دروس عظيمة علمتنا إياها كرة القدم

يقول الأدباء والروائيون إنَّه لا توجد كلمة أحب إلى قلب الرجل أكثر من كلمة "أثق بك"، وخصوصاً عندما يمر الرجل في فترة صعبة يغلب عليها الضغط النفسي؛ إذ إنَّ تأثير هذا الكلام في عزيمته تأثير جبار، وفي ذكرياته أيضاً، فهو وبكل تأكيد لن ينسى أبداً هذه الثقة التي أعطته إياها في هذا الظرف الصعب.



ما هو تأثير قلة الثقة في الأداء؟

عاش اللاعب البلجيكي "روميلو لوكاكو" فترة رائعة مع نادي "إيفرتون"، ثم انتقل بعدها إلى "مانشستر يونايتد" وهناك غرق في دوامة تدني المستوى، وتابع انحدار هذا مع "جوزيه مورينيو" ثم "سولشاير"، إلى أن وصل الأمر بالنادي إلى التخلص منه. يمكن القول إنَّ تأثير قلة الثقة في الأداء تأثير كارثي ومدمر؛ إذ يمكن أن يحول الدبابة إلى قطعة كبيرة من الحديد.

ماذا يمكن أن يفعل إعطاء الثقة؟

ثم انتقل "لوكاكو" إلى نادي "إنتر ميلان"؛ إذ عاد ليعبِّر عن عودته إلى مستواه الرائع، وعاد إلى شغفه في تسجيل الأهداف، وأصبح يتلقى الإشادة والمدح من قِبل الجميع؛ ويعود السبب في هذا التحول إلى مدرب الفريق "أنتوني كونتي" الذي أعطاه الثقة الكاملة، فكان يصرح دوماً بأنَّ "روميلو لوكاكو" هو من أفضل خمسة مهاجمين في أوروبا.

والقصة نفسها حدثت مع "محمد صلاح" و"كيفن دي بروين"؛ إذ لم يتمكنا من النجاح في نادي "تشيلسي"، ولكنَّهما الآن في مكان آخر مناسب لهما يحصدان الألقاب ويتلقيان الإشادة من الجميع.

ما هو سبب تحول الإنسان من حالة الخمول إلى حالة الإبداع؟

إنَّ السبب الأساسي في تحول هؤلاء اللاعبين من مستوى غير مقبول إلى مستوى رائع يستحق المدح، هو منحهم الثقة والقول لهم: "نحن نثق بكم"؛ لذلك فهم كانوا يذهبون إلى التدريب وفي أذهانهم فكرة واحدة؛ ألا وهي أنَّهم لن يخيبوا ظن مَن أعطاهم ثقته، وهذا ما دفعهم إلى أن يدخلوا إلى المباراة، ليس من أجل إلحاق الهزيمة بخصومهم؛ وإنَّما من أجل رد الجميل لمَن وثق بهم.

في الحقيقة، لا يوجد أي شخص سيعطيك ما تريد دون أن تُشعِره بأنَّك على أتم الثقة به، ولا يمكن أن تكتمل أيَّة علاقة - سواءً كانت علاقة حب أم زواج أم عمل - دون الثقة، ولا يمكن لأي قلب أن يتقدم إلى الأمام إذا لم يسمع عبارة "أثق بك".

هل صحيح أنَّنا نخسر الحافز في غياب المنافس؟

غادر النجم البرتغالي "كريستيانو رونالدو" نادي "ريال مدريد" في صيف عام 2018، بعدها بعامين تحدث خصمه "ليونيل ميسي" عن الأثر الكبير الذي تركه رحيل "رونالدو"؛ فقال إنَّ الكلاسيكو كان دوماً مثيراً وممتعاً، لكنَّه مع "كريستيانو" كان أكثر إثارة.

وبعد تصريحه هذا، لعب "ليونيل" الكلاسيكو وخسره بهدفين دون مقابل، وقد كانت قد مضت فترة طويلة دون أن يصنع "ميسي" أو يسجل أي هدف بعد رحيل "رونالدو"؛ فلاحظ الإعلام الإسباني تأثير غياب "كريستيانو رونالدو" في أداء "ليونيل ميسي"؛ إذ إنَّه ظهر كلاعب يفتقد الدافع والحافز على عكس ما كان عليه قبل رحيل "رونالدو".

إقرأ أيضاً: فن التواضع في الثقة

بين "ميسي" و"رونالدو"، بماذا يمكن أن يفيدك العدو؟

يمكن تشبيه ما حدث مع "ميسي" بعد رحيل "رونالدو" بإحدى قصص "غوثام"؛ تلك المدينة التي تعج بالأشرار؛ فلم يعد يقوم الجوكر بالجرائم التي اعتاد على ارتكابها من قبل؛ ويعود ذلك إلى أنَّ باتمان ترك المدينة ليبحث عن حلمه وذاته، فلم يعُد للمخالفات والجرائم التي اعتاد الجوكر أن يفعلها أي دافع أو رغبة أو طعم؛ لأنَّ عدوه لم يَعُد هنا، ثم عاد الجوكر إلى جرائمه مع عودة باتمان إلى المدينة.

في الواقع هما عدوَّان لدودان، ولكنَّهما في حقيقة الأمر يحتاجان إلى بعضهما؛ إذ إنَّ كلاً منهما يستمد الحافز من الآخر من أجل متابعة تطوير ذاته؛ لذلك فإنَّ باتمان كان يستطيع قتل الجوكر ولكنَّه لم يقم بذلك، وكذلك الجوكر كان يمتنع عن قتله حين يكون قادراً، فكلاهما يعلم أنَّ دورة الحياة عند أحدهما لا تكتمل إلَّا بوجود الآخر.

هنا "ميسي" و"رونالدو"، "برشلونة" و"ريال مدريد"؛ خصوم ولكن لولا وجود أحدهما لما كان للآخر هذا الألق والوهج، والمنافسة بينهما تجعل قدراتهما في حالة تطور مستمر، ولا شيء يصنع الشهرة ويزيدها لمعاناً أكثر من المنافسة.

ماذا تعني خسارة غرفة تغيير الملابس؟

نسمع كثيراً على شاشات الإعلام الرياضي عندما يخسر فريق ما توازنه وتتكرر الهزائم والخسارات لديه، جملة أنَّ المدرب قد خسر غرفة تغيير الملابس؛ وهذا لا يعني أنَّ المدرب على خلاف مع اللاعبين؛ بل يعني أنَّ المدرب لم يَعُد يملك قوة التأثير في لاعبيه، فلم تَعُد جملهُ وكلماتهُ مصدر تحفيز لهم كما في السابق، ومن ثم يصبح من الصعب أن يطبقوا أفكاره، وبعد ذلك يفقد الفريق التزامه بالخطة الموضوعة ويصبح بلا هوية واضحة.

يمكن تطبيق هذا الكلام على حياتنا اليومية في العمل، فإنَّ المدير الذي يخسر علاقته الطيبة مع موظفيه، تنخفض إنتاجية شركته انخفاضاً واضحاً، ومن ثم يصبح مهدداً بالإقالة.

كذلك الأمر بالنسبة إلى الأب الذي يخسر التواصل مع أطفاله وزوجته، فإنَّه يُعبِّد طريق تفكك العائلة وتشرذم أفرادها، ويصبح بلا أيَّة قدرة على إحداث تأثير في أسرته، ومن ثم يكتفي بدور المشاهد.

كيف يمكننا ألَّا نخسر غرفة تغيير الملابس؟

من الهام جداً لأي قائد في أي مجال ألَّا يخسر غرفة الملابس؛ وذلك من خلال أن يسمح لأعضاء هذه الغرفة بطرح آرائهم ومشكلاتهم والتعبير عنها، وأن يصغي إليهم ويحاول تطبيق ما يقولونه قدر الإمكان، ويُشعِرهم باهتمامه وبأنَّهم هامون بالنسبة إليه، ويطور من قدرته في التواصل معهم وفهم وحل مشكلاتهم، ومن ثم يسعى إلى نجاح الكل مع بعضهم بعضاً، وليس نجاح فرد واحد أو أفراد عدَّة فقط.

هل يؤثر فريق كرة القدم الذي تشجعه في طريقة حياتك؟

إنَّ الإنسان يتمثل - سواءً بوعي أم دون وعي - من سمات الأصدقاء الذين يعاشرهم، أو من صفات الشخص الذي يحبه أو المغني المفضل لديه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفريق الذي يحبه ويشجعه، وهي كلها أمور تدخل في محركات الطاقة والهرمونات والمشاعر والعواطف، ومن ثم طرائق التفكير والعمل والتعامل مع مشكلات ومواقف الحياة المختلفة.

شاهد بالفديو: 10 قواعد في الحياة للمحافظة على الدافع

مشجعو ريال مدريد، وروح الإصرار والعزيمة:

هل أنتَ من مشجعي نادي ريال مدريد؟ لا بدَّ وأنَّ هذا النادي قد زرع في داخلك روح الطموح وحب التفوق؛ هذا النادي العريق الذي كلَّما قلنا إنَّ قصته شارفت على النهاية، يثبت أنَّ كلامنا ليس صحيحاً ويعود أقوى وأكثر شراسة، ومن ثم يعزز سيطرته على كرة القدم الأوروبية.

مشجعو يوفنتوس، حب العمل والعودة بعد الفشل:

ماذا عن مشجعي نادي "يوفنتوس" الإيطالي؟ أثبتت استطلاعات عدَّة أنَّ مشجع "يوفنتوس" يتَّصف بأنَّه إنسان يحب العمل بشكل كبير، ولديه قدرة على الدراسة والانغماس فيها لساعات طويلة وهو دوماً شخص يحب التعب الذي يبذله من أجل تحقيق أهدافه، كما أنَّه يمتلك ميزة هامة جداً؛ فهو يَعُدُّ الفشل مجرد تجربة إجبارية في هذه الحياة؛ فلذلك إذا سقط، عاد بسرعة وبدأ عمله من جديد، وكأنَّ شيئاً لم يكن؛ إذ إنَّ "يوفنتوس" نهض من الحضيض مرتين في آخر ثلاثين سنة في تاريخه، وهيمن على البطولات المحلية في إيطاليا، وعاد واحداً من أقوى الأندية في دوري أبطال أوروبا.

مشجعو برشلونة، وحب المتعة والفن قبل كل شيء:

أما الشخص الذي يشجع نادي "برشلونة" الإسباني، فغالباً هو إنسان يحب الجماليات والفنون ويحب المتعة في العمل إلى جانب الإنجاز بشكلٍ متساوٍ؛ فلا يتبع مقولة "إنَّ النتيجة هي كل شيء"، فهو في عمله يحب أن يبدع ويرى هذا الإبداع يشع بين يديه، وليس فقط إنهاء العمل بالشكل السليم، وهو طالب يحب أن يفهم كل قضايا المنهج ويبحث عن طرائق مسلية للدراسة، وليس فقط تحقيق العلامة؛ إذ إنَّ "برشلونة" عوَّدنا دائماً على المشاهدة الممتعة والكرة الجميلة والساحرة، فكم كنا نستمتع بلمسات الساحر البرازيلي "رونالدينيو"، ومن بعده الأسطورة الأرجنتينية "ليونيل ميسي".

مشجعو ليفربول، الصبر والهدوء:

نأتي إلى مشجع "ليفربول"، هذا المشجع الصابر على الرغم من كل الصعاب، لا يكل ولا يمل من الأمل ويغلب على شخصيته الهدوء؛ فلا يمكن استفزازه؛ بل يفرض هدوءه عليك، "ليفربول" الذي انتظر سنوات طويلة لكي يحقق لقب الدوري، وأخيراً بعد هذه السنوات الصعبة وصل إلى ما يريد.

إقرأ أيضاً: علم النفس التحفيزي: سر قوة الدافع

مشجعو مانشستر يونايتد وبايرن ميونخ، الهيبة والترفع عن الصغائر:

أما مشجع نادي "مانشستر يونايتد"، فهو غالباً يهتم بصورته أمام الناس ويحب الحفاظ على هيبته ولا يحب أن يقترب أحد منها، يشبه مشجع نادي "بايرن ميونخ" الألماني؛ فلا يحب الأخير الخوض في صغائر الأمور، وهو طوال الوقت لديه الثقة الكاملة بنفسه وبأنَّه سيحقق ما يريد.

في الختام:

إنَّ اختيار أي شخص للنادي الذي يود تشجيعه ليس مجرد تسلية فقط، وليس حباً بالكؤوس والألقاب، وليس فقط لأنَّك تحب لاعباً من لاعبيه أو لأنَّ أحد لاعبيه يحمل جنسية بلدك؛ بل الأمر أبعد من ذلك، فاختيارك لناديك المفضل ينبثق غالباً من أعماق وجدان الإنسان؛ لذا نصيحتنا لك أن تختار فريقاً واحداً تشجعه ولا تبدل انتماءك هذا؛ لأنَّ مَن يستسهل تغيير فريقه المفضل، يستسهل الاستسلام في حياته أيضاً.

المصدر: كتاب أكبر مما يعتقدون 3، للإعلامي الرياضي محمد عواد.




مقالات مرتبطة