سيكولوجية الانتقام: لماذا هي مجزية؟

كان أحد المدونين يسرق أفكاري، وقد أغضبني ذلك غضباً شديداً، ورحتُ أطرق الأرض بقدميَّ، وأزمجر حتى سال لعابي، وأشتم وألعن كالقراصنة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "فانيسا فان إدواردز" (Vanessa Van Edwards)، وتُحدِّثنا فيه عن طريقة التعامل مع الرغبة في الانتقام.

في الواقع إنَّني أعطي جزءاً من قلبي، وتذوب رؤوس أصابعي في كلِّ مرة أكتب فيها؛ لأنَّني مولعة بالكتابة، إنَّني أبحث باستمرارٍ عن أفكارٍ وصورٍ وموضوعات مقالاتٍ في حياتي اليومية، ولدي صفحاتٍ وصفحاتٍ من الملاحظات المتصلة بمقالات مُحتملةٍ.

أقضي أسابيع في تحسين الموضوعات، والعثور على الأبحاث، وصياغة العنوانات؛ لأتأكَّد من أنَّ كلَّ شيء أكتبه مناسب وغير ممل؛ لذا اعتراني الغضب الشديد عندما أدركت أنَّ أحد المدونين كان يسرق موضوعات مدونتنا؛ إذ بعد مرور أسبوعين أو ثلاثة على نشرنا محتوىً ما نرى منشوراً مشابهاً بصورة لافتة للانتباه على مدونته، مع إشارة إلى الأبحاث والاقتباسات ذاتها.

لقد أغضبني الأمر بشدة؛ إذ كان يسرق كل جهودنا، فكان رد فعلي الأول أنَّني:

  • أردت أن أفسد علامته التجارية.
  • أردت أن أنتقد مقالاته نقداً لاذعاً.
  • أردت أن أعاقبه.

لقد كان شعوراً قوياً للغاية، حتَّى دفعني إلى البدء بالبحث فيما يتعلق بسيكولوجية الانتقام، واكتشفت البذور العلمية لهذا المقال، وقبل أن أتطرق إلى الطريقة التي عاملتُ فيها وحش المدونات هذا، إليك ما عثرت عليه في علم وسيكولوجية العقاب.

ما هو الانتقام؟

الانتقام: هو فعل إلحاق الإساءة أو الأذى بشخصٍ ما، بوصفه رد فعلٍ على أذىً أو خطأ وقع من طرفه، إنَّه الرغبة بإنزال العقاب، إنَّه خلاصة كثير من الأعمال الدرامية التلفزيونية، والملاحم السينمائية، ولكن هل يجب أن يؤدي دوراً هاماً في حياتنا الواقعية؟

أريد اكتشاف هذا العلم المُبهم والسري والغامض، ومعرفة سيكولوجية الانتقام؛ فبقدر ما نكره أن نعترف بالأمر إلا أنَّ الانتقام هو واحدٌ من المشاعر الشديدة التي تراود كل إنسانٍ حيٍّ.

هل سبق أن تعرَّضت للظلم، وتمنيت لو بإمكانك معاقبة الجاني؟ هذه رغبةٌ موجودةٌ في داخلنا، والانتقام قوةٌ داخليةٌ شديدةٌ يجب أن نسعى لفهمها.

إقرأ أيضاً: ما العلاقة بين عقلك الباطن والتسامح؟

علم الانتقام:

أرادت مجموعةٌ من الباحثين السويسريين أن يعرفوا ما الذي يحدث داخل الدماغ عندما يحظى أحدهم بفرصة الانتقام، فأجروا ما يأتي:

  • فحص أدمغة الأشخاص الذين تعرضوا للظلم تواً خلال لعبةٍ في المختبر.
  • بعدها منح الباحثون المشاركين المظلومين الفرصة لمعاقبة الآخرين، وسجلوا النشاط الحاصل في أدمغة الضحايا لمدة دقيقةٍ كاملةٍ في أثناء تصوُّرهم للانتقام الممكن.
  • لاحظ الباحثون للتوِّ اندفاع النشاط العصبي في النواة المُذنَّبة، وهذا هو الجزء من الدماغ المسؤول عن معالجة المكافآت.

الفكرة الرئيسة: وجدت هذه الدراسة أنَّ الانتقام في لحظته مُحفَّزٌ جداً بأي حال، فقد أرادوا أن يعرفوا شيئاً واحداً إضافياً: أيظل الانتقام مجزياً؟

تأثير الانتقام على الأمد البعيد:

غالباً ما نحسب أنَّ الانتقام هو شكل من أشكال التحرر العاطفي، وأنَّه سيساعدنا على الشعور بالتحسن، تُصوِّر لنا الأفلام الانتقام عادةً على أنَّه طريقةٌ للحصول على خاتمةٍ بعد إساءةٍ، ولكن في الحقيقة يحمل الانتقام التأثير المناقض لذلك.

على الرَّغم من أنَّ اللحظات القليلة الأولى تبدو مجزيةً في الدماغ، فقد وجد علماء النفس أنَّه عوضاً عن تخفيف الحقد يطيل الانتقام من عمر الشعور بعدم الراحة الناتج عن الإساءة الأصلية، وعوضاً عن تحقيق العدالة غالباً ما يختلق الانتقام دورةً من الثأر.

يقول الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون (Francis Bacon): "الإنسان الذي يبحث عن الانتقام تبقى جروحه مفتوحة، ولولا ذلك لاندملت".

شاهد بالفديو: 15 قول عن التسامح والغفران

ما هي فائدة الانتقام؟

يعيد الانتقام فتح الجروح العاطفية، ويسهم في تفاقمها، حتى لو كنت تقصد أن تنزل العقاب على أحدهم بسبب إساءته لك، فإنَّ الأمر ينتهي بك بمعاقبة نفسك؛ لأنَّك لا تستطيع أن تُشفى.

لكن ماذا تفعل إن وقع عليك الظلم؟ كيف يمكنك معاملة مشاعر الانتقام العاطفية الشديدة؟ ماذا تفعل إن شعرت برغبة مُلحَّة في الانتقام؟

توجد طريقةٌ صحيةٌ لمعاملة هذه المشاعر، ويمكنها أن تساعدك على الشفاء، وتمنح دماغك الكمية نفسها من التحفيز، وبلا عواقب.

انتقام صحيٌّ:

هل أنت جاهز؟ هذه الفكرة مستوحاةٌ من المغني الأمريكي الرائع غزير الإنتاج فرانك سيناترا (Frank Sinatra) حيث يقول: "أفضل انتقام هو النجاح الهائل"؛ لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بتسلل الرغبة المظلمة بالانتقام إلى روحك أريدك أن توجِّه هذه المشاعر الحادة نحو النجاح.

  • وجهها نحو أهدافك.
  • وجهها نحو العمل الجاد لتحقيق ما تريده.
  • وجهها نحو التطور.

اجعل الجزء المسؤول عن المكافأة في دماغك ينبض بالتفكير بالشعور الذي ستعيشه عندما تصل إلى أهدافك، وهكذا تحوِّل التركيز إليك وإلى مهمتك، وتجعل مرتكب الإساءة خارج الموضوع تماماً، وهذا هو مكانه بالضبط.

إقرأ أيضاً: لكي تضمن تقدمك في الحياة لا بد أن تتقن فن التغافل!

نهاية سعيدة خالية من الانتقام:

كما توقعتَ لم أُفسِد علامةَ منافسي التجارية، ولم انتقد مقالاته انتقاداً لاذعاً، ولم أنتقم منه، فبعد قراءتي لهذه الدراسة قررت أن أحوِّل تركيزي تماماً عمَّا كان يفعله، وأصبُّ كل طاقتي في جعل مدونتنا أفضل من قبل، ففي الحقيقة، لقد أعطتنا سرقته لمحتوانا واحدةً من أفضل الأفكار التي حظينا بها يوماً حول مدونتنا، مثل:

  • علينا أن نجعل محتوانا غير قابل للسرقة.
  • يمكن لأي أحد أن يكتب عن الدراسات، يمكن لأي أحد أن يضيف رموزاً نقطيَّةً، ولكن لا يستطيع الجميع أن يشاركوا قصصاً، أو يجروا بحوثاً أصليةً، أو يصنعوا مقاطع فيديو رائعة.
  • ألهمني هذا السارق لأرفع مستوى منشوراتنا؛ فبدلاً من نشر الخطوات الأساسية، والرموز النقطية دفعتُ فريقنا إلى ابتكار رسومٍ إبداعيةٍ، وتصوير فيديوهاتٍ رائعةٍ وتعديلها، وألا ننشر أيَّ مقال قبل أن نحصل على أمثلةٍ رائعةٍ بحق من الحياة الواقعية.

أجل لقد صعَّب هذا الأمر عليه السرقة إلى حدٍّ كبيرٍ، (وهو الآن لا يسرق إلا من حين لآخر فقط)، ولكن الأهم من ذلك حسَّنَت فعلته مدونتنا بالنسبة إلى قُرَّائنا، وازداد عدد المشاركات التي نحصل عليها والتعليقات والإعجابات.




مقالات مرتبطة