سبل منع انتشار فيروس كورونا مع إعادة افتتاح المدارس في أنحاء العالم

لقد أُغلِقت المدارس في جميع أنحاء العالم في أوائل ربيع عام 2020، واضطر نحو 1.5 مليار يافع بحلول أوائل شهر أبريل/ نيسان إلى البقاء في منازلهم كجزءٍ من الإجراءات الواسعة لتوقف الدوام المدرسي؛ وذلك لحماية الناس من تفشي فيروس كورونا المستجد.



ورغم أنَّ التدابير الوقائية الصارمة المتبعة في العديد من الأماكن حول العالم قد لاقت نجاحاً لافتاً، وأدت إلى إبطاء انتشار فيروس كورونا "سارس-كوف-2" (SARS-CoV-2) المسبب لمرض كوفيد-19 (COVID-19)؛ ولكنَّ الأمر قد طال، وأصبحت الأسابيع شهوراً، وبدأ أطباء الأطفال والمعلمون يُعربون عن قلقهم من أن تُلحِق عمليات إيقاف الدوام وإغلاق المدارس ضرراً بالأطفال، خاصة مع ظهور أدلة على أنَّ الأطفال نادراً ما يعانون من أعراض حادة جراء الإصابة بمرض كورونا "كوفيد-19" (COVID-19)، وأنَّ الحالة الالتهابية (المشابهة لداء كاوازاكي) -التي شُخِّصت لأول مرة في شهر أبريل، والتي تعقب العدوى بالفيروس عند بعض الأطفال- غير شائعة، ويمكن علاجها عموماً.

تهدد عمليات إيقاف الدوام المستمر بـ "تقليص فرص الحياة، وترك أثر سلبي في جيلٍ كاملٍ من اليافعين"، وذلك وفقاً لتصريح وقَّع عليه أكثر من 1500 عضو في الكلية الملكية البريطانية لطب وصحة الأطفال (RCPCH)، ونُشِر في شهر حزيران من عام 2020.

يشكل التعليم الافتراضي ظلاً باهتاً للتعليم الحقيقي، ويترك العديد من الآباء تائهين بين وظائفهم، وبين تقديم الرعاية المناسبة لأطفالهم؛ كما يعاني الأطفال الذين ينتمون إلى عائلات محدودة الدخل ويعتمدون بشكلٍ أساسيٍّ على الوجبات الغذائية المقدمة في المدرسة من الجوع؛ وقد أُشير أيضاً إلى أنَّ بعض الأطفال كانوا يعانون من سوء المعاملة المتزايد، وأنَّه لم يعد بوسع العاملين في المدرسة الانتباه إلى أيِّ علاماتٍ ناتجةٍ عن تلك المعاملة السيئة والإبلاغ عنها؛ ونتيجةً لذلك، بدأت تتنامى الآراء التي تدعو إلى عودة الأطفال إلى المدارس عاجلاً، وقد سارعت أكثر من عشرين دولة حول العالم إلى تنفيذ تلك الإجراءات بحلول أوائل شهر يونيو/حزيران.

لقد تفاوتت الإجراءات الوقائية المتبعة بين البلدان بشكلٍ كبيرٍ، ففي حين قد طبقت معظمها سياسة إغلاق المدارس والمنشآت التعليمية الأخرى وغيرها من الأماكن؛ لم تطبق البلدان الأخرى سياسة الإغلاق هذه على الإطلاق، بما فيها: تايوان ونيكاراغوا والسويد، فقد كانت تلك تجربة غير منضبطة ومحفوفة بالمخاطر؛ لذا لجأت بعض المدارس فيها إلى فرض قيود صارمة على الاتصال الوثيق بين الأطفال واقترابهم من بعضهم بعضاً، في حين سمحت لهم مدارس أخرى باللعب بحرية؛ كما وقد فرضت بعضها الالتزام بالأقنعة الواقية، بينما آثرت أخرى جعلها اختيارية؛ وعمدت السلطات المعنية إلى إغلاق بعض المدارس مؤقتاً عند تشخيص حالة واحدة فقط بالإصابة بمرض كورونا "كوفيد-19" (COVID-19)، في حين لم يُغلَق بعضها الآخر حتى بعد تأكيد انتشار العدوى بين العديد من الأطفال والموظفين، ولم يُرسَل سوى المرضى وأولئك الذين كانوا على اتصالٍ مباشرٍ معهم إلى الحجر الصحي.

تقول "كاثرين إدوارد" (Kathryn Edwards) اختصاصية بالأمراض المعدية للأطفال في كلية الطب في جامعة فانديربيل (Vanderbil)، حول كيفية إعادة فتح المدارس: "إنَّ البيانات عن نتائج الفحص الطبي نادرة، وأجد الأمر محبطاً للغاية، وقد أمضى مساعدي في الأبحاث ساعات كثيرة في البحث عن بيانات متعددة، مثل: دور الطلاب الأصغر سناً في نشر الفيروس مقارنة بالطلاب الأكبر سناً، وحالات تفشي الفيروس التي تلت عمليات إعادة فتح المدارس؛ لكنَّه لم يجد إلَّا قليلاً من البيانات التي توضح خطر انتشار العدوى في المدارس".

من ناحية أخرى، ظهرت بعض الأنماط المشجعة حينما نظر المختصون إلى استراتيجيات إعادة فتح المدارس في جنوب أفريقيا وفنلندا، حيث تبنَّت هذه الدول مزيجاً من إبقاء مجموعات صغيرة من الطلاب وفرض ارتداء الأقنعة الواقية والتباعد الاجتماعي، الأمر الذي ساعد في الحفاظ على سلامة طلاب المدارس والمجتمعات، وقلل من احتمال نقل الأطفال الصغار الفيروس إلى بعضهم بعضاً أو إلى أهاليهم؛ ولكن كما يتفق الخبراء، لا يتعلق افتتاح المدارس بشكلٍ آمنٍ بالتعديلات التي قد تقوم بها المدرسة فحسب، بل وبمدى انتشار الفيروس في المجتمع أيضاً، والذي يؤثر في احتمال نقل الطلاب والموظفين للفيروس إلى فصولهم الدراسية.

يقول "أوتو هيلف" (Otto Helve)، اختصاصي الأمراض المعدية للأطفال في المعهد الفنلندي للصحة والرعاية الاجتماعية: "إنَّ تفشي المرض في المدارس أمرٌ لا مَفَرَّ منه، ولكن هناك أنباء طيبة".

يبدو أنَّ فوائد الذهاب إلى المدارس مع إجراء بعض التغييرات على الإجراءات الروتينية اليومية فيها، تفوق المخاطر؛ على الأقل عندما تكون معدلات الإصابة في المجتمع منخفضة، ويكون المسؤولون عن ذلك على أهبة الاستعداد لعزل الحالات المصابة والمخالطين لهم.

ما هي احتمالية التقاط الأطفال للفيروس ونقله؟

وجدت عدة دراسات أنَّ الأشخاص دون سن 18 عاماً أقل عرضة إلى الإصابة بالفيروس بمقدار الثلث إلى النصف مقارنة بالبالغين، وتبدو المخاطر أقل عند الأطفال الأصغر سناً، ويبقى السبب وراء هذا موضع دراسة مكثفة؛ لكن، تقدم مدينة "كريبي إن فالوا" (Crépy-en-Valois) التي يسكنها خمسة عشر ألف شخص في الضواحي الشمالية لباريس، بعض التأكيدات على أنَّ العمر الأصغر يرتبط بتناقص مخاطر الإصابة بالمرض ونقله إلى الآخرين.

عندما ظهرت أعراض تنفسية طفيفة على اثنين من معلمي مدرسة ثانوية في أوائل شهر فبراير/شباط، لم يشتبه أحد بوجود مرض كورونا "كوفيد-19" (COVID-19)، حيث كان موسم البرد الشائع والإنفلونزا لا يزال مستمراً، وكان مسؤولو الصحة يفترضون أنَّ فيروس كورونا لا زال يقتصر في الغالب على الصين، ولم يدرك المدرسون أنَّهم قد أُصِيبوا بفيروس (SARS-CoV-2) إلَّا في 25 فبراير/شباط، وذلك بعد أن نُقِل أحد معارفهم إلى المستشفى في باريس.

كان الفيروس ينتشر بحرية في المدرسة لمدة 12 يوماً على الأقل قبل بدء العطلة الشتوية في 14 شباط/فبراير، وقبل أن تتخذ فرنسا أيَّ تدابير وقائية أو إجراءات احترازية لمنع انتشار الفيروس.

بدأ "آرنود فونتانيت" (Arnaud Fontanet) -عالم الأوبئة في معهد باستيور (Pasteur)- وزملاؤه بحثاً في مدينة "كريبي إن فالوا" (Crépy-en-Valois) في أواخر شهر آذار/ مارس لمعرفة ما إذا كان بوسعهم أن يحدوا من انتشار الفيروس ووصوله إلى المدينة ومدارسها، وقد أظهر اختبار الأجسام المضادة في إحدى المدارس الثانوية إصابة 38% من التلاميذ، و43% من المعلمين، و59% من الكادر الإداري بالعدوى، وكان قد أُدخِل العديد من الأشخاص ذوو الصلة بالمدرسة إلى المستشفى بسبب مضاعفات مرض كورونا "كوفيد-19" (COVID-19)؛ كما وأظهر البحث نفسه على المدارس الابتدائية إصابة عدد من الأطفال بالفيروس، والذين من المرجح أن تكون العدوى قد انتقلت إليهم من أفراد أسرهم والتحقوا بمدارسهم وهم مصابون، وأنَّ هؤلاء لم ينقلوا الفيروس إلى أيٍّ ممَّن خالطوهم، بحسب ما يمكن للباحثين الإفصاح عنه.

كان الأطفال جاهزين عندما أعيد فتح المدرسة في أبيدجان ، ساحل العاج ، في مايو

يقول "فونتانيت" (Fontanet)، الذي شارك نتائج المدرسة الثانوية في الثالث والعشرين من إبريل/نيسان، ونتائج المدارس الابتدائية في التاسع والعشرين من يونيو/حزيران: "لا يزال الأمر مجرد تخمين؛ ولكن يجب على طلاب المدارس الثانوية أن يكونوا حذرين للغاية؛ فهم قد يعانون من أعراض بسيطة للمرض، ولكنَّهم قد يكونون معدين بشدة. ومن ناحية أخرى، إنَّ الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 11 أو 12 عاماً قد لا ينقلون العدوى بشكلٍ كبير، وعلى الرغم من قربهم من بعضهم في المدارس، لكنَّ هذا لا يبدو كافياً لزيادة انتشار الفيروس".

لاحظ العلماء في الوقت نفسه أنَّ الأطفال لديهم اتصالٌ وثيقٌ بين بعضهم أكثر من البالغين، وخاصةً في المدرسة؛ ممَّا قد يعوض أهبتهم المنخفضة لنشر العامل الممرض.

كما تشير حالات تفشٍّ أخرى للمرض إلى أنَّ تلاميذ المدارس الابتدائية يشكلون تهديداً أقل من الطلاب الأكبر سناً؛ فعلى سبيل المثال: أصاب تفشي المرض 96 شخصاً في مدرسة ثانوية في نيوزيلندا قبل الإغلاق العام للبلاد، بما في ذلك: الطلاب والمعلمين والموظفين وأولياء الأمور؛ وعلى النقيض من ذلك، شهدت مدرسة ابتدائية مجاورة لتلك حالات قليلة فقط.

لا تزال الصورة غير واضحة في مختلف أنحاء العالم، حيث أُصِيب تسعة من أصل 11 طالباً في صف دراسي ابتدائي في "ترواه ريفييريس" (Trois-Rivières) في كندا، وذلك بعد إصابة أحدهم بالفيروس بسبب اختلاطه بالمجتمع.

وتأتي بيانات أخرى من مراكز الرعاية النهارية لأطفال العمال الأساسيين، فقد ظلت هذه المراكز مفتوحة للأطفال في العديد من البلدان، وبدا انتشار المرض نادراً فيها، حيث أدى تفشي الفيروس في اثنين من أماكن الرعاية الكندية -أحدهما في تورنتو، والآخر خارج مونتريال- إلى فرض إغلاق مؤقت.

في تكساس، حيث ارتفع إجمالي حالات الإصابة بشكلٍ كبير، أُثبتت إيجابية الاختبارات لـ 894 موظفاً و441 طفلاً في 883 منشأة لمرحلة ما قبل المدرسة على الأقل، وذلك وفقاً للتقارير الإخبارية؛ وكان هذا الارتفاع تالياً لإجمالي 210 حالة قبل بضعة أسابيع فقط.

يمكن لتتبع حالات الإصابة في المدارس كلٌّ على حدة -كما فعل فونتانيت وزملاؤه- أن يوضح اختلاف مسار انتقال الفيروس بين الأطفال على اختلاف أعمارهم.

هناك دليلٌ آخر حول الانتشار المتعلق بالعمر، وهو يتلخص في الجدول الزمني للعدوى الجديدة التي تحدث في "كريبي إن فالوا" (Crépy-en-Valois)، حيث انخفضت حالات الإصابات الجديدة بين طلاب المدارس الثانوية والعاملين فيها بشكلٍ حادٍّ بمجرد بداية العطلة الشتوية؛ ولكن في المدارس الابتدائية، بقيت معدلات الإصابة الجديدة -المنخفضة بالفعل- ثابتةً، حيث يقول فونتانيت (Fontanet) أنَّ هذا النمط يشير إلى إصابة الطلاب صغار السن بالفيروس من خلال الاختلاط بأفراد أسرهم وليس بزملائهم في الفصل الدراسي، في الوقت الذي كان فيه طلاب المدارس الثانوية يصابون بالعدوى من المدرسة.

إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 10 خطوات للوقاية من فيروس كورونا

هل ينبغي أن يلعب الأطفال معاً؟

الوضع أشبه بالمدرسة النموذجية: تعليمات لأطفال ما قبل المدرسة (الحضانة) لقضاء فترة الاستراحة باللعب بمفردهم في حيزٍ مخصصٍ لهم، وإبلاغ الأطفال في الثامنة من العمر بعدم التحدث مع أصدقائهم، وتذكير تلاميذ المدارس المتوسطة بالابتعاد عن زملائهم عند دخول المبنى أو مغادرته.

تبنَّت الكثير من المدارس مع عودة افتتاحها التباعد الجسدي بين الطلاب لمنع انتشار الفيروس؛ ولكن على الرغم من فعالية هذه الاستراتيجية، إلَّا أنَّها تترك مزيداً من العلماء وأطباء الأطفال وأولياء الأمور غير مطمئنين على الإطلاق؛ فهم يتوقون إلى التوصل إلى حلٍّ وسطٍ يحمي المجتمعات المحلية من مرض كوفيد-19 (COVID-19)، ويدعم في الوقت نفسه الصحة العقلية لليافعين.

تقول اختصاصية علم الأوبئة في جامعة مونتريال "كيت زينسر" (Kate Zinszer): "لابد من وجود مستوىً من المخاطر التي قد نتعرض إليها في حال كان الطفل في المدرسة"؛ بينما يقول "راسيل فينر" (Russell Viner)، رئيس الكلية الملكية البريطانية لطب وصحة الأطفال (RCPCH): "ينبغي على الأطفال أن يعودوا إلى الحياة الطبيعية الصحية في المدرسة في أقرب وقتٍ ممكن، حيث يركضون ويلعبون ويضحكون ويتجادلون فيما بينهم".

راهنت بعض البلدان منذ بداية انتشار فيروس كورونا عالمياً على سلسلة من الأبحاث التي تشير إلى أنَّه من غير المرجح أن ينقل الأطفال الصغار الفيروس، فعلى سبيل المثال: خفضت المدارس في هولندا عدد الفصول الدراسية إلى النصف، ولكنَّها لم تفرض التباعد بين الطلاب دون سن 12 عاماً عندما أُعِيد افتتاحها في إبريل/نيسان؛ في حين اعتمدت مدارس أخرى نموذج "الكبسولة (pod)" كحل وسط، وذلك بفصل الطلاب عن بعضهم بعضاً وتخصيص حجرة لكلِّ طفل في المدرسة؛ وقد قسَّمت الدنمارك -وهي أول دولة أعادت فتح المدارس في أوروبا- الأطفال ضمن مجموعات صغيرة قد تجتمع مع بعضها بعضاً في فترات الاستراحة، وأوجدت طرائق إبداعية لمنح هذه المجموعات أكبر مساحة ممكنة وهواءً نقياً قدر الإمكان، ودرَّست بعض الصفوف التعليمية في إحدى الحدائق العامة؛ أمَّا في بلجيكا، فقد عُقِدت بعض الفصول الدراسية في الكنائس للحفاظ على التباعد الاجتماعي بين الطلاب؛ فيما حافظت فنلندا على العدد المعتاد في الفصول الدراسية، ولكنَّها منعت اختلاط الصفوف المختلفة فيما بينهم.

في لندن ، يلعب الأطفال بشكل منفصل في ملعب المدرسة

بدأت العديد من الدول الأخرى مع حلول فصل الربيع إعادة النظر في تطبيق التباعد الاجتماعي ضمن المدارس، حيث أعلنت مقاطعة كيبيك الكندية -التي أعادت فتح العديد من المدارس الابتدائية في شهر مايو/أيار، مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي الصارم- عن خطط الخريف التي تسمح للأطفال بالاختلاط الاجتماعي والتحدث بحرية في مجموعاتٍ من ستة أفراد، مع بقاء كلِّ مجموعة على بعد مترٍ واحدٍ من مجموعات الطلاب الأخرى، وعلى بعد مترين من المعلمين.

ورغم أنَّه جرى تصوير أطفال فرنسيين وهم يجلسون داخل ساحات استراحتهم في شهر آيار/ مايو في أمكنة مخصصة لكلٍّ منهم، إلَّا أنَّ مراكز الرعاية النهارية هناك قد تخلَّت الآن عن جميع قواعد التباعد الاجتماعي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات وما دون، مع الإبقاء على الطلاب الأكبر سناً على بعد مترٍ واحدٍ على الأقل من الآخرين في أثناء تواجدهم داخل الصفوف؛ فيما أعلنت هولندا مؤخراً أنَّ أيَّ شخصٍ تحت سن السابعة عشرة لا يحتاج إلى التباعد الجسدي.

لا يعتمد هذا التغيير على نصيحة أطباء الأطفال فحسب، بل وأيضاً على الجوانب العملية؛ إذ لا يترك التواجد ضمن المدرسة مجالاً كبيراً للتباعد.

هل ينبغي على الأطفال ارتداء الأقنعة الواقية؟

قد تنتشر الأقنعة بشكل كبير في المدارس، ولكن قد يجد الأطفال ارتداء هذه الأقنعة لساعات طويلة غير مريح أكثر من البالغين، وقد يفتقرون إلى الانضباط الذاتي لارتدائها دون لمس وجوههم أو تحسس أنوفهم؛ لكنَّ السؤال هنا: "هل تقدم هذه الأقنعة أيَّ فوائد للصحة العامة؟".

تقول "سوزان كوفين" (Susan Coffin)، طبيبة الأمراض المعدية في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا (Philadelphia): "بالنسبة إلي، الأقنعة جزء هام من المعادلة لإبطاء انتشار فيروس كورونا "كوفيد-19" (COVID-19) في المدارس، وخاصة عندما يكون التباعد الاجتماعي صعباً بين الطلاب؛ إذ تعدُّ قطيرات الجهاز التنفسي وسيلةً رئيسةً لانتقال الفيروس، ويعدُّ ارتداء قناع واقٍ عقبةً في مسار انتشار تلك القطرات".

تعدُّ الأقنعة الواقية مقبولةً بشكلٍ كبيرٍ في الصين وكوريا الجنوبية واليابان وفيتنام، إذ يرتدي الكثير من سكانها هذه الأقنعة خلال موسم الإنفلونزا، حيث تفرضها المدارس على الطلاب والمدرسين كافة.

تسمح الصين للطلاب بإزالة القناع الواقي لتناول طعام الغداء فقط، حيث يُباعَد بين الطلاب بواسطة فواصل بلاستيكية أو زجاجية.

كان تناول الطعام شأنا انفراديا في بكين في أوائل يونيو، وذلك بعد وقت قصير من إعادة فتح العديد من المدارس

لم تبقَ الأقنعة الواقية الموضوع الرئيس الأكبر في أماكن أخرى، حيث يرتديها الطلاب في الأروقة أو الحمامات في بعض المدارس في ألمانيا؛ ولكن يمكن إزالتها عند الجلوس في مقاعدهم المتباعدة عن بعضها بعضاً، وقد اتبعت النمسا هذا النهج في البداية، ولكنَّهم تخلوا عن أهمية ارتداء الأقنعة الواقية للطلاب بعد بضعة أسابيع، وذلك عندما لاحظ المسؤولون انتشاراً محدوداً للمرض داخل المدارس؛ بينما كان ارتداء القناع اختيارياً لكلٍّ من الطلاب والموظفين في كلٍّ من كندا والدنمارك والنرويج والمملكة المتحدة والسويد.

لا تتمتع جميع البلدان بقدراتٍ كافيةٍ لفرض ارتداء القناع الواقي وربطه بالعلم والمتعة، حيث تفرض جمهورية بينين ارتداء الأقنعة الواقية في الأماكن العامة، ولكن نظراً إلى ارتفاع التكلفة بالنسبة إلى العائلات، فلا تستبعدُ المدارسُ الطلابَ الذين لا يرتدونها؛ كما عاد طلاب غانا إلى المدارس في مايو/أيار وهم يرتدون الأقنعة، وذلك في حال كانوا يملكونها فقط؛ وتكافح جنوب أفريقيا -التي تواجه ارتفاعاً متزايداً في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا- لتوفير الأقنعة المجانية لجميع الطلاب الذين يحتاجون إليها.

كما قد يكون ارتداء الأقنعة صعباً جداً في بعض البلدان بسبب ارتفاع درجات الحرارة، الذي يجعلها غير محتملة لكلٍّ من الطلاب والمعلمين؛ ممَّا اضطر العديد من المدارس إلى تجاوز مسألة وضع الأقنعة خلال أيام الحرّ الشديد، وربَّما ساهمَ هذا في زيادة معدلات انتشار الفيروس فيها.

شاهد بالفيديو: الإجراءات الوقائية الواجبة في المدارس في ظل وباء كورونا

ماذا ينبغي أن تفعل المدارس عند تأكيد إصابة شخص معين بفيروس كورونا؟

باختصار: لا أحد يعلم، ويعود ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ إلى الافتقار للبيانات الكافية حول عدد حالات الإصابة غير المكتشفة بعد، والتي قد تكون في مرحلةٍ لا عرضيةً عند ظهور إصابةٍ واحدةٍ أو أكثر.

لذا يتساءل "إدواردز" (Edwards): "ما هي أفضل طريقة للتعامل مع العدوى؟ هل نغلق قاعة الفصل الدراسي فقط؟ أم نغلق المدرسة بأكملها؟".

فضلت بعض المدارس عزل الأشخاص المخالطين للأشخاص المصابين فقط، فعلى سبيل المثال: يُرسَل زملاء الطالب المصاب ومعلموه في ألمانيا إلى منازلهم للحجر الصحي لمدة أسبوعين، في حين تستمر الفصول الأخرى؛ وقد كانت مقاطعة كيبيك (Quebec) في كندا تفعل الشيء نفسه بشكلٍ عام؛ وقد أظهرت تقارير إخبارية إصابة ما لا يقل عن 53 طالباً ومعلماً بعد إعادة فتح العديد من المدارس في أيار/ مايو، لكن يعتقد المسؤولون أنَّ العديد من هذه الإصابات التُقِطت من المجتمع خارج المدرسة، في حين كان المسؤولون في مناطق أخرى أكثر حذراً؛ أمَّا تايوان التي نجحت في منع تفشي الفيروس إلى حدٍّ كبير، فقد أبقت المدارس مفتوحةً بعد إصابة حالةٍ واحدة، وقالت أنَّها ستغلق أبوابها عند إصابة شخصين أو أكثر، وهو وضع لم تواجهه حتى الآن.

في الواقع، قد يساعد الفحص الواسع النطاق في المدارس -بما في ذلك فحص الأطفال الذين لا يعانون من أيِّ أعراض- المسؤولين في اختيار السياسة الأكثر فعالية للتعامل مع المرض، وقد بدأت حكومة المملكة المتحدة مؤخراً دراسةً لمعرفة ما هو أكبر عددٍ من المدارس يمكن إخضاعها للفحص الطبي في جميع أنحاء إنجلترا، حيث سيُجري المشروع اختباراً للفيروس والأجسام المضادة له للطلاب والموظفين في الحضانات والمدارس الابتدائية والثانوية عدة مرات خلال 6 أشهر، في محاولة لرسم خريطة لأنماط انتقال وانتشار الفيروس.

في برلين، أطلق باحثون من مستشفى جامعة شاريتي (Charité) دراسةً في 24 مدرسة في 15 يونيو/حزيران، والتي ستفحص مجموعة من 20 إلى 40 تلميذاً و5 إلى 10 موظفين من كلِّ مدرسة كلَّ 3 أشهر لمدة عامٍ واحدٍ على الأقل، حيث سيبحث الباحثون عن كلٍّ من العدوى النشطة والأجسام المضادة لتحديد حجم العدوى غير المكتشفة والتهديد الذي تشكله للطلاب والموظفين؛ كما بدأت دراسة مماثلة هذا الأسبوع في 138 مدرسة تمهيدية ومدرسة ابتدائية في جميع أنحاء إقليم بافاريا (Bavaria).

هل تنشر المدارس الفيروس إلى المجتمع؟

حذر الخبراء من أن تشكل المدارس المفتوحة خطراً أعظم على المعلمين وأفراد الأسرة والمجتمع ككل مقارنةً بالخطر الذي قد يسببه الطلاب لأنفسهم، وذلك نظراً إلى أنَّ الأطفال نادراً ما يعانون من أعراض حادة للمرض.

يشعر العديد من المعلمين وغيرهم من موظفي المدارس بالتوتر الشديد إزاء العودة إلى قاعات الفصول الدراسية، وهذا أمرٌ يمكن فهمه جيداً؛ ففي دراساتٍ استطلاعية للمناطق المدرسية الأمريكية، يقول ما يصل إلى ثلث الموظفين أنَّهم يفضلون البقاء بعيداً، وقد يجد العلماء القليل من التقارير عن الوفيات أو المضاعفات الخطيرة الناجمة عن مرض (COVID-19) بين العاملين في المدارس، ولكنَّ المعلومات ضئيلة للغاية.

لقد توفي العديد من المعلمين فعلاً بسبب مضاعفات هذا المرض في السويد، حيث لم تُعَدّل المدارس حجم الفصول الدراسية، ولم تجرِ تعديلات جوهرية أخرى.

تشير البيانات الأولية من البلدان الأوروبية إلى أنَّ الخطر الذي يهدد المجتمع ككل ضئيل نسبياً، حيث لا يبدو أنَّ فتح المدارس التي تتخذ بعض الاحتياطات والإجراءات قد سبب قفزةً كبيرةً في معدلات الإصابة في أماكن أخرى، على الأقل عندما تكون معدلات الإصابة المحلية منخفضة.

يصعب التأكد من ذلك؛ ذلك لأنَّ المدارس عادت إلى فتح أبوابها في أغلب الأماكن، بالتزامن مع جوانب أخرى من الحياة العامة؛ لكن في الدنمارك، استمرت أعداد الإصابات في الانخفاض على الصعيد الوطني بعد افتتاح مراكز الرعاية النهارية والمدارس الابتدائية في الخامس عشر من إبريل/نيسان، وقد جرى عقب ذلك فتح المدارس المتوسطة والثانوية في شهر أيار/ مايو؛ أمَّا في هولندا، فبقي عدد الإصابات الجديدة ثابتاً ثمَّ انخفض بعد أن فتحت المدارس الابتدائية أبوابها بدوام جزئي في 11 أيار/مايو، وفتحت المدارس الثانوية في 2 حزيران/يونيو؛ وفي فنلندا وبلجيكا والنمسا أيضاً، يقول المسؤولون أنَّهم لم يجدوا أيَّ دليلٍ على زيادة انتشار فيروس كورونا المستجد بعد إعادة فتح المدارس.

عامل رعاية صحية يفحص درجة حرارة طفل في مومباي ، الهند. السؤال الرئيسي هو ما إذا كان افتتاح المدارس يغذي انتشار فيروس كورونا الجديد خارج جدرانها

في دراسة أوسع لحالات انتشار فيروس كورونا (COVID-19) في جميع أنحاء العالم، جمعت عالمة الأوبئة "غوين نايت" (Gwen Knight) في كلية "مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة" وزملاؤها البيانات قبل أن تُغلَق معظم المدارس، وتقول: "لو كانت المدارس هي المحرك الرئيس لانتشار الفيروس، لَكُنَّا نتوقع أن نجدَ مزيداً من حالات الانتشار المرتبطة بالمدارس؛ وهذا ليس ما وجدناه. إنَّه من الصعب أن نعرف على وجه اليقين الدور الذي قد تلعبه المدارس دون إجراء اختبارات واسعة النطاق على اليافعين الذين لا يعانون من الأعراض في كثيرٍ من الأحيان".

في الوقت نفسه، يمكن أن تغير المدارس المفتوحة التوازن الإجمالي للأشخاص المصابين من خلال زيادة الحالات بين الأطفال؛ ففي ألمانيا، ارتفعت النسبة الكلية للإصابات الجديدة للأطفال دون سن 19 عاماً من حوالي 10% في أوائل شهر مايو/أيار إلى ما يقرب من 20% في أواخر يونيو/حزيران عندما أُعِيد فتح المدارس؛ ولكن قد يفسر الفحص الطبي الأوسع نطاقاً وانخفاض عدد الحالات بين كبار السن أيضاً تلك الزيادة.

إقرأ أيضاً: هل يجب علينا ارتداء القناع الطبي للوقاية من فيروس كورونا؟

ماذا ينتظرنا في المستقبل؟

ظلَّت المدارس التي أُغلِقت في شهر مارس/آذار في أغلب أنحاء العالم مغلقةً طيلة فترة العطلة الصيفية، وسيشهد هذا الخريف موجةً من إعادة فتح المدارس؛ ولكن قد تستمر فترة العطلة إلى أجلٍ غير مسمى بالنسبة إلى ملايين الأطفال المعرضين إلى خطر الإصابة بشكلٍ خاص.

تفتقر العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض إلى الموارد اللازمة لتقليص عدد الطلاب في الفصول الدراسية أو تزويد الجميع بالأقنعة الواقية؛ لذا فهي مترددة في إعادة فتح أبواب مدارسها في خضمّ تفشي الوباء.

قالت رئيسة وزراء بنجلاديش "شيخة حسينة واجد" (Sheikh Hasina) في يونيو/حزيران، أنَّه من المرجح أن تظلَّ المدارس مغلقة إلى أن ينتهي خطر مرض (COVID-19)؛ وعلى نحوٍ مماثل، قال مسؤولون في الفلبين أنَّ التعليم المدرسي لن يُستأنَف حتى يتوفر لقاح للحماية من هذا المرض.

يجري التخطيط الآن لخريف 2020 في أماكن أخرى، مثل: المكسيك، وأفغانستان والولايات المتحدة؛ فمثلاً: في الولايات المتحدة، تطلق المناطق التعليمية مجموعة متنوعة من الخطط، والتي غالباً ما تتضمن نماذج مختلطة تتضمن التعلم عن بعد بالاشتراك مع الفصول الدراسية محدودة العدد.

سيعتمد مدى حماية هذه الخطط للأطفال والموظفين والمجتمعات المحلية من فيروس كورونا (COVID-19) بشكلٍ كافٍ على أرقام الحالات المصابة وإحصائها مع اقتراب يوم الافتتاح.

شعر الناس بارتياحٍ كبيرٍ في أواخر الشهر الماضي، وذلك عندما أعلن حاكم ولاية أريزونا أنَّه سيؤخر إعادة فتح مدرسة الولاية لمدة أسبوعين على الأقل، وذلك بسبب زيادة عدد حالات الإصابة.

ستستمر الأبحاث حول هذا الفيروس؛ ورغم ذلك، يأسف العلماء لأنَّه كما كان الحال سابقاً، قد لا يتوصلون إلى التفاصيل التي يتوقون إليها فيما يخص أنماط العدوى ومسارات انتقالها، حيث يقول "إدواردز" (Edwards): "لا توجد بيئة ملائمة للأبحاث حقاً في المدارس"؛ إذ يأتي جمع البيانات من أطفال المدارس مصحوباً بالعديد من التعقيدات التي تتجاوز تلك التي تتسم بها البحوث التقليدية التي تُجرَى على الأطفال؛ فبالإضافة إلى السعي للحصول على الموافقة من الآباء والأطفال، فغالباً ما يتطلب الأمر موافقة معلمي ومديري المدارس الذين أرهقهم الواقع الجديد بالفعل.

قد يكون من غير الممكن طرح الكثير من الأسئلة لدعم عملية تكامل الأبحاث ودمجها، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها قياس نجاح استراتيجياتهم المتنوعة.

المصدر




مقالات مرتبطة