في كل مكانٍ، بينما القطط أكثر إتقاناً للشرب؛ لأنَّها تلامس سطح الماء فقط مع شاربيها.
3. تستخدم الفيلة خراطيمها الطويلة للشرب؛ إذ تمتص الماء مثل المصاصة ومن ثم تضخه في أفواهها.
4. ترسل الخفافيش صريراً وتستمع لأصداء الارتداد لاكتشاف مصادر المياه، ثم تغوص وتأخذ رشفةً في أفواهها، ونادراً ما تستخدم بصرها لتحديد مكان الماء.
5. تحتاج الحمير الوحشية في البرية إلى الكثير من الماء - أكثر من جالونٍ في المرة الواحدة - تماماً مثل الخيول، فتضع فمها تحت مستوى الماء ثم تمتص الماء.
6. تشرب معظم الطيور بعض الماء كل يومٍ، ولكنَّها لا تشرب كما تشرب الحيوانات بسبب الاختلاف في البنية التشريحية؛ وذلك لسببٍ واحدٍ وهو أنَّها تفتقر إلى الشفاه؛ إذ تشرب معظم الطيور عن طريق ملء منقارها بالماء ثم إمالة الرأس للخلف لإرسال الماء مباشرةً إلى المعدة، ومع ذلك تُعَدُّ الطيور استثناءً؛ إذ يمكنها امتصاص الماء في أثناء غمس رؤوسها داخل المياه، ولا تحتاج إلى إمالة الرأس لأعلى حتى تبتلعه.

كيف تعرف الحيوانات أنَّه يجب عليها شرب الماء؟

بنفس الطريقة التي نفعل بها نحن البشر، تكمن الإجابة عما يجعل الحيوانات عطشى وكيف تعرف حاجتها إلى شرب الماء في الجهاز العصبي المركزي، فعندما يبدأ جسم الحيوان بالشعور بالعطش ويبدأ الإحساس بالجفاف والتعب، تحدث سلسلةٌ من التغييرات الفيزيولوجية.

إذ وجد العلماء أنَّ جزءاً متخصصاً من دماغ الحيوان يسمى الصفيحة الطرفية يوجه استجابات العطش، وتقوم الخلايا الموجودة في هذه المنطقة أيضاً بجمع ومراقبة المعلومات مثل ما إذا كانت الحيوانات قد تناولت الطعام أو شربت مؤخراً، والتغيرات في رطوبة وسوائل الجسم ومستويات الأملاح فيه، وحجم الدم، وما إلى ذلك، ثم يتم نقل السيالة إلى أجزاء أخرى من الدماغ، وهذا يحفز الحيوان على البحث عن المسطحات المائية للشرب.

ما هي الحيوانات التي تشرب نفس الماء الذي نشربه؟

جميع الكائنات الحية لها الحق في المياه النظيفة؛ والحيوانات ليست استثناءً، لكن لسوء الحظ لا تمتلك الحيوانات الرفاهيات التي يتمتع بها البشر عندما يتعلق الأمر بجودة المياه، ففي البرية سيتم إجبارها أو تكييفها لاستهلاك الماء الملوث بالغبار أو الطين أو الطعم السيئ أو الملوَّث بالبكتيريا أو الطفيليات.

تُعَدُّ جودة المياه من أهم العوامل التي تحدد حجم المياه التي تستهلكها الحيوانات، فالأوساخ أو الروائح الكريهة على سبيل المثال قد تثنيهم عن الشرب، وبعض الأنواع تتكيف مع المياه القذرة والعكرة دون مرضٍ، بينما يصاب غيرها بالأمراض وتنفق.

بالحديث عن الحيوانات التي تشرب من نفس الماء النظيف الذي نشربه، فإنَّ الإجابة هي "لا يوجد"، "حسناً، حيواناتنا الأليفة وحيوانات المزرعة هي الاستثناء الوحيد".

ما هو الحيوان الأكثر شرباً للماء؟

الثدييات البرية التي تشرب كميةً كبيرةً من الماء لكل رطلٍ من وزن جسمها هي البقرة؛ إذ يمكن للبقرة البالغة الحلوب أن تشرب ما يصل إلى 100 جالونٍ من الماء يومياً، وفي حالة البقرات المرضعات يمكن أن يتضاعف هذا العدد مرتين، وخاصةً خلال أشهر الصيف الحارة، وكقاعدةٍ عامةٍ، كلما زاد وزن الجسم ودرجة الحرارة والرطوبة، زادت كمية تناول الماء اليومي، فحجم وارد المياه اليومية "مياهٌ عذبةٌ خاليةٌ من الأوساخ" يعتمد على عمر الحيوانات وصحتها.

ما هي الحيوانات التي لا تشرب الماء على الإطلاق؟

تحتاج معظم الحيوانات إلى الماء من أجل البقاء، ومع ذلك فإنَّ المملكة الحيوانية بها بعض الأنواع التي لا تشرب الماء أو نادراً ما تشربه، ومنها:

1. الجرذ الكنغري:

يمكن لهذا القارض أن يمضي حياته بأكملها دون شرب قطرةٍ واحدةٍ من الماء؛ إذ يعيش في المقام الأول على البذور والبقول التي تحتوي على نسبةٍ عاليةٍ من الماء.

2. الغزلان الرملية:

تعيش في المناخات الجافة، ونادراً ما تشرب المياه العذبة، لكن لديها هذه القدرة الفريدة على تقليص حجم الكبد بنسبةٍ تصل إلى 30% من حجمه الطبيعي، ويمكن لهذه الحيوانات تقليل عدد الميتوكوندريا النشطة وإبطاء التنفس، وهذا يحافظ على الماء؛ وذلك لأنَّ الرئتين بحاجةٍ إلى أن تبقيا رطبتين للتنفس السلس، وقلة التنفس تعني شرباً أقل.

3. الطائر الطنان:

يستبدل أصغر طائرٍ في العالم الماء بالرحيق.

4. الكوالا:

معنى اسم الحيوان الأسترالي الشهير هو "لا شرب" أو "دون ماء"، نعم لا يشرب الماء أبداً، ويعتمد على الماء الموجود في أوراق الأوكالبتوس.

5. الشيطان الشائك:

الشيطان الأسترالي الشائك لا يشرب الماء؛ وذلك لأنَّ أشواكه موجودةٌ لسببٍ ما؛ لامتصاص الرطوبة من الهواء في أثناء الليالي الباردة أو الممطرة.

6. الضفدع حامل الماء:

خلال فترات الجفاف تفرز هذه الضفادع شرنقةً مخاطيةً لمنع فقدان الماء من الجسم قبل الدخول في السبات، وقد وجد العلماء أنَّه يمكنها البقاء على قيد الحياة بهذه الطريقة دون ماءٍ لمدة عامين أو أكثر.

ما هو مقدار الماء الذي تشربه الحيوانات البرية في اليوم؟

تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على عوامل عدة مثل:

1. حجم الحيوان ووزنه.
2. عمر الحيوان.
3. مرحلة نمو الحيوان.
4. الحمل والرضاعة.
5. مستوى مجهود الحيوان.
6. الأعلاف الحيوانية.
7. الرطوبة ودرجة الحرارة

تمتلك معظم الحيوانات البرية - وخاصةً الحيوانات المفترسة - جهازاً هضمياً سريع العمل، فإذا كان الماء متاحاً بسهولةٍ، فسوف تشرب الماء كل يومٍ، وفي الوقت نفسه يمكنها قضاء 4 - 5 أيام دون شرب الماء، وعندما يضرب الجفاف، فإنَّها تعتمد على سوائل جسم الفريسة لتلبية متطلبات الرطوبة في أجسامهم.

فيما يأتي قائمةٌ ببعض الحيوانات واستهلاكها للمياه بالغالون للفرد في اليوم:

1. الفيلة:

تحتاج الأفيال البالغة إلى كميةٍ هائلةٍ من الطعام والماء، وتشرب ما يصل إلى 50 جالوناً من الماء يومياً.

2. النمر:

معظم القطط تحتقر الماء ولكنَّ النمور تحب الاستحمام وشرب الماء، ففي يومٍ صيفيٍ حارٍ يمكنها شرب ما يصل إلى 20 جالوناً من الماء.

3. الحمير الوحشية:

من المعروف أنَّ الحمير الوحشية تشرب ما يصل إلى جالونٍ من الماء في وقتٍ واحدٍ، ويمكن أن يصل الاستهلاك اليومي إلى 20 جالوناً أو أكثر حسب الرطوبة ودرجة الحرارة.

4. البيسون:

يفضل الأعشاب على الماء ويشرب الماء عادةً مرةً واحدةً في اليوم (5-8 جالونات)، ويمكن أن تصل إلى 12-15 جالوناً في موسم الصيف.

5. الغزلان:

يشرب الغزال البالغ ما مجموعه 1-2 جالون من الماء مرتين أو ثلاث مراتٍ في اليوم.

6. الأسد:

يشرب الأسد البالغ عادةً نحو 1 جالون من الماء في اليوم العادي.

7. المواشي:

تشرب 10-20 جالوناً من الماء يومياً، وتحتاج الإناث المرضعات إلى مزيدٍ من الماء؛ نحو 18-20 جالوناً في اليوم.

في الختام:

لقد أجبنا في هذا المقال عن تساؤلاتنا المتعلقة بما إذا كانت الحيوانات تمرض إن شربت المياه الملوثة أم لا، وكيفية شرب بعض الحيوانات للماء، وكيف تعرف حاجتها إلى شرب الماء، بالإضافة إلى ما هي الحيوانات التي تشرب نفس المياه التي نشربها؟ وما هي الحيوانات الأكثر استهلاكاً للماء؟ وما هي الحيوانات التي لا تشرب الماء أبداً؟ وما هو مقدار الماء الذي تشربه بعض الحيوانات البرية؟ آملين أن تكون الإجابات وافيةً وأن ينال المقال إعجابكم.

المصدر