سلّم التجريد، النجاح في إيصال الحقائق للجمهور

هل شعرت من قبل أنّ عينيك كانتا نصف مُغمضتين خلال عرضٍ تقديميّ، أو حاولت ولم تكن قادراً على إنهاء قراءة تقرير عضو الفريق؟ أو ربّما كنت الشخص الذي يقوم بعرضٍ تقديميّ لخطابٍ قد أعددت له بعنايةٍ ولكن تمنّيت أن تبتلعك الأرض لأنّه لم يسِر كما يجب. قد يكون من الصّعب جذب انتباه الجمهور طوال مدّة الكلام، أو التقرير، أو حتى خلال مجرّد محادثة، لاسيّما في مكان عملٍ مزدحم. ولكن يمكن لأداةٍ مثل سلّم التجريد المساعدة هنا، من خلال السماح لك بموازنة كلماتك بحيث تُشرك جمهورك فيها. في هذا المقال، سنكتشف سلّم التجريد، ونُظهر كيف يمكنك استخدامه لتقوية مهاراتك في الكتابة والتحدّث وحتى مهاراتك في التفكير.



1. حول نموذج سلّم التجريد:

قام اللّغوي "صموئيل هاياكاوا" بتعميم سلّم التجريد لأوّل مرّة في كتابه الذي صدر في عام 1939، "اللغة في العمل" (Language in Action).

حيث يُعدّ نموذجاً مفيداً لوصف الطريقة التي يفكّر ويتحدّث ويكتب الناس بها على مستوياتٍ مختلفة، وهي أداةٌ مفيدةٌ لتواصلٍ أفضل. يعتمد السلّم على أُسُسٍ متينةٍ - تماماً كما ينبغي أن يكون عليه سلّمٌ حقيقيّ.

اللغة في هذا المستوى محدّدة ومُفصّلة وملموسة، على سبيل المثال قد تتحدّث عن شيءٍ مادّي، مثل قلمك، أو كرسيٍّ بذراعين تحبُّ الجلوس عليه، أو كلبك الأليف. وعندما تصعد كلّ درجةٍ في السُّلَّم، أنت تصعد مستوياتٍ متزايدةً من التجريد نحو مفاهيم واسعة ونحو المعنى. فعندما تصل إلى قمّة السلّم، عليك أن تفكّر في مفاهيم مثل القوّة والحياة والجماليات. وهي مختلفةٌ عن النهاية السفليّة للسلّم، حيث الأمور "حقيقية أو مادّية" بالنسبة للإحساس الجسدي.

بين طرفي السلّم (في وسط السلّم)، سترى أنّ اللغة أقلّ "واقعيّة" من اللغة أسفل السلّم، ولكنها ليست تجريدية كما في الأعلى. في هذه المنطقة المتوسطة يمكنك أن تسمع عن الكتابة أكثر من السّماع عن القلم الذي قام بالكتابة، أو عن الاسترخاء أكثر من السّماع عن الكرسي الذي تسترخي عليه.

يكون التّواصل أكثر فاعليةً عندما تتحرّك لأعلى وأسفل السلّم، ناسجاً الحقائق الصعبة والتفاصيل مع مفاهيم "الصورة الأكبر" والرؤى.

إقرأ أيضاً: كيف تتقن مهارات التَّواصل الفعال في منزلك وعملك

فيما يلي مثال لحالة استخدام النطاق الكامل للسلّم: "لقد حقّق يوسين بولت العظمة من خلال التفاني والعمل الجاد على مضمار الجري":

  • إنّ فكرة "العظمة" هي في قمة السلّم.
  • "التفاني والعمل الجاد" في وسطه.
  • "مضمار الجري" في أسفل السلّم.

ملحوظة: لا تقع في فخ الاعتقاد بأنّ طريقة تفكيرك أفضل لأنّها تقع أعلى السلّم، أو أنّه يجب عليك تجنّب الدرجات السفلى منه. كلّ درجةٍ تمثّل مستوىً مختلفاً من التّواصل، ولكلٍّ منها استخداماته.

استخدم هاياكاوا نموذج "البقرة بيسي" (Bessie the cow) لشرح كيف ينتقل التفكير والتّواصل من المادّية إلى التجريدية. هنا في هذه الصورة كيف تظهر البقرة بيسي على سلّم التجريد:

نموذج سلم التجريد (مثال البقرة بيسي)

السلّم من الأسفل للأعلى:

  • عَمَلِيّة "البقرة": الذرّات والجزيئات وما إلى ذلك التي يتكوّن منها هذا الحيوان.
  • البقرة التي نتصوّرها: وهنا البقرة التي ندركها، ليست كلمة "بقرة"، ولكن الشيء الذي نراه. نحن نتجاهل مُسبقاً بعض التفاصيل، مثل ممّا صُنعت منه بالفعل.
  • بيسي: وهو الاسم الذي نطلقه على الكائن المُدرَك. عندما نفعل هذا، نحن نهمل المزيد من الخصائص مثل لونها.
  • البقرة: عند الإشارة إلى بيسي كبقرة، نحن نستخدم الخصائص المجرّدة التي هي مشتركة بين جميع الأبقار - وليس خاصّةً لبيسي.
  • الماشية: في هذا المستوى من التجريد، نستخدم الخصائص التي تتشارك بيسي بها مع حيوانات المزرعة الأخرى لجمعها مع الماشية.
  • قيمة المزرعة: عندما نشير إلى بيسي كقيمة للمزرعة، فإنّنا ننظر فقط إلى الخصائص التي تتشاركها مع الأشياء القيّمة الأخرى في المزرعة.
  • القيمة: كلمة "قيمة" تأخذ بيسي من سياق فناء المزرعة إلى مستوى أعلى وأوسع من التجريد حيث أنّها مجرّد نوع من الموارد القيّمة. وهنا تبقى بعض التفاصيل المحدّدة حول بيسي في هذا المستوى من التجريد.
  • الثروة: أعلى مستوى من التجريد، والذي لا نعلم منه أيّ شيءٍ تقريباً عن بيسي.

2. كيف يُستخدم سلّم التجريد؟

يمكنك استخدام سلّم التجريد كأداةٍ لتحسين تواصلك، سواءً كنت تخطّط لخطابٍ أو كتابة نشراتِ صحافةٍ أو التحدّث مع زميلٍ لك، أو مجرّد التفكير في شيءٍ ما. يحتاج الجمهور إلى معلومات محدّدة لفهم المفاهيم المجرّدة.

انظر، على سبيل المثال، في القائد المُلهم الذي يركّز على "الصورة الكبيرة" عند الإعلان عن اتّجاه جديد لمنظمته، ولكن يفشل بدعم رؤيته بطرق مادّية للوصول إلى هناك. فيغادر الناس وهم يتساءلون ماذا سيفعلون.

يحتاج الجمهور أيضاً إلى معرفة معنى التفاصيل. على سبيل المثال، تقدّم مديرةٌ رزمةً من البيانات إلى رؤسائها، ولكنّها لا تشرح آثارها أو أهميتها. المشكلة في كلا السيناريوهين هي أنّ الشخص الذي يتحدّث يتواصل من درجةٍ واحدةٍ فقط من السلّم، بدلاً من التناوب بين المادّي والتجريدي. فهو إمّا غامضٌ جدّاً أو مُفصِّلٌ جدّاً بحيث لا يشاركه الجمهور، ولا يقدّم سوى جزءاً مما يحتاج أعضاؤه إلى معرفته. وهذه يسمى "المستوى التجريدي الميّت". ولكن سلّم التجريد يساعدك على تجنّب ذلك من خلال إشراك الناس بطريقةٍ كاملةٍ ومتوازنة.

يمكن أن يكون سلّم التجريد مفيداً بطرق أخرى أيضاً - على سبيل المثال، عندما تحتاج إلى التفكير النقدي أو استخدام حل المشكلات الإبداعي، يشجّعك صعود وهبوط السلّم على النظر في المشاكل من مختلف المستويات. ويمكن أن يساعدك على توسيع تفكيرك وإفساح المجال أمام وجهات نظرٍ جديدة، أو للحدّ منها وتحديد تركيزك.

3. كيف نطبّق سلّم التجريد؟

إذا كنت في مراحل التخطيط، فكّر مُسبقاَ وانظر ما الذي سيحتاج جمهورك أن توصله لهم. اكتب قوائم بموضوعات "الدرجات السفليّة" و"الدرجات العليا" للسلّم، وخطّط كيف ستتحرّك بينهما.

إذا كنت في منتصف كتابة تقرير، أو حتّى منتصف تقديم خطاب، وتشعر أنّك تفقد جمهورك، توقّف للتفكير ما إذا كان يحتاج جمهورك إلى مزيدٍ من التفاصيل أو المزيد من التجريد. تنجح الكتابة والتحدّث إلى الجمهور بشكلٍ أفضل عندما تتحرّك لأعلى وأسفل السلّم. حاول التنقّل بين المادة والتجريد خلال كلّ فقرة، أو حتى خلال الجمل عند الاقتضاء.

عندما تذهب إلى الدرجات الوسطى من السلّم، لا تبقى هناك. إذا تواصلت مع جمهورك لفترةٍ طويلةٍ عند هذا المستوى، فلن تعطي جمهورك تفاصيل كافية لفهم الأساسيات، أو التجريد الكافي لفهم المعنى الأكبر الخاص بك.

إقرأ أيضاً: 6 أخطاء جسيمة قد يقع فيها المتحدثون أمام الجمهور

3. 1. هبوط السلّم:

الناس الذين يتحدّثون من أعلى السلّم يميلون إلى أن يكونوا مُلهمين وذوي بصيرة. ولكن، في حين أنّ التجريد يجعل اللغة مثيرة، فإنّها يمكن أن تبدو جوفاء أو نائية، لذلك تحتاج إلى إعادة رسالتك إلى المادّية.

الخطوة الأولى هي أن تسأل، فأسئلة "كيف؟"، مثل: "كيف سوف يحدث هذا؟" و"كيف يرتبط هذا بك؟"، سوف تساعدك هذه الأسئلة على مقارنة المُثل العليا والقيم المجرّدة الخاصة بك مع الأشياء اليومية التي يمكن لجمهورك تحديدها بفهم.

فيما يلي بعض الطرق الأخرى لتهبط السلّم:

  • استخدم أوصافاً حيّة لمساعدة الناس على فهم الأساسيات.
  • قل لهم كيف يبدو الموضوع، وماذا يفعل بشكلٍ جيد، وما الخطأ الذي يمكن أن يحدث.
  • استعمل الوسائل البصرية مثل الرسومات والصور.
  • ناقش الأمثلة ودراسات الحالة والحكايات لإحياء المناقشات.
  • ادعم المفاهيم التجريدية الخاصة بك ببيانات وإحصاءات محدّدة.

3. 2. صعود السلّم:

إذا وجدت أنَّ جمهورك يفقد الاهتمام أو يكافح لفهم الغرض من الحقائق والأرقام الخاصة بك، فاصعد السلم. السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: "لماذا؟"، فالحديث عن سبب أهميّة شيءٍ ما، يأخذك لأعلى السلّم ويربط التفاصيل مع نظريّاتك وأهدافك والأمور التجريدية الأخرى.

فيما يلي بعض النصائح لصعود السلّم:

  • اجمع التفاصيل معاً لتشكيل أنماط واتّجاهات، للكشف عن الطريقة التي تربط بها الأساسيات بالتجريدات الخاصة بك. تُعدّ المخطّطات والرسوم والخطوط البيانية الأخرى أدوات مفيدة هنا.
  • سوف يعاني جمهورك لمعرفة أهميّة تفاصيل محدّدة إذا بدت معزولة، لذلك ناقش السياق الأوسع وساعدهم على رؤية "الصورة الأكبر".
  • شكّل ملّخصات وتحدّث عن استنتاجاتك، وبينما تفعل ذلك استحضر القيم التي ستجذب جمهورك - على سبيل المثال، النجاح أو التغيير.

3. 3. البقاء على نفس المستوى "المستوى الميت من التجريد":

له مكانه في بعض الأحيان. فقد تكون التفاصيل والتحديدات كلّ ما يحتاجه جمهورك أحياناً. وفي أوقاتٍ أخرى، ينجح أن تكون فقط تجريدياً. ليس عليك أن تقفز باستمرار صعوداً وهبوطاً في السلّم إذا لم يكن ما يحتاجه جمهورك في ذلك الوقت. قل، على سبيل المثال، أنّك بحاجةٍ إلى السير في فريقك خلال عمليةٍ معقّدةٍ من سير العمل أو إعطائهم توجيهات إلى مصنع المورّد في جميع أنحاء المدينة. إذا تحدّثت بأسلوب التجريد، من المُحتمل أن يصبح الفريق مشوّشاً للغاية. وبالمثل بما أنَّ التجريدات غامضة، يمكنك استخدامها لمصلحتك كلّما احتجت إلى تجنّب إعطاء تفاصيل محدّدة عندما تحاول الحفاظ على سريّة المعلومات، على سبيل المثال.

 

المصدر: موقع "مايند تولز"




مقالات مرتبطة