دور الرقابة الإدارية في نجاح المنظمات

من مكونات العملية الإدارية وإحدى الوظائف الحيوية في المنظمات "الرقابة الإدارية" التي تعتمدها الدول المتقدمة بهدف تزويد الإدارة بالمعلومات اللازمة للقيام بعمليات التخطيط واتخاذ القرارات، فالرقابة الإدارية من الأدوار والأعمال الهامة داخل المنظمات التي تلازم الوظائف الإدارية الأخرى والتي تهدف للتأكد من أنَّ العمل يسير وفقاً للخطط الموضوعة والبرامج المصمَّمة وضمن القوانين والتعليمات الناظمة لعملها.



تنطوي عملية الرقابة الإدارية على قياس نتائج أعمال المرؤوسين لتحديد أماكن الانحرافات وتصحيحها بغرض التقويم وتحسين العمل والتأكد من تحقق الأهداف المرسومة وليس تصيُّد أخطاء الأشخاص، فعلى الرغم من التطور الكبير الحاصل في علوم الإدارة، يوجد الكثير من المديرين ممن ينظرون إلى عملية الرقابة الإدارية على أنَّها عملية تفتيش وكشف عن الأخطاء وتهديد أصحابها بها.

لذا قد يسود الخوف لدى الموظفين فيلتزمون بتنفيذ التعليمات خوفاً من العقوبات وليس إيماناً منهم بأهمية تحقيق أهداف المنظمة والعمل على تحسينها وتحسين مكانتهم بها، وفي الواقع الرقابة الإدارية هي وظيفة إيجابية ووسيلة للتحقق من فاعلية أعمال ونشاطات المنظمة وأداء موظفيها، فهي تضمن إنجاز العمليات بشكلها وبوقتها الصحيح وعلى يد الأشخاص المناسبين كذلك.

توضيح المقصود بالرقابة الإدارية:

الرقابة هي إحدى وظائف الإدارة التي تختص بجمع المعلومات لمقارنة الأداء الفعلي بالأداء المخطط له، فإذا وُجد الاختلاف وُجِدَت تغذية راجعة وصُحِّح مسار العمل وقُوِّم، وقد قام الباحثون والعاملون في العلوم الإدارية بتقديم مجموعة كبيرة من التعريفات الخاصة بعملية الرقابة الإدارية ولعلَّ أهمها:

هنري فايول:

الرقابة هي التحقق مما إذا كان كل شيء يحدث طبقاً للخطة الموضوعة والتعليمات الصادرة والمبادئ المحددة، وغرضها هو الإشارة إلى نقاط الضعف والأخطاء بقصد معالجتها ومنع تكرار حدوثها، كما أنَّها تطبَّق على كل شيء "الأشياء، الناس، الأفعال".

محمد عثمان إسماعيل حميد:

الرقابة هي النشاط الذي يساعد على التحقق من أنَّ أداءً تم بالكيفية المحدَّدة له طبقاً للإجراءات والقوانين التي تحكم أداء العمل الإداري العام، وكذلك التحقق من أنَّ التنفيذ يسير في اتجاه الأهداف الرئيسة المحدَّدة؛ وهذا يعني أنَّ الرقابة تهتم بالإجراءات والهدف المرجو تحقيقه في نفس الوقت.

روبرت موكلير (ROBERT MOCKLER):

الرقابة عبارة عن جهد منظم لوضع معايير الأداء مع أهداف التخطيط لتصميم نظم معلومات تغذية عكسية لمقارنة الإنجاز الفعلي بالمعايير المحددة مسبقاً لتقدير إذا ما كانت هناك انحرافات، وتحديد أهميتها لاتخاذ أي عمل مطلوب، للتأكد من أنَّ جميع موارد المنظمة يتم استخدامها بأكثر الطرائق فاعلية وكفاية ممكنة في تحقيق أهداف المنظمة.

إقرأ أيضاً: علم الادارة المفهوم والأهمية

ما هو مدى حاجتنا إلى الرقابة الإدارية في الوقت الراهن؟

يتفق جميع المهتمين بنجاح المنظمات على ضرورة وجود الرقابة ولا تقل أهميتها في المنظمات الصغيرة عن الكبيرة أو الخاصة عن العامة، فالرقابة هي الوظيفة الرابعة من وظائف الإدارة "التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة"، وهذا لا يعني أنَّها منفصلة عن تلك الوظائف السابقة لها؛ بل هي عملية مستمرة ولازمة باستمرار لها؛ إذ تسهم في اتساع المنظمات وزيادة نشاطاتها وحجمها وزيادة عدد العاملين فيها.

أهم ما يمكن أن تحققه الرقابة في مجال العمل الإداري هو التقليل من الأخطاء والحد منها ومنعها من التزايد أو التراكم، الأمر الذي يضع المنظمة في موقف حرج، وتعمل الرقابة على التخفيف من التعقيدات التي يمكن أن توجد أو تتولد داخل المنظمة، كما أنَّ استخدامها بالشكل الصحيح يضبط الإنفاق ويحقق الوفر الاقتصادي من خلال ضبط عمليات الإنتاج واتباع معايير أداء رئيسة.

كما تسهم الرقابة في الكشف عن العاملين المبدعين والناجحين في عملهم وإتاحة الفرصة أمامهم لمزيد من التميز والترقية الوظيفية، فالهدف الأسمى للرقابة الإدارية هو حماية المصلحة العامة، واتخاذ القرارات التي تحد وتمنع من الأخطاء وتحقق التعاون المطلوب بين الوحدات التنظيمية بالشكل الذي يجعلها تحقق الأهداف المرسومة بكفاءة وفاعلية، والتأكد من أنَّ كل شيء يسير ضمن القوانين واللوائح الموضوعة، ولا بد من إعادة الإشارة إلى أنَّ الرقابة وظيفة إدارية مطلوبة في كل مستويات الإدارة، والاختلاف فقط في مقدار السلطة المخولة للمدير.

أنواع الرقابة الإدارية:

الرقابة من حيث الوقت:

تصنيف الرقابة على أساس الوقت إلى "الرقابة الوقائية" التي تقوم على مبدأ توقع الأخطاء قبل حدوثها والاستعداد لمواجهتها، أما النوع الثاني فهو "الرقابة المتزامنة"؛ إذ يرافق هذا النوع من الرقابة العمل منذ بدايته حتى نهايته، ويقيس الأداء الحالي ويقارنه مع المعايير الموضوعة.

الرقابة من حيث المستوى الإداري:

تقسم هنا إلى "الرقابة على المستوى الفردي" والهدف الأساسي منها تقييم أداء العاملين ومقارنته مع معايير الأداء الموضوعة، والنوع الثاني "الرقابة على مستوى الوحدة الإدارية" والهدف الرئيس من هذا النوع هو قياس الإنجاز الفعلي للوحدة أو قسم معين من أقسامها، أما النوع الثالث من الرقابة حسب المستوى الإداري فهو "الرقابة على المستوى الكلي" والهدف منها تقييم أداء المؤسسة الكلي ومعرفة مدى كفاءتها.

الرقابة من حيث المصدر:

تقسم إلى "الرقابة الداخلية" وتكون داخل المؤسسة وتشمل كل مستوياتها الإدارية وكافة العاملين فيها، و"الرقابة الخارجية" وهي من اختصاص أجهزة الرقابة المختصة التابعة للدولة من خارج المؤسسة.

الرقابة من حيث التنظيم:

توجد "الرقابة المفاجئة" وهي التي تحدث بصورة مفاجئة دون الاستعداد لها من قِبل المدير أو رؤساء الوحدات التنظيمية، و"الرقابة الدورية" وهي التي تتم وفقاً لجدول زمني مرسوم ومحدد سابقاً؛ إذ يتم تحديدها بشكل أسبوعي أو شهري أو سنوي، والنوع الثالث هو "الرقابة المستمرة" وهي المتابعة المستمرة لأداء العمل.

شاهد بالفديو: ما هي أهداف التنظيم في العمل؟

مراحل ممارسة الرقابة:

وضع المعايير:

من أساسيات مراقبة عمل أيَّة منظمة وضع معايير محددة للمنظمة، والمعيار عبارة عن أداة قياس يمكن أن تكون كمية ويمكن أن تكون وصفية؛ إذ يتم وضعه للرقابة على أداء الأفراد أو العمليات أو الإنتاج وسواها، فلكل نشاط أو فرد داخل المنظمة معيار خاص يجب الالتزام به، لكن مهما اختلفت تلك المعايير وتعددت الأنواع يمكن رد تلك المعايير إلى مجموعتين رئيستين هما:

  1. المعايير الإدارية: التي تتسم بالوضوح وسهولة مقارنة الأداء بالمعيار مثل معايير تقييم أداء الموظفين وتقديم التقارير دورياً.
  2. المعايير الفنية: التي تحدد كيف يجب أن تكون العمليات داخل المنظمة مثل معايير الإنتاج ومعايير المواد ومعايير الآلات ومعايير السلامة المهنية.

قياس الأداء واتخاذ التدابير لتحديد العمل التصحيحي:

ترتبط عملية قياس الأداء ارتباطاً مباشراً بالمعايير الموضوعة ومدى صحتها، فلا تكفي معايير الرقابة في الكشف عن الأخطاء؛ بل تحتاج احتياجاً ضرورياً إلى مقاييس الأداء؛ إذ يحتاج أي نظام مراقبة فعال داخل المنظمة إلى آليات قياس دقيقة لقياس التقدم الحاصل أو لرصد أماكن الخلل، وغالباً ما يتم قياس الوقت والكمية بسهولة، بينما تواجه المنظمات صعوبة في القياسات النوعية مثل قياس رضى الزبون.

يُطلب في هذه المرحلة من المديرين إجراء المقارنات بين الذي يوجد وبين الذي يجب أن يوجد، فإذا كانت نتيجة المقارنة مقبولة فلا تُتخذ أيَّة إجراءات؛ بل تُصمم الخطط القادمة لتحقيق المزيد من الإنجازات، لكن إن أظهرت النتائج وجود نتائج وانحرافات غير مقبولة هنا تُتخذ التدابير لعلاج أماكن التقصير باتباع أساليب مختلفة وتحديد العمل التصحيحي الذي يجب القيام به بالتحديد.

العمل التصحيحي هو عبارة عن عمل إداري تهدف المنظمة من تنفيذه إلى تصحيح الأخطاء في المنظمة التي تقف عائقاً في وجه تحقيق إنجازاتها، وقبل أن يقوم المدير باتخاذ أي إجراء يجب أن يكون متأكداً من أنَّ عملية القياس صحيحة وموثوقة، وتوجد مجموعة من المعايير يجب أن تراعى في عملية القياس منها:

توفر شرط البراعة والدقة:

تتوقف الدقة على طبيعة العمل نفسه وعلى ذكاء وبراعة المدير في تحديد نوعية وكمية المعلومات المطلوبة للقياس وبالطريقة التي يعتمدها في استخدامها.

استخدام طرائق القياس الكمية والكيفية:

أي يجب على الإدارة أن تقيس الأرقام مثل أرقام المبيعات والكيفية مثل معرفة مدى رضى الزبائن عن خدمات أو منتجات المنظمة.

قياس رضى العاملين:

من خلال مجموعة من المعايير مثل معدل دوران العمل ووقت إنجاز المهام ومعدل الغياب وسواها.

استخدام نظام العينات في القياس:

فعندما يصعب فحص كل العينات يتم اختيار مجموعة محددة تمثل المجموعة.

تقييم المدير لكل مرحلة:

باستخدام مجموعة من الطرائق والوسائل في جمع المعلومات مثل التقارير الدورية والملاحظات الشخصية والمناقشة مع العاملين.

شاهد بالفديو: 7 استراتيجيات لإبقاء موظفيك في حالة تحفيز دائم

تصحيح الانحرافات:

إنَّ الكشف عن الأخطاء هي عملية لا تعني شيئاً للمنظمة ما لم يتم تحديد العمل التصحيحي وتنفيذه على أرض الواقع والعودة بالعمل إلى مساره الصحيح وتنحية كل سبب في وجود هذا الانحراف، وعادة ما يكون التصحيح واحداً من أربعة خيارات هي:

  • تغير ظروف العمل وتعديلها، فكلما تعقدت ظروف العمل وازداد انحرف العمل عن مساره الصحيح ووجب تعديل وتغيير ظروف العمل لإعادته إلى مساره الصحيح.
  • اختيار الموارد البشرية الكفء من الناحية الجسمية والعقلية.
  • تعديل الخطط الموضوعة.
  • العناية بالعنصر البشري وتحفيزه.
إقرأ أيضاً: العبقرية الكامنة في تكليف الموارد البشرية بإدارة متاجر شركة آبل

في الختام:

الرقابة من وظائف الإدارة في كل منظمة أو مؤسسة مهمتها قياس الأداء الفعلي بالأداء المخطَّط له، فالرقابة هي وسيلة المخطط للتأكد من مدى تحقق الأهداف الموضوعة، فهي نشاط إنساني يواكب تنفيذ السياسات والخطط؛ إذ يقف على الأداء الحالي ويحدد احتمالات حدوث الأخطاء ومحاولة تجنبها، وذلك عن طريق قياس النتائج نشاطات العمل المختلفة ومقارنتها بالمعايير الموضوعة وتحديد أوجه القصور واتخاذ القرارات التصحيحية الخاصة بها بما يحقق نمو المنظمة واستمراريتها، فالرقابة لا تُعَدُّ رفاهية للمنظمة؛ بل أصبحت أساساً في صناعة التغيير بحيث تسهم في مواجهة المشكلات ومعالجتها.




مقالات مرتبطة