دعونا نتعلم حتى لا نُصاب بالخرف

يبدأ الدماغ في النهاية مثل جميع مناطق الجسم بعملية التدهور، فقد تصل قوَّتك وقدرتك على التحمُّل إلى ذروتها عندما تكون في العشرينيات من العمر، ولكنَّ ممارسة الرياضة بانتظام تبقيك في حالة بدنية رائعة حتى تصل إلى السبعينيات من العمر، لكن في النهاية، حتى الأشخاص الأكثر لياقة بدنية سيجدون صعوبة في الحفاظ على هذا المستوى من اللياقة الجسدية.



كان الباحثون مهتمين بالعوامل التي تتنبأ بدرجة انخفاض الوظائف أو القدرات المعرفية والذهنية التي يعاني منها الأشخاص مع تقدُّمهم في العمر، وتوجد بعض الأدلة على أنَّه كلما ارتفع المستوى العام للذكاء لدى الأشخاص عندما يكونون أصغر سناً، كان عمر بدء التدهور المعرفي لديهم متأخراً أكثر.

دراسة تتناول تأثير التعليم في الوظائف المعرفية:

تشير دراسة نُشرت في عدد نوفمبر 2022 من مجلة (Psychological Science) بواسطة فريق من 10 مؤلفين برئاسة (Federica Conte) إلى أنَّ التحسينات في القدرة المعرفية في حياة الإنسان ترتبط بتراجع إدراكي أقل في الشيخوخة، وقامت هذه المجموعة بتحليل البيانات المأخوذة من مجموعة من الأشخاص في "اسكتلندا" وُلِدوا في عام 1936 وتم اختبارهم بشكل دوري على مدار حياتهم.

أجرى المشاركون في هذه الدراسة اختباراً للقدرة المعرفية العامة في سن 11 ومرة ​​أخرى في سن 70، وعموماً، ارتفعت الدرجات في هذا الاختبار من سن 11 إلى 70 عاماً، وهذا يعكس تأثير التعليم في الوظائف المعرفية وفي الحياة عموماً، وكما هو متوقَّع، تحسَّن بعض الأشخاص أكثر من غيرهم.

التعلم المستمر يعني تدهوراً معرفياً أبطأ:

أجرى نحو 1000 فرد من هذه المجموعة سلسلة أخرى من الاختبارات المعرفية كل ثلاث سنوات من سن 70 إلى 82 عاماً، وتضمنت هذه الاختبارات طرائق لتقييم التدهور في القدرات المعرفية خلال هذه الفترة الزمنية نفسها؛ إذ نظر الباحثون في مجموعة متنوعة من جوانب القدرة المعرفية، مثل سرعة المعالجة والذاكرة والقدرة البصرية.

تماشياً مع الأبحاث السابقة، فإنَّ أعلى مستوى من القدرة المعرفية لدى الأشخاص (الذي تم قياسه في سن 70) قلل سرعة تراجع قدراتهم، واكتشف الباحثون ميل الأشخاص ذوي المستويات الأعلى من الإمكانات الذهنية التي راكمتها عملية التعلم المستمر إلى التدهور بشكل أبطأ من أولئك الذين لديهم مستويات أقل من تلك الإمكانات.

كان من المثير للاهتمام في هذه الدراسة أنَّها أخذت في الحسبان تأثير المستويات الأعلى من القدرة المعرفية؛ فالأشخاص الذين زادت قدراتهم زيادة كبيرة من سن 11-70 انخفض أداؤهم المعرفي أو الذهني بشكل أبطأ من سن 70-82 من أولئك الذين زادت قدرتهم زيادة أقل من سن 11-70.

أي إنَّ الأشخاص الذين تعلَّموا كثيراً في سنوات شبابهم أظهروا انخفاضاً أقل من الأشخاص الذين لم يتعلموا إلا القليل، وتُعَدُّ هذه الدراسة الأولى من نوعها لاستكشاف العلاقة بين التعلم في الأعمار الأصغر والتدهور المعرفي في الأعمار الأكبر.

لماذا قد توجد علاقة بين التعلم والتدهور المعرفي؟

التعلم - بصرف النظر عما إذا كان يتضمن تعليماً من خلال الرسم أو الكتابة أو القراءة أو الاستماع - يقود الناس إلى تطوير عدد من الاستراتيجيات المختلفة لحل المشكلات، وتتم ممارسة هذه الاستراتيجيات في كل مرة يستخدم فيها الناس تلك المعرفة.

مع تقدُّمك في العمر، يصبح دماغك أبطأ وأقل تنسيقاً وتنظيماً، وقد يعاني من أضرار وأحداث بيولوجية وكيميائية وغيرها بسبب الشيخوخة والتقدم بالعمر، ويتراكم هذا الضرر ويزيد من صعوبة التفكير بفاعلية.

هذا ما يسبب التدهور المعرفي، لكن كلما تعلمت مزيداً من الاستراتيجيات التي تساعدك وتحثك على التفكير، زادت احتمالية قدرتك على إيجاد طرائق لحل المشكلات حتى بعد تعرُّضك لمثل هذه الأضرار.

شاهد بالفديو: 5 نصائح ذهبيّة لتعزيز طاقة الدماغ

تأثير التدهور المعرفي في عمليات التعلم:

قد يؤثر التدهور المعرفي في عمليات التعلم، ومع تقدُّم الناس في العمر، قد يواجهون انخفاضاً في القدرات المعرفية مثل الذاكرة والانتباه وسرعة المعالجة، كما قد تجعل هذه الانخفاضات الحصول على معلومات جديدة والاحتفاظ بها صعباً على كبار السن، والتركيز على المهام الجديدة، وتعدُّد المهام، وكذلك يؤثر التدهور المعرفي أيضاً في مهارات حل المشكلات والقدرة على التكيف مع المواقف الجديدة.

كيف يؤثر تعلُّم مهارات جديدة في الوظيفة الإدراكية؟

من ناحية أخرى، قد يكون للانخراط في عمليات تعلُّم جديدة تأثير إيجابي في الوظيفة الإدراكية، ومن المحتمل أن يؤدي إلى إبطاء التدهور المعرفي؛ إذ أظهرت الدراسات أنَّ تعلُّم مهارات جديدة، مثل لغة جديدة أو آلة موسيقية، يساعد على الحفاظ على القدرات المعرفية وحتى تحسينها.

قد تساعد هذه الأنواع من عمليات التعلم على الحفاظ على المرونة المعرفية وقدرة الدماغ على التكيف مع المعلومات الجديدة، وربما تؤدي إلى إبطاء التدهور المعرفي، لذلك من الهام الاستمرار في الانخراط في عمليات التعلم طوال الحياة للمساعدة على الحفاظ على الوظيفة المعرفية وتقليل مخاطر التدهور المعرفي.

إقرأ أيضاً: سلوكيات خاطئة تؤثر على عمل الدماغ

ما هي العلاقة بين التدهور المعرفي وتعلُّم لغة جديدة؟

توجد أدلة تشير إلى أنَّ تعلُّم لغة جديدة قد يساعد على إبطاء التدهور المعرفي لدى كبار السن؛ إذ أظهرت الأبحاث أنَّ الأفراد الذين يتحدثون لغتين والذين يستخدمون لغتين أو أكثر بانتظام، قد يكون لديهم خطر أقل للإصابة بألزهايمر أو التدهور المعرفي مقارنة بالأفراد أحاديي اللغة.

وجدت إحدى الدراسات التي نُشرت في مجلة (Neuropsychologia) أنَّ الأفراد الذين يتحدثون لغتين يتمتعون بمهارات إدراكية أفضل وتأخُّر في بداية التدهور المعرفي مقارنة بالأفراد الذين يتكلمون لغة واحدة فقط، واقترحت دراسات أخرى أنَّ تعلُّم لغة جديدة يحسِّن الانتباه والذاكرة العاملة والوظائف المعرفية الأخرى.

هل يوجد سبب واضح للعلاقة بين اللغات والتدهور المعرفي؟

سبب هذه العلاقة ليس واضحاً تماماً، لكن يُعتقَد أنَّ عملية تعلُّم لغة جديدة تساعد على تحسين الوظيفة المعرفية عن طريق تحفيز الدماغ وتعزيز المرونة العصبية وقدرة الدماغ على التكيف والتغيير استجابة للتجارب الجديدة.

من الهام معرفة أنَّ تعلُّم لغة جديدة قد لا يمنع تماماً التدهور المعرفي، ولكنَّه قد يساعد على تأخير ظهوره وتقليل درجته عند ظهوره، إضافة إلى ذلك، قد يكون تعلُّم لغة جديدة تجربة ممتعة، ويوفر أيضاً مزايا اجتماعية وثقافية.

باختصار، يكون لتعلُّم لغة جديدة تأثير إيجابي في الوظيفة الإدراكية، ومن المحتمل أن يبطئ التدهور المعرفي لدى كبار السن.

توضح دراسات جديدة العلاقة بين التدهور المعرفي وعمليات التعلم:

تشير الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة معقدة بين التدهور المعرفي وعمليات التعلم؛ إذ سلطت هذه الدراسات الضوء على الآليات التي تكمن وراء هذه العلاقة، وسلطت الضوء على إمكانية التدخل للمساعدة على منع أو إبطاء التدهور المعرفي.

وجدت دراسة حديثة نُشرت في مجلة (Neuron) أنَّ كبار السن الذين شاركوا في التعلم المستمر على مدى ستة أشهر، أظهروا تحسناً في قدراتهم المعرفية، وتضمنت الدراسة مشاركين تعلموا مهارات جديدة بعد التحاقهم في فصل دراسي، ووجدوا أنَّ هؤلاء الأفراد أظهروا تحسناً في ذاكرتهم وانتباههم وسرعة معالجتهم.

وجدت دراسة حديثة أخرى نُشرت في مجلة مرض ألزهايمر أنَّ التدريب المعرفي المُحوسَب كان فعالاً في تحسين الوظيفة الإدراكية لدى كبار السن الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف، ووجدت الدراسة أنَّ المشاركين الذين شاركوا في التدريب المعرفي المحوسب أظهروا تحسناً في الذاكرة والوظائف المعرفية الأخرى، وأنَّ هذه التحسينات استمرت لمدة تصل إلى ستة أشهر.

إقرأ أيضاً: 5 طرق للحفاظ على صحة دماغك مع تقدمك في العمر

في الختام:

تشير هذه الدراسات إلى أنَّ عمليات التعلم قد يكون لها تأثير إيجابي في الوظيفة الإدراكية، ومن المحتمل أن تبطئ التدهور المعرفي، في حين أنَّه توجد حاجة إلى مزيد من البحث لفهم العلاقة بين التدهور المعرفي وعمليات التعلم تماماً، فإنَّ هذه الدراسات تسلط الضوء على إمكانية التدخل للمساعدة على الحفاظ على الوظيفة المعرفية ومنع التدهور المعرفي أو إبطائه.




مقالات مرتبطة