سايكولوجيا الاغتصاب والمعتقدات الخاطئة، وهل للمرأة ذنب في حدوث الجريمة

تشكل جريمة الاغتصاب واحدة من أبشع الجرائم وأكثرها شناعة وقسوة وبشاعة بحق الإنسانية، وهي لا تحطم فقط نفسية الضحية؛ بل تتعداها إلى التأثير تأثيراً كبيراً في المنزل بأكمله من زوج وأولاد وعائلة كبرى، وتبقى في حالة معاناة نفسية قاسية جراء هذه التجربة؛ لذا، لا يمكن غض الطرف عن هذه الجريمة البشعة بأي شكل من الأشكال ولا يمكن التهاون مع المجرم؛ بل يجب تطبيق العقوبة التي تتناسب مع حجم الضرر الكبير الذي تسبب به.



سنحاول في هذا المقال أن نلقي الضوء على سايكولوجيا الاغتصاب، ونوصل فكرة أنَّ المرأة هي ضحية في الجريمة وليست شريكاً؛ وذلك وفق مبررات نفسية وعلمية ومنطقية.

ما هي المعتقدات الخاطئة حول سايكولوجيا الاغتصاب؟

في الحقيقة، يظن الكثير من الناس أنَّ الاغتصاب لا يعدو عن كونه جريمة جنسية لا أكثر ولا أقل، وينظرون إلى الأمر على أنَّه محاولة المجرم الحصول على متعة جنسية لا أكثر ولا أقل.

وللأسف الشديد فإنَّ هذا الاعتقاد يحمل في جعبته الكثير من المعاني والدلالات المختلفة لدرجة تجعل بعض الناس يلقون اللوم على الضحية؛ إذ يعتقدون أنَّ الضحية قد قامت بإثارة المجرم من خلال لباسها أو كلامها أو بعض تصرفاتها، وحرَّضت لديه تلك الأفكار الجنسية، ولا يقف بعضهم عند هذا الحد؛ بل يُحمِّلون الضحية خطيئة وجودها في المكان والزمان الخاطئين ودون أيَّة حماية؛ وهذا ما دفع بهذا الرجل إلى اغتصابها.

وعندما يتم الحديث عن هذه الأفكار دون غيرها، تتشكل معتقدات مسبقة لدى جميع أفراد المجتمع بأنَّ اللوم في حادثة الاغتصاب هو على المرأة أكثر ما هو على الرجل، ويصبح هذا الحكم حالة عامة يلصقها الناس بأيَّة حادثة اغتصاب تحدث دون النظر في ملابساتها.

ما هي الآثار السلبية التي يخلفها الفهم الخاطئ لسايكولوجيا الاغتصاب؟

هذا له الكثير من الآثار السلبية؛ وذلك لأنَّه قد يدفع الكثير من الناس إلى عدم التعاطف مع المرأة المُغتصَبة، ومن ثم عدم فهم ملابسات الجريمة وظروفها المختلفة؛ وهذا يؤدي إلى عدم محاسبة المجرم بما في هذا الأمر من انتهاك لأبسط حقوق الإنسان في الدفاع عن نفسه، ولا تتوقف الآثار السلبية لتلك الأفكار على فرار المجرم من العقوبة؛ بل إنَّ عدم محاسبته يشكل عاملاً مشجعاً للآخرين حين يعلمون أنَّ القانون لا يعاقبهم، وأنَّ له فرصة في أن يرتكب جريمته ويلقي كل أوزارها على المرأة.

الآثار السلبية للاغتصاب

ما هو الدافع الحقيقي لارتكاب جريمة الاغتصاب؟

أثبتت الكثير من الدراسات الحديثة التي أُجرِيت على عينات واسعة من الأشخاص الذين تعرضوا إلى جريمة الاغتصاب - سواءً كانوا رجالاً أم نساء - أنَّ الاغتصاب في حقيقته ليس جريمة نابعة عن حاجة جنسية؛ بل هو جريمة عنف تكون الغاية منها ممارسة الإذلال والإهانة وكسر الروح المعنوية لدى الضحية، وليس التنفيس عن حاجاته الجنسية؛ إذ إنَّ المجرم يتلذذ بالتعذيب والإذلال أكثر من الجنس بحد ذاته.

لذلك، في الحروب المختلفة سواءً في العصر الحديث أم في الحروب القديمة عبر التاريخ، كانت الدول أو التنظيمات أو الممالك القديمة تأمر جنودها باستباحة النساء في البلاد التي يحتلونها واغتصابهنَّ بطرائق بشعة وعنيفة؛ وذلك من أجل إهانة الشعب وإذلال رجاله.

من الكلام السابق نستطيع أن نصل إلى استنتاج واضح، وهو أنَّ الضحية لا تشارك بأي شكل من الأشكال في إغراء أو استدراج المجرم؛ وذلك لأنَّ جريمة الاغتصاب في أغلب الحالات هي جريمة عنف تحتاج إلى ضحية ضعيفة فقط؛ إذ نلاحظ في المجتمعات التي تكون فيها المرأة ضعيفة أو غير خاضعة إلى حماية مباشرة من رجل قوي، أنَّ هذه المجتمعات تحمل نسبة أعلى من غيرها من حيث حوادث الاغتصاب.

هل تؤدي المرأة الضحية دوراً في استدراج المجرم إلى اغتصابها؟

أُجريَت أبحاث عدَّة في الولايات المتحدة الأمريكية على عينات واسعة من الرجال الذين أُدينو بجرائم اغتصاب، ووجدَ الباحثون أنَّ ما يقارب نصف جرائم الاغتصاب حدثت بمشاركة جماعية؛ إذ يخرج رجل أو مجموعة رجال إلى الشارع أو إلى أي مكان بعيد قليلاً عن الأنظار بهدف البحث عن امرأة ضعيفة، ومن غير الهام أن تكون جميلة أو قبيحة أو فتاة صغيرة في السن أو حتى عجوزاً، ولكنَّ الهام أن تكون الضحية ضعيفة ولا تملك أي نوع من الحماية؛ إذ يتمكن المجرم من اختطافها واغتصابها.

هنا يبرهن الباحثون على أنَّ نية المجرم بالاغتصاب موجودة مسبقاً ولم توقظها الضحية؛ وبمعنى آخر، فإنَّ جمال المرأة أو لباسها أو مكياجها أو طريقة حياتها ليست عنصراً رئيساً في حادثة الاغتصاب؛ بل العامل الأهم في حدوث هذه الجريمة البشعة هو وجود امرأة دون حماية من رجل أو امرأة ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها ولا تملك سلاحاً.

هل الحاجة الجنسية هي الأساس في حدوث جريمة الاغتصاب؟

أجرى الباحثون دراسات عدة أخرى على رجال أُدينوا بجرائم اغتصاب في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كانت العينة تحتوي على الكثير من الرجال المتزوجين؛ وهذا ما يدل على أنَّ السبب الأساسي للاغتصاب ليس له علاقة بعدم وجود متنفس جنسي للرجل؛ بل هو سلوك عنيف موجود في شخصيته منذ زمن؛ وذلك لأنَّ الرجل المتزوج في أغلب الحالات يستطيع أن يمارس الجنس مع زوجته في أي وقت يريد تقريباً، ولكنَّه لا يستطيع أن يمارس معها العنف والإذلال والإهانة - على فرض أنَّ الزوجة تمتلك أهلاً يدافعون عنها - بينما يستطيع تطبيق هذه الممارسات العنيفة مع المرأة الضعيفة التي لا تتوفر لديها أيَّة حماية، وهذا ما يدل على أنَّ الجنس في حادثة الاغتصاب هو وسيلة لممارسة العنف والإذلال وليس العكس.

لماذا لا يُبلَّغ عن أغلب حوادث الاغتصاب؟

في إحصائيات كشفت عنها وزارة العدل في الولايات المتحدة الأمريكية، وجدت أنَّ 20% فقط من جرائم الاغتصاب تُبلَغ السلطات عنها، فيما تبقى 80% من جرائم الاغتصاب طي الكتمان؛ والسبب كما يقول خبراء علم النفس يكمن في أنَّ الضحية التي تعرَّضت إلى فعل شنيع كالاغتصاب لا يمكن أن نتوقع ماذا ستكون ردة فعلها؛ إذ إنَّها تعرَّضت إلى أشد أنواع الأذى النفسي، وباتت تشعر بأنَّها كائن محطم مسلوب الإرادة والكرامة؛ وبهذا الفعل عُومِلَت كالأشياء أو الأغراض الجامدة وتمت مساواتها بها؛ إذ تشعر بفقدان هويتها ككائن حي وليس فقط كإنسان فاقد الكرامة والحقوق.

شاهد بالفيديو: 8 أشكال للإيذاء الذاتي تعقد حياتك في الخفاء

ما هي ردات الفعل السايكولوجية للضحية بعد وقوع حادثة الاغتصاب؟

في الحقيقة ومن وجهة نظر خبراء علم النفس، يمكن تقسيم ردات فعل ضحية الاغتصاب إلى قسمين أساسيين هما:

1- التكتم:

تتكتَّم بعض النساء أو الفتيات على الجريمة التي حصلت بحقهن بشكل كامل؛ إذ تمتنعن عن إخبار أزواجهن أو أهاليهن أو أولادهن وكأنَّ الجريمة لم تحدث أساساً؛ بل تواجهن الحياة بنكران تام ولا تفصحن عنها، متجاهلات بذلك حالتهن الصحية والنفسية المتردية.

في حالة التكتم فإنَّ الضحية لا تذهب إلى المستشفى أبداً، على الرغم من أنَّها تعاني من آلام نفسية عميقة؛ بل تُفضِّل عدم الحديث عن الأمر بشكل كامل.

2- فقدان السيطرة:

النمط الآخر من الضحايا يتفاعل بشكل مناقض تماماً؛ إذ تفقد الضحية السيطرة على نفسها وتنهار وتطلب المساعدة على الفور، ولا يجب أن تقتصر الرعاية النفسية على هذا النمط؛ بل إنَّ نمط التكتم يحتاج إلى رعاية نفسية أكثر من الحالة الثانية؛ وذلك لأنَّ التكتم على مثل هذه الجريمة يعني أنَّ الضحية لم تتعامل مع عواطفها بشكل واقعي، وهذا ما يصعِّب العلاج بشكل كبير.

إقرأ أيضاً: كيف تستعيد زمام الأمور حينما تفقد السيطرة على حياتك؟

ما هي الأسباب التي تدفع المرأة المُغتَصبة إلى عدم الإبلاغ عن الجريمة؟

يؤكد خبراء علم النفس أنَّ سبب عدم إبلاغ الضحية عن جريمة الاغتصاب يمكن تلخيصه في ثلاثة محاور رئيسة:

1- الشرطة:

للأسف، في كثير من الحالات لا تتعامل الشرطة مع حادثة الاغتصاب بشكل مهني واحترافي؛ فقد يسأل الشرطي الضحية عن أمور لا علاقة لها بالمجرم؛ مثل أن يسألها عما كانت تقوم به قبل الجريمة أو عن مشاعرها في أثناء الحادثة.

2- المحكمة:

في كثير من المجتمعات لا تتعامل المحاكم مع المرأة على أنَّها ضحية في الجريمة التي ارتُكبَت بحقها؛ بل قد تحاول المحكمة أن تنظر في المواصفات الجسدية أو السلوكية التي قد تكون سبباً في قيام المجرم بما قام به.

3- المجتمع:

حتى في هذا العصر توجد الكثير من المجتمعات التي ترى المرأة مذنبة في جميع الأحوال؛ لذلك، تظل الضحية في حالة خوف من أن يُعالج اغتصابها نفسياً هذه المرة كما حصل معها من قِبل المجرم.

لا يمكن الإنكار بأنَّ عقوبة جريمة الاغتصاب في بعض الدول هي عقوبات خفيفة وغير رادعة، مقارنةً بالأذى النفسي الكبير والعذاب الذي ستعاني منه الضحية طوال حياتها.

إقرأ أيضاً: أكثر مظاهر العنف انتشاراً في المجتمع

ما هي الإجراءات اللازمة لمحاربة جريمة الاغتصاب؟

إنَّ محاربة هذه الجريمة ليست فقط بسنِّ القوانين والتشريعات؛ بل هي عملية مركبة وطويلة الأمد تبدأ من خلال نشر الفهم الصحيح حول الدوافع النفسية للمجرم، وتصحيح المفاهيم المغلوطة في المجتمع وهي عملية تأخذ سنوات طويلة، وعندما ينتشر الوعي الكافي حول حقيقة الاغتصاب، بالتأكيد ستأتي أجيال جديدة إلى مواقع القرار في الشرطة والمحكمة والسلطات التشريعية، وحينها لن يقوم هؤلاء إلَّا بما يؤمن الحماية اللازمة للضحية والمعاقبة العادلة للمجرم.

في الختام:

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد الفظيع من الكذب والتدليس وقلب الحقائق؛ بل يتعداه إلى أن ينظر الناس إلى الرجل الذي قام بجريمة الاغتصاب على أنَّه ضحية إغراء هذه المرأة، وأنَّه بسبب طبيعته الجنسية وعدم قدرته على ضبط نفسه أصبح ضعيفاً أمام هذه الفتنة القوية التي لا حول له ولا قوة أمامها؛ وهذا ما دفعه إلى ارتكاب الجريمة، في محاولة خسيسة جداً لتحميل المرأة ذنب إخراج هذه الرغبة الحيوانية لدى الرجل.




مقالات مرتبطة