سلبيات الذكاء العاطفي

يبدو الذكاء العاطفي أمراً رائعاً؛ فهو قدرة تتيح لك إدراك العواطف وتحديدها وإدارتها، ومن ثمَّ نحن جميعاً نريد التحلِّي به والتعامل مع أشخاصٍ واعيين ذاتياً واجتماعياً ومتعاطفين مع غيرهم، إنَّه أمر منطقي، كما أنَّه من المعروف أنَّ الذكاء العاطفي مرتبط بكلِّ شيءٍ جيد، بدءاً من الأداء القيادي، ونجاح الأعمال، إلى تقليل التوتر، والشعور بالسعادة.



ولكن ماذا لو عرفت أنَّ ثمَّة جانب مظلم للذكاء العاطفي؟ في الواقع، الذكاء العاطفي هو القدرة على تحديد العواطف وفهمها والتحكم بها، ليس عواطفنا فحسب؛ وإنَّما عواطف الآخرين أيضاً؛ لذا قد يُستخدَم كوسيلة للتلاعب بالسلوك، وهذا ما لا يُقال عنه.

هذا ليس كلاماً مثيراً للجدل؛ بل أمرٌ مُتفَق عليه، ولكن إذا قال المؤلفون والمستشارون والمدربون التنفيذيون إنَّ "أدولف هتلر" (Adolf Hitler) كان بارعاً في الذكاء العاطفي مثل "مارتن لوثر كينغ الابن" (Martin Luther King Jr)، فلن يبيعوا الكثير من الكتب.

في الواقع، عندما تتقن التحكم بعواطفك، يمكنك إخفاء مشاعرك الحقيقية؛ لذا يستطيع القادة ذوو الدوافع الأنانية استغلال إتقانهم للعاطفة كأسلحة للتلاعب بالآخرين، وقد تكون العواقب وخيمة.

بالإضافة إلى ذلك، ثمَّة حقيقة لا يقولها الكُتَّاب والمدربون في كتبهم وخطبهم وجلساتهم التدريبية الحماسية والتحفيزية، وهي أنَّ اختبار الذكاء العاطفي ليس اختباراً علمياً، كما يستطيع الأذكياء عاطفياً التلاعب بنتائج الاختبار، وتحصيل أعلى الدرجات إذا أرادوا ذلك؛ لأنَّهم يعرفون بالضبط كيفية الإجابة عن كل سؤال للحصول على أعلى درجة، على الرغم من أنَّ الاختبار مصمم خصيصاً لمنع حدوث ذلك.

تكمن المشكلة في أنَّ اختبارات الذكاء العاطفي هي اختبارات ذاتية تعتمد على الإدراك الذاتي؛ فبينما قد تقول: "من السهل بالنسبةِ إليَّ التعبير عن مشاعري" أو "أستطيع الحفاظ على هدوئي تحت الضغط" قد يقول زملاؤك في العمل أو زوجتك أنَّك لا تفعل ذلك على الإطلاق.

وفي حين أنَّ الاختبارات تطرح السؤال نفسه بعدَّة طرائق مختلفة في محاولة لتحسين دقتها، فإنَّ المفارقة الكبرى هي أنَّ أولئك القادرين على فهم عواطفهم والتحكم بها بارعون للغاية في إخبار الناس بما يعتقدون أنَّهم يريدون سماعه؛ بعبارة أخرى، كلما كان المرء مضلِّلاً ونرجسياً ومعتلاً اجتماعياً، كان من الأسهل عليه التلاعب بنتيجة الاختبار والتظاهر بالإدراك الذاتي، وفي الحقيقة، لا يُعدُّ اختبار الذكاء العاطفي علمياً بأي حال من الأحوال، ومن ثمَّ لا معنى لنتائجه.

إقرأ أيضاً: اختبار الذكاء العاطفي (الانفعالي)

لا يتنبأ الذكاء العاطفي بأداء القائد أو نجاح الأعمال:

ثمَّة العديد من الادعاءات غير الصحيحة التي تربط الذكاء العاطفي بالعديد من الأمور الجيدة، مثل الأداء القيادي، ونجاح الأعمال، وتقليل التوتر، وتحقيق السعادة الشخصية، ولكن أظهر تحليل تلوي حديث نُشر في "مجلة علم النفس التطبيقي" (Journal of Applied Psychology) عدم وجود ارتباط واسع بين الذكاء العاطفي والأداء الوظيفي؛ ممَّا يثبت خطأ الادعاءات القائلة بأنَّ الرؤساء التنفيذيين والمديرين التنفيذيين وقادة الأعمال ذوي الذكاء العاطفي العالي أكثر نجاحاً من غيرهم.

في عصرنا، هناك قادة لا يتبيَّن أنَّهم يتمتَّعون بذكاء عاطفي أو يهتمون به على الأقل، وهناك أيضاً قادة قد يهتمون بهذا الأمر؛ وهذه هي الفكرة، يختلف كلُّ شخص عن الآخر، وثمَّة العديد من الطرائق المختلفة لتصبح قائداً بارعاً للغاية وتتمتع بحياة مهنية ناجحة وتؤسس شركة عظيمة، والذكاء العاطفي ليس مؤشراً على أي من هذه الأشياء.

يزعم "ترافيس برادبيري" (Travis Bradberry)، أحد المشاركين في تأليف كتاب "الذكاء العاطفي 2.0" (Emotional Intelligence 2.0) أنَّ 90% من أصحاب الأداء المتميز يتمتعون بذكاء عاطفي عالٍ، كما تشير فحوصه في الذكاء العاطفي إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص الناجحين قادرون بطريقةٍ ما على تجنب كل عيب في السلوك الإنساني تقريباً؛ فهم لا يقارنون أنفسهم بالآخرين، ولا يستسلمون إطلاقاً، ولا يفكرون في أفكار متشائمة، ولا يؤمنون بالفشل، ولا يفقدون وجهة نظرهم، ولا يقضون الوقت مع الأشخاص السلبيين، ولا يحملون أيَّة ضغائن.

ولكنَّ هذا في الواقع ليس منطقياً، فقد يكون معظمنا تعامل مع أشخاص ناجحين، ورأى أنَّهم بشر من لحم ودم مثلنا جميعاً؛ لذا من الغريب أن نصدق بأنَّ 90% من الأشخاص الناجحين هادئين جداً ومتحكمين بأنفسهم لدرجة أنَّهم لا يسمحون لفكرة سلبية واحدة بالسيطرة عليهم.

شاهد بالفيديو: 6 صفات تدلّ على صاحب الذكاء العاطفي

لا يؤدي الوعي العاطفي إلى تغيير السلوك:

أحد المبادئ الأساسية لمؤيدي الذكاء العاطفي هو أنَّ الوعي يؤدي إلى تغيير السلوك؛ فيزعمون أنَّه من خلال قراءة كتاب أو إجراء اختبار أو الذهاب إلى ندوة، ستصبح أكثر وعياً بمشاعرك، وأنَّك بالممارسة ستصبح قائداً أفضل وأكثر نجاحاً في العمل، ولكن إذا كان الأمر بهذه البساطة حقاً، فلن يحتاج الناس إلى سنوات من العلاج والعمل الجاد والانضباط لتغيير سلوكهم ما دام سيمكِّننا الوعي من التغلُّب على ميولنا المدمرة للذات وتجنُّب كل المآزق التي تجعلنا أقل سعادة ونجاحاً في الحياة.

في الواقع، يتكون العقل البشري من طبقات عدَّة من المسارات العصبية التي تتكوَّن وتتعزَّز على مدى عقود، ومن ثمَّ لا يقتصر الأمر على عواطفنا الداخلية وسلوكنا فحسب؛ بل ثمَّة أسباب وجيهة للغاية وراء تطور أدمغتنا بهذه الطريقة.

لا شك أنَّ الوعي الذاتي أمر جيد جداً، ولكن من السهل جداً أن نخطئ في تحليل العواطف والسلوك السطحي؛ وذلك لأنَّنا لا ننظر إلى العواطف الحقيقية المدفونة في أعماقنا؛ وهذا هو السبب في أنَّ التغيير السلوكي الهادف طريق طويل وشاق ومؤلم في كثير من الأحيان، ومن ثمَّ لن تغيِّر دراسة الذكاء العاطفي أي شيء.

المصدر




مقالات مرتبطة