شبكة بليك-موتون الإدارية: إدارة الناس وتحقيق النتائج

عندما توظِّف شخصاً جديداً في الفريق ما هي أولوياتك في التعامل معه؟ هل هي التركيز على المهام من خلال توضيح أهداف العام الأول له؟ أم ستقضي وقتاً في فهم نقاط قوته ونقاط ضعفه بحيث تستطيع أن توكل إليه المهام التي يستمتع بها؟ ليس ثمة أسلوب قيادةٍ يمكن أن نعُدَّه الأسلوب الأفضل لجميع الحالات، ولكن من المفيد التعرُّف على نهج القيادة الطبيعي الخاص بك بحيث تتمكن من تطوير المهارات التي قد تفتقر إليها. فمن غير الحكمة تجاهل المهام أو الأشخاص. ولكنَّ إعطاء النهجين أيضاً اهتماماً متساوياً سيؤدي على الأرجح إلى الحصول على أداءٍ متوسط لأنَّك لم تلبِّ احتياجات الأشخاص ولم تقدِّم الإلهام لتحقيق أفضل الأداء. سنلقي نظرةً في هذه المقالة على شبكة بليك-موتون الإدارية والتي هي إطار عملٍ واسع الانتشار للتفكير في التوجُّه الذي يحمله القائد إما نحو المهام أو نحو الأشخاص.

طُوِّرت هذه الشبكة التي تُعرف أيضاً باسم الشبكة الإدارية أو شبكة القيادة في أوائل ستينيات القرن العشرين من خلال المنظِّرين في مجال الإدارة "روبرت بليك" (Robert Blake) و"جين موتون" (Jane Mouton). حيث إنَّها تُظهِر درجة تركيز القائد على المهام في مقابل درجة تركيزه على الأشخاص، وتحدد خمس توليفات مختلفة تجمع بين الإثنين وأساليب القيادة التي تنتج عنها.



أولاً: فهم النموذج:

تعتمد شبكة بليك-موتون الإدارية على بعدين سلوكيَّين:

  • الاهتمام بالأشخاص: وهو درجة مراعاة القائد لاحتياجات أعضاء الفريق، واهتماماتهم، ومجالات تطورهم الشخصي عند اختيار الطريقة الأفضل لإنجاز مهمةٍ ما.
  • الاهتمام بالنتائج: وهو درجة اهتمام القائد بالأهداف الملموسة، وبالكفاءة التنظيمية، وبالإنتاجية العالية عند اختيار الطريقة الأفضل لإنجاز مهمةٍ ما.

حدد كلٌّ من "بليك و"موتون" خمسة أساليب للقيادة بالاعتماد على هذين النهجين كما هو موضَّح في الصورة أدناه:

الصورة1: شبكة بليك-موتون الإدارية

يوجد صورة

دعنا نلقي نظرةً على كلِّ قسمٍ من أقسام الشبكة بشكلٍ مفصَّل:

1- الإدارة الضعيفة: نتائج سيئة/أشخاصٌ سيئون

يُعدُّ المدير الضعيف أو "غير المبالي" في معظم الأحيان مديراً غير فعال. فمع قلة الاهتمام بتأسيس أنظمة تساعد في إنجاز العمل، ومع قليلٍ من الاهتمام ببناء بيئة تحقق الرضى للفريق أو تحفزه فإنَّ نتائج المدير بكل تأكيد ستؤدي إلى حدوث الاضطراب، والشعور بعدم الرضى، وإلى نشوب الخلافات.

2- إدارة "الإنتاج أو الاندثار": نتائج جيدة/أشخاصٌ سيئون

يُعرف هؤلاء القادة أيضاً باسم القادة "الاستبداديين" أو قادة "الامتثال للسلطة". حيث يعتقد الأشخاص الذين يندرجون تحت هذا الصنف أنَّ أعضاء فرقهم هم مجرد وسيلةٍ للوصول إلى الغاية. كما أنَّ احتياجات الفريق بالنسبة لهم هي دائماً عاملٌ ثانوي في الإنتاجية التي يتمتع بها الفريق.

يُعدُّ هذا النوع من القادة قادةً استبداديين، ويملكون قواعد عملٍ, وسياساتٍ، وعملياتٍ صارمة، ويمكن أن ينظروا إلى العقاب بوصفه طريقةً فعالة لتحفيز أعضاء الفريق. في البداية يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى الحصول على نتائج رائعة على صعيد الإنتاجية، ولكنَّ المعنويات المنخفضة لأعضاء الفريق وانخفاض الإنتاجية لديهم سيؤثران في النهاية على أداء الأشخاص وسيعاني هذا النوع من القادة في سبيل الاحتفاظ بالأشخاص ذوي الأداء المرتفع.

يتبع هذا القائد على الأرجح نهج النظرية س (Theory X) في التحفيز والذي يفترض أنَّ الموظفين غير متحفزين في الحالة الطبيعية ولا يحبون العمل. أمَّا المدير الذي يؤمن بأنَّ الموظفين متحفزون بشكلٍ ذاتي ومستمتعون بالعمل فإنَّهم يتبعون النظرية ع (Theory Y). يمكنك التعرف على المزيد حول هاتين النظريتين "هنا".

3- الإدارة "المعتدلة"/إدارة "منتصف الطريق": نتائج عادية/أشخاص عاديون

يحاول المدير "المعتدل" أو مدير "الوضع الراهن" الموازنة بين النتائج والأشخاص، ولكنَّ هذه الاستراتيجية ليست فعالةً مثلما قد تبدو عليه. فمن خلال الموازنة بشكلٍ مستمر بين النتائج والأشخاص يخفق المدير في تعزيز الأداء ويخفق أيضاً في تلبية احتياجات الأشخاص بشكلٍ كامل. والنتيجة هي أنَّ فريقه سيقدم على الأرجح أداءً متوسطاً فقط.

4- إدارة "النادي الريفي": أشخاصٌ جيدون/نتائج جيدة

يُعدُّ المدير الذي يتبع أسلوب "النادي الريفي" أو "الاستيعاب" في الإدارة أكثر اهتماماً باحتياجات أعضاء فريقه ومشاعره. حيث يعتقد أنَّه طالما أنَّ أعضاء الفريق سعيدون ويشعرون بالثقة فإنَّهم سيعملون بجد. ينتج عن ذلك بيئة عمل مريحة ومسليةٌ للغاية، ولكن سيكون هناك ضعفٌ في الإنتاجية لأنَّه ثمة نقصٌ في التوجيه والتحكم.

5- إدارة الفريق: إنتاجية جيدة/أشخاصٌ جيدون

وفقاً لنموذج بليك-موتون تُعدُّ إدارة الفريق أسلوب القيادة الأكثر فعالية. حيث يمثِّل هذا الأسلوب القائد الذي يشعر بالشغف تجاه عمله، والذي يبذل أقصى ما لديه تجاه الأشخاص الذين يعمل معهم. يلتزم مديرو الفرق بأهداف منظمتهم وبرسالتها، ويولدون الحافز لدى الأشخاص العاملين تحت إشرافهم، ويعملون بجد لإقناع الناس باستغلال كل إمكاناتهم في سبيل تحقيق أفضل النتائج. ولكنَّهم في الوقت نفسه أشخاصٌ يثيرون الإلهام ويعتنون بفرقهم. حيث يشعر الشخص الذي يقوده مديرٌ للفريق بالاحترام، وبأنَّه مفعمٌ بالطاقة، ويلتزم بتحقيق أهداف قائده. يهتم مديرو الفرق بكلٍّ من احتياجات المنظمة على صعيد الإنتاج وباحتياجات الأشخاص الذين يعملون معهم. حيث يقومون بذلك من خلال التأكُّد من أنَّ أعضاء فرقهم يفهمون هدف المنظمة، ومن خلال إشراكهم في تحديد احتياجات الإنتاج.

عندما يلتزم الأشخاص بنجاح المنظمة وعندما يكون لهم مصلحةٌ في ذلك تتطابق احتياجاتهم مع احتياجات الإنتاج. يؤسس هذا بيئةً مبنيةً على الثقة والاحترام وهذا ما يؤدي إلى الشعور بالرضى، وزيادة الحافز، والحصول على نتائج مميزة. يتبنى قادة الفرق على الأرجح نهج النظرية ع في التحفيز كما ذكرنا سابقاً.

ملاحظة:

أضاف "بليك" وزملاؤه أسلوبي قيادةٍ إضافيين بعد موت "موتون" في عام 1987 للأسباب الموضحة أدناه على الرغم من أنَّ أيَّاً من الأسلوبين لم يظهرا في الشبكة.

  • الإدارة الأبوية: يستخدم المدير الأبوي أسلوبي "النادي الريفي" و"الإنتاج أو الاندثار". يمكن لهؤلاء القادة أن يكونوا قادةً داعمين ولكنَّهم سيسعون أيضاً إلى حماية مناصبهم فهم لن يواجهوا بالتقدير أيَّ شخصٍ يحاول التشكيك بالطريقة التي يفكرون فيها.
  • الإدارة الانتهازية: إنَّ أسلوب الإدارة هذا ليس من بين الأساليب المذكورة في الشبكة لأنَّه من الممكن أن يظهر في الشبكة في أيِّ لحظة. حيث يضع المدير الانتهازي احتياجاته في المقام الأول ويتلاعب بالشبكة ليتبنى أيَّ نهجٍ يحقق له الفائدة. كما يتلاعب بالآخرين ويستفيد منهم ليحصل على ما يرغب فيه.

ثانياً: تطبيق شبكة بليك-موتون الإدارية:

من المهم أن تفهم أسلوبك في الإدارة أو القيادة بحيث تستطيع بعد ذلك تحديد طرائق للوصول إلى منصب مدير الفريق الذي تسعى إليه.

الخطوة الأولى: حدد أسلوبك في القيادة:

  • اذكر خمس أو ست حالات كنت فيها قائداً مؤخراً.
  • حدد لنفسك مكاناً على الشبكة لكل حالة من الحالات وذلك وفقاً لما تعتقد أنَّه المناسب لك.
  • استخدم اختبار الإدارة الذاتي لمساعدتك على تحديد الميزات التي تتمتع بها.

الخطوة الثانية: حدد المجالات التي يمكنك فيها أن تحسِّن مهارات القيادة لديك وتطورها:

  • هل قبلت بالقيادة "المعتدلة" لأنَّها أسهل من السعي للوصول إلى المزيد؟ فكر فيما إذا كان أسلوبك يناسب الحالة التي أنت فيها.
  • إذا كنت تشعر أنَّك تهتم جداً بالمهام يمكنك أن تحاول إذاً إشراك أعضاء فريقك في حل المشاكل بشكلٍ إبداعي، أو تحسين طريقة التواصل معهم، أو تحسين مهارات المنتورينغ لديك. أو إذا كنت تميل إلى التركيز على الأشخاص بشكلٍ كبير فقد يعني هذا أن تكون أوضح فيما يتعلق بجدولة المواعيد، ومراقبة تقدم المشاريع، أو تحسين عملية اتخاذك للقرارات.
  • راقب أداءك باستمرار، وراقب الحالات التي تعود فيها إلى العادات القديمة السيئة.

الخطوة الثالثة: ضع الشبكة في موضع التنفيذ:

يُعدُّ أسلوب إدارة الفريق غالباً النهج الأكثر فعالية، ولكن ثمة حالاتٌ معينة تتطلب الاهتمام بمجالٍ محدد أكثر من غيره من المجالات. على سبيل المثال إذا كانت شركتك في خضم إحدى عمليات الاندماج أو بعض التغيرات المهمة الأخرى فقد يكون من المقبول التركيز على الأشخاص أكثر من الإنتاج وذلك لتوجيههم وطمأنتهم خلال وقتٍ من الممكن أن يكون وقتاً صعباً. وكذلك عندما تواجه إحدى الحالات الطارئة كالمصاعب الاقتصادية، أو الأخطار المادية يمكن أن يوضع الاهتمام بالأشخاص جانباً لفترةٍ قصيرةٍ على الأقل من أجل الوصول إلى الكفاءة وتحقيق نتائج جيدة.

ملاحظة:

لقد تطورت نظريات القيادة بشكلٍ طفيف منذ أن أصدر "بليك" و"موتون" نموذجيهما منذ نصف قرنٍ مضى. وخاصةً أنَّه أصبح يُنظر إلى السياق الذي تحدث ضمنه عملية القيادة بوصفه دافعاً مهماً من دوافع أسلوب القيادة. وفي العديد من الحالات يتحول مدير الفريق الذي يُعدُّ المدير المثالي ليصبح "مديراً تحويلياً". لذا استخدم الشبكة الإدارية كنموذجٍ مساعد لتحديد أسلوب القيادة الأساسي لديك ولكن لا تتعامل معه كـ "حقيقةٍ مطلقة".

النقاط الرئيسة:

تساعدك شبكة بليك-موتون الإدارية على التفكير في أسلوب القيادة الخاص بك وتأثيراته على إنتاجية فريقك واندفاعه. من خلال المقارنة بين الاهتمام بالنتائج والاهتمام بالأشخاص تلفت الشبكة انتباهك إلى أنَّ الاهتمام بأحد المجالات بشكلٍ كبير على حساب المجالات الأخرى يؤدي إلى نتائج سيئة. كما أنَّها لا تشجع على التوصل إلى تسوياتٍ معتدلة وغامضة. ويقترح النموذج أنَّه عندما يكون الاهتمام كبيراً بالأشخاص والنتائج ستصبح على الأرجح مشاركة الموظفين والإنتاجية في غاية الروعة. على الرغم من أنَّ الشبكة لا تعالج بشكلٍ شامل السؤال المعقد: "أيُّ أسلوبٍ للقيادة هو الأفضل؟"، إلا أنَّها تشكل منطلقاً رائعاً للتفكير في أداءك وتحسين مهارات القيادة العامة لديك.

 

المصدر: هنا




مقالات مرتبطة