سايكولوجيا التقاط صور السيلفي وعلاقتها بالنرجسية وداء العظمة

مع اجتياح التكنولوجيا لجميع مجالات الحياة واكتساحها لجميع تفاصيل يومنا من أول لحظة استيقاظنا التي يحددها هاتفنا الذكي سواء من خلال مكالمة تردنا من أحد الأشخاص أم من خلال رنين المنبه.



إذ نتناول هاتفنا المحمول ونجري تصفُّحاً لحساباتنا على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ونرى صور الآخرين ونشاطاتهم، ويستمر تدخُّل التقنيات الحديثة في حياتنا حتى آخر لحظة من اليوم حين نغمض أعيننا ونستسلم إلى النوم، ونحن نتصفح المواقع نفسها ونشاهد الصور التي ينشرها أصدقاؤنا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما هي علاقة هوس التقاط صور السيلفي باضطراب الديسموروفوبيا بحسب وجهة نظر علم النفس؟

لا شكَّ بأنَّ دخول التقنيات إلى حياتنا بهذه القوة قد خلَّف الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية والصحية، ولعلَّ أبرزها كان ظاهرة السيلفي، ونشر الأشخاص لصورهم الشخصية مستخدمين كاميرات حديثة عالية الدقة، بالإضافة إلى استخدام فلاتر تجميلية تعدل في صورة الوجه حسب رغبة المستخدم، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الصور يراها الكثيرون من الأشخاص الذين قد لا يملكون الهواتف المتطورة نفسها أو كاميرا سيلفي عالية الدقة أو معرفة جيدة ببرامج تعديل الصور؛ مما يجعلهم يفشلون في التقاط صور جميلة لأنفسهم تضاهي جمال صور أصدقائهم، وقد يؤدي هذا الأمر إلى دخول الشخص في حالة نفسية يُطلق عليها اسم الديسموروفوبيا؛ وهي تعني عدم رضى الشخص عن شكله وتقوية اعتقاده بأنَّ الآخرين أجمل منه؛ مما يزعزع ثقة الإنسان بنفسه ويؤثر سلباً في حالته النفسية، وقد يصل الأمر إلى تقليل إنتاجيته في العمل.

كيف يمكن لصور السيلفي أن تزعزع ثقة الإنسان بنفسه بحسب وجهة نظر علم النفس؟

في بعض الحالات لا يعني وجود كاميرا حديثة أو عالية الدقة أنَّ الصورة ستكون مُرضية للشخص، إذ توجد العديد من الوجوه التي لا تناسبها الكاميرات أو لا تناسبها كاميرا السيلفي؛ وذلك بسبب الطبيعة الشكلية للوجه؛ إذ تكثر فيه التفاصيل والملامح التي لا يمكن للكاميرا أن تلتقطها كلها، ومهما كانت الكاميرا حديثة فإنَّها لا يمكن أن تتغلب على الواقع.

قد نسمع الكثير من الكلام عن أنَّ هذه الفتاة جميلة على أرض الواقع ولكنَّها أقل جمالاً في الصور أو أنَّ صور السيلفي لا تناسبها؛ لذا فإنَّ صور السيلفي قد تسبب الكآبة عند هؤلاء الأشخاص وتصيبهم بالقلق حيال مظهرهم، وقد لا يصدقون أنَّهم جميلون في الواقع أكثر من صور السيلفي.

ما هو الفارق بين صور الكاميرا العادية وصور السيلفي من الناحية السايكولوجية؟

تختلف الكاميرا العادية أو ما تُسمى الكاميرا الخلفية في الأجهزة الذكية عن الكاميرا الأمامية أو ما يُسمى بالسيلفي؛ إذ إنَّ الكاميرا الخلفية تتطلب صديقاً يستخدم الكاميرا من أجل التقاط الصور؛ وهذا أمر قد لا يتوفر في الكثير من الحالات؛ مما يعني محدودية عدد الصور التي يمكن للشخص أن يلتقطها.

على عكس السيلفي التي لا تتطلب وجود أحد من أجل التقاط الصورة سوى صاحب الصورة؛ مما يعني أنَّ المستخدم يستطيع التقاط عدد لا محدود من الصور الشخصية في أي وقت يريده؛ وهذا هو السبب الذي يجعل صور السيلفي أكثر تأثيراً من غيرها؛ إذ تزيد من قلق الشخص حيال شكله أو مظهره الخارجي؛ وذلك لأنَّها تتيح له مراقبة أي تغيير في شكله سواء كان حقيقياً أم غير حقيقي وسواء كان منطقياً أم مبالغاً فيه.

شاهد بالفديو: كيف تلتقط صورة سيلفي بشكل احترافي

هوس التقاط صور السيلفي وعلاقتها بداء العظمة:

وجد خبراء علم النفس أنَّ الأشخاص الذين يُكثرون من التقاط صور السيلفي هم أكثر عرضة للإصابة بداء العظمة أو حب الذات؛ إذ يقتصر تركيزهم في أنفسهم بشكل مبالغ فيه فتقتصر رؤيتهم على ما هو موجود أمامهم من تفاصيل صورة السيلفي؛ مما قد يدفعهم في كثير من الأحيان إلى التصرُّف بشكل أناني، وقد يصبح الغرور صفتهم الدائمة.

يرى خبراء آخرون أنَّ هذا الكلام مبالغ فيه نوعاً ما ولو أنَّه يحمل شيئاً من الصحة، ولكنَّ داء العظمة مفهوم نفسي واسع وعميق، وأغلبية أسبابه هي أسباب جذرية لها أسس في عمقِ نفسية الإنسان؛ مثل الأسباب الجينية والأسباب البيئية مثل طفولة معذبة بشكل قاسٍ؛ لذا فإنَّ تقاطعها الظاهري مع ظاهرة السيلفي قد يكون نتيجة أو عرض وليس سبباً حقيقياً؛ أي بمعنى أنَّ الإنسان الذي لديه درجة من داء العظمة يميل بشكل أكبر إلى التقاط صور السيلفي، وليست الصور سبباً في إصابته بداء العظمة.

إقرأ أيضاً: الشخصية السيكوباتية: تعريفها، وسماتها، وأسبابها، وطرق علاجها

سايكولوجيا التقاط صور السيلفي هي تسويق الإنسان نفسه:

لطالما حاول الإنسان أن يبحث عن حب نفسه وتأييدها ومحاولة تسويق هذا الحب وإشهاره أمام الناس، فلجأ إلى كتابة اسمه على الجدران في الشوارع أو على باب البيت؛ وذلك في محاولة منه لإثبات وجوده وإيهام نفسه بأنَّ له وجوداً مؤثراً على أرض الواقع، لطالما كان هاجس تحقيق الذات هاجساً محورياً في حياة الإنسان التي كان جوهرها البقاء ومحاولة الحفاظ على الذات.

وجد خبراء علم النفس أنَّ إكثار الإنسان من التقاط صور السيلفي ما هو إلَّا محاولة جديدة لإثبات نفسه وتسويقها بشكل آخر يتناسب مع متطلبات العصر من خلال استخدام الوسائل المتاحة، كما سجَّل أيضاً صوته وسجَّل مقاطع فيديو توثِّق اللحظات الهامة الخاصة به التي تعني له كثيراً على الصعيد الشخصي.

إقرأ أيضاً: الدلالات النفسية لصورتك الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي

سايكولوجيا التقاط صور السيلفي وميل الإنسان الفطري إلى طلب الاهتمام:

يفسر بعض علماء النفس ظاهرة الإفراط في التقاط صور السيلفي في رغبة الإنسان في طلب الاهتمام؛ إذ توجد لدى الإنسان حاجة غريزية إلى الشعور بالأشخاص الآخرين من حوله والإحساس باهتمامهم، وهذا قد لا يقتصر على حالات الحزن أو الإحباط التي يصبح فيها الإنسان بحاجة ماسة إلى الدعم والاهتمام والمساندة؛ هو أيضاً بحاجة إلى اهتمام الناس به في أوقات فرحه وفي لحظات إنجازه؛ إذ يحتاج إلى من يشاركه هذا الفرح ويحتاج إلى من يتباهى أمامهم بما حققه من نجاح.

هل يُعَدُّ هوس التقاط صور السيلفي اضطراباً نفسياً حقيقياً حسب وجهة نظر الطب النفسي؟

التقاط صورة سيلفي

خلال الاجتماع السنوي لرابطة الطب النفسي في الولايات المتحدة الأمريكية صُنِّفَ الهوس بالتقاط الصور الذاتية ضمن خانة الاضطرابات النفسية، وحُدِّدَت ثلاثة مستويات لهذا الاضطراب وهي:

  • المستوى الأول: الاضطراب الخفيف الذي يتضمن التقاط ثلاث صور شخصية أو أكثر في اليوم دون نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
  • المستوى الثاني: الاضطراب المتوسط أو الحاد والذي يتضمن التقاط ثلاث صور شخصية أو أكثر مع نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
  • المستوى الثالث: الاضطراب المزمن أو الشديد والذي لا يستطيع فيه الشخص السيطرة على رغبته الملحة في التقاط الصور الشخصية، وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من ست مرات في اليوم الواحد.
إقرأ أيضاً: عندما يشكل النشر على وسائل التواصل الاجتماعي محور حياتنا

ما هي علاقة هوس التقاط صور السيلفي بالنرجسية واضطراب معاداة المجتمع؟

أجرى باحثون في علم النفس دراسة على الأشخاص الذين يلتقطون الصور الشخصية بكثرة ويقضون وقتاً طويلاً في تعديل الصورة والتلاعب بالألوان والإضاءة وإضافة المكياج المناسب إلى الصورة، ومن ثم ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي ويتفقدونها بشكل متكرر، ووجدوا لديهم ملامح الشخصية النرجسية.

شملت الدراسة عدداً كبيراً من الشباب في ولاية أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية، وضمَّت الأعمار بين 18 - 40 سنة؛ إذ لاحظت الدراسة تركيز هؤلاء الأشخاص في ذواتهم أكثر من المعتاد، بالإضافة إلى اعتقادهم بأنَّهم يتفوقون على غيرهم من الناس من ناحية الذكاء والقوة والشكل الخارجي.

لقد لاحظت الدراسة نقصاً في التعاطف مع معاناة الناس الآخرين، وغلبت على بعضهم صفات التعجرف والفوقية؛ مما قد يرجِّح وجود سلوك متهور بسبب تضخم الذات، وقد يصل إلى حدِّ معاداة المجتمع.

ما هي علاقة هوس التقاط صور السيلفي باضطراب تشوه الجسم؟

يحذر الكثيرون من خبراء علم النفس حول العالم في الآونة الأخيرة أنَّ ظاهرة التقاط الناس لعدد كبير من صور السيلفي قد لا تكون مجرد إدمان على الصور أو رغبة في التسلية أو إبراز ملامح الجمال على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل قد تكون إحدى التظاهرات الأولية لاضطراب نفسي حقيقي يُعرف باسم اضطراب تشوه الجسم، والذي قد يسبب للشخص آثاراً نفسية هامة مثل الاكتئاب ونقص الطاقة، وقد تتطور الحالة إلى حدِّ محاولة هذا الشخص أن يؤذي نفسه بسبب عدم رضاه عن معالم جسده وشكله الخارجي.

يؤكد الاستشاري في الطب النفسي الدكتور ديفيد فيلي أنَّ ثلثي المرضى الذين يراجعونه في المشفى هم مصابون باضطراب تشوه الجسد منذ الثورة التقنية وظهور الهواتف الذكية التي تحمل كاميرا السيلفي، والتي شجعت الناس بشكل جنوني على التقاط الصور الذاتية أو السيلفي ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

في الختام:

لا يمكن إنكار دور التكنولوجيا في تسهيل حياة الإنسان؛ إذ لم تَعُد لدينا إمكانية التخلي عنها، فقد استحوذت على جميع تفاصيل حياتنا؛ وهذا أمر له سلبياته وإيجابياته، لكن قد تكون أهم نصيحة يجب علينا اتِّباعها في هذا العالم التكنولوجي هي تخصيص وقت للهروب منه؛ وذلك بإغلاق هواتفنا لوقت محدد ووضعها جانباً والخروج في الطبيعة بغرض التأمل وممارسة الرياضة؛ مما يساهم في تصفية الذهن وأخذه في استراحة مفيدة وضرورية تساعده على الحفاظ على التوازن العاطفي والفكري والنفسي.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة