دع أطفالك يشعرون بالملل!

السؤال الأكثر شيوعاً الذي أواجهه في محادثاتي مع أولياء الأمور في جميع أنحاء المدينة هو: ماذا أفعل عندما يقول طفلي إنَّه يشعر بالملل؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المعالجة النفسية "نانسي كولير" (Nancy Colier)، وتخبرنا فيه عن تجربتها في التعامل مع ملل الأطفال.

أخبرتني إحدى الأمهات مؤخراً أنَّ ابنها يسألها دائماً: "ماذا بعد؟ أشعر بالملل". تشعر هذه الأم، مثل العديد من الأمهات هذه الأيام، بضغطٍ هائل في محاولة إشغال كل لحظة من وقت ابنها، لكيلا يشعر بالملل، وتقدِّم له النشاطات لتهدئة اضطرابه.

تزدحم الجداول الزمنية للعديد من الأولاد في هذه الأيام ازدحاماً ملحوظاً. وقتهم ممتلئ حتى الثانية الأخيرة من اليوم، وينصبُّ اهتمامهم بلا توقف على: فصول ما بعد المدرسة، والرياضة، والمعلمين، واللعب، والقائمة تطول، حتى في حفلات أعياد الميلاد، عندما يجتمع عشرات الأطفال معاً، يشعر الآباء غالباً بالمسؤولية للترفيه عنهم في كل لحظة.

أصبح الشعور بالملل تجربة مرعبة ومخيفة؛ إذ يجب على الآباء الاستجابة لها على الفور، وحل هذه المشكلة لم يعد متروكاً للأطفال وحدهم بعد الآن؛ فهو قضية ومشكلة الوالدين التي عليهم حلها، والسماح للأطفال بتجربته، أو عدم التعامل معه بجدية، وقد يُنظَر إليه على أنَّه علامة على إهمال الوالدين.

ننظر إلى الملل نظرة خاطئة ونعدُّه لحظة لم نعشها بالكامل؛ وكأنَّها فرصة ضائعة، ونتعامل معه على أنَّه غياب؛ أي حالة من العدم: لا يوجد شيء نفعله، أو نتعلمه، أو نختبره. الملل كما نراه هو الفراغ.

ونتيجةً لخوفنا من الملل، نشجع أطفالنا على التركيز دائماً على موضوع ما من الاهتمام، وفي الوقت نفسه، جعلت التكنولوجيا حالة الانشغال الدائمة أمراً طبيعياً جديداً.

نتوقع مع عصر التكنولوجيا أنَّ أطفالنا ونحن البالغون، يجب أن نعيش في حالة ممتعة من الترفيه والانشغال في جميع الأوقات دون انقطاع، حتى إنَّنا نهنِّئ أنفسنا على ذلك تحت ستار كسب مزيدٍ من التعلم، والتواصل أكثر، وما أقنعنا أنفسنا به هو أن نعيش أكثر. للأسف.

لم نعد نثق بقدرة أطفالنا على تحمُّل أو حتى الاستمرار في أوقات الفراغ الطويلة، ولقد توقفنا عن رؤية الاحتمال العميق وإمكانية الملل، وفقدنا الثقة في خيال أطفالنا وقوة الإبداع البشري للتكيف مع بيئته.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

فوائد الملل:

يحدث شيئان قيِّمان عندما نشعر بالملل: أولاً، نشعر بالحاجة إلى استعمال خيالنا؛ أي الحاجة إلى أن نخترع، وهذه مهارة لا يمكن الاستهانة بها. بغض النظر عن وفرة الفرص لتجنب الملل، فإنَّ القدرة على الإبداع وتوليد الأفكار والمشاركة الذاتية ما تزال هامة للغاية في تنمية الإنسان السليم.

تقع على عاتقنا بصفتنا آباء مسؤولية بناء مهارات الخيال والإبداع لدى أطفالنا، ونفعل ذلك عن طريق زرع بذورها عندما يكونون صغاراً؛ وذلك بمنحهم فرصة اللعب والتطور والقيام بعملهم والتحول إلى ما كان من المفترض أن يكونوا عليه. والملل هو الماء لهذه البذور، فعندما نوفر لأطفالنا كل ما يلزم لتلبية اهتماماتهم، فإنَّنا في الواقع نساهم في ضمور وخمول خيالهم وقدراتهم الإبداعية.

ثانياً، عندما يقول الطفل: "أشعر بالملل"، فهذا لأنَّه لا يستطيع العثور على أي شيء يثير اهتمامه، ويبحث عادةً عن ذلك في محيطه الخارجي، وعندما نقول إنَّنا نشعر بالملل؛ فذلك لأنَّه ليس لدينا ما يصرف انتباهنا عن أنفسنا.

إقرأ أيضاً: تقلّب المزاج عند الأطفال – أسبابه – أهم النصائح للسيطرة عليه

لسوء الحظ، نعتقد أنَّ الخلوة مع أنفسنا ليست شيئاً مثيراً للاهتمام، فعندما نوفِّر النشاطات لطفلنا في أثناء شعوره بالملل، فإنَّنا نقوِّي وندعم اعتقاده أنَّه دون إضافة شيء إلى نفسه، فهو لا شيء.

الدعوة الرائعة التي يقدِّمها الملل هي دعوة لقضاء بعض الوقت مع أنفسنا أو الاهتمام بها أو على الأقل تعلُّم كيفية تحمُّل الخلوة معها. في الفجوات بين النشاطات المركزة يمكننا تحويل انتباهنا إلى أفكارنا ومشاعرنا، وربما حتى إلى تجربة الملل نفسها.

قدرة الأطفال على عدم الخوف من البقاء مع أنفسهم هي أهم المهارات التي سيتعلمونها على الإطلاق، وحتى لو سمحَت التكنولوجيا الآن لأطفالنا بالتطور والنمو، فإنَّ القدرة على عدم الخوف من البقاء مع أنفسهم ما تزال هي المهارة الأكثر قيمة التي سيتعلمونها على الإطلاق، فالملل يمنحهم فرصة للاهتمام بأنفسهم.

إقرأ أيضاً: أسباب سرحان طفلك بالمدرسة وعلاجها

لذلك نعود إلى السؤال: "هل من الجيد السماح لطفلي بتجربة شعور الملل؟". إنَّها ليست فقط فكرة جيدة ولكن أيضاً من الهام أن تفعل ذلك، فعندما يشكو طفلك من الملل، يمكنك بسهولة أن تقول: "لا بأس أن تشعر بالملل بين الحين والآخر، لن يؤذيك ذلك وسيساعدك بطرائق لا يمكنك معرفتها بعد". وبعد ذلك، تنعم بالرضى لمعرفتك أنَّ شعور أطفالك بالملل يعني أنَّك تؤدي واجبك بصفتك والداً.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة